الجمعة، 30 نوفمبر 2018

🎤
خطبــة جمعـــة بعنـــوان        
{ المولد النبوي الشريف - مولدُ الرحمةِ المهداه}(2)
إعداد وتنظيم وإلقاء :
الاستاذ/ احمد عبدالله صالح
خطيب مسجد بلال بن رباح/
الجمهوريه اليمنيه - محافظة إب .
ألقيت في  23 نوفمبر 2018 م
الموافق  15 ربيع أول 1440هـ

أما بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ
ايها الأحباب الكرام :                  
في وقفةٍ سابقةً من مولِدِ الحبيب صلى الله عليه وسلم من جمعة مضت تحدثنا فيها عن المولدِ النبوي (( مولدُ التحول الهائل ..))
واليوم سنقف الوقفةَ الثانيه من مولدة عليه الصلاة والسلام وهي :
 ( المولدُ النبوي مولدُ الرحمةِ المهداة )
وهو عليه الصلاة والسلام رحمةً للعالمين
قال الله عنه :
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾
[ سورة الأنبياء الآية: 107]
لم يقل : ( رحمةً للمؤمنين )ولا ( رحمةً للمسلمين )
بل قال ( رحمةً للعالمين ) لتشمل المؤمن والعاصي، والطائع والكافر، والانسان والحيوان، والجن والإنس ، والصغير والكبير، والأعمى والبصير ، والأبيض والأسود، والذكر والأنثى ، بأبّي هو وأمّي
عليه الصلاة والسلام القائل كما روى مسلم
"' إنّما بُعثتُ رحمة..'" .
تخيّل نفسك الآن من غير النبي صلى الله عليه وسلم..!!
حقاً إنّ رسول اللهَ من أعظمِ الرحمات .!
فبه عرفنا لماذا خلقنا ؟ وما غايتنا ؟
وما هدفنا في الحياة ؟
وبه عرفنا الجنّةَ وعرفنا النّار .؟
ولولا النبي عليه الصلاة والسلام بعد الله لكنّا ضائعين تائهين عاصين لافرق بيننا وبين من يقدسون البشر ..!
ولافرق بيننا وبين من يسجدون للشمس والقمر.!
ولافرق بيننا وبين من يتوجهون للنجوم والكواكب .!او يتبركون بالاولياء والقبور او يتقلبون تحتَ اقداميْ ورجلي بوذا ..
إنّ البريةَ يومَ مبعثِ أحمد
                            نظرَ الإلهُ لها فبدلَ حالها
بل كرّمَ الإنسانَ حينَ اختارَ من  
                           خيرِ البريةِ نجمها وهلالها
لبسَ المرقعَ وهو قائدُ أمةٍ
                        جبتِ الكنوزَ فكَسّرتْ أغلالها
لمّا رآها اللهُ تمشي نحوه
                       لا تبتغي إلا رضاه سعى لها
فأمدها مدداً وأعلى شأنها
                         وأزالَ  شانئها وأصلحَ بالها
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾.
[ سورة الأنبياء الآية: 107]
كيف اشتقها علية الصلاة والسلام !!؟
وكيف نالها بأبي هو امي علية الصلاة والسلام !؟
يقول العلماء :
           نالها من خلالِ اتصاله بالله .!
الإتصال بالله طوقُ النجاه وحبل المدد والتوفيق
الإتصال بالله هو غاية الغايات فبه تذوق طعم القرب، تذوق طعم الأنس ، تذوق طعم الطمأنينة،
تذوق طعم الحياه ..
الإتصال بالله مرتبه وجود يصل اليها العبد
فإذا تابَ إلى الله وجده غفوراً رحيماً ..
وإن توكلَ عليه وجده حسيباً كافياً ..
وإن صدق في الرغبة إليه وجده قريباً مُجيباً..
وإن صدقَ في محبته وجده حبيباً..
وإن صدقَ في الاستغاثة به وجده كاشفاً للكربِ مُخلّصاً منه ..
وإن صدقَ في الإضطرارِ إليه وجده رحيماً مُغيثاً.
وإن صدقَ في اللجوء إليه وجده مؤمِّناً من الخوف.
وإن صدقَ في الرجاء وجد عِندَه حُسنُ ظنه.
وفي الحديث القدسي يقول الله :
((ابنَ آدم اطلبني تجدني, فإن وجدتني وجدتَ كلَّ شيء, وإن فِتُكَ فاتكَ كلَّ شيء))
نعم/
انت تسمو اذا اتصلت بمخلوقٍ على شيء من الميزات .
وتسعد اذا اتصلت اتصالاً بصرياً بمنظرٍ جميل .
وتَرتاح اذا اتصلت اتصالاً سمعياً بنغمٍ جميل .
وتستمتع إذا اتصلت بحقيقةٍ علمية .
فكيفَ كيف إذا اتصلتَ بالحقيقة الأولى والأخيرة !
كيف اذا اتصلت بِسرِ القوة في الكون !
كيف اذا اتصلت بِسرِ الحِكمة ، بِسرِ الرحمة
بِسرِ الغِنى , بِسرِ القدرة جل جلاله وجل شأنه .!

ولهذا عندما اتصلنا بالله حُلّت مشاكلنا وقُضيت حوائجنا وفُرجت همومنا وصَلُحت أحوالنا ..
وعندما فقدنا الاتصال بالله كَثُرت مشاكلنا
وساءت أحوالنا، وفسدت القيم، وضاقت النفوس، وذهبت الراحة، وظهر القلق والخوف على الرزق والأولاد والمستقبل، وتسلَّطَ العدوُّ، وتأخَّرَ النصرُ، واعتمد الناس على قوَّتِهم وذكائهم وأموالهم في تدبير شؤون حياتهم، فما كان إلا المزيد من الضياع والحرمان وقسوة القلوب، قال تعالى-:
 (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام:43].
ولذلكم
إلهنا، وربنا، وخالقنا، ومربينا، يخاطب رسوله  فيقول : ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 159 ]
أي بسبب اتصالك بنا يا محمد امتلأ قلبكَ رحمة، فلما امتلأ قلبك رحمةً انعكست هذه الرحمةُ ليناً، وهذا اللينُ هو سببُ التفافَ الناسِ حولَك.
ولهذا بعد ان قال الله لنبيه :    
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
عقبَ عليه فقال له :
﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 159 ]
أي : اما لو كنت منقطعاً عنا يامحمد وتوقف اتصالك بنا عندئذٍ سيمتلئ القلب قسوة، وستنعكسُ القسوةُ غلظة، والغلظةُ تسبب أن ينفضَّ الناسُ من حولك.
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾
هذه الآية يحتاجها كُلُّ إنسان .!
يحتاجها كُلُّ أب، وكُلُّ أم ..
يحتاجها كُلُّ معلم، وكل طبيبب..
يحتاجها كُلُّ  رئيس دائرة، وكلُ مدير ..!
يحتاجها كُلُّ إنسانٍ ولاه الله على عباده ..
هذه الايه معادلة رياضية :
فإتصالٌ بالله يساوي :
 ( رحمة ، لين ، التفاف )
وانقطاعٌ عن الله يساوي :
( قسوة ، غلظة ، انفضاض )
ولأجل ذلكم حبيبكم وقدوتكم ورسولكم عليه الصلاه والسلام رحمه بل هو الرحمه بذاتها وهو القائل عن نفسه كما أخرج ذلك الامام الحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وارضاه :
(( إنّما أنا رحمةٌ مهداة )) ..

