الجمعة، 9 نوفمبر 2018

🎤
خطبــة جمعـــة بعنـــوان        
[ من احب الاعمال الى الله الجهاد في سبيل الله]
    (( افضل انواع الجهاد..(( مجاهدةُ النّفس ))
        السلسله الثانيه لأحب الاعمال الى الله
                         الخطبه {{ 19 }}
إعداد وتنظيم وإلقاء :
الاستاذ/ احمد عبدالله صالح
خطيب مسجد بلال بن رباح/
الجمهوريه اليمنيه - محافظة إب .
ألقيت في  9 نوفمبر 2018 م
الموافق  1ربيع أول 1440هـ
أما بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ        
ايها الأحباب الكرام :        
 ضمن سلسله أحبُ الاعمال الى الله تتذكرون جيداً أحبتي الكرام ان أخرَ حَدِيثٍ ذكرنا فيه عملين يحبهما الله عزوجل وهو الحديث الذي ورد في الصحيحين من حديث أَبِيْ عَبْدِ الرَّحْمٰنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُوْدٍ رضي الله عنه قَالَ : سَأَلْتُ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم :
 أَيُّ اْلأَعْمَالِ أَحَبُّ إَلىَ اللهِ تَعَالىٰ ؟
قَالَ {الصَّلاَةُ عَلىٰ وَقْتِهَا، قُلْتُ: ثُمَّ أَي ؟
 قَالَ: بَرُّ اْلوَالِدَيْنِ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيْ؟
قَالَ: الجِهَادُ فِي سَبِيْلِ اللهِ } ..
ولقد تحدثنا لثلاثِ جمع متتاليه عن الصلاة وأهميتها وخشوعها وإقامتها وحذرنا من تركها.
ثم اتبعنا ذلك بالعمل الثاني وهو بر الوالدين وتحدثنا فيه كذلك لثلاث جمع ..
جمعتين منها لحقوق الآباء على الابناء ..!
واختتمنا بجمعهٍ لحقوق الابناء على الآباء ..

واليوم بإذن الله جل وعلا سأختتم معكم هذا الحديث بالتحدثِ عن أخرِ عملٍ يحبه الله جل وعلا ألا وهو  ( الجهاد في سبيل الله ) ..
نعم احبتي الكرام :
الجهاد من أحب الأعمال إلى الله، وهو أفضل القربات إليه سبحانه ..

الجهاد يا أيها الإخوة أمره عظيم فهو أفضل تطوع البدن ، وقد عده بعض أهل العلم ركنا سادساً لدين الإسلام ، ومنازلُ أهله أعلى المنازل في الجنة، كما أن لهم الرفعة في الدنيا ،
فهم الأعلون في الدنيا والاعلون في الآخرة ..

والجهادُ ماضٍ إلى يوم القيامة؛ نصرةً لدين الله، وحمايةً لحوزته، وذوداً عن حياضه، وحفاظاً على عزةِ أمته، ودحضاً للباطلِ وأهله..

 - الجهادُ رفعَ اللهُ شأنَه في الإسلام ووعد أهله المنازل العالية والأجر العظيم قال الله تعالى :
( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) ..( التوبه )
فالجهادُ في سبيل الله تجارةٌ رابحةٌ مع الله جل وعلا ..والله سبحانه وتعالى يقول  :
 ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ) ( الصف )
فرأسُ مالِ هذه التجارة هو الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيل الله بالأموال والأنفس ..
وربحها مغفرةِ الذنوب، ودخول الجنة، وبشارةٌ بالنصر على الأعداء .

- الجهادُ أفضلُ عند الله من عمارةِ المسجد الحرام وسقايةً الحجاج فيه، قال تعالى :
( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ) ..( التوبه )

- الجهاد في سبيل الله كلمةٌ عظيمة ، تحمِلك َإلى بذلِ الجهدِ ، واستفراغِ الوسعِ والطَّاقةِ ، وعدم ِالتضجُّر أو التذمُّر ممّا يلحقُ بكَ مِن مشقّةٍ وكُلفةٍ وتعبٍ ، قد تجدهُ وأنتَ تسيرُ في طريقك إلى الله ..

- والمجاهدُ في سبيل الله يستعذبُ الصَّعبَ والمرّ والمؤلمَ, ولا يأبهُ بالمعوقاتِ ولا يستسلمُ للعقباتِ ولا يقفُ للمُثبِّطات ..

