الجمعة، 28 ديسمبر 2018

🎤
خـطبــــة جمعــــــة بعنـــــــــــوان        
{ قصــة نبـيُّ اللِه سليمـــــان وبلقيس } [ 3 ]

إعـــــــداد وتنظيــــم وإلقـــاء :
الاستـــاذ/ احمــــد عبـداللَّـه صــالح
خــطيب مسجــــد بـــلال بـن ربــاح/
الجمـــهوريـه اليمنيـــه - محــافظـة إب .
ألقيت في  28 ديسمبر 2018م
الموافق 21 ربيع ثاني 1440هـ

أمــا بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ          
ايهـــا الأحبــــاب الكــــــرام روّاد مـسجد بـــلال :
ولازال الحديثُ مستمراً مع النَّبِيِّ الآواب سليمان عليه السلام وبينما هو يستمع بإنصاتٍ وإصغاءٍ لتقريرِ الهدهد الدقيق والموجز والذي برّرَ فيه اسباب غيابه وتأخره عن مجلسِ سليمان  كان الرد السليماني حينها بلاطيشٍ او حدةٍ او اندفاعٍ او استعجال  :
( سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْكَاذِبِينَ )
وبماذا سيتأكد سليمان من حجةِ الهدهد ؟؟
وبماذا سيتثبت ؟؟ وبماذا سينظر ؟؟
قال له :
( ٱذْهَب بّكِتَابِى هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَٱنْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ) ..
وكما تحدثنا الجمعة الماضيه أمام أعظم تقرير صاغه الهدهد .!
 فإننا أحرى بنا أن نقف الآن أمام أعظم نموذج لرسالة صاغها سليمان عليه السلام كما أوردها القرآن الكريم على لسانه، شملت أصولاً في كتابتها ..!
وأجزاء يجِبُ مراعاتها ..!
وترتيب لهذه الأجزاء .!.
 وهدف يمثل صُلبَ الموضوع وطبيعته .!.
- ممن الرسالة؟؟  - ولمن ؟؟ - والموضوع ؟؟
ثم المطلوب الأساس والرئيس وكل ذلك يجب أن يتحقق مع غاية الإيجاز الذي لا يخلُّ بالمعنى المراد..

وبالفعلِ ذهبَ هذا الجنديُ الامين مرةً اخرى .!
ذهبَ هذا الداعيةُ المخلص يحملُ رسالة نبيِ اللهِ سُليمانَ عليه السلام ..                  
ذهبَ قاطعاً مسافات شاسعه حيث وكانت ‏المسافة بين الشام واليمن مايقارب ٢٠٠٠ كيلو..
هذه المسافات الكبيره ‏قطعها الهدهد أربع مرات!!!

فحدثني‏ عن جهودكَ في الدعوةِ إلى الله ؟!!
حدثني عن جهودكَ في سنينٍ مرت من عمرك؟
حدثني عن رصيدِ حياتك جَعلتَ منها لله ولدين الله!
كم مسافةً قطعتَ لاجلِ الله ؟
كم كيلو مترات قطعتَ لاجلِ إيصالِ نصيحه؟
كم كيلو مترات تجاوزتَ حتى توصلَ علم وتوصل فكره وتغرس مبدأ من مباديء دينك لمن لم يجد ذلك او رسالةً من عقيدتك لكل من تاه في حياته..!

هذا الهدهد يقطعُ كلَ هذه المسافات ويتجاوزُ كلَ الفيافي والقفار والأنهار والسهول والوهاد حاملاً كتابَ نبيِّ اللهِ سليمان  ..                  
وماذا في هذا الكتاب ؟
وماذا كتبَ سليمان فيه .!
مع كونه ملك لم يذكرْ مدحاً له قبل الاسم أو بعده بل ذكرَ اسمه فقط وهذا من كمالِ تواضعه , وكمال بلاغته.
نعم اخــــواني الكـــــرام
ماكتب في بداية رسالته انا الملكُ سليمان. !!
ولا انا نبيُّ اللهِ سليمان .!
ولا انا رسولُ اللهِ سليمان .كما يفعلُ ذلك عشاقُ الظهورِ ومحبيُّ الشهره :
( انا الشيخ فلان - وانا الدكتور فلان - وانا ابن فلان بن فلان - وانا ابن العظيم فلان وانا وانا... )
انّما كتب في بدايته :
(إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ )

ولمّا همّ الهدهد بالانصرافِ والمغادره قال له نبيُّ الله سليمان عليه السلام :                              
هل تريدُ ان أُرسلَ معك حراسةً من الجُند ؟
هل تريدُ حمايةً من الطيور ترافقك ؟
فأعلنها الهدهد الصادق بكلِ ثقة وعزمٍ وإيمان :
كيف اخافُ يانبيَّ الله وانا احملُ بسم الله الرحمن الرحيم ..
ياله من درس نتعلمه من هذا الطير الأمين .!
درسٌ رائع مفاده :
أنّ من يحملُ معه اسم الله ويسير به ، ويبدأُ عمله به ، ويبدأ يومه به ويعيش عليه فهو في حمايةِ الله ورعايته وحفظه وفي كنفه سبحانه وتعالى ومحصنٌ من شياطينِِ الجنِّ والانس .