وفي اليوم الذي فتح فيه علية الصلاة والسلام مكه وقد أحاطت سيوفُ جنوده بأطرافِ مكة ..!
هذه المدينة التي أخرجته، وآذته ..
هذه المدينه التى حاربته ثلاثة حروب ..
هذه المدينه التى نكّلت بأصحابه وطاردتهم وشردتهم وقتلتهم .!!
مصيرُ هؤلاء المشركين عندما صاروا بين يديه عليه الصلاة والسلام عند فتحه لمكه بكلمةٍ ينطقها وبأمرٍ يأمره فيسألهم الرحمةُ المهداه عليه الصلاة والسلام :
ما تظنونَ أني فاعلٌ بكم ؟
قالوا: أخٌ كريم وابنُ أخٍ كريم .!!
قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء .!
إنّها دليلُ الرحمة، وهو الرحمه بعينها وهو الرحمه المهداه بذاتها :-
بشرى لنا معشرَ الإسلامِ أنْ لنا          
                          من العنايةِ ركناً غيرَ منهدمِ
لما دعا اللهُ داعينا لطاعتهِ  
                        بأكرمِ الرسلِ كنّا أكرمَ الأممِ
أخوكَ عيسى دعا ميتاً فقامَ له
                       وأنتَ أحييتَ أجيالاً من الرممِ

احبتي الكرام روّاد مسجد بلال بن رباح :
موقفٌ إنسانيٌ نبويٌ عظيم له عليه الصلاة والسلام يحدثنا عنه أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه فيقول :
( كَانَ غُلَامٌ مِنَ الْيَهُودِ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَمَرِضَ ..!
فَأَتَاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ ،
وَهُوَ على فراش الْمَوْتِ ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَدَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ .!
 فَنَظَرَ الْغُلَامُ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ :
أَطِعْ أَبَا القاسِم، فَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ  صلى الله عليه وسلم مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ يَقُولُ :
الْحَمْدُ ِللهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ بِي مِنَ النَّارِ ..
ثم  قَالَ عليه الصلاة والسلام لِأَصْحَابِهِ :
 ( صَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ ).
إنّ هذا الموقفُ النبويُ الكريم يكشفُ الجوانب الإنسانية الحقة في شخصِ النبي صلى الله عليه وسلم، ورسالته العالمية للناسِ كافة، وشفقته وحرصه صلى الله عليه وسلم في دخولِ الناس في الإسلام ..
يتفقد ويزور ويدعو وينصح ليكشف للانسانيةِ قاطبه وللبشريةِ جمعاء انّ علاقة المسلمين بغيرهم هي علاقة صلة وحب ورأفه ورحمة وموده وتعارف ودعوة وهداية للبشرية كافة.

وهذا إعرابي يلتقى بالنبي عليه الصلاة والسلام وهو حافي القدمين، فيقول في قسوةٍ وفي جهالة : إعدل يا محمد، فليس المالُ مالَك، ولا مالَ أبيك .!

أيُّ إنسانٍ قوي يُقالُ له هذا القول بهذه القسوة وبهذه الغلظه وبهذه الفضاضه يمكن أن يقتله كلياً.. يمكن أن يسجنه على الفور ..
يمكن ان ينهال عليه بالشتم او الضرب ..!

لكن انظروا كيف تعامل معه رسول الله وكيف تصرف معه عليه الصلاة والسلام بعد هذه الفضاضه والقسوه  !!
 قال عليه الصلاة والسلام :
صدق إنّه مالُ الله، ثم أكرمه علية الصلاة والسلام وأعطاه وأرضاه.

ويسمعُ علية الصلاة والسلام بكاءَ طفلٍ رضيع في صلاة الفجر وكأنه ببكائه يخاطب أمه ..
 والعادة أنّ أطول صلاة في حياة النبي عليه الصلاة والسلام هي صلاة الفجر،
فقرأ أقصر سورة وسلّم فلما سألوه لمَ فعلت هذا يا رسول ؟
قال : سمعت بكاءَ طفلٍ ينادي أمه ببكائه فأردت أن أرحمه "..

وروى شداد بن الهادِ عن أبيه قال :
خرج علينا رسول الله في إحدى صلاتي العشاء، وهو حامل حَسَنًا أو حسينًا، فتقدَّم رسول الله فوضعه، ثم كبر للصلاة، فصلَّى، فسجد بين ظهراني صلاته سجدةً أطالها، قال أبي:
فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر رسول الله وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي، فلمَّا قضى رسول الله الصلاة قال الناس يا رسول الله :
إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو أنه يوحى إليك.
فقال عليه الصلاة والسلام :
 "كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي، فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ".

وثبت في الصحيحين من حديث ابي قتاده انّه صلى الله عليه وسلم يأتي بـأمامة بنت زينب ويصلي وهي على كتفيه في الفريضة، فإذا سجد وضعها، وإذا قام رفعها }
إنه الرحمةُ المهداة والنعمةُ المسداة صلى الله عليه وسلم ..
حتى حقوق الحيوان ورحمتُه بها لم يغفل عنها رسول الرحمه صلى الله عليه وسلم  :
فيرى علية الصلاة والسلام أحدَ أصحابه يَذبحُ شاةً أمام أختها فغضب قال : هلا حجبتها عن أختها..!!  أتريدُ أن تميتها مرتين ؟

وفي الحديث الصحيح أنّه صلى الله عليك وسلم دخل يوماً حائطاً (بستانا) من حيطان الأنصار، فإذا جملٌ قد أتاه يُجرجرُ (يهدر) فلما رأى النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ حَنَّ وذرفت عيناه, فمسح رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ على سراته اي :
( سنامه) ومسح على ذِفْراهُ اي (مؤخرة رأسه) فسكن (الجمل).
فَقَالَ عليه الصلاة والسلام : "مَنْ صَاحِبُ الجملِ؟"
فجاء فتى من الأنصارِ, فقال :
هُو لي يا رسُولَ اللهِ .!!
فقال له رسول الرحمه : أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله ؟
 إنّه شكى لي أنك تجيعه وتُدئبه ..
اي  (تُتعبه بكثرةِ العملِ)".

كان يرتجف علية الصلاة والسلام من أعماقه إذا رأى دابةً تُحمّلُ فوق طاقتها، وفوق قدرتها وقوتها فكيف بالذي يُحمّلُ شعوباً فوق طاقتها؟
وهو القائل عليه الصلاة والسلام  كما في المتفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنه :
(( دخلتِ النار امرأةٌ في هرةٍ حبستها حتى ماتت ؛ لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض )) ..

كما روى ابن مسعود رضي الله عنه في حديث حسن : {أنّ حمّرةَ طيرٍ رفرفت على رأسه عليه الصلاة والسلام وهو جالسٌ تحت شجرة، فقال لأصحابه: أتدرون ما لهذا الطائر؟ قالوا: لا.
قال : إنّها تشكو من فجعها بأفراخها ؟
ردوا عليها أفراخها، ثم أعاد إليها صلى الله عليه وسلم أفراخها في عشها } ..
وقد أنشد احدهم لرسول الله فقال :
جاءت إليكَ حمامةٌ مشتاقةٌ  
                         تشكو إليك بقلبِ صبٍّ واجفِ
من أخبرَ الورقاءَ أنْ مكانكم
                                حَرَمٌ وأنّكَ ملجأٌ للخائفِ
صلى الله وسلم وبارك عليك يا حبيبي ياقرةَ عيني يا ابا القاسم يا محمد يارسول الله ...
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة..
أقول قولي هذا , وأستغفر الله لي ولكم ويا فوز المستغفرين ويانجاة التائبين ...

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ :                              
أما بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ
ايها الأحباب الكرام :
في مثلِ هذا الشَّهر وفي مثلِ هذا الايام من كلِ عامٍ هجري وفي شهرٍ ربيع الأول تَهلُ علينا ذِكْرَى مولِد النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم الَّذي بدَّد الله به جَميعَ الظُّلمات، فهدى به من الضَّلالة، وعلَّمَ به من الجهالة، وأرْشد به من الغَواية :
نُورٌ مِنَ الرَّحْمَنِ أَرْسَلَهُ
                   هُدىً لِلنَّاسِ فَازْدَهَرَ الزَّمَانُ وَأَيْنَعَا
دَعْ عَنْكَ إِيوَاناً لِكِسْرَى عِنْدَمَا
                          هَتَفُوا بِمَوْلِدِهِ هَوَى وَتَصَدَّعَا
وَاذْكُرْهُ كَيْفَ أَتَى شُعُوباً فُرِّقَتْ
                        أَهْوَاؤُهَا كُلٌّ يُصَحِّحُ مَا ادَّعى
فَهَدَاهُمُ لِلحَقِّ حَتَّى أَصْبَحُوا
                            فِي اللَّهِ إِخْوَاناً تَرَاهُمْ رُكَّعَا

كانَ عليه الصلاة والسلام ذا رأفَةٍ ورَحمةٍ
ذا شَفَقَةٍ وإحسانٍ يُواسي الفُقراءَ وَيَسْعى في قضاءِ حاجةِ الأرامِلِ والأيتامِ والمساكينِ والضُّعفاءِ يحبُّهم وَيَشْهَدُ جنائِزَهُم .!

