الجمعة، 29 مارس 2019

🎤
خطبــة جمعـــة بعنـــوان :
[ الإســـتغفـــــــار ]
إعـــــــداد وتنظيــــم وإلقـــاء :
الاستـــاذ/ احمــــد عبـداللَّـه صــالح
خــطيب مسجــــد بـــلال بـن ربــاح/
الجمـــهوريـه اليمنيـــه - محــافظـة إب .
ألقيــت في 29 مــــارس  2019م
المـوافـــق 22 رجـــب 1440هـ
أمــا بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ          
ايهـــا الأحبــــاب الكــــــرام روّاد مـسجد بـــلال :
إنّ حالَ المسلمين اليوم يا عباد الله حالٌ شديدة،
فكوارث ومصائب تَحلُ بالأمة ..!          
وضعفٌ يواجههم في الدنيا ، وضعفٌ اخر أمامَ الكفار  ..
وابتلاءات ومتاعب ومصاعب وضوائق مالية أو ماديه او مشكلات عائلية أو ظروفاً نفسية أو مضايقاتٍ في عملٍ ونحوها مما يعتري الإنسان في رحلةِ الحياة.

ومن جهة اخرى انغماسٌ في الشهوات والملهيات والاشتغال بالدنيا ..

وقحطٌ ، وجدب ، واحتباسٌ للمطر، وانقطاعٌ للغيث،
من جهة اخرى ..

ومعاصي وذنوب وسيئات ومنكرات وتعديات ومخالفات من جهة رابعه ..

وهذه المصائب وهذه المحن تُعالج أو تخفف بما شرعه الله لعباده من وسائل مادية أو التجاءٍ لله بالدعاءِ أو استعانةٍ بالصبرِ والصلاة ...    
 بيد أنّ هنالك علاجاً نافعاً لكلِ ما يَحلُ بالأمةِ المسلمة ، وكذا ما يصيب الفردَ المسلم ...!
علاجٌ غَفِلَ عنه الكثيرون لأنهم اعتقدوا أنه لا يكونُ إلا لمحوِ الذنوبِ والخطايا فحسب ...!

       إنّه الاستغفار  يا عباد الله  ..!

دواءُ الذنوب ، ومطهرُ القلوب ..!
من أهمِّ القربات , وأعظمِ الطاعات..!
هو عُدّةُ التائبين، وملاذُ النادمين، وصفةُ عبادِ الله المتقين..
إنّه بَرَدٌ لقلوبِ العاصين، وأوبةٌ لعبادِ الله الغافلين، وسكينةٌ لنفوسِ الحائرين المضطربين .

بل إنّه أساسٌ لاستجلابِ الخيرات وحلولِ البركات ونزولِ النّعم وزوالِ العقوبات والنقم.

نعـــم أحبــــابــي وإخــــوانــي.          
بالاستغفار تُقالُ العثرات ، وتُغفرُ الزلات ، وتُكفّرُ  الخطيئات ، وتَرتفع الدرجات ، وتَعلو المنازل عند الله تبارك وتعالى ..

- وبالاستغفار يُرفع العبدُ من المقامِ الأدنى إلى المقامِ الأعلى ومن المقامِ الناقص إلى المقامِ الأتم والأكمل.

ومعنى “ أستغفر الله ” أي :
طلبُ العبد مِن ربِّه أن يمحو ذنوبَه ويستر عيوبَه..
والله سبحانه وتعالى من أسمائه تعالى الغفور؛ أي :
الذي يَتجاوز عن ذنوبِ عباده ويَستر عيوبَهم.

 والاستغفار أصله في اللُّغة من المِِغفر؛ أي :
الساتِر الحديدي الذي يَضعه المقاتِل على رأسه.
وكذا بالاستغفار يقي المسلم نفسه من الفتن والعذاب والمصائب والشدائد ..

 والاستغفار سنةٌ من سننِ الأنبياء والمرسلين، وطريقةٌ ووسيلةٌ للأولياءِ والصالحين، يلجؤون إليه في كلِّ وقتٍ وحين، في السراءِ والضراء،
فبه يتضرعون وبه يتقربون :
فهذا نبي الله آدم عليه السلام  وأمنا حواء كان ممّا قالا :
{ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } ( الاعراف 23).

وهذا نبيُّ الله نوح عليه السلام من دعائه :
{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَارًا}
 ( نوح 28).

وهذا نبي الله موسى عليه السلام لما قتل رجلاً من الأقباط قال : { قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } القصص 16).

وفي ايةٍ اخرى وهو يناجي ربه قائلاً :
( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ ۖ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) الأعراف  151

- وقال تعالى عن نبيه داود عليه السلام :
( فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۩ ) ص 24

- وذكر سبحانه عن نبيه سليمان عليه السلام دعاءه :
( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ) ص 35

فهؤلاءِ هم الانبياء ومع علو مكانتهم وعصمتهم واصطفائهم من رب العالمين؛ إلا انّ الاستغفار كان  دأبهم..
ولقد كان استغفارهم تعبداً وقرباً، وحمداً وشكرا..

وبواسطتهم أمرَ اللهُ النّاسَ عبر الأجيال أن يُقلِعوا عن المعاصي ، ويطلبوا الغفرانَ من الله على ما اقترفوه ، حتى ينالوا رحمتَه ويجتنبوا غضبه.

- فهذا نبيّ الله هود عليه السلام يعِظ قومه بقوله ﴿وَيا قَوْمِ إسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُمْ مدْرَارا وَيَزِدْكُمْ قُوَّة إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ ﴾.

- وهذا نبيُّ الله صالح عليه السلام يعظ قومه بقوله ﴿ لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ الله لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.

- وهذا شعيبٌ عليه السلام يرى قومَه على أسوأ الأخلاق مع الشرك والإلحاد، فيلحُّ في نُصحهم للإقلاعِ عمّا هم فيه من ضلال، خوفاً عليهم من عذاب الملك الجبار ويبشّرهم بأنّ ربَّهم رحيمٌ بعباده، ودودٌ بهم فقال :              
﴿ وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ﴾. ( هود 90).

وهذا خاتمُ المرسلين صلى الله عليه وسلم يوصي أمته بالاستغفار بقوله كما روى ذلك مسلم :
{ يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب في اليوم مائة مرة }..
وكما جاء في البخاري في صحيحه :
قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :
« وَاللَّهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً » ..

وهو القائل رضي الله عنه واصفاً حال النبي صلى الله عليه وسلم :
"  ما جلست إلى أحد أكثر استغفاراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

ويروى عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يعدون للنبي صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد سبعين مرة وفي بعض الروايات مائة مرة أنه يقول : { أستغفرك وأتوب إليك }.

والنبي عليه الصلاة والسلام إمامنا، وقدوتنا، وحبيبنا، وأعظم الأمة، وأعْبدُ العباد يقول في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه
عَنْ أَبِى بُرْدَةَ عَنِ الأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم قَالَ :
« إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ  ».
 ( إنّه ليغان على قلبي ).
 ليغان من الغين، والغين هو :
ما يتغشى القلب ، وما يغطيه ...
ويغان على قلبي أي :
ينتابه من الضيق، والضنك، ويشتته الغم والحزن، فيرده عليه الصلاة والسلام ويلمُّ شعثه بالاستغفار، بل بإكثاره وإطالة اللهج به .

وهل النبي عليه الصلاة والسلام يفعلُ المعاصي ليغانَ على قلبه ؟
          لا    ،،، لكن قالوا :
بما يشتغل به من مصالح أمته، والمباحات أحياناً، وما يكون من محاربةِ العدو، وتأليفِ المؤلفة ..
ونحو ذلك من مصالح الأمة التي يفكر بها فيَعتبِرُ أنّ هذا الانصراف عن الحضور ..
حضور الذهن والقلب مع الله إلى اشتغال القلب والذهن بمصالح الأمة؛ يعتبره غيناً على قلبه ،
 ومع انّ هذه الامور من الطاعات ..!

هل رأيتم هذه الدقة والحساسية التي جعلته يُكثر من الاستغفار حتى لا ينزلَ عن المستوى العالي.!

ونحن اليوم ننزل من مستوى أسفل إلى أسفل،
ومن مستوى ادني الى مستوى أدنى منه ..

فإذا كان من غُفر له ذنبه ما تقدم منه وما تأخر صلى الله عليه وسلم يقول :                
« إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة » ..

وهو عليه الصلاة والسلام مع عصمته ومكانته وعلو منزلته يأمره الله بالاستغفار، فيقول له :        
- (وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) [النساء: 106].  ويقول له :
- ( فَسَبِّـــحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ) النصر-3 - ويقول له :
- ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾.
 فكيف بمن هو دونه من الناس؟
فكيف بي وبك ..!
ونحن المقصرون ؟؟ ونحن المخطئون ؟!
ونحن العاصون؟؟ ونحن المذنبون ؟؟

فالاستغفار نجاةٌ للقلب ، ومطهرةٌ للذنوب
وسلوى للخاطر، وحياةٌ للأفئدة والأرواح ...
يُشــرعُ في كل وقت ، وفي أيِّ مكانٍ محترم ...
بيد أن للاستغفارِ أوقاتاً فاضلة من هذه الاوقات :
وقت السحر وهي الساعات الأخيرة من الليل
تلك الساعات الغاليه والثمينه والنفيسه التى يصف ربنا سبحانه عباده الصالحين فيقول :
( كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) [الذاريات:17-18].
وفي آية أخرى ﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ﴾.
وفي الصحيحين يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ينزلُ اللهُ تبارك وتعالَى إلى سماءِ الدُّنيا كلَّ ليلةٍ فيقولُ : هل من داعٍ فأستجيبَ له ؟
هل من سائلٍ فأُعطيَه ؟
هل من مستغفرٍ فأغفرَ له ؟ حتى يطلع الفجر "

وقال سفيان الثوري رحمه الله :
بلغني أنه إذا كان أوّلُ الليل نادى منادٍ ليقمِ القانتون فيقومون كذلك يصلون إلى السحر ..!
فإذا كان عند السحر نادى مناد :
أين المستغفرون فيستغفر أولئك ..
ويقوم آخرون فيصلون فيلحقون بهم ..
فإذا طلع الفجر نادى مناد :
ألا ليقمِ الغافلون فيقومون من فرشهم كالموتى نُشروا من قبورهم ..

كما يشرع الاستغفار في ختامِ المجلس أو الحديث كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه ما كان يقوم من مجلس إلا وقال :
{ سبحانك اللهم ربي وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك } ..
فحينما سئل عن ذلك قال صلى الله عليه وسلم :
« لا يقولهنّ من أحدٍ حين يقوم من مجلسه إلا غُفر له ما كان منه في ذلك المجلس ».

ويشرع للمصلي إذا انصرف من صلاته أن يقول: استغفر الله، استغفر الله، استغفر الله .. ثلاثا ..
لان بالاستغفار تَكملُ العبادة، ويُسد خللها، ويُعفى عن تقصيرٍ قد حصل فيها..

كما شُرعَ للحجاجِ إذا أفاضوا أن يستغفروا الله .
 لقوله تعالى :
﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ﴾.
ومن السنةِ كذلك ن تختم الخطبة الاولى من يوم الجمعه بالاستغفار ....
فأقـــــــول مـا سمـعتـــم واستغفـــروا اللـَّه لـي ولــكم مـن كل ذنـب فيـــا فــــوز المستغفـــريـــن
ويــا نجــــــاة التـــــائبــــــين ..

الخطبــــــــــــــــــــــــــــه الثانيــــه :
أمــا بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ                
احبتــــــي الگـــــــرام .. روّاد مســجد بــلال :
- إن الاستغفار له مكانته العظيمة ومنزلته العليّة في دين الله فهو أساسٌ لاستجلابِ الخيرات وحلولِ البركات ونزولِ النّعم وزوال العقوبات والنقم.
فهو منهج كامل ومنهج شامل لصلاحِ الدين والدنيا.
فما أحوجنا الى الاستغفار في زمن كثرت فيه الفتن والمحن والشدائد ..
وما أحوجنا الى الاستغفار في وقت كثرت فيه ذنوبنا ومعاصينا ..!
وما أحوجنا الى الاستغفار في حال قلت فيه الأمطار وأصاب بلادنا القحط والجدب ..!

وإذا كانت الدول والشعوب تتضررُ اليوم بسببِ الجفاف والجدب ولا يستطيع أحدٌ أن يستمطر السماء مهما أوتي من قوة ...!            
فإن الاستغفار وسيلةٌ لهطولِ الأمطار وازدهارِ الزراعة وحصولِ النماء وكثرةِ الرزق والعزّة والمنعة، اقرؤوا إن شئتم ما قاله نوح لقومَه ناصحاً لهم :
﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾.

فمن اراد الغيث فإنّ الاستغفار سببٌ لنزولِ الغيث من السماء  ..! ( يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا )..

ومن يتمنى الغنى بعد الفقر فإنّ الاستغفار سببٌ لكثرة المال ..( وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ )..

ومن اراد البنين والأولاد فإن الاستغفار سببٌ لمجيء لبنين ..( وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ  ) ..

ومن اراد جنَّه ربه ورضوانه ونعيمه وجنانه فإنّ الاستغفار سببٌ لدخولِ الجنة  ..!
( وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا )...

وهذا الفاروق عمر رضي الله عنه يخرج يوماً ليستسقى فلم يزد على الاستغفار، فقالوا :
ما رأيناك استسقيت ؟
 فقال :
لقد طلبتُ الغيثَ بمجاديحِ السماء الذي يُستنزل به المطر، ثم قرأ هذه الآيات :
﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴾
                                     
وجاء رجل إلى الحسن البصري يشكو إليه الجدب والقحط، فأجابه قائلاً :
         استغفرِ الله ..!
ثم جاءه رجل آخر يشكو الحاجة والفقر، فقال له :                                استغفرِ الله ..؟
ثم جاءه ثالثُ يشكو قلة الولد، فقال له :
    استغفرِ الله ..!
فتعجّبَ القوم من إجابته، فقالوا له في ذلك ؟‏
فقال :‏
ما قلت من عندي شيئاً إنّ الله تعالى يقول في سورة نوح :
﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾.

فمـــا اجمـــل الاستغفــــار ..!                  
وما اروع تلك الألســن التى تلهج بالاستغفار دون كسلٍ او كللٍ او مللٍ ..
والأجمــل من ذلك تلكمُ العبارات وتلكم اللوحات الرائعه التى نجدها معلقةً على الابواب المزدحمه وعلى جدران وصالات الانتظار في البيوت او المشافي او المدارس او المكاتب الحكوميه :
  (( دقائقُ الانتظار أملأها بالاستغفار ))

وتلكم الدقائق التى ملأتها بالاستغفار ستملأ صحيفتك بالحسنات وترفع لك الدرجات وتطرد عنك الشيطان ..!
ففي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « إن الشيطان قال : وعزتك يا رب! لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب تبارك وتعالى :
وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني».

فالله سبحانه يدعونا إلى الاستغفارِ من خطيئاتنا، وهو القائل سبحانه :                  
( وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ)
هود 3.  
وقال في الحديث القدسي :
« يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم ».

وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
« قال الله : يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني إلاّ غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ..
يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي ..
 يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة» ..
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ
إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾

اخــــيراً احبتي الكــــرام :          
يتعدد حشر الخلق ويختلف عرضٌ البشر
ويتباين عرضُ النَّاسِ يوم القيامه ...
فمجموعات من الناس يأتون ووجوههم كالحه
عليها الظلمةُ والسواد ..
واخرون يأتون ويظهر على محياهم الكآبةُ والإحباط ....
وآخرين يأتون محمّلين بأوزار غيرهم ..

بينما يأتي أناساً اخرون يوم القيامة وهم
في غايةِ السُّرورِ والحبور ..!
في غايةِ الفرحِ والبهجه .!
في غايةِ الابتهاجِ والغبطه .!
في غايةِ السعادةِ  والمرح ..!
إضافةً الى الثواب الجزيل والأجر العظيم والرحمة والمغفرة والعتق من النار والسلامة من العذاب الذي يمنحون إيّاه من رب العزة والجلال سبحانه..!
             أتدرون من هـــمْ ؟

         إنّهـــم المستغفـــرون ...

 قـال عليه الصــلاة والســلام كما روى ذلك
ابن ماجة ومسند البزار من حديث عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُسْرٍ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
« طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا ».

وفي المعجم للطبراني عن الزبير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال :
” من أحب أن تسره صحيفته فليكثر فيها من الاستغفار ” .

وأولى من يُستغفرُ لهم الوالدان تأسّياً بالأنبياء، وطاعةً لله عزوجل حيث قال :        
﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الاستغفار للوالدين ينفعهما فقال :
{ إنّ الرجل لترفع درجته في الجنة، فيقول: يا رب! أنّى هذا؟ فيقول : باستغفار ولدك لك }.

فعليكم بالاستغفار ياعبـــاد الله :
أكثروا منه في بيوتكم، وعلى موائدكم وعلى فرشكم، وفي طرقكم وأسواقكم وسياراتكم وأينما كنتم، فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة ..

وليكن الاستغفار ماحياً للذنوب والخطايا محققاً للسعادة والرخاء للفرد المسلم والمجتمع المسلم والأمة المسلمة جالباً لخيرات الأرض وبركات السماء ..
ليكن الاستغفار سلاحاً يُصدُ به عاديات الظلم والطغيان وتسلط الأعداء ومنكرات السفهاء والأمراض المعدية والزلازل والفيضانات وسائر الابتلاءات...

اللهم لا تردنا من هذا المقام إلا بذنب مغفور وسعي مشكور وتجارة رابحةٍ لن تبور ..

اللهم استرنا ولا تفضحنا وأكرمنا ولا تهنِّا وكن لنا ولا تكن علينا..
اللهم اغفر لنا الذنوب التي تهتك العصم..!
 واغفر لنا الذنوب التي تنزل النقم ..!
 واغفر لنا الذنوب التي تحبس الدعاء ..!
واغفر لنا الذنوب التي تقطع الرجاء.!
 واغفر لنا الذنوب التي تُنزل البلاء ..!
واغفر لنا الذنوب التي تبدل النعم ..!

اللهم ارحم ضعفنا واجبر كسرنا واغفر ذنبنا واستر عيوبنا وفرج كربنا واكشف همنا وأزل غمنا وفك أسرنا واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا ..!

اللهم ارفع عن بلدنا الغلاء والربا والوباء والبلاء
والزلازل والمحن وسوء الفتن ماظهر منها ومابطن .

اللهم انّا نستغفرك إِنَّكَ كنت بنا غفاراً فأرسل السماء علينا مدراراً ..

اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ..
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من المحرومين ..
اللهم اسقنا الغيث ولا تهلكنا بالقحطِ والسنين ..
اللهم سقيا رحمة لا سقي عذاب، ولا بلاء، ولا هدم، ولا غرق..

اللهم أسقنا غيثاً، مغيثاً، هنيئاً، مريئاً، غدقاً، مجللاً، عاماً، طبقاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل ، يا أرحم الراحمين.

اللهم اسقنا غيث الايمان في قلوبنا وغيث العافيه في ابداننا وغيث الرحمة في اوطاننا ..
اسقي البلاد أقصاها وأدناها وانت ارحم الراحمين..
ثم اعلموا انّ الله أمركم بأمرٍ بدأ به نفسه وثنى به ملائكته المسبحةِ بقدسه وثلّثَ به عباده من جنِّه وإنسه فقال :-
(( إنَّ اللّهَ وملائِكتَه يُصلونَ على النَّبي يا أيَّها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ))....
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك، يا أرحم الراحمين.
------------------------------------
للتواصل والاستفسار وإبداء الملاحظات :
جوال ( 00967777151620 )
ولمتابعه الخطب المكتوبه على الروابط التاليه :
١/
https://www.facebook.com/SheikhAhmedPage/
-----------------------
٢/
https://alahmed-ibb.blogspot.com/?m=1
-----------------------
٣/
 https://lecahmed.blogspot.com/
-----------------------
٤/
 http://talabah1.blogspot.com/?m=1
-----------------------------------
اللهــــم اجعلـــها صــــدقةً جـــاريــةً لــــــي ولــوالدتي المرحــــــومه..
وأنفــــع بها عبــــادك المسلمــين اجمعـــين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
--------------------------------
    والحَمْـــــــدُ للّــه رَبِّ العَـــــــالَمِــين

الجمعة، 22 مارس 2019


خطبــة جمعـــة بعنـــوان        
{الصحابي الجليل سعد بن معاذ رضي الله عنه }

إعــــداد وتنظــيم وإلقـــاء :
الاستـــاذ/ احــمــد عبـدالله صــالح
خــطيب مســجد بــلال بن ربــاح
الجــمهــوريه اليـمنيه - محــافظـة إب .
ألـقيت في  1 ابـريل 2016 م
الموافق  23 جمــاد الاخـــر 1437 هـ

أما بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ        
ايهــا الأحبــاب الكـــرام :      
أجدد الترحيب بكم من هنا من منبر المصطفى صلى الله عليه وسلم ولنعيش مجدداً وفي نصف ساعةٍ تقريباً بصحبة صحابي جليل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
ومع رجلٍ عظيم حوى لؤلؤة السياده ، وتملّك زمام القياده ..
بهرَ الناس بشجاعته ، وبزّهم ببيانه ، وفاقهم برأيه وحكمته ..
كان من اعظمِ الناس جَنَاناً ، وأقومهم سلطاناً، وأصدقهم هدىً وإيماناً .
كان من جيل القرآن الذين تربّوا على مأدبته ينهلون بلا ارتواء ، ويعملون بلا انقضاء ، ويمضون على اهتداء ..!
رفعَ الاسلامُ من بطولته ، واعلا من كلمته ، وزاد من فضله وقيمته..
لم يكن ليسعدَ بلا ايمان ، ولا ليعزَ بلا قرآن، فسارع رضي الله عنه وارضاه مع المسارعين وبادر مع المبادرين ، وسابق مع المتسابقين، وجانب طرائق المخالفين.!

وما إن غمرته السعاده ، واحتواه الايمان ، وخالطت العقيده بشاشة قلبه إلاّ وقام ينفضُ غبار الوثنية ، ويجعل النخوة الجاهليه نخوةً اسلاميه :
تُقيمُ الحق ، وتزهقُ الباطل ، وتصلح الخلل والاعوجاج .!
فهو في اول ايام إسلامه داعيةً صداح ، وخطيباً مفوه ، يَصبُ الكلمات صباً ، وينشرها اريجاً ومسكاً ، ويؤلفها ريحاناً وعطراً .
نادى في قومه أن لاعزّ لكم إلاّ بالإسلام ، ولا حياة لكم إلاَ بالإيمان فقال لهم ووجهه مشرقٌ بالإيمان وقلبه غامرٌ بالسعاده :
( يابني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري معكم ؟!
قالوا : سيدنا وافضلنا رأياً وأيمننا نقيبه ..
فقال : فإن كلام رجالكم ونسائكم علىّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله ) ..
لقد شقّت هذه الكلمات دياجير الظلمات وأعادت في المدينه البسمه بعد التعاسه والنكبات .
فما أمسى فيهم رجلٌ ولا أمرأه إلاّ مسلماً ومسلمه سوى رجلٌ واحد ..
فياترى من هذا الهادي المعلم ..؟!
ومن هذا الناصحُ الأمين .؟!
ومن هذا الاسدُ العملاق ؟!
ومن هذا الفيلسوف البارع .؟!
ومن هذا القائد الشجاع  .؟!

انّه الصحابيُ الجليل الذي ما اهتز لموته جبل
ولا اهتزت ارض .!
إنّما اهتز لموته عرش الرحمن ..!
انّه الصحابي الملهم ( سعد بن معاذ رضي الله عنه وعن الصحابه اجمعين )
هو ابن النعمان السيد الكبير الشهيد ابو عمرو الأنصاري الاوسي الاشهلي البدري ..
ولد في السنه التاسعه عشره قبل الهجره ..
وأسلم رضي الله عنه وارضاه قبل الهجره وعمره واحداً وثلاثون على يد الصحابي مصعب بن عمير رضي الله عنهما ..
كان رجلاً ابيضاً طوّالاً ، جسيماً ، أعيناً ، حسنَ الوجه ، حسنَ اللحيه .
شهِدَ بدراً وأُحداً ورُميَ يوم الخندق فعاش بعدها شهراً ثم انتفض جرحه فمات على اثره .

احبابي الكرام روّاد مسجد بلال بن رباح :
ذلك الرعيلُ المؤمن اخرج لنا سعد بن معاذ الامير القائد ، والبطل المجاهد ...
فتعالوا معي على جناح السرعه لنسمع لشيءٍ من أخباره ، ونجني من أزهاره واعطاره من الدروس والعبر المفيده التى نحتاجها في حياتنا ..
ففي غزوه بدر الگبرى عقد الرسول صلى الله عليه وسلم مجلساً عسكرياً استشارياً لملاقاة المشركين وصدّ عدوانهم خارج المدينه فجمع في هذا المجلس كبار الصحابه وطلب مشورتهم :
فقام ابوبكر الصديق رضي الله عنه فقال وأحسن
ثم قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال وأحسن .
ثم قام المقداد بن عمر رضي الله عنه فتكلم وأحسن .
وبعد سماع النبي الكريم لهؤلاء الثلاثه القاده
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
" أشيروا علىّ أيَّها الناس "
ففطن قائدُ الأنصار سعد بن معاذ لمايريده رسول الله فقال سعد :
والله لكأنّك تريدنا يارسول الله .؟!
قال : اجل .
فقام عندها سعد بن معاذ وهو يجلجل بكلماته ويقول :
لعلك تخشى ان تكون للأنصار حقاً عليها ان لا تنصرك إلاّ في ديارهم !!
وانّي من هنا اقول عن الأنصار وأُجيب عنهم :
فاظعن حيث شئت يارسول الله ، وصِل حبل من شئت ، واقطع حبل من شئت ، وخذ من أموالنا ماشئت ، واعطنا ما شئت وما أخذت منا يارسول الله كان أحبّ إلينا مما تركت ، وما أمرت فيه من امر فنحن تبعٌ لأمرك ، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك ماتخلف منا رجلٌ واحد ، وما نكره ان تلقى بنا عدونا غداً وإنّا لصبرٌ عند الحرب ، صدقٌ عند اللقاء لعل الله ان يريك فينا ماتقر به عينك ."
ما أجملها من كلمات ! وما اروعها من عبارات !
لقد وثّقَ سعد بن معاذ بهذه الكلمات الرنانه البيعه الصادقه،  وزاد من تأكيدها ، مقرراً خوض المعركه بالأنفس الباسله التى تجتاح جموع الشرك في اشد الاوقات واحلك الظروف .!
إنّها شعار الإقدام والبساله ، وعنوان التضحيه والجسارة .!
فلسنا على الاعقابِ تُدمى كلومنا
                       ولكن على أقدامنا تقطر الدما        
تأخرتُ استبقي الحياة فلم اجد
                         لنفسي حياةً مثل ان اتقدما
نفلقُ هاماً من أناسٍ اعزةٍ علينا
                                 وهم كانوا اعقّ واظلما
لقد تهلل وجه النبي صلى الله عليه وسلم على وقع هذه الكلمات وسُرّ لكلام سعد سروراً كبيراً ثم قال:
"سيروا وأبشروا فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأنّي الآن انظر الى مصارع القوم ".

اخــــواني واحبـــــابي  الكـــــرام :
وفي وقتٍ اخر ، وموقف اخر ، ومشهدٍ اخر ، وغزوةٍ اخرى وفي ساعةٍ نكباء مدلهمه كما قال عنها الله :
( إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا • هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا )  الأحزاب (10)( 11 )

انّه يوم الخندق ورسول الله يريد ان يفاوض غطفان على ثمار المدينه مقابل الرجوع بجيشهم
فيستشير الرسول الكريم السعدين :
سعد بن معاذ ، وسعد بن عباده في محاولة فك الحصار عن المدينه بعد ان طوقها الكفره فقال حينها السعدين لرسول الله :
يارسول الله إنّ كان الله امرك بهذا فسمعاً وطاعه وإن كان شيء تصنعه لنا فلا حاجه لنا فيه ،
لقد كنا نحن وهولاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان وهم لايطمعون ان يأكلوا منها ثمرة إلا ضيافةً او بيعاً ، فحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له واعزنا بك نعطيهم أموالنا !!!!
والله لا نعطيهم إلا السيف فصوّب الرسول صلى الله عليه وسلم رأيهما وقال :
" إنّما هو شيء اصنعـــــه لكم لمّا رأيت العرب قد رمتكم عن قوسٍ واحده "
لقد طغت قوة الايمان على الحسابات العسكريه والخطط الاستراتيجية التى اذا بولغ بها فيها زعزعت العقيده وأورثت فزعاً واضطراباً وجُبناً وانكساراً ..!
فهذه الكلمات العظام شعّت باليقين الراسخ الذي هدهدَ غطرسة الشرك ، وفلّ جموع الباطل ، واحيا مادة النصر، ورفرف بيارق العز والسعاده :
( وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) الحج (40)

احبــــابـي وإخــــواني الكـــرام :
وفي ساعةٍ اخرى شديده تدنو فيها سهام الموت ويتسع البلاء بسعد بن معاذ رضي الله عنه
فأصيب في يوم الخندق بسهمٍ صدّ من تقدمه
وأوقف جهاده وإصراره ، لكنه رضي الله عنه وارضاه لم يفقد الأمل ولم يتذرع بالوجع بل يصنع الطموح في وقت الجراح ويُولّد العزيمه أثناء الكروب والشدائد ..!
 ففي مسند احمد بسندٍ حسن قال سعد بن معاذ عندما أصابه السهم يوم الخندق ...
واسمعوا لهذه الكلمات الذهبيه التى نطقت بها لسان الصدق والزهد والشجاعه والورع :
" اللهم ان كنت أبقيت من حرب قريش شيئاً فأبقني لها !!
مازالت نفسه تتوق لقتال المشركين .!
مازالت نفسه تتعطش للجهاد في سبيل الله .!
مازالت نفسه تتمنى الذود عن دينها وعقيدتها .!
"  اللهم ان كنت أبقيت من حرب قريش شيئاً فأبقني لها، فإنَّه لا قوم أحبّ إليّ من ان اجاهدهم فيك من قومٍ آذوا نبيك وكذبوه وأخرجوه .!
ثم قال : اللهم ان كنت وضعت الحرب بيننا فاجعلها لي شهاده ولا تُمتني حتى تُقرّ عيني من بني قريظه "
يا لها من كلمات ! ويا لها من امنياتٍ  !
يا لها من عباراتٍ سطرها التأريخ بحروفٍ من ذهب لتكون عبرةً للأجيال تلو الأجيال الى قيام الساعه .
من يجود بمثل هذه الكلمات في موطن البلاء والسقم ..!
من يعالج في نفسه حبّ الدعة والارتياح ..!
من تشتاق نفسه لميادين الرهب والخوف .!
انه لقلب المؤمن الذي أشرق بالقرآن وامتلأ بالإيمان .
انه قلبُ سعد بن معاذ الذي لم يُقِمْ للدنيا وزناً
ولم يرفعْ لها رأساً ، ولم يهبها عقلاً او بالاً .!