فكلُ أمرٍ ذي بال، لابد أن نبدأهُ  بـ :
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.
 إذ أن (كلُ عملٍ لم يبدأ باسم الله، فهو أبتر).! فقيادة السيارة أمرٌ ذو بال؛ لأنها قد تصطدم فتتحول إلى تابوت..                      
ودخولُ المنزلِ أمرٌ ذو بال، لأنه ربما يدخل الزوج المنزل والشيطان على كتفه، وفي أول مواجهة مع الزوجة، وإذا بالحربِ تشتعل بينهما..

ولهذا المؤمن إذا استعملَ البسملة في حياته تتحولُ حياتهُ إلى ذكرٍ قهري :
- يفتحُ جهازَ الحاسوب يقول :
 {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
- يأكلُ الطعامَ يقول: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
- يلبس اللباسَ يقول : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
- يدخلُ الحمامَ يقول: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
- يركبُ الدابةَ يقول : {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}..
فتكون حياته مع الله ومع اسم الله وبالتالي،
فإنه لا يبقى هناك غفلةٌ في الحياة!..

(إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ )
لفظُ الجلالةِ وما أدراكَ ما لفظُ الجلالة!..
الملوك عندما يختارون الطعامَ والثياب وغيرهِ، يختارونَ أفضلَ الأنواع لمقامِ السلطنة!..
وربُ العالمين اختارَ لنفسهِ اسماً وهو "الله" لفظ الجلالة ..
وهذهِ اللفظة تدلُ على الذاتِ المقدسة..
تدل على صفاتِ الجلال والجمال..

البعضُ منّا قد يعيش إلى آخرِ عمره، ولا يعلم ما معنى اسمَ ربهِ، الذي سيُسألُ عنهُ في قبره؟..

والأولياءُ الصالحون لهم قصصٌ مع لفظِ الجلالة :
أحدهم عندما يقومُ في جوفِ الليل، يضعُ أمامهُ لفظُ الجلالة، وهي مُضاءةٌ بالنور..

ولا بأس أن يضعَ المؤمن لفظ الجلالة في غرفةِ النوم أمامه في مكانٍ لائق، وقبلَ أن ينام بدل أن يفكرَ في طعامِ الغد، ينظر إلى لفظِ الجلالة إلى أن ينام..

ففي البداية يكونُ الأمر مجرد نظر، ولكن مع الأيام يترقى ويترقى، فيرى المُسمى وراءَ الاسم، ويرى المعنى وراء اللفظ..

احبتــــي الكـــــــــــرام :                
حملَ الهدهدُ رسالة نبي الله سليمان الى الملكةِ بلقيس فدخل عليها وهي نائمةٌ على سريرِ عرشها
فرماة وألقاه ثم عادَ وطار حتى وقف على إحدى فتحاتِ القصر وجعل يرقبُ الموقف  ويتأمل في المشهد ويتابع الحدث اولاً بأول .!
 وينظر بكلِ أدبٍ ماذا ستفعل ؟!

ولما استيقظت بلقيس وجدت الكتاب فقرأت مافيه فدعت على الفورِ بعقدِ قمةٍ طارئةٍ وجلسةٍ إستثنائيةٍ عاجله ..
فأجتمعَ عندها اهلُّ الحلِ والعقد والوزراء والأعيان وكبارُ المستشارين وقادةُ الجيش وأكابرَ دولتها ..!
فقالت ( يٰأَيُّهَا ٱلْمَلا إِنّى أُلْقِىَ إِلَىَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ)
وقالت كريم : قالوا لان فيه بسم الله الرحمن الرحيم .
وقيل : لانه كانَ مختوماً بختمِ سليمان ..

فقال لها قومها وكبارُ دولتها : وماذا فيه ؟؟
فقالت (  إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ  أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَىَّ وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ   )
خطابه ورسالته باختصار وبلا اطاله او إسهاب وبشكلٍ مباشر وعاجل وسريع ( ان يأتوه مسلمين )

خطابٌ يتجاوزُ امرَ عبادتهم للشمسِ ولا يناقشهم في فسادِ عقيدتهم ولا يحاولُ إقناعهم بشيء ..

خطابٌ قصيرٌ مهذب متعالي في نفسِ الوقت .

( قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلاَ أَفْتُونِى فِى أَمْرِى مَا كُنتُ قَـٰطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ  )
إنّه كذلك درسٌ اخر يجِبُ أنْ لا يغيبَ عنا ..
درسٌ نقطفه ونستلهمه من هذا الموقف الرصين.!
لكنّه هذه المره : في الشورى وأهميته ..

فمن خُلقِ بلقيس أنّها كانت امرأةً عاقلة تحرصُ على أن لا تتخذَ قراراً إلا وهي مستشيرة حتى قيلَ أنّه كانَ أهلُ مَشورتِها ثَلاثَمِائةٍ وثَلاثةَ عشرَ رجلاً كلُّ واحِدٍ منهم على عَشَرةِ آلآف ..

وبعضُ الناسِ احياناً يتخذُ قراراً لكنه يتخذه من تلقاءِ نفسه لا يستشيرُ الناس ولايستشير من حوله ولاحتى اقربَ المقربين منه ..