فما أعظَمَهُ من نبيٍ وما أحلاها من صِفاتٍ كريمةٍ عَسَانا ان نَتَجَمَّلَ بها لنكونَ على هديِهِ صلى الله عليهِ وسلَّمَ كما قالَ ربُّهُ وهو يمتدِحُهُ :
{بالمؤمنينَ رؤوفٌ رحيمٌ}
رؤوفٌ بمن حوله ، رحيمٌ بالإنسان ، بالحيوان
بالمساكين بالفقراء بالمحتاجين بالضعفاء وهو القائل عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي اخرجه البخاري من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه :(( هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ ))

أحدُ أكبرِ أسبابِ النصر والغنى والعزه والرفعه
هذا الضعيف، هذا الجائع ، هذا المسكين
هذا الفقير ، هذا المحروم ،هذا المحتاج ، هذا المحزون ، هذا المديون ،هذا المُعدم ، هذا المحروم.!
يمكن أن تَسحقه، يمكن أن تُهينه، يمكن أن تجيعه، يمكن أن تُعطيه مبلغاً لا يكفيه أياماً وهو يقبل من شدة الفقر، يقبل من شدة الحاجه .

هذا الضعيف إذا أطعمته إنْ كان جائعاً،
او كسوته إن كان عارياً، او علمته إن كان جاهلاً، او زوجته إن كان أعزباً، او آويته إن كان مشرداً،
او نصرته إنْ كان مظلوماً ، او عالجته إن كان مريضاً .!
ساعدت كلَ هؤلاء بصدق واخلاص ، وساندتهم لأجل الله ولله ولوجة الله ولرضا الله ..
إعلم علم يقين انّ الله عزوجل سيتجلى عليك بالرحمة.
إعلم علم يقينٍ انّ الله لن يتخلى عنك عند شدتك
ولن يتركك عند حاجتك ..
ولن يتركك عند ضعفك او مصيبتك  ..
لن يتركك وحيداً تعاني هماً او غماً او كرباً او ضعفاً طالما أنّك رحمت عبداً من عبيده ومددت يد المساعده لفقير من فقراءة ...
كيف وهو القائل كما ورد ذلك في الحديث القدسي عن ابي بكر رضي الله عنه :
(( إنْ كنتم تحبونَ رحمتي فارحموا خلقي ))
وهو القائل علية الصلاة والسلام في الحديث الذي اخرجه أحمد والترمذي من حديث ابي هريره رضي الله عنه :
( من أنظرَ معسراً : أي :
اخر له السداد - أجّل عنه وقت الدفع - لم يضايقه بطلب حقه )  
وما اكثر الذين يضايقون المعسرين في هذا الزمان مع علمهم بحالهم ووضعهم ..

لك مبلغْ مع شخص، وأنت وضعُكَ المادي جيد جداً، والشخص ليس كذاباً، وليس محتالاً،
لكنه لا يملك المال، وأنت معك سند ومعك مايثبت ذلك ومعك الدعوى جاهزة، وعندك محام جاهز لاسترداد حقك اسمع معي :
(( من انظر معسراً أو وضع له، أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ))
والله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 280 ]
الذي لا يَرحمْ لا يُرحم، والراحمون يرحمهم الرحمن  والنبي عليه الصلاة والسلام يقول في الحديث الذي اخرجه احمد من حديث ابن عمر رضي الله عنه :
((من أرادَ أن تستجابَ دعوته، وأن تُكشفَ كربته، فليفرجْ عن معسر))..
فهذا هو حبيبنا وهذا هو قدوتنا وهذا هو نبي الرحمه الذي بعثه ربه رحمةً للعالمين ليُعلّمَ الناس الخير ويأمرهم بالبر ويُبيّن لهم شرائع الإسلام ..!
هذا هو محمد بن عبدالله ..!
فما احيلاه من نبي كريم ..
وما أعظمها من أخلاق إسلامية محمدية ..!
وما أحوجنا للإطلاع على شمائله عليه الصلاة والسلام لنهذبَ أنفسنا ونُطهرَ جوارحنا ونرتقي بأخلاقنا ونتواضع فيما بيننا ونتطاوع ..
الرحمةُ المهداةُ جاء مبشِّراً
                   ولأفضلِ كل الدياناتِ قامَ فأنذرا
ولأكرمِ الأخلاقِ جاءَ مُتمِّماً  
                       يدعو لأحسنِها ويمحو المنكرا
صلى عليه اللهُ في ملكوته
                       ما قامَ عبدٌ في الصلاة وكبّرا
صلى عليه اللهُ في ملكوته
                        ما عاقبَ الليلُ النهارَ وأدبرا
صلى عليه اللهُ في ملكوته
                     ما دارت الأفلاكُ أو نجمٌ سرى
وعليه من لدنِّ الإلهِ تحيةٌ  
                            رَوْحٌ وريحانٌ بطيبٍ أثمرا
 وختامُها عادَ الكلامُ بما بدا
                     بأبي وأمي أنت يا خيرَ الورى

صَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً:
(( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) .

اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
---------------------------------------
للتواصل والاستفسار وإبداء الملاحظات :
جوال ( 00967777151620 )
ولمتابعه الخطب المكتوبه على الروابط التاليه :
١/
https://www.facebook.com/SheikhAhmedPage/
-----------------------
٢/
https://alahmed-ibb.blogspot.com/?m=1
-----------------------
٣/
 https://lecahmed.blogspot.com/
-----------------------
٤/
 http://talabah1.blogspot.com/?m=1
-----------------------------------
اللهم اجعلها صدقهً جاريهً لي ولوالدتي المرحومه..
وأنفع بها عبادك المسلمين اجمعين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
------------------------------------
              والحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِين

الجمعة، 16 نوفمبر 2018

🎤
خطبــة جمعـــة بعنـــوان        
{ المولد النبوي الشريف - مولدُ التحول الهائل }(1)
إعداد وتنظيم وإلقاء :
الاستاذ/ احمد عبدالله صالح
خطيب مسجد بلال بن رباح/
الجمهوريه اليمنيه - محافظة إب .
ألقيت في  16 نوفمبر 2018 م
الموافق  8ربيع أول 1440هـ

أما بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ        
ايها الأحباب الكرام :
لكل أمَّةٍ عظماء، سطّرَ التَّاريخُ مآثرَهم ...!
وأظهرَ أعمالهم، وخلَّد سِيرَهم وحياتَهم ..!
ليكونوا نبراسًا لِمن بعدَهم في عِلْمهم وعمَلِهم، وجهادهم وأخلاقهم ..
 واممٌ اخرى تنصب صوراً تذكارية لهم، وتطوف بهم وتقدسهم، وترددُ الثناء عليهم صباح مساء، ونحن لا رموز لنا، ولا قداسة أرضية،
ولا طقوس، وليس عندنا إلا رجلٌ واحد جعله الله إماماً لنا، ولكنه معصوم، وقدوةً لنا لكنه صادق، ومعلماً لنا لكنه فاتح، قال تعالى:
"  لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً"[الأحزاب:21].