لقد صانه الله من ان يكون من عبيد الدنيا ، ومن ان يكون ممن  يلهثون وراء فتاتها ، ويخدعون بمفاتنها وبضلها المزيف وسرابها الخادع .!
فبات رضي الله عنه وارضاه طالباً للاخره وساعياً للشهاده وراغباً فيما عند الله :
( فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) الشورى (36)

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا , وأستغفر الله لي ولكم ويا فوز المستغفرين ويانجاة التائبين ...

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ :                              
أما بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ
ايها الأحباب الكرام :
وفي يومٍ من الايام الحزينه التى مرت على المسلمين يموت الاسدُ في عرينه من اثر السهم الذي أصيب به يوم الخندق .!
مات الاسدُ سعد بن معاذ بعدما حكم في بني قريظه بحكم الله تعالى .!
مات سعد بن معاذ ومات جسده في عام الخندق سنه خمسه من الهجره وعمره يناهز السابعه والثلاثون عاماً..
يقول عنه عبدالرحمن عن جابر عن ابيه :
لمّا انتهوا الى قبر سعد بن معاذ نزل فيه اربعه :
( الحارث بن أوس ، وأسيد بن حظير ، وابو نائله ، وسلمه بن سلامه ).
ورسول الله واقف ينظر فلمّا وُضعَ سعد في قبره تغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم وسبح ثلاثاً فسبح المسلمون لتسبيحه حتى ارتج البقيع، ثم كبر ثلاثاً وكبر المسلمون لتكبيره .!
فَسُئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال:
تضايق على صاحبكم القبر وضُمّ ضمه لو نجا منها احد لنجا منها سعد بن معاذ ثم فرّج الله عنه"
أدركته رحمه الله وعنايته .!
انه القبر يا مسلمون الذي سيحتظن ويضم بضمته الجميع المسلم والكافر البر والفاجر الابيض والأسود الذكر والانثي الحر والعبد الغني والفقير والصعلوك والأمير .!
فإما ان تكون ضمةُ رحمةٍ وحنانٍ وشفقةٍ  ورأفه كضمة الأم لوليدها ..!
او ضمة عذاب وويل وهلاك وخسران تختلف لصحابها أضلاعه .
القبر روضـةٌ من الجنـــان
                       او حفــرة من حفـرِ النـيــران
ان يكُ خــيراً فالذي من بعده
                           افضــل عند ربنـا لعـبده
وان يكُ شــراً فالذي من بعده اشــد
                    ويلٌ لعـبدٍ عن سبيـل الله صـد
ركوبك النعش ينسيك مـا
                كنت تركــبُ من بغــلٍ ومن فــرسِ
يـوم القيامه لا مــالٌ ولا ولــدٌ
                 وضمةُ القـبر تنسي ليلة العــرسِ
نعم احبــابي الكـــرام :
ضمّ القبر سعداً وهو احد الصحابةِ الأجلاء الذين أبلوا بلاءً حسناً ، ونصر الله ورسوله ، وقدم روحة في سبيل دينه وعقيدته ..
ضمّ القبر سعداً وهو الصحابي الوحيد الذي اهتز لموته عرش الرحمن ، وفُتّحت له ابواب السماء كما قال ذلك رسولنا الكريم في حديثه :
( هذا العبد الصالح الذي تحرك له العرش وفُتّحت له ابواب السماء وشهد جنازته سبعون الفاً من الملائكه لم ينزلوا الى الارض قبل ذلك )..
فأيُّ كرامة هذه ..!
وايُّ فضل هذا الذي ناله سعدبن معاذ بأن تُفتّحُ له ابواب السماء ، ويشهد جنازته سبعون ألفاً من الملائكة ، ويتحرك ويهتز لموته عرش الرحمن والعرش خلقٌ مسخر اذا شاء ان يهتز اهتز بمشيئة الله وفي هذا شعوراً بحب سعد واستبشاراً به وسروراً بقدومه .
يقول ابي سعيد الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه :
" اهتز العرش لموت سعد بن معاذ من فرح الرب عزوجل ".
وقال ابن عمر رضي الله عنه :
" اهتز العرش لحبِ لقاء الله لسعداً ومن احب الله واشتاق اليه أحبّ الله لقاءه ".

فبالله عليكم احبتي ماالذي فعله سعد لينال هذا الوسام ويحوز هذا الشرف !!
نعم /
ماذا قدم سعد ؟ وماذا فعل لينال هذه الدرجه الرفيعه والمنزله العاليه ؟
ما عبادته ؟ ما صيامه ؟ ما قيامه ؟ ما جهاده ؟
لينال كرامةَ ان يهتز له عرش الرحمن وتنزل حشود من الملائكه لتشييعه .!

وفي كم من العمر أمضاه في خدمه دين الله والجهاد والدعوه في سبيل الله ؟؟!!
في عمر قصير لا يتجاوز الست سنين..
فلقد اسلم وعمره احدى وثلاثون ومات وعمره سبعاً وثلاثون .
بمعني ست سنوات فقط قضاها في طاعه الله وطاعه رسوله ، وخدمة دينه ومجاهده أعداءه.
ست سنوات كانت كفيله لئن يهتز العرش فرحاً به واستعدادا لاستقباله .

بيد انه رضي الله عنه وارضاه كما قيل عنه
وقف اربعه مواقف لم يقفها إلاّ سعد :
الموقف الاول :
في الدعوة الى الله حين دعا قومه الى دين الله وقال لهم بلسان الشجاع :
( إنّ كلام نساءكم ورجالكم عليّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله فما أمسى فيهم رجلٌ او امرأه إلاّ مسلم ومسلمه )..
الموقف الثاني :
موقفه في الجهاد في سبيل الله فلقد شهد بدراً وأُحداً والخندق ونافح وكافح في سبيل نصر الدين وحماية العقيده .
الموقف الثالث :
موقفه في الذبّ عن عرض النبي صلى الله عليه وسلم ومن أهمها في حادثة الإفك وهو يسمع رسول الله يخطب ويقول :
( من يعذرني في رجلٍ آذاني في بيتي )
فقال سعد بن معاذ : انا أعذرك ان كان من الأوس ضربتُ عنقه )
الموقف الرابع :
موقفه في البراءه من الموالي والأولياء من دون الله وذلك حينما حكم في بني قريظه بحكم الله ورسوله

فاستحق رضي الله عنه وارضاه بهذه المواقف وهذه الحياه القصيره في ست سنوات فقط
ان يهتز له عرش الرحمن وان يشيعه سبعون الفاً من الملائكه .
ست سنوات فقط كانت كفيله لئن يكون هذا الهمام من اهل السبق والفضل ومن الذين انعم الله عليهم.
فأين انت يا من عُمّرت عمراً طويلاً وليس في هذا العمر كثير صلاة ولا قيام ولا دعوه ولا صدقه ولا علم او تعليم ولا نصيحة او توجيه ولا ذكر او تسبيح ولا اخلاق او معاملةٍ حسنه..

انّما عمراً قد نعيشه فنخرّب فيه اكثر مما نعمّر ..!
ونفسد اكثر مما نصلح ..!
عمراً يحتويه الظلم والأجرام والحرام والقطيعه ..
عمراً فيه اكل حقوق الناس واستحلال دماءهم .!

هذا هو الدرس الذي يجب ان نقتطفه من سيرة الصحابي سعد بن معاذ رضي الله عنه وهو
ان العمر في متناولك انت فقط اخي الكريم
وبمقدورك ان تخدم به دينك واسلامك وعقيدتك
وتنفع فيه اهلك واولادك واسرتك ومجتمعك ووطنك

ولذلكم احبابي الكرام :
مات سعد بن معاذ سيد الأنصار لكن لم تمت أخباره البهيه ولا آثاره المرضيّه ..!

مات سعد مفارقاً الدنيا ، تاركاً مباديء رواها واخلاق أحياها ، ومُثلاً اسسّها وبناها..

مات سعد وأبقى لنا تراث البطوله الصادقه والتضحيه الجباره التى تعيش لتسموَ بالإسلام وتُعزَ لتعلي اهله كالاطواد والاعلام ..

مات سعد وخلّف لنا عقيدة الايمان بالله التى لاتخشى النكبات ، وتتحدى الرزايا والابتلاءات..

مات سعد بعد ان علّمنا دروس في الصبر والعزيمه والإحتمال ، وشرح لنا الحزم في المواقف وشدة البأس في النزال ، والفدائيه إذا حانت الساعه ، ومنهاج السلامه لطلاب السلامه ، وطريق الاخره لمرتجي الثواب العظيم والمقام الكريم..

فطبت حياً وطبت ميتاً ، وسلامٌ عليك يوم أسلمت ويوم جاهدت ويوم متّ ويوم تبعثُ حياً ورضي الله عنك ورضي الله عن الصحابه اجمعين والى الملتقى غداً في دارٍ تجمع سلامة الاديان والابدان الى جوار الانبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحَسُنَ اولئك رفيقاً ..
( مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ) الأحزاب (23)
عباد الله :
 أمركم ربُّكم جلَّ وعلا بأمر بدأ فيه نفسه وثنى به ملائكته المسبحه بقدسه وثلّث به عباده من جنّه وإنسه فقال تعالى قولاً كريمًا:
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا وحبيبنا وقدوتنا محمَّد بن عبدالله، وارضَ اللَّهم عن خلفائه الرَّاشدين ذوي المقام العليّ، أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن سائر الصَّحابة والتَّابعين...
ان الله يأمر بالعدلِ والإحسان وآيتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ... وأقم الصلاه ...
---------------------------------------
للتواصل والاستفسار وإبداء الملاحظات :
جوال ( 00967777151620 )
ولمتابعه الخطب المكتوبه على الروابط التاليه :
١/
https://www.facebook.com/SheikhAhmedPage/
-----------------------
٢/
https://alahmed-ibb.blogspot.com/?m=1
-----------------------
٣/
 https://lecahmed.blogspot.com/
-----------------------
٤/
 http://talabah1.blogspot.com/?m=1
-----------------------------------
اللهم اجعلها صدقهً جاريهً لي ولوالدتي المرحومه..
وأنفع بها عبادك المسلمين اجمعين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
------------------------------------
              والحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِين

الجمعة، 15 مارس 2019

🎤
خـطبــــة جمعــــــة بعنـــــــــــوان        
{ التسبيــح من أحـــبُّ الكــلام الــى اللـه }
السلسـله الثـانيه لأحـب الاعمـــال الـى اللـه
                          الخـــطبه {{ 22 }}
إعـــــــداد وتنظيــــم وإلقـــاء :
الاستـــاذ/ احمــــد عبـداللَّـه صــالح
خــطيب مسجــــد بـــلال بـن ربــاح/
الجمـــهوريـه اليمنيـــه - محــافظـة إب .
ألقيــت في 15 مــــارس  2019م
المـوافـــق 8 رجـــب 1440هـ
أمــا بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ          
ايهـــا الأحبــــاب الكــــــرام روّاد مـسجد بـــلال :
عن عملٍ جديد وطاعةٍ جديده وعبادةٍ جديده من تلكم العبادات التى يحبها الله جل وعلا ضمن سلستنا المباركة لأحب الاعمال الى الله أحدثكم اليوم..
وعمل اليوم عملٌ مهم وعبادة مهمه لابد ان ترافقنا على الدوام في كل شئوننا ..
ولابد ان تلازم حياتنا في كل ساعه بل في كل لحظه ..
ففي صحيح الجامع من حديث ابي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أحبُّ الكلامِ إلى الله أن يقول العبد :
سبحان الله وبحمده "..
وفي الحديث الاخر يقول عليه الصلاه والسلام :
" أحبُّ الكلامِ إلى الله تعالى ما اصطفاه الله لملائكته :
" سبحان ربي وبحمده ، سبحان ربي وبحمده سبحان ربي وبحمده " .
وفي الحديث الذي رواه مسلم من حديث سمرّة بن جندب رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أحبُّ الكلامِ إلى اللهِ تعالى أربع :
سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا يضركَ بأيْهُنّ بدأت ".

ولهذا عبادة اليوم التى يحبها الله وكلام اليوم الذي يحبه الله وعمل اليوم الذي يحبه الله هو عملٌ من أعمال اللسان ..
      إنّه ( التســـبيح ) يا كـــــرام ..!
التسبيح ثم التسبيح ثم التسبيح  ..!
وما اكثر تقصيرنا في هذة العباده العظيمه ؟!
وما اكثر تلك الاوقات التى تنقضي بلا تسبيحٍ للملك جل في علاه ..!
وما اكثر تلك الساعات التى تمر على البعض منا بلا تسبيح لله ..
وما اكثر تلك الايام التى التى تمضي على اكثرنا بلا تسبيح لله ..
بل ما اكثر تلك السنون التى انصرمت على الأغلب منا ولم يسبح فيها لله الواحد القهار ..
وكلها ستنقلب على العبد حسرةً وألماً وحزناً وندامةً يوم القيامه وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم : "ما من ساعةٍ تمر بابن آدم لم يذكر الله فيها إلا تحّسرَ عليها يوم القيامة ".
ولذلكــــم
التسبيح هو الثناءُ الكامل على الله مع رغبةٍ ورهبة.
ويُعرّفُه العلامة المفسر الشنقيطي رحمه الله في تفسيره :
" بأنّه تنزيه الله عن كلِّ ما لا يليق بكماله وجلاله "

ورد ذكرُ التسبيح في القرآن أكثر من ثمانين مرة بصيغٍ مختلفة وأساليب متنوعة بصيغة الأمر وصيغة الماضي وصيغة المضارع وصيغة المصدر.

كما أورد الله سبحانه التسبيح في مفتتح ثماني سور من القرآن الكريم : ( في سورة الحديد وسورة الحشر وسورة الصف وسورة الجمعة وسورة التغابن وسورة الإسراء وسورة الأعلى ).

وهذا رسولنا وحبيبنا ومعلم البشريه عليه الصلاة والسلام الذي غفر الله له من ذنبه ماتقدم وماتأخر
ومع ذلك يدعوه ربه سبحـــانه ان يكون له من المسبحـــين فيقــــول له :
( سَبِّـــحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ) الأعلى - 1 -
ويقول له :
( فَسَبِّــحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيم ) الواقعه 96 -
وفي سورة التوديع :
( فَسَبِّـــحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ) النصر-3 -
وفي سورة الحِجر يقول له :
( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ )الحجر 98
ويقول له :
(وَسَبِّــحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ ) غافر -55-
ويقول له :
( وَسَبِّـــحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ) الفرقان. 58
ويقول له :
(وَسَبِّـــحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ• وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْــهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ )
ق 39 - 40
وفي سورة اخرى :
( وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْــهُ لَيْلا طَوِيلا ) الانسان -26 -

وكما جاء عند الإمام مسلم رحمه الله من حديث عائشة رضي الله عنها قالت :
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثرُ من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه"

وذكر ابن سعد بسند صحيح عن عكرمة أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يسبح في كلِّ يومٍ اثنتي عشرةَ ألف تسبيحة ويقول : ( أسبحُ بقدر ذنبي ) .