 والاستشارةُ يا كرام بدونِ مقابل ..!
تشتري سيارة استشر، تتزوج استشر، تسافر إلى بلدٍ معين استشر، تُقبلُ على تجارةً استشر .!
تعال إلى إنسانٍ عاقل !
تعال الى انسانٍ عنده إلمام بالحياةِ وتجاربها واسأله ما رأيك ؟ ما نصيحتك لي ؟ وحتى لاتندم!وهو القائلُ عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي اخرجه الطبراني في المعجم الصغير :
( ماندم من استشار وماخاب من استخار )..

وهو القائل عليه الصلاة والسلام كماجاء في سنن  ( إذَا اسْتَشَارَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُشِرْ عَلَيْهِ ) ..

ولذلكــــم
هذه امرأةٌ تستشير ! تستعملُ عقلها وعقلَ غيرها..!

والشورى في الاسلامِ قاعدةٌ من قواعده التى اذا فُقدتْ إختلَ نظامُ حكمه ونزلت المصائب بأهله وحلّت في مجتمعهم الفوضى وصارَ كُلُّ شيءٍ في غيرِ مكانه اللائقُ به ..

- الشورى ألفةٌ للجماعةِ ومسبارٌ للعقول وسببٌ الى الصواب ، وما تشاور قومٌ قط الاّ هدو ..

- وبالشورى تحقنُ الدماء وتصانُ الأعراض وتحفظُ الحقوق وهو القائل سبحانه :
( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) 38الشورى

وهو القائل لرسوله صلى الله عليه وسلم :
( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (159) ال عمران

وسيرته عليه الصلاة والسلام مليئةٌ بالشورى وخاصةً في ما يتعلقُ باستشارته في خوضِ المعارك كبدرٍ وأُحدٍ والأحزاب وغيرها ..
ولو انّه عليه الصلاة والسلام خاض معاركه دون ان يستشيرَ اصحابه ماكان عليه لوم لأنه لم يكن يَعرِفُ الاستبدادَ السياسي بالرأي انّما كان يؤمن بجمعِ الآراء...
ولأنه عليه الصلاه والسلام معصومٌ من الخطأ ، ولكنه مع عصمته من الخطأ كان يؤمنُ بالشورى ليعلمنا هذا المبدأ الاسلامي الرائع ..!
ونحن بدورنا نُعلّمه لغيرنا من اولادنا وأهلينا.

ولذلــــكم :
( مَا كُنتُ قَـٰطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ  )
واسمعوا الى ردِ رؤساءِ قومها ومستشاري دولتها الذين أثارت رسالةُ سليمان غرورهم وأدركوا حينها انّ هناك من يتحداهم ويلوحُ لهم بالحربِ والهزيمةِ ويطالبهم بقبولِ شروطه قبلَ وقوعِ الحرب والهزيمه ... فقالوا :
(  نَحْنُ أُوْلُواْ قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ  )
( أُوْلُواْ قُوَّةٍ ) أي : قُوَّةً في الأجسادِ والآلاتِ.
وكثيرٌ في العدد ..
[ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ.]
أي: عندنا سلاح ونحنُ جاهزين ومستعدين للدفاع.
يقولون : من أكثرُ منّا قوةً ، ومن أكثرُ منّا منعة ..
فنحن الرجالُ عند الموت ، ونحن الاسودُ التى لاتقهر .!
ونحنُ الجيشُ الذي لا يُهزم .!              
ونحن القوةُ التى لا تُغلب ولا تنكسر .!
الحقُّ حقنا ، والارضُ ارضنا والبلادُ بلادنا
فمن يكونُ سُليمانَ هذا حتى يتحدانا ..!
ومن يكون حتى يلوحُ بمواجهتنا، ويهدد بالوقوفِ امامَ قوتنا الجبارة وجيشنا الكبير .!

- وهذه هي العقليةُ العفنه .!!..
- هذه هي العقليةُ المتخلفه التى سببت للأمةِ الانتكاسات والهزائم وعادت للوراءِ ردحاً من الزمن.!

- هذه هي العقليةُ التى بسببها رجعت امتنا للخلفِ عشراتَ السنين ..

- هذه هي العقليةُ التى بسببها سقطت امتنا في الوحلِ والى أسفلَ سافلين ...!

- هذه هي العقليةُ المكسوه بالجهلِ والمحشوه بالتخلفِ والتى بسبها إريقت الدماء واُزهقت الارواح وقُتل الأبرياء.

عقليه ( نَحْنُ أُوْلُواْ قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ  )

الملكةُ الرزان !! الملكة العاقلة تطلبُ منهم رأياً سديداً ، رأياً صائباً، رأياً حكيماً ..
رأياً يحقنُ الدماء ويصونُ الأعراض ويحفظُ الكرامه ويحمي البلاد وهم يشجعونها على القتال..!
 وهم يحرضونها على المواجهه .!
وهم يدفعونها الى الطيشِ والتهور .!
ويجرو مملكتهم الى نهايتها الحتميه .!
وكماقيل : اذا كانَ المتكلم مجنون فإنّ المستمع عاقل ..
فكانت في قمةِ عقلانيتها ، وفي قمةِ حكمتها وذكائها وحنكتها ..!
فلقد فكرت ثم فكرت طويلاً في كتابِ سليمان الذي كان اسمه مجهولاً لديها آنذاك ولم تسمع به من قبل وبالتالي كانت تجهلُ كلَ شيءٍ عن قوته .!