يا خـيرَ من دُفِنَتْ بالقاعِ أعظُمُهُ      
                    فطـاب من طيبِهِنَّ القاعُ والأكَمُ
نـفسي الفداءُ لقبٍر أنت سـاكِنُهُ
                    فيه الـعفافُ وفيه الجودُ والـكرمُ
أنت الشفيعُ الذي تُرجى شفاعَتُهُ
                   عِندَ الـصراطِ إذا ما زلَّت القـدمُ
وصـاحِباك لا أنسـاهـُما أبداً
                 منّي السـلامُ عليكُم ما جرى القلمُ

أيُها الأحبَّةُ المُسلمونَ :
نعيشُ في هذا الايام من شهر ربيعٍ الاول
 نَسَمَاتِ خيرٍ ...!
نعيشُ في لطائِفَ مُحمديةٍ ..!
نعيشُ في ذكرى ولادَةِ أحبِّ الخلقِ الى اللهِ تَعَالى.
نعيشُ في ذكرى ولادَةِ سيِّدِ الخلائِقِ العَربِ والعَجَمِ.
نعيشُ في ذكرى ولادَةِ مُحمدٍ رسولِ اللهِ عليهِ صَلَوَاتُ اللهِ ..
وهي ذكرى حيةٌ في قلوبنا.!
ذكرى عطرة ، ذكرى تتجدد في كلِ عام ،
وفي كلِ يوم ، وفي كلِ ساعة ، بل وفي كل لحظه

وفي عقولنا وسلوكنا، في وجداننا ومشاعرها.
في احاسيسنا وظمائرنا، لأنها تعيش في أرواحنا وتسري في دمائنا وأجسادنا وتتركز في عقولنا.
لتُصبحَ دروسها وعبرها منهج حياتنا وبرنامج عملنا ..
ومثلما كانت منهجاً للمسلمين والبشرية من قبلنا ستكونُ كذلك منهجاً للمسلمين والبشرية من بعدنا حتى قيام الساعة ..

فما أُحَيْلاها من ذكرى عظيمةٍ ..
وما أعْظَمَهَا من مُناسَبَةٍ كريمةٍ عمَّ بِها النُّورُ أرجاءَ المعمورةِ..
تجلى مولدُ الهادي وعمّتْ  
                          بشائِرُه البوادي والقضايا
وأهدتْ للبريةِ بنتُ وهب ٍ
                            يداً بيضاءَ طوقتِ الرقابا
لقد ولدته وهاجاً منيراً
                         كما تلدُ السماواتُ الشهابا

فمااعظمها من مناسبةٍ جليلة كريمةٍ نستقي منها الدروس ونجني منها العبر ونقف عندها الوقفات
                                     
ولذلكم ثلاثُ وقفاتٍ مهمه من مولد الحبيب صلى الله عليه وسلم اقفها معكم  :
( المولد النبوي مولد التحول )
( المولد النبوي مولد العلم )
( المولد النبوي مولد الرحمه )
ولعل اول هذه الوقفات الذهبيه التى سأقفها معكم اليوم في مولد فخر الكائنات وشفيع الأمه ورسول الهدى :                    
( المولدُ النبوي حدثُ التحول والانتقال الهائل )

حَدَثٌ حَوَّلَ تأريخَ الجزيرةِ العربيةِ من قبائل متناحرة مشتتة متقاتله يفتك بعضها ببعض ويحطم بعضها بعضاً ويدمر بعضها بعضاً
يتباهَوْنَ بالرذائِلِ والمحرَّماتِ ..
ويرفَعُونَ لواءَ الشركِ وعبادَةِ الاوثانِ ..

لقد كانت حالة الانسانيه حينها قبل المولد في ضياع ، وفي حروبٍ متواصله ، واقتتالٍ مستمر ، وفي عداوات طويله وأحداثٍ مستمره ، وانغماس في المحرمات والشهوات ..

لم تكنْ حينها الأرضُ تعرفُ العدلَ والمساواة ،
ولاتعرف القانون ولا الاحتكام للشرع ..

كانَ الأفرادُ والجماعات والدول يذبحونَ بعضهم والجلادون يصنعونَ بالعبيدِ ما طابَ لهم من التلذذِ والمتعةِ والقتلِ والاستعبادِ والذلِّ والمهانة ..!

وكان الظلمُ والظلامُ هو اللونُ السائدُ على وجهِ البسيطة ...                        

كانَ العالمُ يومئذ يضطربُ في رقِّ المادية وعبودية الشهوة وسلطانِ القوة الغاشمة ..!

 فلم يكن للمثَلِ الأعلى وجودٌ في ذهنه .!
ولا للغرضِ النبيل اثرٌ في سعيه ..!
ولا للشعورُ الإنساني مجرى في حسه ..!
ولا للسموِ الإلهي معنىً في نفسه .!

 إنما كان ذلك العالم حيواناً شهوته الغلبة ..!
 مادياً غايته اللذة ، أنانياً شريعته الهوى ..!
ثمّ أسرف في البهيميةِ حتى جعل كُلُّ أنثى مباحةً لكلِ ذكر ..!
 وأسرفَ في الماديةِ حتى اتخذ إلهه من خشبٍ وحجرٍ ..!
وفي الأنانية قتلَ أولاده خشيةَ الإملاق ..

نعم يا مسلمون :                
لقد كان العالم قبل يومَ مولد محمد يَغطُ في قصورٍ عقلي يقتل التفكير السليم ..!
وقصورٍ جسدي يقتل التصرف الحكيم ..!

 فلم يكنْ للأسرةِ نظامْ ، ولا للقبيلةِ قانون ..!
ولا للأمةِ دستور ، ولا للعقيدةِ شريعة .!
وإنّما طغيانٌ عاصفٌ يتحكم في الفردِ ويُسيطرُ على الجماعة :
فالأبُ يَهبُ الموتَ والحياةَ لأبنائه بحكمِ الطبيعة .

والشيخُ يَفرضُ على عشيرته الأمرُ والنهي بمقتضى العرف ..!

والملكُ يُخضع نفوس الشــــعبِ بإسم الدين.!

والكاهنُ ينسخ العقول بقوةِ الجهل ..!
 أمّا عامةُ الناسِ فهم أتباعٌ من سقطِ المتاع ..

 فلمّا بعثَ اللهُ الرسولَ محمد صلى الله عليه وسلم منقذاً للبشريةِ ، تجلت المعاني السامية لتمنحَ البشريةَ أعظمَ منحةٍ وهبة :              
إلا وهي الإيمانُ بوحدانيةِ اللهِ ومعرفةِ سرِ الحياةِ والوجود ..ُ
نعم يا كرام :
لّما بعثَ اللهُ سبحانه وتعالى محمداً رحمةً للعالمين بعثَ الحريةَ من مرقدها ، وأطلقَ العقولَ من أسرها، وجعلَ التنافسَ في الخيرِ والتعاون على البرِ والتفاضل في التقوى ، ثم وصلَ القلوبَ بالمؤاخاةِ والمحبة ..

 وأقامَ العدلَ والمساواةَ في الحقوقِ والواجبات..
حتى شعرَ الضعيفُ أنّ جندَ اللِه قوته ..
وأدركَ الفقيرُ أنّ بيتَ المالِ ثروته ..
وأيقنَ الوحيدُ أنّ المؤمنينَ جميعاً إخوته ..

ثم محا عليه الصلاة والسلام الفروق بين أجناسِ الناس ، وأزالَ الحدودَ بين الأركان ..
فأصبحتِ الأرضُ وطناً واحداً ..!
والعالمُ أسرةً متحدةً لا يُهيمنْ على علاقاتها
إلا الحبْ .!
ولا يقومُ على شؤونها سوى الإنصافُ والعدل..
وليس بين المرءِ وحاكمهِ أو خليفته حجابْ .!
ولا بين العبدِ وربه وساطة ..