والجهادُ في سبيلِ الله ليس نوعاً واحداً ولا شكلاً واحداً انّما الجهادُ تتعد أنواعه وصوره فمنهُ أكبرَ ومنه أصغرَ..
ولنْ يبلغَ أحدنا أكبَرهُ حتَّى يستعذِبَ سيراً طويلاً في دروبِ أصغرِهِ, ..
ألا وإنّ أفضلَ أنواعِ الجهاد وأكملها :
(( جهادُ المرءِ لنفسه )) .
يؤيد هذا كلام حبيبنا عليه الصلاة والسلام كما صحح ذلك الألباني قال عليه الصلاة والسلام :
( أفضلُ الجهاد أن يجاهدَ الرجلُ نفسه وهواه )

 نعم احبابي الكرام :
إنّ الإنسان في هذه الحياة الدنيا يعيش حالة من الصراع مع أعداء ظاهرين، وآخرين لا يراهم، وربما كانوا أشد فتكاً به من أعدائه المشاهدين ..

وأشدَ أعداءَ الانسان الذين لايراهم نفسه التى بين جنبيه ...
فإن جاهدها ونهاها غيّها وردها عن هواها وكبح جامحها فقد افلح وظفر وفاز ونجى ..
وإنْ ظفرت به وقادته لكل غضبٍ لله وسخط فقد
خسر وخاب وسقط قال سبحانه مصوراً هذا الامر
(وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) (40) ،(41) النازعات
وحيا من قال :
كنْ رابطَ الجأشِ وارفع رايةَ الاملِ
                     وسِرْ الى اللهِ في جدٍ بلا هزلِ
وَإِنْ شعرتَ بنقصٍ فيكَ تعرفُهُ
                       فغذيِ نفسكَ بالقرانِ واكتملِ
وحاربِ النّفسَ وامنعها غوايتها
               فالنفسُ تهوى الذي يدعوا الى الزللِ

ومجاهدةُ النفس في الاصطلاح كما يعرفها الجرجاني في كتاب التعريفات بأنها:
محاربةُ النفس الأمارة بالسوء بتحميلها ما يشق عليها بما هو مطلوب في الشرع..
وقال المناوي : هي حمل النفس علي المشاق البدنية ومخالفة الهوى..
وقيل : هي بذلُ المستطاع في أمر المطاع وهو الله عزوجل .

ايها المسلمون الكرام :
مجاهدةُ النفس سمةٌ بارزه ذكرها الله جل وعلا في مناقب الانبياء والصالحين من عباده :
 فهذا نبي الله يوسف عليه السلام دعاه الشيطان إلى مقارفة الحرام مع امرأةِ العزيز التي زيّنت لها نفسها الأمَّارةُ بالسوءِ عَمَلَها فراودته عن نفسه، لكنه عليه السلام جاهد نفسه، ولم يستسلم للشيطان ولهواه، فأعلنها مدوّيه للتاريخ وللأجيال وعبر العصور والدهور :
 ( قال مَعَاذَ الله إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [يوسف:23]
ولم يكتف بهذا فحسب بل اعترف بعجزه وضعفه رغم مجاهدته، وسأل الله تعالى العافية من هذا الابتلاء، فدعا وقال :
 (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ) [يوسف].
وهذه الاستجابة من الله تعالى ليوسف عليه السلام كانت بعد مجاهدةٍ منه، وصدقٍ في التوجه إلى الله تعالى.
وهذا نبينا وقدوتناعليه الصلاة والسلام ..
تقول أمُّ المؤمنين عَائِشَةَ رضى الله عنها كماجاء في البخاري كَانَ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ ..
فَقَالَتْ عَائِشَةُ لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ :
« أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا » .
فَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ صَلَّى جَالِسًا فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ ، فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ) ..
وهو القائل عليه الصلاة والسلام من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال :
 «ألا أدلّكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدّرجات؟» قالوا: بلى. يا رسول الله، قال:
« إسباغ الوضوء على المكاره،( وهذا يحتاج مجاهده للنفس )
 وكثرة الخطا إلى المساجد، ( وهذا كذلك يحتاج لمجاهده )
وانتظار الصّلاة بعد الصََّلاةَ (وهذا يحتاج لمجاهده) ثم اختتم عليه الصلاة والسلام بقوله : فذلكم الرّباط » ..