والتسبيح يا كرام هو الذكر الذي كانت تردده الجبال والطير مع نبي الله داوود عليه السلام..
( وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْــنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ ) الانبياء -79-

ولما خرج زكريا عليه السلام من محرابه دعا قومه للتسبيح :
( فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُـــوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) مريم (11)

وهذا نبي الله موسى عليه السلام يدعو ربه ان يجعل معه اخاه هارون وزيراً ليعينه على التسبيح فقال :
﴿ وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي •
• اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي • كَيْ نُسَبِّـحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً ﴾ [طه  29: 33 ]

والتسبيح ذكر اهل الجنّه :
( دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )يونس  10

والتسبيح هو ذكر الملائكه :
(وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُــونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)     الشورى5
ويقول سبحانه عن تسبيح ملائكة عرشه :
( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا )غافر7-

ولذلـــكم إنّنا نعيش في عـــالمٍ يضــجُ بالتسبيح
لكننا احياناً لا نلتفت ولانبالي ولا نهتم او لا نفقهُ ذلك :
( وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ)الرعد13

( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّــحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَــهُ .) النور

( تُسَبِّــحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّــحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيـحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ) الاسراء 44-

فـكلُّ ذرَّةٍ في هذا الكــون يا كــرام تُوحِّدُ اللهَ وتُسَبِّحُهُ ...!
فالسَّماءُ على عَظَمَتِها,والأرضُ على سَعَتِها,
كُلُّها مُطيعةٌ للهِ مُمتثلةٌ لأَمرِ الله مُسَبِّحَةٌ بحمدالله..

كُلُّ ما في الكونِ من حَيَوانٍ نَاطِقٍ وغيرِ نَاطقٍ
ومِن أَشجَارٍ ونَبَاتٍ جَامِدٍ وغيرِ جَامِدٍ وَحَيٍّ وَمَيِّتٍ إِلاَّ ويُسَبِّحُ بِحَمْدِ اللهِ بِلسانِ الحَالِ ولِسَانِ المَقَالَ, على غَيرِ لُغَتِنا المَعهُودَةِ لَنا يُحيطُ بِها علاَّمُ الغُيُوبِ
نعــــــم
النجوم تسبح ، والكواكب تسبح ، والأفلاك تسبح وكذا الشمس ، والقمر ، والحصى ، والحجر والشجر ، والحيتان في قاع البحار والنباتات والأنهار كلها كلها مسبحةٌ لله ...
( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّــحُ بِحَمْدِهِ )

فـإذا كــان هـذا الكــون كله بمن فيه مسبحٌ لله
فأين موقعي وايّن موقعك من هذا الكون المسبح؟؟
ايـنّ مــكاني ومــكانك ؟؟
كم هو رصيدي ورصيدك اليومي من التسبيح لله؟؟

ألسنا الاولى من هذه المخلوقات بتسبيح الله !
ألسنا الأحرى من هذه الكائنات بالتسبيح له سبحانه وتعالى .!

حتى النَّملُ الصًّغير يامؤمنونَ يُقدِّسُ اللهَ تعالى ويُسَبِّحُهُ، قالَ عليه الصلاةُ والسلامُ في المتفق عليه
« قَرَصَتْ نَمْلَةٌ نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ,فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ تُسَبِّحُ ؟! ».

بل إنَّ هُناكَ جماداتٌ تُسَبِّحُ اللهَ وتحبُّ رسُولَ اللهِ، وتُسلِّمُ عَليهِ.. قَالَ عليه الصلاة والسلام من روى ذلك مسلم :
« إِنِّي لأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَليَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لأَعْرِفُهُ الآنَ ».

وهذه الأحجارُ والأشجَارُ التي نراها تَفرحُ بِطاعَتِنا لله وتَكرهُ معصِيَتِنا لهُ !!
قَالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كما روى ذلك التِّرمِذِيُّ. وصَحَّحَهُ الألبانِيُّ.
« مَا مِن مُسلمٍ يُلبِّي أي : في الحجِّ أو العُمرةِ-
إلاَّ لَبَّى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ أو عَن شِمالِهِ مِنْ حَجَرٍ أو شَجَرٍ أو مَدَرٍ أي : طِينٍ ..
قال : حتى تَنْقَطِعَ الأَرضُ مِنْ هَا هُنا وهَا هُنا ».

والسَّمَاءُ والأَرضُ تَبكِيانِ حُزْنًا على فِراقِ المُؤمِنِ،
قال ابنُ عباسٍ :
 ( إذا فقدَ المُؤمنُ مُصلاَّهُ مِن الأَرضِ التي كانَ يُصلِّي فِيها ويَذْكُرُ اللهَ فِيها بَكَت عليهِ السَّماءُ والأَرضُ ).
وبالعكس من هذا تفرح السماء والارض برحيل العصاة ويستريح العباد والشجر والدواب بموت الفاجر :
ففي الحديث المتفق على صِحَّتِهِ قالَ :
« وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلاَدُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ».
يؤيد ذلك ما اخبرنا الله سبحانه عن قَومُ فِرعونَ  :
(فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ).
فيا عبــادَ اللهِ :
عَظِّموا اللهَ بِقُلُوبكم ..!
عَظِّمَوا اللّهَ بألسِنَتِكم ..!
عَظِّمّوا اللّهَ بجوارِحكُم ..!
عَظِّموه بكل شيءٍ فيكم وقدرُوهُ حقَّ قَدرِهِ ..!
ولا تَكُنْ تِلكَ الجماداتُ والنَّباتاتُ والحيوانَاتُ أعقلُ مِنَّا وأكثَرَ خَشيَةً وتَعظِيماً !!

أَنتَ إِلهُ الخَلْقِ رَبِّي وَخَالِقِي ...
                  بِذَلِكَ مَا عُمِّرتُ في النَّاسِ أَشهدُ
تَعالَيتَ رَبَّ النَّاسِ عن قَولِ مَن دَعَا ...
                       سِواكَ إِلهاً أنْتَ أَعلى وأَمجَدُ
لَكَ الخَلْقُ والنَّعمَاءُ والأمرُ كُلُّه ...
                        فَإيِّاكَ نَستَهدِي وإيِّاكَ نَعبدُ

( وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ
لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ •
يُسَبِّـــحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ-) الانبياء. 19/20-

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا , وأستغفر الله لي ولكم ويا فوز المستغفرين ويانجاة التائبين ...

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ :                              
أما بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ
ايها الأحباب الكرام :
التَّسبِيحُ رَاحةَ قُلوبِ الأخيارِ، وطريقُ سَعادةِ الدنيا ودارِ القَرارِ..
نعـــم احبـــابي واخــــواني :
التَّسبِيحُ راحه ، التَّسبِيحُ فوزٌ وسعادةٌ وقرب ..!
فما خاب من سبّح الله ، ولاضاع ولاخسر ولا هَلَكَ من سبّح الله تعالى :
سبّحْ بحمدِ ربكَ الواحدِ الاحدا
                  سبحانه من خالقٍ متفردٍ صمدا
من يسبْحُه يجد راحةً ولطفاً ومددا
               ويسعدُ سعادةً لايشقى بعدها ابدا

وللتسبيح ثمارٌ وفوائدٌ مهمه يجنبها كلُّ مسبح
في عاجلِ الأمر وآجله ومن أهمِّ هذه الفوائد والثمار :
- ( حصول المسبح على الرضا النفسي )
وما اسماها من غايه ، وما اعلاها من كرامه .
وما أكرمها من منزله..رضا في الدنيا والآخره
يقول الله سبحانه وتعالى :
( فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّــحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى- ). طه. 130
فهل تريد الرضى النفسي ؟ تريد ان يرضيك الله؟
طبق هذه الآيه بحذافيرها بتسبيحك في الليل والنهار وقبل طلوع الشمس وقبل غروبها وفي اخر الليل وفي اول النهار..

-  ومن فوائد وثمار التسبيح انّه :
 ( خيرٌ من الدنيا وما فيها )
خيرٌ من عقارات الدنيا وأموالها وذهبها وفضها ولؤلؤها وزبرجدها وياقوتها ومرجانها ..
والثواب المترتب على التسبيح  أكثر من ثواب من تصدق بجميع الدنيا..
كما اخبر بذلك الحبيب في الحديث الذي رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" لأن أقول : سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر أحبُّ إلي ممّا طلعت عليه الشمس"

- ومن فوائد وثمار التسبيح أنّه  :
( علاجٌ للصدورِ وترياقٌ للأنفسِ والقلوب )
علاج للقلق ، علاجّ للوساوس ، عــلاجٌ للهـذيـان
عـــلاجٌ للهموم ، عـــلاجٌ للأحزان ، عــلاجٌ للأوجاع والآلام ، عـــلاجٌ لضيق الصدر ..
قال سبحانه وتعالى :
( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ ..
وهذا الضيق يحتاج لبلسم شافي وترياق كافي
وعلاج وافي وهو :
( فَسَبِّـــحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ )
الحجر 96 - 97

-  ومن فوائد وثمار التسبيح انّه :
( وسيلةٌ لكسبِ الحسنات وحطِّ الخطايا وَإِنْ كَثُرت) :
ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه :
 أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( من قال سبحان الله وبحمده في يومٍ مائةَ مرة حُطّت خطاياه وإن كانت مثلَ زبدِ البحر ))..

وفي الحديث الاخر لأبي هريرة رضي الله عنه قال  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحدٌ يومَ القيامة بأفضل ممّا جاءَ به إلا أحدٌ قال مثل ما قال أو زاد عليه ))

وفي الحديث الذي حسنه الألباني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( من قال : سبحان الله مائة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ؛ كان أفضل من مئة بَدَنة )).

وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال :
 كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ((أيَعجزُ أحدكم أن يكسبَ كلَّ يوم ألف حسنة ؟ فسأله سائل من جلسائه كيف يكسب أحدنا ألف حسنة !؟
قال : يسبح مائةَ تسبيحة فيُكتبُ له ألفُ حسنة
أو يُحطّ عنه ألف خطيئة ))...

وفي الحديث الذي صححه الألباني ..
قال صلى الله عليه وسلم :
(( من هاله الليل أن يكابده ، أو بخلَ بالمالِ أن ينفقه ، أو جبن عن العدو أن يقاتله ، فليُكثر من (سبحان الله وبحمده) ؛ فإنها أحبُّ إلى الله من جبلِ ذهبٍ ينفقه في سبيل الله عزوجل )) ..

فمن رحمة الله تبارك وتعالى بعباده أن جازاهم على العملِ القليل الثواب العظيم, ويجازي على الحسنة بخيرٍ منها وذلك بمضاعفتها إلى أضعاف كثيرة قال الله :
{مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [القصص: 84].

- ومن فوائد وفضائل وثمار التسبيح :
( إستجابة الله لدعاءِ المسبح  )
فالمسبح لأن لسانه تلهج بالله وذكره في كل أحواله وفي اغلب أوقاته فهو قريب من الله ولهذا دعوته لاترد ..
فهذا الشيخ الجليل والإمام المحدث :
أحمد بن حنبل، يسافر في يوم من الايام فمرَّ بمسجدٍ ليصلي فيه ولم يكن يعرف احداً في تلك المنطقة ولا يعرفه احد ..
ولما حان وقت النوم إفترش الشيخ أحمد بن حنبل مكانه في المسجد واستلقى فيه لينام وبعد لحظات إذا بحارسِ المسجد يطلب من الشيخ ابن حنبل  عدم النوم في المسجد وطلب منه الخروج فورا وكان هذا الحارس لا يعرف الشيخ احمد ..
فقال الشيخ احمد بن حنبل لا أعرف لي مكان أنام فيه ولذلك أردت النوم هنا حتى الصباح فقط فرفض الحارس أن ينام الشيخ وبعد تجاذب أطراف الحديث قام الحارس بجرِّ الشيخ احمد إلى الخارج جراً والشيخ متعجب ..
وعند وصولهم لخارج المسجد إذا بأحدِ الاشخاص يمر بهم والحارس يجر الشيخ فسأل ما بكم !؟
فقال الشيخ أحمد : لا أجد مكانًا أنام فيه وهذا الحارس يرفض أن أنام في المسجد .!!
فقال الرجل : تعال معي للبيت لتنام هناك ..
فذهب الشيخ أحمد معه وهناك تفاجأ الشيخ بكثرة تسبيح هذا الرجل وكان يعمل خبازاً وهو يعد العجين ويعمل في المنزل ..
كان يكثر من التسبيح فأحس الشيخ بأن أمر هذا الرجل عظيم من كثرةِ تسبيحه ..
 فنام الشيخ وفي الصباح سأل الشيخ احمد بن حنبل الخباز سؤالاً وقال له :
اراك كثيرَ التسبيح فهل رأيت أثر التسبيح عليك ؟؟
فقال الخباز : نعم !!
ووالله إنّي كلما دعوتُ الله بدعاءٍ إلا إستجاب لي،
إلاّ دعاءاً واحدًا لم يستجب لي أبداً حتى الآن، فقال الشيخ احمد بن حنبل وما ذاك الدعاء ؟
فقال الخباز : أن أرى الإمام أحمد بن حنبل .

فقال الشيخ احمد بن حنبل :
أنا الإمام أحمد بن حنبل فوالله إنني كنتُ أُجرُّ إليك جراً، وهاقد أستجيبت دعواتك كلها ..