حتى صارتِ الأرضُ مهدَ العلمِ والنُّورِ والإيمانِ ودولةُ الاخلاقِ والعدلِ والأمانِ بهديِ النبيِ محمدٍ عليهِ الصّلاةُ والسلامُ ..!              
يقولُ اللهُ تعالى في القرءانِ الكريمِ :
{لقد جاءَكُم رسولٌ من أنفُسِكُمْ عزيزٌ عليهِ ما عَنِتُّم حريصٌ عليكُمْ بالمؤمنينَ رؤوفٌ رحيمٌ}

نعم احبابي الكرام روّاد مسجد بلال بن رباح :                                        
وُلِدَ صلى الله عليه وسلم فتهاوت أركانُ الظِّلَمِ والاستكبارِ من عليائها ..!
 وتساوت حقوقُ الإنسانِ مع أخيه الإنسان،
لا فرقَ لعربيٍ على عجميٍ إلا بالتقوى والناسُ سواسيةً كأسنانِ المشطِ لايفرقهم إلا العملُ الصالحُ والصادق ..
 وانتشر العدلُ في نفوسِ الناسِ قبل أن تُدق به أعناقُ الظالمين في المحاكم .

وُلِدَ الرسولُ الأعظم وأصبحَ الإنسانُ يستمتعُ بحواسه الخمس، فلا يرى إلا نوراً ، ولا يسمعُ
إلا عدلاً، ولا يشمُ أو يتذوقُ إلا أطيبَ حياة،
ولا يلمسْ إلا حناناً ومحبة ..!              
 فإستنارَ الكونُ بطلعةِ مولده ..!
وتهاوت عروشُ الظلمِ والعدوان ..!
وأشرقتِ الأرضُ بهذا النورِ الوهاج ،.  حتى انقشع الظلامُ الذي كان يلفُ الأرضَ منذ عصورِ الجاهليةِ الموغلةِ في القدم ..

وُلِدَ عليه الصلاة والسلام فأنتقلتِ البشريهُ من نظامِ الأنظمةِ الجائرة التي تُعاقبُ الإنسانَ على ما ليس من فعله ..
وتأخذُ الأخَ بأخيه .! والقريبَ بقريبه .!
 والإنسانَ بفردٍ من عشيرته .!
وتحتقر طائفةً من الناس بسببِ ألوانهم، أو قلةِ عشيرتهم، أو فقرِ ذات أيديهم، أو اختلافِ ألسنتهم الى النظامِ الإسلامي الذي يَقُولُ للناسِ كُلِهم :(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الحجرات/13.
 فلا طبقيةَ ولا استعباد .! ولاظلم ولا اضطهاد .!
بل فُرَصُ الحياةِ المتساوية .!
وقَدرُ كل امرئٍ ما يحسنه .!
 وخيره بمقدارِ خيره للناس، وجاء الإسلام ليقول :
(وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الأنعام/164

 فلا يحاسب الإنسان على ما لم يعمل ..!
وكل إنسان يولد بريء الذمة من حقوق الله وحقوق الناس .!
 وبهذا سَعدَ الناس،  وعاشوا في ظلِ شريعةِ الله إخواناً متحابين، متساوين في المسجدِ والمحكمةِ والسوقِ مع الاعتراف لذوي الفضل بفضلهم .!
فولاةُ الأمورِ العادلونَ أقربُ إلى اللهِ من غيرهم.!
والعلماءُ العاملون مصابيحُ هدايةٍ تُحترمْ .!والأغنياءُ الباذلون لعبادِ الله مصدرُ قوةٍ اقتصادية لأمتهم .!
وكلُ من بذلَ طاقته في سبيلِ دينه وأمته مُقدّر محترم.
ومن لم يشكرْ للناسِ لم يشكرْ لله عزوجل.

وُلِدَ الرسولُ الكريمُ فأنقذنا اللهُ به من ظلماتِ الجاهلية، وعبادةِ الأصنام، وتعظيمِ الطواغيت، التي لا تضرُ ولا تنفع..!

 وشرّفنا بعبادةِ الله ِالعظيمِ الجليل الحليم فإنّ
قَدرَ العبدِ من قدرِ سيده، وشتان بين من يعبدُ حجراً وشجراً، أو شمساً وقمراً، فيَضيقُ أُفُقه، وتتحجرْ عواطفه، ويقسو قلبه ..

وبينَ من يعبدِ اللهَ الرحمنَ الرحيم، الذي ينادي رسوله فيقول :                            
(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) البقرة/186
                                       
 وينادي اليائسينَ من الحياةِ فيقول :
(وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) النساء/29

وينادي الخائفين من ذنوبهم فيقول :
 (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) الزمر/53

وينادي كل الخلق فيقول :
 (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر/60.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بمافيه من الايات والذكر الحكيم فاستغفروا الله لي ولكم ويا فوز المستغفرين ويا نجاة التائبين .


الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ :                          
أما بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ
ايها الأحباب الكرام :
 بأبي وأمي أنتَ يا خيرَ الورى
                          وصلاةُ ربي والسلامُ معطرا
يا خاتمَ الرسلِ الكرامـِ محمدٌ
                          بالوحي والقرآنِ كنتَ مطهرا
لك يا رسولَ اللهِ صدقُ محبةٍ
                        وبفيضها شهِدَ اللسانُ وعبّرا
 لك يا رسولَ اللهِ صدقُ محبةٍ
                فاقتْ محبةَ كل مَن عاشَ على الثرى
لك يا رسولَ اللهِ صدقُ محبةٍ
                              لا تنتهي أبداً ولن تتغيرا
لك يا رسولَ اللهِ منّا نصرةٌ
                            بالفعلِ والأقوالِ عمّا يُفترى
 نفديكَ بالأرواحِ وهي رخيصةٌ
                      من دون عِرضكَ بذُلها والمشترى

إّنه يومُ ميلادِ الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم..
أعظمُ ميلاد ميلاده ، وأسهلُ ولادةٍ كانت ولادته .!

وُلِدَ برعايةِ الربِّ عزوجل وبعنايةِ الله جل وعلا .!
وُلِدَ محفوظاً ، وُلِدَ معصوماً ..!

فأيُّ سعادةٍ أرسلها الله للكونِ بولادةِ أحمد عليه الصلاة والسلام ..!

وأيُّ نورٍ سطعَ في كونِ ذلك الزمان بولادةِ محمد صلى الله عليه وسلم .!

في زمنٍ كانت حالةُ العرب، قبل مولده صلى الله عليه وسلم تعيش حالةً من الفوضى والرعب والخوف الدائم، والقلق المستمر .

فكانت بأمسِّ الحاجةِ إلى من يُصلحها ..!
وبحاجةٍ الى من يجمعُ شتاتها ..!
وبحاجةٍ الى من يجمعُ تفرقها وتمزقها ..
وبحاجةٍ الى من يُصلحُ اعوجاجَ أمرِها ويقودُ الى الله أُناساً كانوا يعبدونَ اصناماً من حجارةٍ ينحتونها ثّم يسجدونَ لها..

وكان أحدهم يأخذ معه حجرًا صغيرًا على هيئةِ صنمٍ يسجد له، ويطلب منه العز ويرجو منه العون.

بل ذكر انه كان لأحدهم تمراً ولم يكن معه صنمه فجعل من التمر على هيئة صنم ثم يسجد له، وبعد أن يجوع يأكله ثم يتغوطه.
 وقد شاهد أحد هؤلاء الجاهليين ثعلبين يبولان برأس صنم فقال :
أربٌّ يبولُ الثَّعلبان برأسه؟
                     لقد ذلّ من بالت عليه الثعالبُ

كما كان في العربِ عاداتٌ سيئة أُخرى كشرب الخمر ، ووأد البنات، وإهانةِ المرأة، والعصبية، والقتلِ والسلب...                  
فأنقذَ اللهُ العالمَ والبشرية بمولده عليه الصلاة والسلام واخرج الناس من الظلماتِ الى النور
ومن عبادةِ العبادِ الى عبادةِ ربِّ العباد ومن جورِ الأديان الى عدلِ الاسلام ومن ضيقِ الدنيا الى سعةِ الدنيا والاخره ..
نعم احبابي الكرام :
إنّ مولدَ المصطفى صلى الله عليه وسلم من أعظم ما تفضلَ اللهُ به علينا ، ومن أوفرِ النعمِ التي تجلى بها على هذه الأمة؛ فحُقّ لنا بهذا المولد المبارك مايلي :
اولاً : أن نفرحَ بمولده صلى الله عليه وسلم :
 (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) يونس/58.