ولما سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم مرافقته في الجنة قال له موصياً بمجاهده النفس :
" أعني على نفسك بكثرة السجود "
 وهذا يحتاج إلى مجاهدة، إذا حققها العبد بلغ ما تمنى، وأعطاه الله ما سأل؛ إذ نيل المطالب يحتاج إلى عمل، ولا تنال بالتمني فقط، فإذا اجتمع العمل مع صدق التوجه إلى الله عزَّوجلَّ نال العبد ما أراد.

وفي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال :
كنت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فأصبحت يوماً قريباً منه ونحن نسير، فقلت :
يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنّة ويباعدني من النّار. قال :
«لقد سألتني عن عظيم، وإنّه ليسير على من يسّره الله عليه، " تعبد الله، ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت» ثمّ قال :
«ألا أدلّك على أبواب الخير :
«الصّوم جنّة، والصّدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النّار، وصلاة الرّجل من جوف اللّيل ، قال ثمّ تلا :
" تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً حتّى بلغ ...(يَعْمَلُونَ) (السجدة/ 16- 17)
ثمّ قال: ألا أخبرك برأس الأمر كلّه وعموده وذروة سنامه؟» قلت: بلى يا رسول الله، قال :
«رأس الأمر الإسلام، وعموده الصّلاة، وذروة سنامه الجهاد» ..
ثمّ قال : «ألا أخبرك بملاك  ذلك كلّه؟» قلت:
 بلى يانبيّ الله، فأخذ بلسانه، وقال :
«كُفّ عليك هذا» فقلت: " يا نبيّ الله وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به؟ فقال :  ثكلتك أمّك يا معاذ، وهل يُكبّ النّاسُ في النّارِ على وجوههم أو قال : على مناخرهم إلّا حصائدُ ألسنتهم؟ ..

وروى البخاري ومسلم بسندهما عن أنس بن مالك أن أنس بن النضر قال بعد أن فاتته غزوة بدر :
لئن أشهدني الله قتال المشركين ليُرينِّ الله ما أصنع !.
فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون دخل يضرب في صفوف الكافرين حتى ُوجد به بضعٌ وثمانون مابين ضربةٍ بالسيف، وطعنةٍ بالرمح ورميةٍ بسهم،
وقد قُتِلَ ومثّلَ به المشركون فما عرفه أحدٌ إلا أخته ببنانه ونزل فيه قوله  تعالى -:
(مِّنَ المُؤمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَـاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيهِ‌ فَمِنهُم مَّن قَضَى نَحبَهُ وَمِنهم مَّن يَنتَظِرُ‌...)(الأحزاب: من الآية (23)
وهذا قطعا ًمرّ عبر مجاهدة كبيرة للنفس حتى ينال هذا الرضا الرباني.

ويقول امير المؤمنين علي بن ابي طالب رضي الله عنه -: “والله لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم  كانوا يصبحون شعثاً غبراً صفراً، وقد باتوا سجداً وقياماً، يتلون كتاب الله، يراوحون بين أقدامهم وجباههم”..

ولهذا معالجةُ النفسِ ومجاهدتَها من أعظم أنواع الجهاد؛ لأنه جهادٌ يستغرقُ العمرَ كلَّه، وإذا طال الأمد ضَعُفت النفس؛ فاحتاجت إلى مجاهدةٍ أكثر.
يقول سفيان الثوري رحمه الله تعالى :
(ما عالجت شيئاً أشدّ عليَّ من نفسي، مرةً لي ومرةً عليّ ).

 وكان عمر رضي الله عنه يخاطب نفسه، ويقهرها حتى لا تجمح به فتُخرجه عن الجادة فيدخل رضي الله عنه يوماً من الايام حائطاً فبدأ يخاطب نفسه ويعاتبها ويحاسبها ويأنبها، فيقول :
 (عمرُ بن الخطاب أميرُ المؤمنين، بخ بخ، والله يا ابن الخطاب لتتقينّ الله أو ليعذبنّك).

بل وكان عمر بن الخطاب يُقرّبُ المصباح من يديه ويضع أصابعه عليه فتلسعه نارُ السراج وهي نار ضعيفة خفيفة فيقول :
يابن الخطاب ألك صبر على مثل هذه ؟؟!!
فكيف بنار الآخرة ؟
ونار الدنيا جزءٌ من سبعين جزءاً من نار الآخرة ..

وهو القائل رضي الله عنه وارضاه :
 ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم وتزينوا للعرض الأكبر، ثم تلا : {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ (الحاقة:18).