نظرتْ الملكةُ حولها فرأت تقدّم شعبها وثراءه والأمنُ والسلام الذي يعيشه فخشيت على هذا الحال من التبدل والتحول من الطمائنينهِ والعيشَ الرغيد بسبب الغزو ولقتالِ والمواجهه فقالت :              
( إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُواْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ....) هذا كلامها..
فأيد الله رأيها وكأنه يقول صدقت فقال :
( وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ  )
فرجّحتْ الحكمةُ في نفسها على التهور وتنازلت عن حُكمها للمملكةِ حباً لشعبها وسلامةً لأراضيها

- وما اجملَ هذا الدرس وما أروعه في تغليب المصلحةِ العامه على المصلحةِ الشخصيه .!

في الحزمِ باتخاذِ القرار المناسب ولو كان مراً.

في الحكمهِ ، في التعقل ، في التروي وتحليلِ الامور بمنطقيه وواقعيه  .

ولذلكم /
فكرت ونظرت وقدرت حتى وصلت الى قرارٍ بإن تُرسلَ لسليمان بهدِيّةٍ تَسْتنْزِلُ مودّتَهُ بسبَبِها وتُحَمِّلُّ هذهِ الهديّةَ لرجالٍ دُهاةٍ منْ رجالِها حتى ينظرُوا مدَى قُوَّةِ سليمَانَ عليهِ السلامُ ثمّ بَعْدَ ذلكَ تُقرِّرُ ما ستفعلُهُ في أمرِ سليمانَ على ضوْءِ ما يأتِيها منْ أخبارٍ عَنْهُ وَعَنْ قُوّتِهِ، قال جل في علاه :
[وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ ......!!!
الهدية وما ادراكم ما الهدية ؟؟
للهدية أثر عجيب وعميق في نفوس من نهاديهم، فبها يزول ما بين النفوس من جفاء ووحشة،
وبها ترق القلوب، وتصفو النفوس، وتزداد المودة والألفة، ويعمق الحب، وتوثق الروابط، وفي عميق أثر الهدية في النفوس ومفعولها في القلوب فهي مفتاحٌ من مفاتيح القلوب فلا تغفلوا هذه المفاتيح لمواجهة القلوب المغلقة ...
وربّ هدية صغيرة نقدمها لمن نحب أو لمن لانتوافق بالآراء معهم أحياناً تحقق لنا كثيراً من الامور والنتائج ممالانستطيع ان نحققه في أشياء اخرى..
وحيا من قال :
هدايـا النـاس بعضهم لبعض
                           تولد فـي قلوبهم الوصال
وتزرع في الضمير هوى وودًا
                        وتلبسهم إذا حضروا جمالا

ورسولنا عليه الصلاة والسلام هو قدوتنا في ذلك فلقد كان  يقبل الهدية ويثيب عليها) وهو القائل عليه الصلاة والسلام :( تهادوا تحابوا)
والقائل كذلك في حديثه :
 ( تهادوا ؛ فإن الهدية تسل السخية)

ولذلكم
(وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ) [ النمل/35].
 فجاءوا الى سليمان كالجنود :
 منهم من يحملُ الذهب ، ومنهم من يحملُ الفضة
ومنهم من يحملُ أنواعاً من الطعامِ وأنواعاً من اللباس وأشياء اخرى عظيمة .!
فنظرَ نبيُّ اللهِ سليمان إلى الهدايا فقال :
[ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ...]
أي : تعطوني أموالاً من أجلِ السكوت عن الكفر؟
من اجل السكوت عن كلمةِ الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ...!!!                
[فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ]- [ النمل/36].
[إِرْجِعْ إِلَيْهِمْ...] يقول للجنود ..!
[...فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا   وَلَنُخْرِجَنَّهُم مّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَـٰغِرُونَ) [النمل:34-37].
أي: لآتينهم بجيشٍ طويلٍ عظيمٍ عرمرم يصل أوله إلى اليمنِ وآخرُهُ لم يخرجْ من الشام ...

وفي هذا الموقف السليماني درسٌ مهم وهو :
أنّ على صاحبِ الحقِ أن يمضي في طريقه،
ولا ترده عن وجهته إغراءاتُ الدنيا مهما عظمت؛
لأن أصحاب الباطل إذا رأوا دعوته ذاتَ اثرٍ خافوا على شهواتهم انْ تُطمرَ أمامَ سيلهِ الهادر فقاموا بأساليبٍ عدة لكبحِ جماحِ دعوته ...