ثانياً : أن نُحبه كُلَّ المحبة،التى تفوق محبتنا لأنفسنا واهلينا واموالنا واولادتا والنّاس اجمعين  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم :
(لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) .

ثالثاً : أن نتّبعَ سنته ونعملَ بما جاءنا به،
 فقد قال الله تعالى :
(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) آل عمران/31.

رابعاً : أن تلهجَ ألسنتَنا دائماً بالصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم في كل لحظة وفي حل حين وفي كل صباح ومساء وفي كل شروق وغروب
وهو القائلُ عليه الصلاة والسلام :
( من صلَّى عليّ واحدةً صلَّى الله عليه بها عشراً)
وقال الله تعالى :                          
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) الأحزاب/56.

اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، واهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ..
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك .
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونوراً لأبصارنا وجوارحنا وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار. عباد الله :
 أمركم ربُّكم جلَّ وعلا بأمر بدأ فيه نفسه وثنى به ملائكته المسبحه بقدسه وثلّث به عباده من جنّه وإنسه فقال تعالى قولاً كريمًا :
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (56الأحزاب).
اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد في الأولين، وصلى وسلم وبارك على سيدنا محمد في اللآخرين، وصلى وسلم وبارك على سيدنا محمد في الملأ الأعلى ويوم الدين، وصلى وسلم وبارك على سيدنا محمد في كلِّ وقت وحين. وصلى وسلم وبارك على سيدنا محمد وافتح لنا أجمعين أبواب الإجابة في هذا الوقت وفي كل حين.
---------------------------------------
للتواصل والاستفسار وإبداء الملاحظات :
جوال ( 00967777151620 )
ولمتابعه الخطب المكتوبه على الروابط التاليه :
١/
https://www.facebook.com/SheikhAhmedPage/
-----------------------
٢/
https://alahmed-ibb.blogspot.com/?m=1
-----------------------
٣/
 https://lecahmed.blogspot.com/
-----------------------
٤/
 http://talabah1.blogspot.com/?m=1
-----------------------------------
اللهم اجعلها صدقهً جاريهً لي ولوالدتي المرحومه..
وأنفع بها عبادك المسلمين اجمعين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
------------------------------------
              والحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِين

الجمعة، 9 نوفمبر 2018

🎤
خطبــة جمعـــة بعنـــوان        
[ من احب الاعمال الى الله الجهاد في سبيل الله]
    (( افضل انواع الجهاد..(( مجاهدةُ النّفس ))
        السلسله الثانيه لأحب الاعمال الى الله
                         الخطبه {{ 19 }}
إعداد وتنظيم وإلقاء :
الاستاذ/ احمد عبدالله صالح
خطيب مسجد بلال بن رباح/
الجمهوريه اليمنيه - محافظة إب .
ألقيت في  9 نوفمبر 2018 م
الموافق  1ربيع أول 1440هـ
أما بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ        
ايها الأحباب الكرام :        
 ضمن سلسله أحبُ الاعمال الى الله تتذكرون جيداً أحبتي الكرام ان أخرَ حَدِيثٍ ذكرنا فيه عملين يحبهما الله عزوجل وهو الحديث الذي ورد في الصحيحين من حديث أَبِيْ عَبْدِ الرَّحْمٰنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُوْدٍ رضي الله عنه قَالَ : سَأَلْتُ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم :
 أَيُّ اْلأَعْمَالِ أَحَبُّ إَلىَ اللهِ تَعَالىٰ ؟
قَالَ {الصَّلاَةُ عَلىٰ وَقْتِهَا، قُلْتُ: ثُمَّ أَي ؟
 قَالَ: بَرُّ اْلوَالِدَيْنِ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيْ؟
قَالَ: الجِهَادُ فِي سَبِيْلِ اللهِ } ..
ولقد تحدثنا لثلاثِ جمع متتاليه عن الصلاة وأهميتها وخشوعها وإقامتها وحذرنا من تركها.
ثم اتبعنا ذلك بالعمل الثاني وهو بر الوالدين وتحدثنا فيه كذلك لثلاث جمع ..
جمعتين منها لحقوق الآباء على الابناء ..!
واختتمنا بجمعهٍ لحقوق الابناء على الآباء ..

واليوم بإذن الله جل وعلا سأختتم معكم هذا الحديث بالتحدثِ عن أخرِ عملٍ يحبه الله جل وعلا ألا وهو  ( الجهاد في سبيل الله ) ..
نعم احبتي الكرام :
الجهاد من أحب الأعمال إلى الله، وهو أفضل القربات إليه سبحانه ..

الجهاد يا أيها الإخوة أمره عظيم فهو أفضل تطوع البدن ، وقد عده بعض أهل العلم ركنا سادساً لدين الإسلام ، ومنازلُ أهله أعلى المنازل في الجنة، كما أن لهم الرفعة في الدنيا ،
فهم الأعلون في الدنيا والاعلون في الآخرة ..

والجهادُ ماضٍ إلى يوم القيامة؛ نصرةً لدين الله، وحمايةً لحوزته، وذوداً عن حياضه، وحفاظاً على عزةِ أمته، ودحضاً للباطلِ وأهله..

 - الجهادُ رفعَ اللهُ شأنَه في الإسلام ووعد أهله المنازل العالية والأجر العظيم قال الله تعالى :
( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) ..( التوبه )
فالجهادُ في سبيل الله تجارةٌ رابحةٌ مع الله جل وعلا ..والله سبحانه وتعالى يقول  :
 ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ) ( الصف )
فرأسُ مالِ هذه التجارة هو الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيل الله بالأموال والأنفس ..
وربحها مغفرةِ الذنوب، ودخول الجنة، وبشارةٌ بالنصر على الأعداء .

- الجهادُ أفضلُ عند الله من عمارةِ المسجد الحرام وسقايةً الحجاج فيه، قال تعالى :
( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ) ..( التوبه )

- الجهاد في سبيل الله كلمةٌ عظيمة ، تحمِلك َإلى بذلِ الجهدِ ، واستفراغِ الوسعِ والطَّاقةِ ، وعدم ِالتضجُّر أو التذمُّر ممّا يلحقُ بكَ مِن مشقّةٍ وكُلفةٍ وتعبٍ ، قد تجدهُ وأنتَ تسيرُ في طريقك إلى الله ..

- والمجاهدُ في سبيل الله يستعذبُ الصَّعبَ والمرّ والمؤلمَ, ولا يأبهُ بالمعوقاتِ ولا يستسلمُ للعقباتِ ولا يقفُ للمُثبِّطات ..

والجهادُ في سبيلِ الله ليس نوعاً واحداً ولا شكلاً واحداً انّما الجهادُ تتعد أنواعه وصوره فمنهُ أكبرَ ومنه أصغرَ..
ولنْ يبلغَ أحدنا أكبَرهُ حتَّى يستعذِبَ سيراً طويلاً في دروبِ أصغرِهِ, ..
ألا وإنّ أفضلَ أنواعِ الجهاد وأكملها :
(( جهادُ المرءِ لنفسه )) .
يؤيد هذا كلام حبيبنا عليه الصلاة والسلام كما صحح ذلك الألباني قال عليه الصلاة والسلام :
( أفضلُ الجهاد أن يجاهدَ الرجلُ نفسه وهواه )

 نعم احبابي الكرام :
إنّ الإنسان في هذه الحياة الدنيا يعيش حالة من الصراع مع أعداء ظاهرين، وآخرين لا يراهم، وربما كانوا أشد فتكاً به من أعدائه المشاهدين ..