فسبحانَ الله جلَّ العزُ
                                 منك على الدوامْ
سبحانك اللهم فرداً
                            جلّ عن وصفِ الكلامْ
سبحانك اللهم ربي
                            دبرّتّ الوجودَ ولا تنامْ
سبحانك اللهم رباً
                                  والعبيدُ لك قيامْ
سبحان اللهم تعلو
                        ولا يُعلى عليك ولا تُضامْ

وهنا سؤالٌ اخيرٌ يبرز لنا في نهاية خطبتنا :
هل يُفيدُ التسبيح في شيءٍ آخر غير الرضا النفسي ، وعلاج الصدور ، وزيادةِ الحسنات
وحطِّ الخطايا، وثقلُ الميزان واستجابه الدعاء ؟؟؟

نعـــم احبتي الكــــرام
هناك شيءٌ اخر اكبر وأجل وأعظم ...
فمن اعظمِ واجّل ما يكسبه ويجنيه الانسان المسبح ( انّ الله يردُّ عن المسبحِ القدر ) ..!
وهذا ما اخبرنا عنه القران الكريم عن نبي الله يونس عليه السلام الذي إلتقمة الحوت ...
فقال الله عنه :
( فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ   ....! من ماذا ..؟!
فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ   النبيين ؟ كان من المقربين .!
فلولا ... انه كان من المصلين؟
فلولا انه ... كان من الصائمين ؟ من القائمين ؟
من القانتين ؟؟
لا لا وانّما :
( فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِـــينَ ..)
ماذا كان يقول في تسبيحه  ؟!!
اسمعوا ماذا قال تعالى عن تسبيحه :
( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَــانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) الانبياء   87
فرد الله القدر عنه وقال :
( فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِــينَ • لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (143) (144) يونس
فاذا ما حلت بك نائبةٌ فكن من المسبحين ..!
واذا ما نزلت بك مصيبة فكن من المسبحين ..!
واذا ما لزمك الغم والكرب فكن من المسبحين .!
واذا ما داهمتك الشدائد والمحن فكن من المسبحين .!
واذا ارّقك الدّين فكن من المسبحين .!
واذا تكالب عليك الاعداء والأشرار فكن من المسبحين ..!
واذا هجرك الأقربون وتخلى عنك الاصدقاء
وغدر بك الرفقاء فكن من المسبحين ..!
في الليل سبح ، في النهار سبح ..
في الدخول سبح ، في الخروج سبح ..
في اليسر سبح ، في العسر سبح ..
في مقيلك سبح ، في طريقك سبح ..
عند العمل سبح ، عند الفراغ سبح ..
عند نومك سبح ، وعند استيقاظك سبح
وانت تقود السياره سبح ، وانت تنتظر سبح ..
سبح ثم سبح ثم سبح ولن يضيعك الله ولن يتخلى عنك ابدا ..
سبح وثق أنّك ستجدُ بعدها راحةً وسعةً وانساً وطمأنينةً وغبطةً وسروراً وسترى فرجاً ومخرجاً ..
قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:  في الحديث الذي رواه ابو داود من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضِي اللَّه عنْهُما قَال :
" منْ لَزِم الاسْتِغْفَار.. ( والاستغفار نوع من التسبيح )
" منْ لَزِم الاسْتِغْفَار جَعَلَ اللَّه لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مخْرجًا، ومنْ كُلِّ هَمٍّ فَرجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ " ...

اللهم اجعلنا ممن يسبحونك كثيراً ويذكرونك كثيراً بكرة وأصيلاً يا رب العالمين ويا ارحم الراحمين ..

اللهم اجعل ألسنتنا عامرةً بذكرك وقلوبنا بخشيتك

ارزقنا ياربِ لساناً ذكراً وقلباً خاشعاً وعيناً دامعاً ورزقاً واسعاً وعملاً متقبلاً وجسداً على البلاء صابراً وتوبةً قبل الموت ورأفةً عند الموت ومغفرةً ورحمةً بعد الموت يا كريم يا منان ..

اللهمَّ املىء قُلُوبَنا بِحُبِّكَ وتَعظِيمكَ وحبِّ العملِ الذي يُقرِّبُنا إلى حُبِّكَ وتعظيمِكَ يارحيم يارحمان .

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ،وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَالسَّلاَمَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، والفوز بالجنةِ والنجاة من النار ..

اللهم أصلح القلوبَ والأعمالَ,أَصلِح مَا ظَهَرَ منها وما بطن، واجعلنا من عبادك المخلَصين..

اللهم ثبتنا على دينِك وصراطِك المُستقيم واعصمنا يا ربِّ من الزيغ والضلاله ومن الغوايه بعد الهدايه ومن الفساد بعد الصلاح ..

اللهم اغفر لنا في يومنا هذا اجمعين وهبِّ المسيئين منا للمحسنين وان لم يكن منّا محسنٌ فهبنا الى رحمتك ..
اغفرِ اللهم للمسبحين والمسبحات والذاكرين والذاكرات والقائمين والقائمات والمصلين والمصليات والصائمين والصائمات ...

اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ..

اللهم اسقنا الغيث الهنيء ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم اسقنا الغيث الهنيء ولا تجعلنا من المحرومون ..
اللهم اسقنا الغيث الهنيء ولا تهلكنا بالقحط والسنين ..

اسقنا غيث الايمان في قلوبنا وغيث العافيه في ابداننا وغيث الرحمة في اوطاننا ..

اسقنا غيثاً هنيئاً مريئاً ساحاً غدقاً طبقاً مجللاً .
اسقي البلاد أقصاها وأدناها وانت ارحم الراحمين..
ثم اعلموا انّ الله أمركم بأمرٍ بدأ به نفسه وثنى به ملائكته المسبحةِ بقدسه وثلّثَ به عباده من جنِّه وإنسه فقال :-
(( إنَّ اللّهَ وملائِكتَه يُصلونَ على النَّبي يا أيَّها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ))....
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك، يا أرحم الراحمين.
------------------------------------
للتــواصل والاستفســار وإبـداء الملاحظــــات :
جــــوال ( 00967777151620 )
ولمتابعه الخطب المكتوبه على الروابط التاليه :
١/
https://www.facebook.com/SheikhAhmedPage/
-----------------------
٢/
https://alahmed-ibb.blogspot.com/?m=1
-----------------------
٣/
 https://lecahmed.blogspot.com/
-----------------------
٤/
 http://talabah1.blogspot.com/?m=1
-----------------------------------
اللهــــم اجعلـــها صــــدقةً جـــاريــةً لــــــي ولــوالدتي المرحــــــومه..
وأنفــــع بها عبــــادك المسلمــين اجمعـــين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
--------------------------------
    والحَمْـــــــدُ للّــه رَبِّ العَـــــــالَمِــين

الاثنين، 21 يناير 2019

🎤
خـطبــــة جمعــــــة بعنـــــــــــوان        
   [ الـصحــابي علي بن ابي طالب ]
إعـــــــداد وتنظيــــم وإلقـــاء :
الاستـــاذ/ احمــــد عبـداللَّـه صــالح
خــطيب مسجــــد بـــلال بـن ربــاح/
الجمـــهوريـه اليمنيـــه - محــافظـة إب .
ألقيــت في  18 ينايـر 2019م
المـوافـــق 12 جمـــادي الاولــى 1440هـ
أمــا بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ          
ايهـــا الأحبــــاب الكــــــرام روّاد مـسجد بـــلال :
تحدثنا في الجمعة الماضيه عن موضوع الرجوله
وقلنا انّ الرجولة الحقه هي مواقف ومباديء وقيم ومُثل واخلاق ..
وقلنا يا كـــرام انّ الدنيا لم ترَ الرجولة في احلى صورها وأكمل معانيها كما رأتها في ذلكم الجيل الفريد وفي تلك النّماذج الكريمه التى صنعها الإسلام على يد رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ..
رجالٌ من الطراز الممتاز الذين تفتّحت على ايديهم كنوزُ الارض وأبواب السماء .
ولأجـــل ذلــكم أردت اليوم ان أُذكّر نفسي وإياكم بأحد هذه النماذج المشرقه وأحد هؤلاء الرجال الابطال الذين رباهم الحبيب صلى الله عليه وسلم وتخرجوا من جامعته ..
نعـــــم احبتــــي الكـــــرام
حديثُ اليوم وفي نصف ســاعة تزيد او تنقص قليلاً عن علمٍ من اعلام الأمة ورجــلٌ من رجالها ونجــم من نجومهـا ، وفـارس من فرسـانها ، وأسد من اسودها الأبطال الميامـــين ..

إنّه احد الخُلفاء الراشدين، واحد السابقين الأوَّلين الى الاسلام ، واحدُ العشرة المبشرين بالجنَّة ، وأوَّل مَن أسلم من الصِّبيان ، وأول فدائي في الإسلام .
بشَّره النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بالشهادة في أكثرَ من مشهد .
أحبَّه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وتُوفِّي وهو
راضٍ عنه ،  و جعله بمثابة هارون من موسى ..

- كان رضي الله عنه غزيرَ العلم، زاهدًا ، ورعًا شجاعًا، مِقدام ، شهد بدرًا، وأُحدًا، والخندق، وبيعة الرِّضوان، وجميعَ المشاهد مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلاَّ تبوك؛ فإنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خلَّفه على أهله ..
- تولَّى الخلافة عام ٣٥٠ للهجره بعد مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه وحكم خمس سنوات .
- واجهَ الخوارج وأدبهم ، وواجه المتمردين وطاردهم ، وواجه البغاة وشتتهم ، فحياته كلُّها مواجهه حتى لقب ب( رجــل المــواجـــهه ) !!
      فمن هو رجــــــلُ المــــــواجـهه ؟؟!!
انّه البطل المجاهد ، والإمام الفقيه ، والحكيم الزاهد ، والتقي النقي ، صهرُ رسول الله وابن عمه
{ عليُ بن ابي طالب رضي الله عنه وارضاه }
من هو علي ؟! وكيف اعرّف علي ؟!
هل تريدون أن اعرّف لكم علي بن ابي طالب !!
بأيِّ لسان اتكلم من هنا عن ابي الحسن .!
إنّني أعلن من هنا انّي عاجزٌ عن الوفاء بحقه
لكن يكفينا وفاءً أنّ قلوبنا تحبه وتفرح لذكره ودراسة سيرته .!
أسلم رضي الله عنه وارضاه وعمره عشرُ سنوات فكان أوّلُ غلامٍ في الارض أعلن لا اله الا الله محمد رسول الله .
وفي هذا درسٌ جدير بالإشارة إليه ، درسٌ للشباب والغلمان والناشئة .!
درسٌ لمن يؤخر إلتزامه ، ويؤخر تمسكه بكتاب ربه وسنه رسوله ، ويؤخر العمل الجاد لهذا الدين بحجة صغر سنه ..
هاهو علي رضي الله عنه اول غلام أعلن في الوجود لا اله الا الله محمد رسول الله في عمر عشر سنوات .
اول غلام اسلم قبل ان يصبح عدد الغلمان والشباب اليوم ممن ساروا ومضوا في خطى
علي بن ابي طالب فوق الملايين من شباب الصحوة وشباب الدعوه والعقيده ..
فهو قائدهم غداً ، وهو من يقود كتيبة الشباب
يوم تتعدّد الطوابير ، وتتقسّم الصفوف فيكون هناك طابور للظلمه ، وطابور لآكلي مال اليتيم وطابور لآكلي الربا ، وطابور للمنافقين ، وطابور للقتله ، وطابور اخر متميز ومشرق لشابٍ نشأ في رضوان الله وطاعة الله ..
ولــذلكـــم
أسلم علي بين يديّ رسول الله وعندما اسلم ضمّه رسول الله الى حنانه ، ضمّه الى قلبه ، ضمّه الى بيته ، واعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم كل مايملك ، أعطاه الحب ، أعطاه الحنان ، أعطاه العلم والهدايه ..
ولاّه المبارزة أمام الابطال ، مجّده بالكلمات ، ذبَّ عنه وعن عرضه ، وقف معه حتى توفى وهو راضٍ عنه ..
ولـــهذا في ســيرة الصحابي الجليل علي بن ابي طالب رضي الله عنه قصصٌ وسلوى للفقراء والمنكوبين ، وفيها عزاءٌ للمصابين والمجروحين ، وفيها تخفيفٌ عن المضطهدين والمظلومين ..!
ســـيرةُ الإمـــام علي تمسح دموع البائسين وتخفف الألــم عن المحـــرومين .
فهي قصةٌ طــويله يستفيد منها ومن أحداثها وتفاصيلها كُلُّ مسلمٍ على وجة الارض ..

احبـــابـي الكــــرام
لمّـا وصــل علي بن ابي طالب الى المدينه أعطـــاه النبي صلى الله عليه وسلم جــائـزة كـــبرى ، فمــاهي هـــذه الجــــائــزة ؟؟
هـل هي قـصــر ؟! او مــركب ؟!
أو زاد ؟! او متـــاع ؟! او عقــــار ؟!
او مــــال ؟! او قطعــةٌ من أرض ؟!
أو عَـــرَضٌ من عــرض الدنـيا الـــزائل ؟!
   لا  .  لا
وإنّمـــا أعــلـــن علية الصلاة والسلام أمــام الكـــون ، وامـــام الدنيا ، وامــام النّـاس ، وأمـــام الملأ ، وامـــام الأجيـــــال :
[ أنّ علي بن ابي طالب يُحبُ الله ورســوله ويُحبــه الله ورســـوله ]
ويــا تــرى مــاهو سبب هذه المنحــــه الكـــبرى والجـــائـزة العظمــى وهــذا الــوســـام ؟!
أتــريدون معـــرفة الســبب ؟؟

حـاصـر رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود في خيبر قبل ان يجلوا منها بالقوة والحديد والنار
واليهود هم اعداء الله في كل زمان ومكان
سبوا الله عزوجل ، حرّفوا كلام الله ، بدّلوا شرائع الله ، قتلوا الانبياء ، قتلوا الموحدين ، قتلوا العلماء والمفكرين ..!
حــاصرهم النبي الكريم في خيــبر وضيّق عليهم الخنــاق ، وحــاول ان يفتح مدينة خيبر فاستعصت عليه لانّها كانت متمنّعه ..
ارسل ابابكر الصديق فمــا استطـــاع ..!
ارسـل عمر بن الخطاب فمـا استطـــاع ..!
فاهتمّ النّـاس همّــاً شــديداً ، وبــاتوا ليلةً طــويله فقام النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وسـط الليل وقال :
( لأعطين ّ الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسـوله ، يفتح الله على يديه )
اي : يفتح على يديه خيـــبر ...
فبــات النّـاس يخوضون ويتساءلون ويتحدثون ويدوكون ليلتهم أيّهم يُعطاها ..!
بات النَّاس يتناقشون من هذا الذي سيفــوز بشهــادة رسول الله .!
من هـذا الذي سيظفــر بهذا الــوســـام .!
ومـن هـذا الذي سينــال هـذا التـاج !
فلمّا اصبـح النّـاس غـدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلهم يرجوا ان يُعطى هذه الرايه
ويفــوز بهذا الـوسـام .!
فقال حينها رسول الله :
 " اينّ علي بن ابي طالب ؟؟
فقالوا : يشتكي عينيه يارسول الله ، أصابها الرمد
فقال : فأرسلوا اليه . فأتوني به .!
فلمّا جاء علي بن ابي طالب بصق النبي الكريم في عينيه فبرأت وكأَنَّهُ لم يكن بها وجع قط .
ثمّ اعطـاه الـرايه  .. فقال علي :
يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا .؟
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم :
( أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم أدعهم الى الاسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله فيه ، فو الذي نفسي بيده لئن يهدي الله بك رجـلاً واحداً خيرٌ لك من ان يكون لك حمر النّعم ).