كما في هذا الموقف درسٌ اخر وهو :
أن الهدايا التي يرادُ بها شراءُ المواقف والذمم لصالحِ الباطل، والسكوتُ عن الحق وتركِ نصرته ينبغي أن ترد ولا تقبل، وأنّ على القائدِ المسلم أن يردعَ أعداءَ الإسلامِ بإظهارِ قوةَ المسلمين؛ حتى يَكُفّوا شرّهم عن المسلمين، وهو القائل جل في علاه :
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ﴾ [الأنفال: 60]
وفي الآياتِ كذلك :
 بيانُ أهميةِ القوة العسكرية، والقوة الاقتصادية، والقوة العلمية في حمايةِ الحقِّ ونشره، وأن على ولي أمر المسلمين أن يكونَ له مستشارون ذوو كفاية في عقولهم وعلومهم وقواتهم، يستشيرهم في أمورِ حُكمه..
 وفي الآياتِ ايضاً :
مشروعيةَ مكاثرةَ أهلُ الباطل ومفاخرتهم بما عِنْدَ أهل الحق من أسبابِ القوة التي يفخرُ بأمثالها أهل الباطل؛ لأن ذلك سيجعلهم يُذعنون لقوةِ الحق...

فالغربُ اليوم والكفارُ عمومًا في رأسِ هرمِ التطور العلمي والتقني والتكنولوجي والعسكري وغيرها من مجالاتِ الحياة المتقدمة، وهم في تلك الآفاق الدنيوية العالية ينظرون إلى المسلمين نظرةً دونية مزدرية؛ ولعل ذلك صدّ بعضُ الكفار عن الإسلام

فلو اعتنى المسلمون بهذه الجوانب، ونافسوا الكفارَ فيها لأدى ذلك إلى تخفيفِ كِبرهم واحتقارهم للمسلمين..

أعوذ بالله من الشيطان الرجيــــم :
(  فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا ءاتَـٰنِى ٱللَّهُ خَيْرٌ مّمَّا ءاتَـٰكُمْ بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ  ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَـٰغِرُونَ) [النمل:34-37].
بـــارك اللـه لـي ولكــم بالقـــرآن العظيــــم
ونفعنـــي وإيـــاكــم بمـا فيـه من الآيـــات
والذكــــر الحكيــــم ..
اقـــــــول مـا سمـعتـــم واستغفـــروا اللـَّه لـي ولــكم مـن ذنـب فيـــا فــــوز المستغفـــريـــن
ويــا نجــــــاة التـــــائبــــــين ..

الخطبــــــــــــــــــــــــــــه الثانيــــه :
أمــا بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ                
احبتــــــي الگــــــرام :
رجعَ وفدُ الملكةِ بلقيس أدراجه، وأخبرَ ملكته بما رأى من إيمانِ سليمانَ ومَا شاهدوهُ منْ عظَمَةِ مُلْكِه وكثْرَةِ جنودِهِ وقوّةِ بَأسِهِ فأدركت بلقيس حينها أنّها امامَ نبيٍ مرسل، وأنّها لا طاقةَ لها بمخالفةِ أمره، فتجهزت للسيرِ إليه مع أشرافِ قومها.

وما تلا ذلك من إتيانِ نبيِّ اللهِ سُليمانَ بعرش ِ بلقيس قبل قدومها ..

ومازالت بلقيسُ تنظرُ إلى عِظَمِ مُلْكِ سليمان فتزدادَ قناعةً بالحق، والدخولَ في الإسلام  حتى كان آخِرُ مظاهرِ عظمةِ ملكِ سليمان :
أنّ صحنَ قصره كان أملس من زجاجٍ صافٍ
والماءُ تحته يجري، فلما طلبَ منها دخولَ القصر ظنت ذلك ماءٌ يجري تحتَ قدميها فكشفت عن ساقيها حتى لا يُصيبَ الماءُ ثيابها حينما تخوضه، فأُخبرت أنّ ذلك ليس ماء، وإنّما هو زجاج!

فأدركت حينئذٍ كمالَ ما أعطى الله نبيه سليمان،
ورأت الحقيقة الساطعة التي كانت محجوبة عنها
فاعترفت بظلمها لنفسها في بقائها في الشرك، فأعلنت الإسلام للهِ ربِّ العالمين وقالت :
( رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾

ومن هذا الموقف نستقي منه درسٌ أخير :
وهو إنّ هذه المرأةُ الصالحة لو تُركت من البدايةِ لذكائها وعقلها الفاضل لاهتدت إلى الحق، ولكن صدّها عن ذلك البيئةُ الفاسدة التي عاشتها بين قومها المشركين فكانت مِثلُهم كما قال ذلك عنها سبحانه وتعالى :
( وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ) [ النمل/43]
وهكذا يتبينُ لنا أثرُ البيئةِ الفاسدةِ على إفسادِ معتقداتِ الإنسانِ وعقله وعمله ..
وعلى الإنسانِ إذا تبينََ له الحق أن يتركَ المكابرة والعناد، وأن يستجيبَ للحقِ ويستسلم له؛ فإن ذلك خيرٌ له، وعلامةٌ من علاماتِ الخيرِ فيه.