وأشدَ أعداءَ الانسان الذين لايراهم نفسه التى بين جنبيه ...
فإن جاهدها ونهاها غيّها وردها عن هواها وكبح جامحها فقد افلح وظفر وفاز ونجى ..
وإنْ ظفرت به وقادته لكل غضبٍ لله وسخط فقد
خسر وخاب وسقط قال سبحانه مصوراً هذا الامر
(وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) (40) ،(41) النازعات
وحيا من قال :
كنْ رابطَ الجأشِ وارفع رايةَ الاملِ
                     وسِرْ الى اللهِ في جدٍ بلا هزلِ
وَإِنْ شعرتَ بنقصٍ فيكَ تعرفُهُ
                       فغذيِ نفسكَ بالقرانِ واكتملِ
وحاربِ النّفسَ وامنعها غوايتها
               فالنفسُ تهوى الذي يدعوا الى الزللِ

ومجاهدةُ النفس في الاصطلاح كما يعرفها الجرجاني في كتاب التعريفات بأنها:
محاربةُ النفس الأمارة بالسوء بتحميلها ما يشق عليها بما هو مطلوب في الشرع..
وقال المناوي : هي حمل النفس علي المشاق البدنية ومخالفة الهوى..
وقيل : هي بذلُ المستطاع في أمر المطاع وهو الله عزوجل .

ايها المسلمون الكرام :
مجاهدةُ النفس سمةٌ بارزه ذكرها الله جل وعلا في مناقب الانبياء والصالحين من عباده :
 فهذا نبي الله يوسف عليه السلام دعاه الشيطان إلى مقارفة الحرام مع امرأةِ العزيز التي زيّنت لها نفسها الأمَّارةُ بالسوءِ عَمَلَها فراودته عن نفسه، لكنه عليه السلام جاهد نفسه، ولم يستسلم للشيطان ولهواه، فأعلنها مدوّيه للتاريخ وللأجيال وعبر العصور والدهور :
 ( قال مَعَاذَ الله إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [يوسف:23]
ولم يكتف بهذا فحسب بل اعترف بعجزه وضعفه رغم مجاهدته، وسأل الله تعالى العافية من هذا الابتلاء، فدعا وقال :
 (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ) [يوسف].
وهذه الاستجابة من الله تعالى ليوسف عليه السلام كانت بعد مجاهدةٍ منه، وصدقٍ في التوجه إلى الله تعالى.
وهذا نبينا وقدوتناعليه الصلاة والسلام ..
تقول أمُّ المؤمنين عَائِشَةَ رضى الله عنها كماجاء في البخاري كَانَ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ ..
فَقَالَتْ عَائِشَةُ لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ :
« أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا » .
فَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ صَلَّى جَالِسًا فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ ، فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ) ..
وهو القائل عليه الصلاة والسلام من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال :
 «ألا أدلّكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدّرجات؟» قالوا: بلى. يا رسول الله، قال:
« إسباغ الوضوء على المكاره،( وهذا يحتاج مجاهده للنفس )
 وكثرة الخطا إلى المساجد، ( وهذا كذلك يحتاج لمجاهده )
وانتظار الصّلاة بعد الصََّلاةَ (وهذا يحتاج لمجاهده) ثم اختتم عليه الصلاة والسلام بقوله : فذلكم الرّباط » ..

ولما سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم مرافقته في الجنة قال له موصياً بمجاهده النفس :
" أعني على نفسك بكثرة السجود "
 وهذا يحتاج إلى مجاهدة، إذا حققها العبد بلغ ما تمنى، وأعطاه الله ما سأل؛ إذ نيل المطالب يحتاج إلى عمل، ولا تنال بالتمني فقط، فإذا اجتمع العمل مع صدق التوجه إلى الله عزَّوجلَّ نال العبد ما أراد.

وفي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال :
كنت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فأصبحت يوماً قريباً منه ونحن نسير، فقلت :
يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنّة ويباعدني من النّار. قال :
«لقد سألتني عن عظيم، وإنّه ليسير على من يسّره الله عليه، " تعبد الله، ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت» ثمّ قال :
«ألا أدلّك على أبواب الخير :
«الصّوم جنّة، والصّدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النّار، وصلاة الرّجل من جوف اللّيل ، قال ثمّ تلا :
" تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً حتّى بلغ ...(يَعْمَلُونَ) (السجدة/ 16- 17)
ثمّ قال: ألا أخبرك برأس الأمر كلّه وعموده وذروة سنامه؟» قلت: بلى يا رسول الله، قال :
«رأس الأمر الإسلام، وعموده الصّلاة، وذروة سنامه الجهاد» ..
ثمّ قال : «ألا أخبرك بملاك  ذلك كلّه؟» قلت:
 بلى يانبيّ الله، فأخذ بلسانه، وقال :
«كُفّ عليك هذا» فقلت: " يا نبيّ الله وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به؟ فقال :  ثكلتك أمّك يا معاذ، وهل يُكبّ النّاسُ في النّارِ على وجوههم أو قال : على مناخرهم إلّا حصائدُ ألسنتهم؟ ..

وروى البخاري ومسلم بسندهما عن أنس بن مالك أن أنس بن النضر قال بعد أن فاتته غزوة بدر :
لئن أشهدني الله قتال المشركين ليُرينِّ الله ما أصنع !.
فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون دخل يضرب في صفوف الكافرين حتى ُوجد به بضعٌ وثمانون مابين ضربةٍ بالسيف، وطعنةٍ بالرمح ورميةٍ بسهم،
وقد قُتِلَ ومثّلَ به المشركون فما عرفه أحدٌ إلا أخته ببنانه ونزل فيه قوله  تعالى -:
(مِّنَ المُؤمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَـاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيهِ‌ فَمِنهُم مَّن قَضَى نَحبَهُ وَمِنهم مَّن يَنتَظِرُ‌...)(الأحزاب: من الآية (23)
وهذا قطعا ًمرّ عبر مجاهدة كبيرة للنفس حتى ينال هذا الرضا الرباني.

ويقول امير المؤمنين علي بن ابي طالب رضي الله عنه -: “والله لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم  كانوا يصبحون شعثاً غبراً صفراً، وقد باتوا سجداً وقياماً، يتلون كتاب الله، يراوحون بين أقدامهم وجباههم”..

ولهذا معالجةُ النفسِ ومجاهدتَها من أعظم أنواع الجهاد؛ لأنه جهادٌ يستغرقُ العمرَ كلَّه، وإذا طال الأمد ضَعُفت النفس؛ فاحتاجت إلى مجاهدةٍ أكثر.
يقول سفيان الثوري رحمه الله تعالى :
(ما عالجت شيئاً أشدّ عليَّ من نفسي، مرةً لي ومرةً عليّ ).

 وكان عمر رضي الله عنه يخاطب نفسه، ويقهرها حتى لا تجمح به فتُخرجه عن الجادة فيدخل رضي الله عنه يوماً من الايام حائطاً فبدأ يخاطب نفسه ويعاتبها ويحاسبها ويأنبها، فيقول :
 (عمرُ بن الخطاب أميرُ المؤمنين، بخ بخ، والله يا ابن الخطاب لتتقينّ الله أو ليعذبنّك).

بل وكان عمر بن الخطاب يُقرّبُ المصباح من يديه ويضع أصابعه عليه فتلسعه نارُ السراج وهي نار ضعيفة خفيفة فيقول :
يابن الخطاب ألك صبر على مثل هذه ؟؟!!
فكيف بنار الآخرة ؟
ونار الدنيا جزءٌ من سبعين جزءاً من نار الآخرة ..

وهو القائل رضي الله عنه وارضاه :
 ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم وتزينوا للعرض الأكبر، ثم تلا : {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ (الحاقة:18).

فمجاهدةُ النفس يا كرام :
امرٌ مهم وضروه قصوى من اجل النجاة بها من سلاسل وأغلال يوم القيامه ..
ويوم التغابن يظهر فيه من حاسب نفسه اليوم ومن أهملها يوم القيامة :
{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا }(آل عمران:30).
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بمافيه من الايات والذكر الحكيم فاستغفروا الله لي ولكم ويا فوز المستغفرين ويا نجاة التائبين .