فمجاهدةُ النفس يا كرام :
امرٌ مهم وضروه قصوى من اجل النجاة بها من سلاسل وأغلال يوم القيامه ..
ويوم التغابن يظهر فيه من حاسب نفسه اليوم ومن أهملها يوم القيامة :
{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا }(آل عمران:30).
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بمافيه من الايات والذكر الحكيم فاستغفروا الله لي ولكم ويا فوز المستغفرين ويا نجاة التائبين .

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ :
أما بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ
ايها الأحباب الكرام :
 يقول الله سبحانه وتعالى :          
{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ }(الحج:78).
إنّه أمرٌ لعموم المسلمين بالجهاد، كلٌ عليه واجب منه حسب استطاعته، وكما أمرهم سبحانه ان يتقوه حقّ تقاته كذلك أمرهم أن يجاهدوا فيه حق جهاده ..
والجهاد أربعُ مراتب :
جهادُ النفس وجهادُ الشيطان وجهادُ الكفار وجهادُ المنافقين .
والأصل والأساس هو جهاد النفس فإن العبد ما لم يجاهد نفسه أولاً فيبدأ بها ويلزمْها بفعل ما أُمرت به وتَركِ ما نُهيت عنه فانه لن يتمكن من جهاد عدوه الخارجي وقد ترك عدوه الداخلي التى هي نفسه .
تركها تخوض في لُجَجِ الشهوات والشبهات..
تركها تسرح وتمرح في غياهب المعاصي والمنكرات
تركها تعيش في دهاليز الظلم والظلمات ..
تركها ترتعَي في مراتع الأماني والموبقات ..

 نعم احبابي الكرام روّاد مسجد بلال بن رباح : الإنسان قد يجاهد غيره لكنه قد ينسى نفسه التي تحتاج إلى جهاده، فيذرها تركب هواها، وتنال مطلوبَها، ولا يحسب أنها تحتاج إلى مجاهدة، ويرى أنه على أحسن حال، أو على الأقل ليس أسوأ الناس، وهذا يقعده عن المجاهدة، فيسير في الردى، ويوشك أن يهلك..
سأل رجلٌ عبدَ الله بنَ عمر رضي الله عنهما عن الجهاد فقال رضي الله عنه :
 (ابدأ بنفسك فجاهدها، وابدأ بنفسك فاغزها).
وحيا من قال :
ابدأ بنفسك فأنهها عن غيها
                            فإنِ انتهت فأنت حكيمُ

والرسول صلى الله عليه وسلم يقول :
" المجاهدُ من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ".
 وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبة الحاجة :
 " ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئاتِ أعمالنا "

فَحُقَّ على العاقل الحازم المؤمن بالله واليوم الآخر ألا يغفل عن محاسبة نفسه في حركاتها، وسكناتها، وخطواتها، وخطراتها..
فالنفس إذا أُطْمِعَتْ طَمِعَتْ..
وإذا فَوضتَ إليها أساءت..
وإذا حملتها على أمر الله صَلُحت واستقامت .
 وإذا تركتَ الأمر إليها فسدت وأفسدت ..
فتكره مشقةَ الطاعة، وإن كان يعقُبُ ذلك لذة دائمة.                                      
وتُحبُ لذةَ الراحة، تحبُ لذةَ الدعه وإن كان يعقُبُ ذلك حسرة وندامة.
- فهي تكره قيام الليل وصيام النهار..
- تكره التبكير في الذهاب إلى المساجد ..
وكم من شخصٍ يجلس الساعات في المقاهي والأسواق ويبخل بالدقائق القليلة يجلسها في المسجد..
- تكره إنفاق المال في طاعة الله..
- تكره الجهاد في سبيل الله كما قال تعالى:
 {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }(البقرة:216).
- تكره الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله..
- تكره الخير وفعلَ الخير ورجال الخير ..
- تكره الصالحين وأهل التوحيد ..
- تكره القيام بالإصلاح بين الناس..
وهكذا ما من طاعة إلا وللنفس منها موقف الممانع المعارض..
فإن أنت أطعتها أهلكتك وخسرتها، كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }(الزمر:15).
إن أنت أطعتها فقد ظلمتها، حيث عرضتها لسخط الله وعقابه، وأهنتها وأنت تظن أنك قد أكرمتها حيث أعطيتها ما تشتهي وأرحتها من عناء العمل ومشقته فحرمتها من الثواب .