فانطلق علي رضي الله عنه يحمل الراية ووقف على أسوار اخوان القردة والخنازير يناديهم الى الحق ويدعوهم الى العدل ..
ايّها الناس اسمعوا .، ايها الناس عُوا ..
تنبهوا ، اسمعوا ..!
ولكنّ القـرد لايفهم أبداً ، ولو رأى إشارتك وعرف كلامك ، ولأن الخنزير مطموس على بصيرته طمسا .!
فلم يسمعوا ، ولم يستجيبوا ، ولم يروا ، ولم يهتموا ، ولم يفهموا او يعقلوا ..!
فلمّـا رأى علي بن ابي طالب رضي الله عنه أنّ المفاوضات مع هؤلاء غير مُجديه ، وانّ المناقشات والحوارات غير مفيده ، وأن النداءات معهم لن توصل الى ايّ نتيجة او حل ..!
كان عنده حلٌ آخر ..!
فدعــا بطلهم الذي يتفاخرون بشجاعته للمبارزه علناً امام الجمـاهير وامام الجموع والحشود .
فتنزّل شُجاعهم مَرحَب اليهودي الخسيس
نزل يتباهى بقوته مختالاً في مشيه فقال مفتخراً :
قد علمت خيبر أني مَرحَبُ
                           شاكي السلاح بطل مجرَّبُ
         إذا الحروب أقبلت تَلهَّبُ
فنزل لمواجهته علي الشجاع .!
نزل علي الضرغام مردداً نشيد بطولته ، وعازفاً لحن شجــاعته وبطولته فقال بعزة المؤمن ونجابة الأبطال :
أنا الذي سمتنـي أمي حيــدره
                          كلَـيث غاباتٍ كريهِ المنظره
        أوفيهمُ بالصــاع كيلَ الســندره
ثمّ انطلق صوب مَرحب إنطلاق السهم ، وأقدم عليه إقدام السيل ، وانقض عليه انقضاض الصاعقة ،
وزأر في وجهه زئير الليث بقلبٍ فتيٍ وأنفٍ حمي
فضربه بسيفه حتى قسمه قسمان الى الهاويه والى النار وبئس القرار ، ثمّ كـان فتح خيبر على يديه رضي الله عنه وارضاه ..
فهل سمعتم يا شبـابَ الإســلام بمثل هذه البـطـــولات؟!
فدونكــم الأبطـــال ..!
 تعلمـــوا من هـم !! وتشبهـــوا بهـم ..!
وكــونــوا على سبيلهــم ومنهـاجهــم .!
وعيشــوا على سيرهم وأخبارهــم .!
ودعوا عنكم البطولات المزيفة، ولا تغتروا بمن يجعل السفاهة بطولة ، والخور شجاعة؛ ليقطعوا الأمة عن دينها ويفصلوها عن تاريخها فتمسي وتصبح على اللهو واللعب والعبث والضياع ..!

ولذلكـــم
كــان علي بن ابي طالب رضي الله عنه بطلاً للمـواجهه بكل ما تعنيه الكلمه من معنى ..
كان بطــلاً شجــاعاً لا يهاب الموت ، يؤدب به الرسول صلى الله عليه وسلم أعداء الله ورسوله وأعداء الاســـلام والمسلمــــين ..
وتتكرر المسأله مع علي بن ابي طالب ولكن هذه المره في يــوم الاحــزاب فيُحاصر الرسول صلى الله عليه وسلم حصاراً دامياً من مشركي العرب واليهود والقوميين الخونه والنصارى والمنافقين

ويأتي بطل من ابطال الكفر وفارس من فرسانهم الشجعان وهو عمر بن عبد ود العامري
فقام يدعوا المسلمين للمبارزه .. اراد من هذه الدعوة إنزال الخوف والرعب في قلوب المسلمين إذا ما انتهت للمبارزه بمقتل احد فرسان المسلمين على يديه ..
فقال ابن عبد ود : من يبارز ايها المسلمين !؟
فيسكتون جميعاً ..
فأعاد سؤاله : من يتقدم للمواجهه ؟
من يتقدم ليبارزني امام الجماهير فلايبرز احدٌ للمرةِ الثانيه ..
وكـــان علي بن ابي طالب متواجداً ويرقب المشهد فلم يرض حينها ان ينال من عزيمة المسلمين او ان يصابوا بالوهن والضعف او يتسلل الجبن الى نفوسهم .!
فقال علي : انا يارسول الله ليرفع بهذا من معنويات جيش المسلمين ..!
يُحبُ المواجهه دائماً رضي الله عنه وارضاه
دائمـاً روحه على كفّه يقدمها رخيصةً لنصرة الدين ورفع راية التوحيد والعقيده ..
شعاره دائماً وابداً :
أرواحنــا يا رب فــوق أكفنــا
                  نـرجــوا ثـوابك مغنمــاً وجــوارا
فقال عليه الصلاة والسلام :
يا علي انّه ليس رجلاً عادياً انّه عمربن عبدود
فقال البطل والشجاع في انفةٍ وحزم :
ولو كان عمر بن عبد ود ..!
فنزل علي الى ساحة النزال والمواجهه ..
وقف علي بن ابي طالب امام عمرو بن عبد ود
وقوف الابطال والرجال ..
وقف شامخاً رافع الرأس كالجبل الأشم ..
تبارز البطلان وألتقى الرجلان ..
بطل الاسلام ، وبطل الكفر ...
خريج جامعة محمد بن عبد الله ، وخريج جامعة ابو لهب وابو جهل وعبدالله بن سبأ ..
برقت السيوف ، وارتفع الغبار ، وشخصت الأبصار ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله لينصر علياً .
لينجلى حينها الغبار ، وينتهي النزال بفوزٍ ساحقٍ لأسد الاسلام علي بن ابي طالب رضي الله عنه
وإذا بعلي واقفٌ وجاثمٌ على صدر عمرو بن ود
قد فصل رأسه عن جسده وسيفه يقطر دماً فكبّر النبي صلى الله عليه وسلم وكبر معه المسلمين
حتى ارتج المكان تكبيراً ..

انّها الشجاعة النادره ياكرام ، انها البطولة النادره التي يصنعها الإيمان، فتمضي قُدُمًا تشقّ الأهــوال وتخترق الأبطــال ..
كنا جبالاً في الجبال وربما
                 سرنا علـى مـوج البحـار بحـــارا
كنا نري الأصنـام مـن ذهـب
                   فنهدمهـا ونهـدم فوقها الكفـــارا
لو كان غير المسلمين لحازهـا
                     كنزاً وصاغ الحلي والدينـــارا
احبتـــي الكــــرام :
وتمر الايام والسنون ويأتي اليوم الذي يريد فيه علي بن ابي طالب رضي الله عنه نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذهب ليخطب فاطمة الزهراء ، فاطمة البتول وسيدة نساء العالمين ..
وقف امام رسول الله يريد ان يتكلم معه فما استطاع حياءً من رسول الله ..
فتبسم المصطفى صلى الله عليه وسلم وعرف مقصد مجيئه وسر حياءه وسبب سكوته فقال :
( يا علي أتريد فاطمة زوجةً لك ؟ )
قال : نعم يا رسول الله .
قال : هل عندك مهر ؟
ورسول الله يعلم ان علياً لايملك ديناراً ولادرهماً ولاذهباً ولا فضةً ولاقصراً ولاحديقةً ولا عقاراً ولكنه يملك ايماناً كالجبال ، يملك على رأسه :
( لاعطين الرايه رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله )
فقال يارسول الله ماعندي شيء .
فقال عليه الصلاة والسلام :
اينّ درعك الحطميّه ؟
قال : درعٌ لاتساوي درهمين ، فأتى به علي وسلمّه لرسول الله فعقد لهما الرسول وتزوج علي بفاطمة الزهراء وأنجبت له الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنه ..
هي بنت مــن ؟ وهي زوج مــن ؟ وهي أمُّ مــن ؟
من ذا يداني في الفخــار أباهــا
أمّا أبوهــا فأكــرمُ مرســلٍ
                 حــادي النفــوس اذا تروم هداهــا
وعليٌ زوجٌ لا تســل عنه
                   فمــا أزكـى شمــائله وما انداهــا
إيوانه كــوخٌ وكنزُ ثــراءه
                            سيفــاً غدا بيمينه تيّاهــا
فـي روضِ فاطمــةٍ نما غصنــان
                  لم ينجبهمـا في الكائنات سواهــا

اقـــــــول مـا سمـعتـــم واستغفـــروا اللـَّه لـي ولــكم مـن كل ذنـب فيـــا فــــوز المستغفـــريـــن
ويــا نجــــــاة التـــــائبــــــين ..

الخطبــــــــــــــــــــــــــــه الثانيــــه :
أمــا بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ                
احبتــــــي الگـــــــرام .. روّاد مســجد بــلال :
نقف في هذه الدقائق اليسيرة والمعدوده من عمرِ هذا اليوم مع فــارس من فــرســان العقيــده وبطل من ابـطالهـا وأسد من اســودها الشجعان
إنّه الصحابي الكـــبير والإمـــام الفقيــه والصـــابر المحتسب والــزاهـــد الـــورع
علي بن ابي طالب رضي الله عنه وعن الصحابة اجمعين ومن تبعهم بإحســـانٍ الى يوم الدين ..

وإننا من هذا المكان نُشهدُ اللهَ تعالى وملائكتة والنّاس اجمعين على محبةِ هذا الصحابي الجليل.
نشهد الله تعالى أننا نحبه كحبنــا لإخوانه من الصحــابة الأجـــلاء العظمـــاء بلا مغـــالاةٍ لأحد منهم وبــلا إفـــراطٍ او تفـــريـط ولا نفرق بين احدٍ منهم ..!
نحبُّ علياً ونُحبُّ ابوبكر وعمراً وعثماناً وسعداً وخالداً ومعاذاً وصهيباً وبلالاً ومصعباً وخُبيباً
كـُـــلهم تيجـــاناً على رؤسنــــا ونجـــوماً نهتـــدي بهــا كما قال عليه الصلاة والســلام :
( اصحـــابي كالنجـــوم فبأيّهم إهتديتم إقتديتم )
وهو القائل عليه الصلاة والسلام :
( لا تسبوا أصحابي فو الذي نفســي بيده لو أنفق احدكم ملءُ الارض ذهبـــاً ما بلغ مــدّ احــدهــم ولا نصيفـــه )
وهو القائل صلى الله عليه وسلم :
( من سبّ اصحـــابي فعليه لعنــةُ والملائكةِ والنّــاس اجمعــــين لايقبل الله منه يوم القيــامة صـــرفـاً ولا عـــدلا )
 فــؤلاء هم أسلافنـــا الكــــرام مؤمنين في سائر شؤون الحياة ..
 في الليل عبّاد، وفي النّهار فرسان، ومع النّاس متواضعون، يؤدون الحق الذي عليهم، وينصفون من أنفسهم، ولا يبخسون الناس أشياءهم.
فهـل ســـمعتم بمــثل هذه الأخــــلاق؟!
 كلا وايم الله ما سمعنا بها إلا في تأريخ الإسلام المجيد الذي ضيعناه وأهملناه، وإذا ذكرناه ذكرناه على استحياءٍ وخجل ..
وقد غابت أمتنا عن تاريخها، وركنت إلى دنياها، ورضيت بالذل والهوان، ولم تتصل بذلك التاريخ.
مثَلُ القوم نسـوا تاريخهم  
                       كلقيط عِيّ في الناس انتسابا
فأين من يطالع التاريخ ليتعلم منه ؟!
 وأين من يقرؤه ؟!
وأين من يبلغه للأجيال؟ !
وأين من يعتزّ به ؟!
وأين من يستلهم الدروس والعبر منه ؟!
فعودوا يا مسلمون إلى التاريخ ، وعلّموه الأجيال، وقفوهم على محاسن الأبطال وآداب الرجال، فإنه من مفاخرنا أمام الأعداء.
ومن حوى التاريخ في صدره
                            أضافَ أعمارًا إلى عمره
احبتــي الكــــرام
تولى علي بن ابي طالب رضي الله عنه الخلافه خمس سنوات ..
ومع ذلك عاش فقيراً لايملك من حطام الدنيا شيئاً
ولم يشبع ولو يــومـــاً واحـــــداً ، يرجع في يوم من الأيــام الى أهل بيته فيقــول لهم :
هـل عندكـم من طعـــام .؟ قالوا : لا ..
فخرج بسيفه الذي هو سيف رسول الله ذو الفقار فوقف امام اهل العــراق وقال لهم :
قاتلكم الله يا اهل العراق اموت جوعاً انا واسرتي وهذا سيف رسول الله معي ولطالما جليت عن وجهه الكربات . ثمّ قال :
من يشتريه مني بطعام ليله ؟؟ ..
لايجد قوت يومه رضي الله عنه وارضاه وهو الذي ذهب الى بيت المال وكان مملوءاً بالطعام والمال والسلاح فوزع مافيه في يومٍ واحد ورشّ عليه الماء وصلى ركعتين وقال :
اللهم اشهد أنّي ماتركت لنفسي منه ديناراً ولا درهماً ولا حبةً ولا تمرةً ولا زبيبه ..
وهـو الذي نـزل فيـه قــول الله :
( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورَاً ) الانسان  8 / 9
احبــابي الكــــرام
انّ المواقف المشرقه والأحداث المنيره التى تميز وتشرّف بها هذا الضرغام كثيرةٌ وعديده لايكفي لسردها ولا لشرحها ولا للحديث عنها ساعة او ساعتين ولا لقاءٌ ولا لقاءين ولا جمعة ولا جمعتين
واختصاراً للوقت الذي يطاردنا اومأتُ على استحياءٍ الى بعضٍ من سمات تميزه التى لمعَ وتشرّف بها هذا العمــــلاق ..
والأجمل من ذلك اننا ندع المواقف والأحداث هي بنفسها التى تتحدث عن جلال علي بن بي طالب وورع علي ، وزهد علي ، وايمان علي ، وتقوى علي ، وعدل علي ، وخوف علي ، وبذل علي ، وايثار علي رضي الله عنه ..
احبابي الكـــرام روّاد مســجد بـلال :
وفي يوم من الأيام الحزينة التى مرت بالمسلمين وبينما الصحابي الجليل علي بن ابي طالب رضي الله عنه يخرج قبل صلاة الفجر .. لماذا ؟
ما الذي اخرجــه في هـذا التـوقيت .؟
هل ليذهب الى حـانه من الحانات !؟
او الى خانةٍ من الخانات  او الى ملهى !؟
او ذهب الى دورٍ من دور الضياع والترف ؟
او ذهب الى قضاء متعةٍ او شهوة او شبهه ؟
لا . لا
انما خرج قبل صلاة الفجر ليوقظ النّاس لصلاة الفجر ، فدخل المسجد فوجد الشقي المارد الخبيث الخارجي عبدالرحمن بن ملجم بل عدو الرحمن
عليه من الله ما يستحقه من عذابه واليم عقابه
وجده منبطحاً على بطنه متظاهراً بالنوم وقد جعل سيفه فيما يلي الارض مسلولاً فركله علي برجله وقال له :
لا تنم على بطنك فإنها نومةُ اهل النار ..!
ثم افتتح علي بن ابي طالب رضي الله عنه المسجد بركعتين ولما كبّر وثبَ عليه عدو الله الخارجي عدو الرحمن بن ملجم فضربه بسيفه على صدغــه فانفلق فقال علي :
الله اكبر لله الامر من قبل ومن بعد وجعل يقرأ قول الله :
{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}.. [البقرة : 207].

سقط رضي الله عنه على وجهه وسالت على لحيته دماءٌ غزيره وحُمل الاسدُ الى عرينه ودماؤه تنزف وبكى المسلمون جميعاً ..
بكى الصغار والكبار ، بكى الرجال والنساء ، بكى الشيوخ والشباب حتى تحولت بيوت المسلمين الى عزاء تبكي بطل المواجهه علي بن ابي طالب رضي الله عنه..