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ :
أما بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ
ايها الأحباب الكرام :
 يقول الله سبحانه وتعالى :          
{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ }(الحج:78).
إنّه أمرٌ لعموم المسلمين بالجهاد، كلٌ عليه واجب منه حسب استطاعته، وكما أمرهم سبحانه ان يتقوه حقّ تقاته كذلك أمرهم أن يجاهدوا فيه حق جهاده ..
والجهاد أربعُ مراتب :
جهادُ النفس وجهادُ الشيطان وجهادُ الكفار وجهادُ المنافقين .
والأصل والأساس هو جهاد النفس فإن العبد ما لم يجاهد نفسه أولاً فيبدأ بها ويلزمْها بفعل ما أُمرت به وتَركِ ما نُهيت عنه فانه لن يتمكن من جهاد عدوه الخارجي وقد ترك عدوه الداخلي التى هي نفسه .
تركها تخوض في لُجَجِ الشهوات والشبهات..
تركها تسرح وتمرح في غياهب المعاصي والمنكرات
تركها تعيش في دهاليز الظلم والظلمات ..
تركها ترتعَي في مراتع الأماني والموبقات ..

 نعم احبابي الكرام روّاد مسجد بلال بن رباح : الإنسان قد يجاهد غيره لكنه قد ينسى نفسه التي تحتاج إلى جهاده، فيذرها تركب هواها، وتنال مطلوبَها، ولا يحسب أنها تحتاج إلى مجاهدة، ويرى أنه على أحسن حال، أو على الأقل ليس أسوأ الناس، وهذا يقعده عن المجاهدة، فيسير في الردى، ويوشك أن يهلك..
سأل رجلٌ عبدَ الله بنَ عمر رضي الله عنهما عن الجهاد فقال رضي الله عنه :
 (ابدأ بنفسك فجاهدها، وابدأ بنفسك فاغزها).
وحيا من قال :
ابدأ بنفسك فأنهها عن غيها
                            فإنِ انتهت فأنت حكيمُ

والرسول صلى الله عليه وسلم يقول :
" المجاهدُ من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ".
 وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبة الحاجة :
 " ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئاتِ أعمالنا "

فَحُقَّ على العاقل الحازم المؤمن بالله واليوم الآخر ألا يغفل عن محاسبة نفسه في حركاتها، وسكناتها، وخطواتها، وخطراتها..
فالنفس إذا أُطْمِعَتْ طَمِعَتْ..
وإذا فَوضتَ إليها أساءت..
وإذا حملتها على أمر الله صَلُحت واستقامت .
 وإذا تركتَ الأمر إليها فسدت وأفسدت ..
فتكره مشقةَ الطاعة، وإن كان يعقُبُ ذلك لذة دائمة.                                      
وتُحبُ لذةَ الراحة، تحبُ لذةَ الدعه وإن كان يعقُبُ ذلك حسرة وندامة.
- فهي تكره قيام الليل وصيام النهار..
- تكره التبكير في الذهاب إلى المساجد ..
وكم من شخصٍ يجلس الساعات في المقاهي والأسواق ويبخل بالدقائق القليلة يجلسها في المسجد..
- تكره إنفاق المال في طاعة الله..
- تكره الجهاد في سبيل الله كما قال تعالى:
 {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }(البقرة:216).
- تكره الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله..
- تكره الخير وفعلَ الخير ورجال الخير ..
- تكره الصالحين وأهل التوحيد ..
- تكره القيام بالإصلاح بين الناس..
وهكذا ما من طاعة إلا وللنفس منها موقف الممانع المعارض..
فإن أنت أطعتها أهلكتك وخسرتها، كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }(الزمر:15).
إن أنت أطعتها فقد ظلمتها، حيث عرضتها لسخط الله وعقابه، وأهنتها وأنت تظن أنك قد أكرمتها حيث أعطيتها ما تشتهي وأرحتها من عناء العمل ومشقته فحرمتها من الثواب .

وقد يسأل سائلٌ الآن سؤالاً وجيهاً فيقول :
حدثتنا اليوم عن مجاهدةِ النفس لكن كيف نجاهد أنفسنا ؟؟
ولهذا السائل اقول نجاهد انفسنا بإحياء حبّ الّله تعالى في قلوبنا حتّى يكون حبّه سبحانه أرقى من حبّ النّفس والأهل والولد والمال وذلك بالإكثار من النّظر في الكون المنظور والكتاب المقروء، ودوام الذّكر، والتّلذذ بالأوراد الإيمانية من صلاة في اللّيل وقيام في النهار.

- نجاهد انفسنا بتعريفها بربها، وحملها على طاعته سبحانه ، وإلزامها أن تجلس على ركبتيها في المسجد لسماع درسِ علم ..

- نجاهد انفسنا بضبط جوارحنا، وضبط ألسنتنا وضبط دخلنا، وضبط إنفاقنا، وضبط سلوكنا ، وضبط أُسرِنا :
(ضبطُ الزوجه، ضبط البنات، ضبط الأولاد ) ..

- نجاهدُ انفسنا بإحياء الخوف من الّله تعالى في القلوب .                                    

- نجاهدُ انفسنا بقوّة الإرادة والعزيمة على مواجهة النّفس واليقين أنّ العبد مهما كان ضعفه إذا لجأ إلى ربّه واستعان به أعانه .

- نجاهدُ انفسنا بتذكر الآخرة وتذكر الجنة والنار،
وما معنى الجنة أو النار !!؟؟؟
إنّه ليس شيئاً هيّناً أن تفقد الجنة أو تدخل النار!
الإنسانُ يحزن إذا خسرَ بعضَ المال أو بعضَ الصفقات فكيف إذا خسرت الجنة .!!
وكيف إذا دخلت النار.!!
جسمي على الشمسِ ليس يقوي
                                ولا على أهونِ الحرارة
فكيف يقوى على جهنمٍ
                              وقودها الناسُ والحجارة

- نجاهدُ انفسنا بتذكر الموت ، فالموت أشد ما قبله وأهون ما بعده ..!
والمشكلة ليست مشكلة الموت ولكن ما بعد الموت أشد :
ولو أنا إذا مِتنا تُركنا < لكان الموتُ راحةً لكل حيٍ.
ولكنّا إذا مِتنا بُعثنا < ونُسألُ بعدها عن كل شيءٍ

إنّ بعد الموت بعثاً، وَإِنْ بعد البعث حشراً،
وإنّ بعد الحشر حساباً، وإنّ بعد الحساب ثواباً أو عقاباً، جنةً أو ناراً، لابد أن نتذكر كلِ هذا .

اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها ..
اللهم طهر اعمالنا من الرياء وألسنتنا من الكذب واعيننا من الخيانه وأنفسنا من المعاصي والمنكرات يا رب ياسميع الدعوات ..
اللهم اشرح صدورنا وآمن روعاتنا ويمن كتابنا ويسر حسابنا ورقق قلوبنا وثبت على الصراط أقدامنا ونجنا من كربات القيامه ياكريم يامتعال.

 عباد الله :
 أمركم ربُّكم جلَّ وعلا بأمر بدأ فيه نفسه وثنى به ملائكته المسبحه بقدسه وثلّث به عباده من جنّه وإنسه فقال تعالى قولاً كريمًا:
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا وحبيبنا وقدوتنا محمَّد بن عبدالله، وارضَ اللَّهم عن خلفائه الرَّاشدين ذوي المقام العليّ، أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن سائر الصَّحابة والتَّابعين...
---------------------------------------
للتواصل والاستفسار وإبداء الملاحظات :
جوال ( 00967777151620 )
ولمتابعه الخطب المكتوبه على الروابط التاليه :
١/
https://www.facebook.com/SheikhAhmedPage/
-----------------------
٢/
https://alahmed-ibb.blogspot.com/?m=1
-----------------------
٣/
 https://lecahmed.blogspot.com/
-----------------------
٤/
 http://talabah1.blogspot.com/?m=1
-----------------------------------
اللهم اجعلها صدقهً جاريهً لي ولوالدتي المرحومه..
وأنفع بها عبادك المسلمين اجمعين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
------------------------------------
              والحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِين

🎤 خطبــة جمعـــة بعنـــوان : [ الإســـتغفـــــــار ] إعـــــــداد وتنظيــــم وإلقـــاء : الاستـــاذ/ احمــــد عبـداللَّـه صــالح خــط...