وقد يسأل سائلٌ الآن سؤالاً وجيهاً فيقول :
حدثتنا اليوم عن مجاهدةِ النفس لكن كيف نجاهد أنفسنا ؟؟
ولهذا السائل اقول نجاهد انفسنا بإحياء حبّ الّله تعالى في قلوبنا حتّى يكون حبّه سبحانه أرقى من حبّ النّفس والأهل والولد والمال وذلك بالإكثار من النّظر في الكون المنظور والكتاب المقروء، ودوام الذّكر، والتّلذذ بالأوراد الإيمانية من صلاة في اللّيل وقيام في النهار.

- نجاهد انفسنا بتعريفها بربها، وحملها على طاعته سبحانه ، وإلزامها أن تجلس على ركبتيها في المسجد لسماع درسِ علم ..

- نجاهد انفسنا بضبط جوارحنا، وضبط ألسنتنا وضبط دخلنا، وضبط إنفاقنا، وضبط سلوكنا ، وضبط أُسرِنا :
(ضبطُ الزوجه، ضبط البنات، ضبط الأولاد ) ..

- نجاهدُ انفسنا بإحياء الخوف من الّله تعالى في القلوب .                                    

- نجاهدُ انفسنا بقوّة الإرادة والعزيمة على مواجهة النّفس واليقين أنّ العبد مهما كان ضعفه إذا لجأ إلى ربّه واستعان به أعانه .

- نجاهدُ انفسنا بتذكر الآخرة وتذكر الجنة والنار،
وما معنى الجنة أو النار !!؟؟؟
إنّه ليس شيئاً هيّناً أن تفقد الجنة أو تدخل النار!
الإنسانُ يحزن إذا خسرَ بعضَ المال أو بعضَ الصفقات فكيف إذا خسرت الجنة .!!
وكيف إذا دخلت النار.!!
جسمي على الشمسِ ليس يقوي
                                ولا على أهونِ الحرارة
فكيف يقوى على جهنمٍ
                              وقودها الناسُ والحجارة

- نجاهدُ انفسنا بتذكر الموت ، فالموت أشد ما قبله وأهون ما بعده ..!
والمشكلة ليست مشكلة الموت ولكن ما بعد الموت أشد :
ولو أنا إذا مِتنا تُركنا < لكان الموتُ راحةً لكل حيٍ.
ولكنّا إذا مِتنا بُعثنا < ونُسألُ بعدها عن كل شيءٍ

إنّ بعد الموت بعثاً، وَإِنْ بعد البعث حشراً،
وإنّ بعد الحشر حساباً، وإنّ بعد الحساب ثواباً أو عقاباً، جنةً أو ناراً، لابد أن نتذكر كلِ هذا .

اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها ..
اللهم طهر اعمالنا من الرياء وألسنتنا من الكذب واعيننا من الخيانه وأنفسنا من المعاصي والمنكرات يا رب ياسميع الدعوات ..
اللهم اشرح صدورنا وآمن روعاتنا ويمن كتابنا ويسر حسابنا ورقق قلوبنا وثبت على الصراط أقدامنا ونجنا من كربات القيامه ياكريم يامتعال.

 عباد الله :
 أمركم ربُّكم جلَّ وعلا بأمر بدأ فيه نفسه وثنى به ملائكته المسبحه بقدسه وثلّث به عباده من جنّه وإنسه فقال تعالى قولاً كريمًا:
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا وحبيبنا وقدوتنا محمَّد بن عبدالله، وارضَ اللَّهم عن خلفائه الرَّاشدين ذوي المقام العليّ، أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن سائر الصَّحابة والتَّابعين...
---------------------------------------
للتواصل والاستفسار وإبداء الملاحظات :
جوال ( 00967777151620 )
ولمتابعه الخطب المكتوبه على الروابط التاليه :
١/
https://www.facebook.com/SheikhAhmedPage/
-----------------------
٢/
https://alahmed-ibb.blogspot.com/?m=1
-----------------------
٣/
 https://lecahmed.blogspot.com/
-----------------------
٤/
 http://talabah1.blogspot.com/?m=1
-----------------------------------
اللهم اجعلها صدقهً جاريهً لي ولوالدتي المرحومه..
وأنفع بها عبادك المسلمين اجمعين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
------------------------------------
              والحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

🎤 خطبــة جمعـــة بعنـــوان : [ الإســـتغفـــــــار ] إعـــــــداد وتنظيــــم وإلقـــاء : الاستـــاذ/ احمــــد عبـداللَّـه صــالح خــط...