انتقل عليٌ الى ربه وقد كان ينتظر الشقي الذي سيقضي عليه والذي اخبره عنه رسول الله يوماً فقال :
 " من أشقى الأمة ؟؟
فقال علي بن ابي طالب : عاقرُ الناقه ..
فقال له : ومن أشقى الآخرين ؟
فقال علي : الله ورسوله اعلم .!
فقال عليه الصلاة والسلام :
أشقى الآخرين هو قاتلك يا علي ..! "
فكان رضي الله عنه دائماً ما يقول :
( متــى يُبعـــثُ اشقــــاهـــا ؟ )
يشير إلى قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم :
 (( إنك ستُضربُ ضربةً ها هنا، وضربة هنا، وأشار إلى صُدغه، فيَسيل دمها حتى تخضب لحيتك، ويكون صاحبُها أشقاها، كما كان عاقر الناقة أشقَى ثمود )) الطبراني.
وكان دومـــاً يكـــرر هـاذيــن البيتـــين :
اشــدد حيازيمك للمــوت
                              فإن المـــوت لاقيكــــا
ولاتجـــزع من المــوت
                               فإنّ المـــوت آتيكــــا
وكان آخر ما تكلم به هو قول الله تعالى :
( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) الزلزلة 7 / 8

رَحمَ الله علي بن ابي طالب رحمة الأبـــرار وجُـزي عن الاســــلام والمسلمــين خـــير الجـــزاء ..
فـــوداعــاً علي بن ابي طالب ..
وداعــاً يا صـهر رسول الله .
وداعــاً يا بطــل خيبر ، وداعــاً يا بطل بدر ، وداعــاً يا بطــل اُحد والخندق .
وداعــاً يا حــارس تبــوك ..
وداعــاً يا بطــل المواجـــهه ..
وســـلامٌ عليك يوم أسلمت ويوم بايعــت
ويوم جــاهدت ويوم قتلـت ويوم تبعـث حيــاً ..
وداعــــاً حتى نلقـــاك غداً في دارٍ تجمع سلامة الأبدان والأديان الى جوار الانبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقاً ..
{ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا  } الأحزاب 23
اللهم وأبرم لهذه الأمة امراً رشيداً يُعزُ فيه اهل طاعتك ويُذل فيه اهل معصيتك ويؤمر لك فيه بالمعروف وينهى لك فيه عن المنكر ياسميع الدعاء.!
اللهم ارزقنا حبك وحب من ينفعنا حبه عندك، واجعل حبك أحب الأشياء إلينا، واجعل خشيتك أخوف الأشياء عندنا، واقطع عنا حاجات الدنيا بالشوق إلى لقائك .. ‌
اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله قوة لنا فيما تحب..
اللهم وما زويت عنا مما نحب فاجعله فراغا لنا فيما تحب..
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك،والعمل الذي يبلغنا حبك..
اللهم اجعل حبك أحب إلنا من أنفسنا وأهلينا والناس أجمعين. .
هذا وقد أمركم ربكم فقال قولًا كريمًا :
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
 اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وارض اللهم عن الأربعة الخلفاءالراشدين:
 أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
------------------------------------
للتواصل والاستفسار وإبداء الملاحظات :
جوال ( 00967777151620 )
ولمتابعه الخطب المكتوبه على الروابط التاليه :
١/
https://www.facebook.com/SheikhAhmedPage/
-----------------------
٢/
https://alahmed-ibb.blogspot.com/?m=1
-----------------------
٣/
 https://lecahmed.blogspot.com/
-----------------------
٤/
 http://talabah1.blogspot.com/?m=1
-----------------------------------
اللهــــم اجعلـــها صــــدقةً جـــاريــةً لــــــي ولــوالدتي المرحــــــومه..
وأنفــــع بها عبــــادك المسلمــين اجمعـــين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
--------------------------------
    والحَمْـــــــدُ للّــه رَبِّ العَـــــــالَمِــين

الثلاثاء، 15 يناير 2019

🎤
خـطبــــة جمعــــــة بعنـــــــــــوان        
          [ الــــــــرجــــــوله ]
إعـــــــداد وتنظيــــم وإلقـــاء :
الاستـــاذ/ احمــــد عبـداللَّـه صــالح
خــطيب مسجــــد بـــلال بـن ربــاح/
الجمـــهوريـه اليمنيـــه - محــافظـة إب .
ألقيــت في  11 ينايـر 2019م
المـوافـــق 4 جمـــادي الاولــى 1440هـ
أمــا بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ          
ايهـــا الأحبــــاب الكــــــرام روّاد مـسجد بـــلال :
كنّا في الجمعة الماضيه مع شخصيةٍ يحبها الله عزوجل وذلك ضمن سلستنا المباركه لأحبِّ الاعمال الى عزوجل وهو الشخص النافع والإيجابي الذي تمتع بالإيجابية وعدم السلبيه ..
واستوقفنا في تلكم الجمعة موقف داعيةٍ مخلصٍ ورجلٍ امين جاء من أقصى المدينة يحملُ قضيةً وفكره ..
يحملُ دعوةً وغيرةً على دين الله ودعاته .!
رجل إيجابي يحمل بين جوانحه هدايةً وحباً ونصحاً ونفعاً لقومه ..!
 ولأجل هذا الموقف وهذه الهمه العاليه والنفس الصادقه الأبيه ضرب الله به في القران الكريم المثل الأعلى للرجال الصادقين الذين نذروا حياتهم لاجل الله وباعوا أنفسهم في سبيل الله وهان عليهم كل شيء من اجل الله وفي الله .!

ولــــذلكـــم
قد يتساءل البعض لماذا الحديث عن الــــرجـــوله ؟
واقول لأن الامم لاتقوم ولا تنهض إلاّ على أكتافِ الرجال ، ولأن الأمة أحوج ما تكون في هذه الايام الى الرجال ..
واذا نظرنا اليوم الى معنى الــرجـــولة فسوف نرى ان من المسلمين من يفهم الرجولة على أنّها القدرة على جَمعِ المال من حلالٍ كانت او من حرام ..!
ومن النَّاسِ من يرى ان الــرجـــولة هي الجاة والسلطان ، وهي الحسب والنسب .!
ومنهم من يرى ان الــرجـــولة هي القوة الجسديه والبدنيه وانتفاخ العضلات .!
واخرون يرون الــرجـــولة هي القدرة الفائقه على الشهرة وانتشار السمعه في الدنيا .!
وغيرُ ذلك من تأويلاتٍ خاطئةٍ لمفهومِ الرجولة ممّا تستنكره الفطرة السليمه وتستقبحه العقول المستنيره.!
 أحبتــــي الكــــرام روّاد مسجـــــد بــلال :
في دارٍ من دُورِ المدينة المباركه يجلس فاروق الأمة عمربن الخطاب رضي الله عنه الى جماعةٍ من اصحابه فقال لهم : ( تمنّوا .!! )
فقام احدهم فقال : اتمنى لو أنّ هذه الدار مملوءةً ذهباً أنفقها كلها في سبيل الله ..!
ثم أعاد عليهم الفاروق كلمته : ( تمنّوا .! )
فقام اخر وقال : اتمنى لو أنّها مملوءةً لؤلؤاً وزبرجداً وياقوتاً وجوهراً انفقها في سبيل الله وأتصدق بها ..!
ثمّ كرر عليهم الفاروق كلمته فقال : ( تمنّوا .! )
فقالوا : ماندري مانقول يا امير المؤمنين .!
فقال عندها الفاروق عمر رضي الله عنه :
" ولكنّي أتمنى لو أنّها مملوءة رجالاً أمثال ابي عبيدة بن الجراح ، ومعاذ بن جبل ، وسالم مولى ابي حذيفه أستعن بهم على إعلاء كلمة الله ".!

رَحمَ الله الفاروق عمر فلقد كان خبيراً بما تقوم به الحضارات الحقه وتنهضُ به الرسالات الكبيره وتحيا به الأمم الهامده .!
صحيحٌ انّ الامم والرسالات تحتاجُ الى المعادنِ المذخوره والثرواتِ المنشوره ولكنّها تحتاج قبل كل هذا وذاك الى الروؤسِ المفكره التى تستغلها ، والقلوب الكبيره التى ترعاها ، والعزائم القويه التى تنفدها .!
إنّها تحتاجُ الى الـــرجــــال ...
أعدْ ماشئت من معاملِ السلاح والذخيرة فلن تقتل الأسلحة إلاّ بالـرجــلِ المحارب .
وضع ماشئت من مناهجٍ للتعليم والتربيه فلن يقوم المنهج إلاّ  بالـرجــلِ الذي يقوم بتدريسه .
وأنشيء ما شئت من لجانٍ فلن تنجز مشروعاً إذا حرمت الرجــل الغيور .
ذلك مايقوله الواقع الذي لاريب فيه ، أنّ القوة ليست بحدِّ السلاح بقدر ماهي في قلبِ ذلكم الجندي الذي يذود عن عرضه ويذبّ عن وطنه ويدافع عن شرفِ أمته ..
والتربية ليست في صفحاتِ الكتاب ولا بالمجلدات بقدر ماهي في روحِ المعلم .
وإنجاز المشروعات ليست في تكوينِ اللجانِ بقدر ماهي في حماسةِ القائمين عليها .'

فللهِ ما احكم عمراً حين لم يتمنى ذهباً ولا فضةً
ولا لؤلؤاً ولا زبرجداً ولا جوهراً ولكنّه تمنى رجـالاً من الطراز الممتاز الذين تتفتح على ايديهم كنوزُ الأَرْضِ وأبوابُ السماء .
فلربّ رجــلٌ واحـد قد يساوي مائه، ، ورجلٌ قد يوازي ألفاً، ورجــلٌ قد يزنُ شعباً بأسره ،
ورجــلٌ قد ترجُح كفته على أمةٍ بأكملها ، ورحم الله من قال :
" رجــلٌ ذو همــةٍ يحيـى أمـــة "
يُعدُ بألــفٍ من رجــال زمــانه
                         لكـنّه في الالمعـــيه واحــدُ

يُحاصرُ سيف الله المسلول خـالد بن الوليد رضي الله عنه الحيره ، فيطلب من الخليفة ابوبكر الصديق رضي الله عنه مدداً من الرجال والسلاحِ والعتاد ، فما أمده ابوبكر إلاّ برجــلٍ واحـدٍ هو الصحابي الجليل القعقاع بن عمر التميمي رضي الله عنه وقال له :
" لايهزمُ جيشٌ فيه مثله "
وكان يقول : " لصوتُ القعقاع في الجيش خيرٌ من الفِ رجــــل ".
ولمّا طلب عـمروبن العاص رضي الله عنه المدد من الخليفة عـمربن الخطاب رضي الله عنه لفتحِ مصر كتب إليه الفاروق فقال له :
" أمابــعد : فإنّي قد امددتك بأربعةِ آلآفِ رجل على كلِ ألف رجل منهم مقام ألف :
الزبير بن العوام ، والمقداد بن عمرو ، وعبادة بن الصامت ، ومسلمه بن مخلد "
فتشبّهـوا إنّ أردتم أن تتشبّهوا
                        إنّ التشبه بالرجــالِ عظيــمُ

لكنّ الســؤال الذي يطــرح نفسـه الآن
مـن هــــــو الــرجـل الذي نُريـد ؟!
هل هو كُلُّ من طرّ شاربه ونبتت لحيته من بني الإنســان !!
إذا كــان هـذا معنى الــرجـــولة فما أكثرَ الــرجــال إذاً .!!
إنّ الــرجـــولة ليست بالسنِّ المتقدمه ..!
فكم من شيخٍ في سنِّ السبعين وقلبه في سنِّ السابعه ، يفرحُ بالتافهِ ويبكي على الحقيرِ ويتطلع الى ماليس له.!

يقبضُ على مافي يده قبضَ الشحيح حتى لايشركه غيره ، فهو طفلٌ صغيرٌ ولكنّ ذو لحيةٍ وشارب .!!

وكم من غــلامٍ في مقتبلِ العمر ولكنّك ترى الــرجـــولة المبكرة في قوله وفعله وعمله وأخلاقه وتفكيره..!
مـرّ الخليفة الفـاروق عـمربن الخطاب رضي الله عنه على ثلةٍ من الصبيانِ وهم يلعبون ، فلمّا رأوه فروا وهربوا مسرعين ، إلاّ صبيٌ واحد بقى مكانه لم يهرب او يفر او يتزحزح من مكانه قيد أنمله وهذا الصبيُ هو عبدالله بن الزبير رضي الله عنه
فتوجه إليه الفاروق عمر وقال له :
لمَ لم تفر مع الفارين من أصحابك !؟
لم لم تهرب مع الهاربين من جلساءك ؟!
فقال وتكلم وتحدث بلسان الــرجـــولة النادرة وكأَنَّهُ في الاربعــين من عمــره :
لم أقترف ذنباً لأخافك ،! ولم تكن الطريق ضيقة حتى أوسعها لك ..!
فلمَ اخاف ؟! ولم أفر !؟ ولم اهرب ؟!
ودخــل غلامٌ عــربي على خليفةٍ أمـوي يتحدث بإسم قومه فقال له الخليفه :
ليتقدم للحديث معنا من هو أسنُّ منك !
اي : اكبرُ منك سنّاً..
فقال الغلام بمنطق الــرجـــولة الفذه النادره :
يا امير المؤمنين لو كان التقدم بالسنِّ لكان في الأمةِ من هو اولى منك بالخلافه ..!
نـــعـم
كم من صبيٍ كان رجلاً في قلبه وعقله ولسانه !!
وكم من صغيرٍ حيّر عقــول الكبار بفهمه الدقيق وبذله العميق !!
وكم من ضئيل الحجم وَزَنَ بقوةِ قلبه وسعةِ علمه وعقله وأُفقه ملءُ الارضِ من اصحابِ الأحجام .!

هؤلاء لعمري همُ الصغــارُ الكبــار .!
وفي دنيانا وزماننا ما اكثر الكبار الصغار ، من عقولهم عقول الصغار ، وتفكيرهم تفكير الصغار ، ومنطقهم منطق الصغار ، وتصرفاتهم تصرف الصغار .!
يبكون على الحقير ، ويتضجرون من التافه ، ويكسّرون على أمرٍ هيّن ، ويُحطّمون على شيءٍ يسير ، ويخسرون العلاقات والصداقات على امورٍ هزيلةٍ لا قيمة لها ..!

فليست الــرجـــولة بالشارب ولا باللحيةِ كما أسلفت ، وليست هي كذلك ببسطةٍ في الجسمِ وطول القامه وعرض المنكبين ، فقد قال الله عزوجل عن طائفةٍ من البشر :
( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ )
ومــــع هـــذا :
( كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ ..) المنافقون
وفي الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام:
" يأتي الرجل العظيم يوم القيامه.!
اي يأتي الرجل الضخم ، والرجل السمين يوم القيامه ..!
قال : " فلا يزنُ عند الله جناح بعوضه "
إقرؤا إنّ شئتم قول الله :
( فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا )
الكهف 105
فما اكثر هذه الأجسام ، وما اكثر هذا الصنف من المتضخمين السمان في هذا الزمان مِمَّنْ يفتخرون بطولهم وعرضهم وقوتهم وفي امور اخرتهم ودينهم لارصيد لهم يُذكر .!
صحيحٌ انهم في في دنيا الناس أذكياء وعباقره ويحسبون كل شيء وكل امر بالدقيقة بل باللحظة لكنهم في امر الدين والعقيده لايفقهون شيئاً ولا يعلمون شيئاً ولايعرفون شيئاً ..!
فليست الــرجـــولة بالعُرض ولا بالطول .!!
وإنّما الــرجـــولة بالصدق والعمل ، وبالصبر والمجاهده ، وبالإيمان والعقيدة الراسخه ولو كان صاحبها نحيل الجسم ضئيل البنيان ، هزيلاً ضعيفاً ..!
ولهــذا كان عبدالله بن مسعود رضي الله عنه رجلاً نحيفاً نحيلاً فصعد يومـاً من الايـام شجرة فانكشفت ساقاه وقد كانتا من الضعف هزيلتان دقيقتان ، فلما بدا للصحابة ساقا عبدالله بن مسعود وضعفهما ضحكوا عليه ..
فقال حينها رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" اتعجبون وتضحكون من دقةِ ساقيه !! والذي نفسي بيده لهما اثقلُ في الميزانِ من جبلِ أُحد ".

فليست الــرجـــولة بالسنِّ ولا بالجسمِ ولا بالحجم ، ولا بالطول او بالعرض ، ولا بالشارب او باللحيةِ ، ولا بالمال او بالجاة او بالسلطان ، ولا بالحسب او بالنسب .!!
وانّما الــرجـــولة قوةٌ نفسيه تحملُ صاحبها على معالي الامور وتُبعدُه عن سفاسفها ..
الــرجـــولة قوةٌ تحمله على ان يعطي قبل ان يأخذ ، وان يؤدي واجبه قبل ان يُطلب منه .!
الــرجـــولة قوةٌ تجعله كبيراً في صُغره ، غنياً في فقره ، قوياً في ضعفه .!

الــرجـــولة بإيجاز هي قوةُ الخُلق وخُلقُ القوة ..

الاّ وإنّ خير ما تقوم به دولةٌ لشعبها وأعظم مايقوم عليه منهج تعليمي وافضل ما تتعاون عليه أدوات التوجيه كلها من صحافةٍ وإذاعةٍ ومسجد ومدرسه هو صناعة الرجال وتربية هذا الطراز الفريد من الرجال وإعداد هذا الصنف من بني البشر .!
ولن تترعرعَ الــرجـــولة الفارعه ..
ولن يتربى الرجال الصالحون إلاّ في ظلالِ العقائد الراسخه ، والفضائل الثابته ، والمعايير الأصيله ، والحقوق المكفولة إلاّ في أطهر البقاع والأماكن على وجة الارض في مساجدنا الفساح :
فــلابـد من صنـــعِ الــرجــالِ
                           ومثــلُهُ صُنــعُ الســــلاح
وصنـــاعـةُ الأبطـــال علمٌ
                           قـد داره أولــوا الصـــلاح
من لم يُلقـنْ أصـــلُهُ
                           مـن أهــله فقد النجــــاح
لا يُصنـــعُ الابطــــالُ إلاّ
                         في مســاجدنـا الفســــاح
في روضــةِ القـــرآنِ
                      في ظـلِ الأحاديث الصحـاح
شـعبٌ بغيِر عقيــدةٍ
                              ورقٌ تُذريـه الـــريـــاح
من خــان حـيّ على الصلاة
                    يخــون يـومـاً حيّ على الكفاح

فمن ها هنا يتخرجُ الأبـطـال ، ومن هذه البقــاع الطاهره يُصنعُ الرجال ويُعد القـاده .!
أمّا في ظلامِ الشكِّ المحطم ، والإلحاد الكافر ، والانحلال السافر ، والحرمان القاتل فان توجد رجولةٌ صحيحه كما لاينمو الغرس اذا حُرم الماء والهواء والضياء .!

ولم ترَ الدنيا الرجولة في احلى صورها وأكمل معانيها كما رأتها في تلك النماذج الكريمه التى صنعها الاسلام على يد رسوله العظيم صلى الله عليه وسلم
من رجالٍ يَكْثُرونَ عند الفزع ويَقلوّن عند الطمع .!
من رجالٍ لا يُغريهم الوعد ، ولا يُلينهم الوعيد .!
من رجالٍ لا يغرهم النصر ، ولاتحطمهم الهزيمه.!

أمّا اليوم ومع كلِ انواع الفساد الذي غزا بلدان العرب والمسلمين والذي جاءنا من بلدان الكفر
فقلّما ترى إلاّ أشباه الرجال ولا رجال ..

ولــذلكــم
تُعجبنا وتؤلمنا في الوقت ذاته كلمةٌ لرجلٍ درس تعاليم الاسلام السمحه الشامله فقال في إعجابٍ مرير مؤلم  :
" ياله من دينٍ عظيمٍ لو كان له رجـــال "
وهذا الدين الذي يشكو قلة الرجال يضمُ اليوم مايزيدُ على مليار ونصف المليار مسلم ينتسبون إليه ويُحسبون عليه ، ولكنّهم كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم :
" غثاءٌ كغثاءِ السيل "
او كما قال الشاعر :
يَثقُلونَ الأرض من كثرتهم
                          ثمّ لا يُغنونَ في أمرٍ جللِ
ألفُ مليــار مســلم
                              كـــغثــاءٍ بشــطِ يـمِ

أما والله لو ظفر الاسلام في كلِ ألف من ابنائه برجلٍ واحدٍ فيه خصائص الــرجـــولة لكان ذلك خيراً له وأجدى عليه من هذة الجماهير المكدسه التى لا يهابها عدو ولا ينتصر بها صديق.!
فليتَ لي بهم قوماً اذا ركبوا
                       شنّوا الإغارة فرساناً وركبانا
لا يسألون أخاهم حين يندبهم
                    في النائبات على ما قال برهانا

( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) الأنفال (53)
بـــارك اللـه لـي ولكــم بالقـــرآن العظيــــم
ونفعنـــي وإيـــاكــم بمـا فيـه من الآيـــــات
والذكــــر الحكيــــم ..
اقـــــــول مـا سمـعتـــم واستغفـــروا اللـَّه لـي ولــكم مـن كل ذنـب فيـــا فــــوز المستغفـــريـــن
ويــا نجــــــاة التـــــائبــــــين ..

الخطبــــــــــــــــــــــــــــه الثانيــــه :
أمــا بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ                
احبتــــــي الگـــــــرام .. روّاد مســجد بــلال :
أحدثكم اليوم عن الــرجـــولة وما ادراكم ما الــرجـــولة  ؟؟
الــرجـــولة تتجلى فيها أخلاقيات ومباديء الشخص ومدى استعداده لتحمل المسئوليات المختلفه ومدى إلتزامه بشريعة الله عزوجل والتضحيه والبذل من اجلها وفي سبيلها .!
الــرجـــولة ياكــــرام
ليست تسلطاً ولا استبداداً وليست ظلماً ولا جوراً وليست استكباراً ولاعنجهيه .!
ليست تعدي على خلق الله ، ولا أكلاً لحقوقهم وأقواتهم .!
الــرجـــولة ليست كلمةً تقال ، ولاشعاراً يرفع ، ولا دعوى تُدّعى .
إنّما الــرجـــولة مباديء وقيم ومُثل واخلاق .
الــرجـــولة عفةٌ وطهارةٌ ونقاء..
الــرجـــولة حكمةٌ في الموقف ، وثباتٌ عند الشده ، ولينٌ في المعامله ، ورجاحةٌ في العقل ، ورفقٌ بالخلق.
الــرجـــولة صدقٌ وتقوى وزهدٌ وورع ورحمةٌ وموده وخوفٌ وخشيةٌ من الواحد الاحد :
( يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ  }   النور 37
فما أحــوجنا في هذا الزمان الى الــرجــال .!
ما أحــوجنا إليهم والبحث عنهم .!
مع ان رحلة البحث عن هؤلاء ليست بالسهله وليست باليسيره ، بل إنّها شاقةٌ شقاء استخراج اللؤلؤ من قاع البحارِ العوامق بل اشد .
شاقة كشقاء زرع النباتات الاستوائية في اعماق الصحراء .!
شاقةٌ شقاء حرث البحر او زرع الهواء .!
وقد يقضي المُصلحُ عمره كله في رحلةِ البحث عن رجال ، وقد يجد واحداً يعينه على غايته وقد لايجد.!
يقول الشاعر :
مازِلتُ ابحثُ في وجوهِ الناس عن بعضِ الرجالِ
    عن عصبةٍ يقفون في الازماتِ كالشمِ الجبالِ
فاذا تكلمت الشفاه سمعت ميزان المقالِ
         واذا تحركت الرجال رأيت أفعال الرجالِ
اما اذا سكتوا فأنظارٌ لها وقع النبالِ
         يسعون جهداً للعُلا بل دائماً نحو الكمالِ
يَصِلون للغاياتِ لوكانت على بُعد المُحالِ
           ويُحققون مفاخراً كانت خيالاً في خيالِ
يعشقون الموت في اوساطِ ساحات القتالِ
              ويرون أنّ الحر عبدٌ إن توجه للضلالِ

{ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا  } الأحزاب 23
إيمانهم كالجبال الشّمِ الرواسي ، لاتزحزحه قوه ، ولاتحركه شبهه ، ولاتثيره شهوه .!

في موقفٍ تتجلى فيه معاني الــرجـــولة الحقه
يُرسلُ بطلُ الأمة المحمديه وأسدها وفارسها خالد بن الوليد رضي الله عنه رساله الى ملك الروم مفادها :
( من خالد بن الوليد الى نقفور كلب الروم أسلم تسلم وإلاّ جئتك بقومٍ يحبون الموت كما تحبون انتم الدنيا )
رسالةٌ فيها العز ، فيها الشموخ !
رسالةٌ فيها المجد ، فيها الإباء .!
رسالةٌ فيها الافتخار بهذا الدين الذي ينتمى اليه

ويتناول ملك الروم هذه الرساله فلما قرأها ارتعدت فرائصه وخاف على ملكه من الزوال فاستغاث بملك الصين يطلب منه مداداً من الرجال والمقاتلين لمواجهه خالد بن الوليد ..
فرد ملك الصين على رساله ملك الروم بردٍ يظهرُ فيه عزة المسلمين وقوةِ بأسهم قائلاً :
" لاطاقة لي بقتالِ قومٍ لو ارادوا خلع الجبال لخلعوها بأيديهم ".
من ذا الذي رفع السيوف
           ليرفع أسمك فوق هامات النجوم منارا
كنا جبالاً في الجبال وربما
                   سرنا علـى مـوج البحـار بحـارا
كنا نري الأصنام مـن ذهـب
                     فنهدمهـا ونهـدم فوقهاالكفـارا
لو كان غير المسلمين لحازهـا
                       كنزاً وصاغ الحلي والدينـارا
بمعابد الإفرنـج كـان آذاننـا
                       قبل الكتائب يفتـح الأمصـارا
لم تنس أفريقيا ولا صحراؤهـا
                       سجداتنا والأرض تقذف نـارا
كنا نقدم للسيوف صدورنا
                         لم نخش يوماً غاشماً جبارا
لـم نخـش طاغوتـاً يحاربنـا
                       ولو نصب المنايا حولنا أسوارا
وكأن ظل السيف ظـل حديقـة
                        خضراء تنبت حولنا الأزهـارا
ندعو جهارا لا إله سوى الـذي
                         صنع الوجود وقـدر الأقـدارا
ورؤسنا يـارب فـوق اكفنـا
                          نرجوا ثوابك مغنمـاً وجـوارا

أيُّ رجــالٍ كان هؤلاء أمِنْ الملائكه ام من البشر .!
ليسوا ملائكه إنما بشراً تخرجوا من جامعةٍ مكتوبٌ على بابها :
( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ  أَثَرِ الْسُجود ) الفتح 29

فما أحــوجنا كآباء الى تنمية عوامل الــرجـــولة في شخصية اولادنا وفلذات اكبادنا ، فنأخذهم للمجامعِ العامه ونُجلسهم مع الكبار لتلقيح فهمهم وزيادة عقليتهم وليحملهم ذلك على محاكاة الكبار..
وهكذا كان الصحابة الكرام يفعلون مع أبنائهم حيث كانوا يصحبونهم الى مجالس النبي صلى الله عليه وسلم.
وممّا ينمي الــرجـــولة في شخصيه الاولاد تناول الحديث معهم عن بطولات السابقين واللاحقين والحديث معهم ولو لساعات محدده عن المعارك الاسلاميه وانتصارات المسلمين وذلك لتعظيم الشجاعة في نفوسهم وتعظيم حبِّ هولاء الرجال والأبطال في نفوسهم.
وممّا ينمي الــرجـــولة في شخصية الاولاد تَجنب اهانتهم خاصةً امام الآخرين وعدم احتقار أفكارهم وآراءهم وتشجيعهم على المشاركه إعطاءه قدرة وأشعاره بأهميته .
وممّا ينمي كذلك الــرجـــولة في شخصية الاولاد تعليمهم الجرأه في مواضعها وتدريبهم على فنِّ الإلقاء والحديث والخطاب .
كذلك الاهتمام بالحشمه في ملابسهم وإبعادهم عن الترف وحياة الكسل والراحه والبطاله.!

كذلك تجنيبه مجالس اللهو والباطل والغناء والموسيقى لانها منافيةٌ للـرجـوله ومناقضةٌ لصفةِ الـرجـال.

اللهم وأبرم لهذه الأمة امراً رشيداً يُعزُ فيه اهل طاعتك ويُذل فيه اهل معصيتك ويؤمر لك فيه بالمعروف وينهى لك فيه عن المنكر ياسميع الدعاء.!

اللهم ارزقنا الفقه في الدين والتمسك بالكتاب المبين، والإقتداء بسيد المرسلين، والسير على نهج أسلافنا الصالحين..
 اللهم اغن كل فقير ، اللهم أشبع كل جائع..
اللهم اكس كل عريان، اللهم اقض دين كل مدين، اللهم فرج عن كل مكروب، اللهم رد كل غريب،
 اللهم واشف كل مريض..
اللهم أحسن بالمحسنين، وتولهم أجمعين،
اللهم اجعل نفاقتهم في سبيلك ومباركة عندك..

ثم اعلموا انّ الله أمركم بأمرٍ بدأ به نفسه وثنى به ملائكته المسبحةِ بقدسه وثلّثَ به عباده من جنِّه وإنسه فقال :-
(( إنَّ اللّهَ وملائِكتَه يُصلونَ على النَّبي يا أيَّها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ))....
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك، يا أرحم الراحمين.
------------------------------------
للتواصل والاستفسار وإبداء الملاحظات :
جوال ( 00967777151620 )
ولمتابعه الخطب المكتوبه على الروابط التاليه :
١/
https://www.facebook.com/SheikhAhmedPage/
-----------------------
٢/
https://alahmed-ibb.blogspot.com/?m=1
-----------------------
٣/
 https://lecahmed.blogspot.com/
-----------------------
٤/
 http://talabah1.blogspot.com/?m=1
-----------------------------------
اللهــــم اجعلـــها صــــدقةً جـــاريــةً لــــــي ولــوالدتي المرحــــــومه..
وأنفــــع بها عبــــادك المسلمــين اجمعـــين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
--------------------------------
    والحَمْـــــــدُ للّــه رَبِّ العَـــــــالَمِــين

🎤 خطبــة جمعـــة بعنـــوان : [ الإســـتغفـــــــار ] إعـــــــداد وتنظيــــم وإلقـــاء : الاستـــاذ/ احمــــد عبـداللَّـه صــالح خــط...