وما نريدُ أن نختمَ به تلكَ الدروس العظيمة السابقه والحاليه لجمعةِ اليوم عن الهدهد وما تلاة من احداثٍ ومواقف ..
هو أن ما سبقَ ما قدمه الهدهد من معلوماتٍ تُمثلُ حقائقَ يقينيةٍ في تقريرهِ وما أوصى به من توصياتٍ لقائده وما قامَ وساهم به من عملٍ وجهدٍ في ضوءِ توظيفِ سُليمانَ عليه السلام لطاقاته؛

قد تَرتّبَ عليه صياغةَ خطةٍ دقيقةٍ ومحكمة لإدارة عملية تغيير مخططة ومتعمَّدة انتهت إلى النجاحِ الكامل في تحويلِ هؤلاءِ القوم بقيادةِ ملكتهم من عبادةِ الشمسِ إلى عبادةِ الله الواحدِ القهار، وأسلموا مع سُليمانَ للهِ ربِّ العالمين، دونَ استخدامِ أيِّ نوعٍ من أنواعِ القهرِ والإجبارِ
أو الإذل او القتال ..
فأيُّ درجةٍ من التناغمِ والتفاهم يمكن أن تحدثَ بين قائدٍ وجنوده لتحقيقِ رسالتهم وأهدافهم بكفاءةٍ وفعاليةٍ  كهذة التى حدثت في نبي الله سليمان عليه السلام وجنودة وخرجت بنتائج أهمها وأبرزها دخولُ امةٍ في دينِ الاسلام  ؟!

ايها الاحبـــاب الكـــــرام :
كنت وإياكــم خــلال ثلاثِ جمــع متتاليه مع نبي الله سليـمان عليه السلام وقصصه مع النملةُ والهدهد وبلقيس ملكة سبأ...

اخذنا واستفدنا وجنينا من هذه القصص الشيقه
الكثير والكثير من الدروس والعظات والعبر والإلماحات والفوائد والدلالات المهمه التى نحتاجها في حياتنا العامة والخاصه ولتكون لنا نبراساً في حياتنا العامة والخاصه ..

سائلاً المولى عزوجل ان يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يدخلنا برحمته في عبادة الصالحين..

صَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً:
(( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) .

اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
---------------------------------------
للتواصل والاستفسار وإبداء الملاحظات :
جوال ( 00967777151620 )
ولمتابعه الخطب المكتوبه على الروابط التاليه :
١/
https://www.facebook.com/SheikhAhmedPage/
-----------------------
٢/
https://alahmed-ibb.blogspot.com/?m=1
-----------------------
٣/
 https://lecahmed.blogspot.com/
-----------------------
٤/
 http://talabah1.blogspot.com/?m=1
-----------------------------------
اللهم اجعلها صدقهً جاريهً لي ولوالدتي المرحومه..
وأنفع بها عبادك المسلمين اجمعين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
------------------------------------
              والحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِين

الجمعة، 21 ديسمبر 2018

🎤
خـطبــــة جمعــــــة بعنـــــــــــوان        
{ قصــة نبـيُّ اللِه سليمـــــان والهــدهـد } [ 2 ]

إعـــــــداد وتنظيــــم وإلقـــاء :
الاستـــاذ/ احمــــد عبـداللَّـه صــالح
خــطيب مسجــــد بـــلال بـن ربــاح/
الجمـــهوريـه اليمنيـــه - محــافظـة إب .
ألقيت في  1 ابريل 2016 م
الموافق  23 جماد الاخر 1437 هـ

أمــا بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ            
ايهـــا الأحبــــاب الكــــــرام روّاد مـسجد بـــلال :
ويستمرُ الحديث عن النَّبِيَّ الآواب ..!
والعبدَ الشكور ..!! والملكَ العـــادل ..!!
الذي آتاهُ اللهُ من الملكِ مالم يؤتهِ احداًً من العالمين.

حيثُ وقد كّنا في الجمعةِ الماضيه في القصرِ السليماني ووقفنا فيه مع قصةِ نبيِّ اللهِ سليمان مع النملة وجنينا من هذه القصة الكثيرَ من الدروسِ والعظاتِ والعبر ..

واليوم نجددُ حديثنا وفي نفسِ القصرِ السليماني ومع قصةٍ جديدةٍ له علية السلام ومع مخلوقٍ اخر نجني من هذه القصه الإشارات الجديده والدلالاتَ المتجددة..!
 ونرسلُ كماعودناكم الرسائلَ والبرقياتَ العاجله ..

فهاهو نبيُّ الَّلهِِ سُليمانَ عليه السلام يخرجُ ليتفقدَ الجيش فأخذَ ينظرُ يمنةً ويسرةً في الحاضرين أخذَ ينظرُ في الموجودين ..!                    
فأمعنّ نظرُةُ  في فيلقِ الطيور ..!      
فاكتشفَ غيابَ موظفٍ من موظفيه وجنديٍ من جنوده ...
ونظرَ للفراغِ الذي كان يملؤه ذلكمُ الجندي
فتعجبَ واستنكرَ عدم وجوده في موقعه
فقال الله على لسانه : ( وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ .. ..
ماذا يُغني طيراً في هذا الجمعَ العظيم ؟
وماذا يُجدي أو يَضير إذا هو حضرَ أو تخلف؟
لكنّه الانضباطُ التام، والملاحظةُ العجيبة عند سُليمانَ الملك ..!
إنّها مسؤوليةَ الراعي الجسيمة ، ومهمتهُ العظيمة في تفقدِ الرعية ، وأيّاً كانت هذه الرعية ، صغيرةٌ أو كبيرة حتى لو كان مخلوقاً ضعيفاً كالطير :
 (كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته )

انّها مهمةَ المسئولَ الناجح ، والحاكمَ الامين
 تُجاة رعيته أنْ يتفقدهم ، انْ ينظرَ إليهم ،
 انْ ينظرَ الى حالهم ، انْ ينظرَ الى مشاكلهم ، ان يرى في احتياجاتهم ، ان يعرف ماذا يريدون وماذا يُعانون .!!                        
إنّها مهمةَ أولياءَ الأمورِ من الآباء والأمهات .!
تجاة أبنائهم وفلذات اكبادهم ..!
انّها مهمةَ كلُ مسئول وكلُ مدير :
مدير مكتب ، مدير مؤسسه ، مدير مصلحة ،
 مدير مدرسه تُجاة موظفيه وتجاة عمّاله الذين يعملون بين يديه ويأتمرون بأمره ...!

انْ يكونَ حازماً ، انْ يتابعَ أعمالهم .!
انْ يُقيّمَ مسؤلياتهم ، أنْ يصححَ أخطائهم  .!
انْ يكافأَ الناجح والكفؤ والمخلص والمتفاني والمبدع والنزيه والمثالي والعملي ومن يقوم بمهامه ومن يقومُ بمسؤولياته على اكملِ وجه..!

ويُنذر ويُعاقبْ ..! ويؤنبْ ويؤدبْ .!
المهمل والمقصر ..! المتكاسل والمضيّع ..!
المتغيب والمتلاعب ..!
المتساهل والمتقاعس عن اداءِ واجبه .!
والمتهاون عن القيامِ بمهامه الوظيفية ..

ولهذا      
( وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ ..... فماذا قال بعد التفقد ؟؟
(فَقَالَ  مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ*)
وهكذا كُلُّ من تولى مسؤليه او امانه ان يتفقدَ
ويقول ماليَ لا ارى الموظفَ الفلاني في مكتبه!!
ماليَ لا ارى فلان بن فلان في عمله .؟
اينّ فلان بن فلان تأخرَ عن دوامه ..؟
اينّ فلان بن فلان تغيبَ اليومَ عن وظيفته ؟
اينّ المحاسب ؟؟ اين موظف مكتب كذا ؟
وايّن القاضي فلان ؟ وايّن المهندس فلان ؟
وكذلك الآباء والأمهات يقولون :
مالنا لا نرى ابننا في المسجد ؟
مالنا لا نرى ولدنا في حلقاتِ القرآن ؟حلقات العلم
مالنا لا نرى ابننا مع الصالحين مع الطيبين
مع المؤمنين مع الصادقين مع الخيّرين ؟؟

( مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ*)
(لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ).    
المتساهلُ عن اداءِ واجبه يعاقب ويحاسب.!
المقصرُ في اداءِ مهامه يُسائل جزاء تقصيره!
المهملُ في عمله يعاقب جزاء إهماله !
( أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ )
وهذا هو الكمالُ في الإنصافِ والعدل ...!
إنْ جاءَ الهدهدُ بحجةٍ قُبِلَتْ ، فإنّ لصاحبِ الحقِ مقالاً، ولصاحبِ الحجةِ سلطاناً ، وإنّ الحكمَ على الغيرِ قبل سماعِ عذرهِ وتبيُن أمره، طيشٌ وظلم .

نعم ( أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ )
ترفعُ العقوبه ويرفع العقاب عمّن يأتي بحجةٍ واضحه وبرهان بيّن وظاهر يوضح ويبيّن فيه سببَ تخلفه وسبب تأخره وسبب تقصيره او سبب غيابه..
( فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ )
 وايّنْ كانَ الهدهدُ يا كرام؟؟
لقد خرجَ من فلسطين واتجه جنوباً وجعلَ يطيرُ ويطيرُ جنوباً حتى تعدى الأردنَ وتعدى جزيرةَ العرب وجعلَ يطيرُ ويطيرُ حتى وصلَ إلى اليمن فرأى أنهاراً وجبالاً وقصوراً وودياناً وعجائب َ
ولم يلبثْ طويلاً لأنه  كان في مهمةٍ لدينِ الله!

وعندها أتى ليقفَ بين يديّ نبيِّ اللهِ سليمان وعلى  مسافةٍ بعيدةٍ منه واخذَ يخاطبُهُ بلا احساسٍ بالذلِ  او الخنوعِ اوالخوفِ لانه ليسَ مذنباً حتى يخاف !!
ولم يكنْ في نزهةٍ خارجَ عمله ليحُسَ بالهلعِ والرعبِ والقلق .!
وليس كما يفعلُ ذلك ملوكَ الدنيا ويريدونَ ان يرون علامات الرعبِ والهلع وارتعاشُ الأطرافِ لمن يقفون أمامهم ...

(فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ ...  فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ )
اي عندي معلومة ليست عندك ؟.    
عندي من العلمِ ما ليس عندك ؟
فهلْ غضبَ سُليمانَ لهذا الكلام ؟
كلا، فقد كانَ سُليمانُ على عظيمِ علمهِ يعلمُ أنّه ما أوتيَ من العلمِ إلاّ قليلا .
نعم يانبي الله : (أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ )
مع انّ الجنّ والانسَ والطيرَ والحيوانَ بين يديك ورغمَ إمكاناتكَ والقوى المسخرةَ لخدمتك؟؟
إلاّ انني جئتكّ بخبرٍ صادقٍ لم تعرفه !؟
ولم تطلعْ عليه.!!
ما قال جئتكَ بكلامٍ انا غير متأكد منه ..!
او أنا ما أدري يا نبي الله رأيتهم ينحنونَ بظهورهم !
او لا أدري هل قصدهم عبادةُ الشمسِ أو يتمرنون او لا أدري هل هي الملكةُ عليهم أو بنتُ الملك !

إنما قال ﴿ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾.  
جئتكَ بخبرٍ ليس بإشاعةٍ ولايحتملُ التأليفَ
أو الظنّ أو التخمينَ أو الافتراض ..!
انّما خبري قائمٌ على التبيُّن واليقين والتحققَ العلمي الموثق؟
جئتكَ بخبرٍ من اليمنِ وتحديداً من قبيلةِ سبأ  ..!
فماهو هذا الخبرُ الذي جاءَ به الهدهد ؟؟
وما خبرُ هؤلاءِ الناس ؟؟ وما خبرُ هؤلاءِ القوم ؟
وما خبرُ هذه القبيله ؟ وما حكايةُ هؤلاء البشر ؟
وحينها توجهَ الهدهدُ لإلقاءِ محاضرةٍ في التوحيدِ والعقيدةِ كلماتها أحلى من الشهدِ المصفى .!
ألقاها الهدهدُ بحرقةٍ ولوعةٍ وألم ، على أمةٍ أنكرت ربها ، وجحدتْ نعمةَ خالقها ومولاها فقال :
( إنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ ..
سرعةٌ في الجواب ، سرعةٌ في الرد .!
سرعةٌ في المدافعة ، سرعةٌ في سردِ الحججِ وتقديمِ الدلائلِ والبراهين ..!
يقول اهل العلم :
ماقال الهدهد هذا الكلام إلاّ بعد ان صدّع قلبه بالإيمان ..واستحق ان يُذكر في القرآن لانه اتصف بثلاث صفات :
( الوحدانية - الداعيه - صاحبُ حجه )
وفي هذا درسٌ يلُقيه الهدهد علينا  ويلقيه بالذات على كل من يعرف ببرأته ونقاءِ سريرته ان يسارع بالحجةِ والبرهان لدفعِ كلِ شبةٍ عنه ...
ان يبادرَ بتوضيحِ طهارته !! وبيانِ نزاهته..!
ان يسارعَ بإزالةِ كلَ القذارات والشُبه التى ألصقها عليه الحاقدون ..!

ولذلكم /
 يانبيَّ الله ( إنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ ..
 ( وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) ..      
لها خيّاله .! لها رجّاله .! لها طوابير .! لها جنود .!
لها حشمْ .! لها خدم .! لها مشائخ.! لها أعيان.!
لها حرس .! لها وزراء .! لها جيش.!  لها اسلحه.!
لها ديوان خاص .! لها برلمان شورى ..!
كل مايحتاجةُ الملكُ موجودٌ عندها :
 ( وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ  ... ( وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ  )
سريرٌ تجلسُ عليه مكللٌ باللؤلؤِ والزبرجدِ والياقوت
ومرصعٌ بالذهبِ واللالماسِ والجوهر .!

دقةٌ فيما رأى ، دقةٌ في الوصف ، دقةٌ في الطرح
دقةٌ في الملاحظه - دقةٌ في رسمِ الصورةِ كماهي دونَ زيادةٍ او نقصان ..
سردَ كلَ شيءٍ وطرحَ كل شيء و بشكلٍ موجزٍ ومختصر، دونَ ان ينسى شيء اويغفلْ عن شيء او يتركَ شيئا.!

وفي هذا درسٌ لمن يَرفعُ أمراً او يُدلي بشهادة
بأن لآياتي بخبرٍ دون اخر !!!
او يأتي بالتافهِ ويغفلُ عن الأساس .!
اويُقدمُ الهيّنَ وينسى الأهم .!
اويذكرُ الجزء وينسى الكل .!
انّما لابد من وضعِ الامر كماهو بتفاصيله وبفروعه واجزاءه .....
قدّم أصلَ الامر كماقدّم الهدهد أصل القضيه فقال :
( وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ .)
غيرةٌ شديدةٌ على دينِ الله !!
حرقةٌ كبيرةٌ على هؤلاءِ البشرِ الذين ميّزهم اللهُ بالعقلِ فسجدوا لغيره !

ماقال : وجدتهم يتحدثون! ولا وجدتهم يجتمعون!
ولا وجدتهم يغنونَ او يرقصون .!
ولا وجدتهم يلهوونَ اويلعبونَ اويمرحون.!
ولا وجدتهم يأكلونَ او يشربون .!
انّما قدّمَأصل القضيةِ ورأسُ الامرِ وزبدةُ الموضوع:
        ( وهي وحدانيةُ اللهِ وعبوديته )
اتى بما خُلقَ الإنسانُ لأجله وهي عبادةُ الله سبحانه فقال :
( وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ)
الله اللهَ في هذا الداعيةُ الغيور..!
الله اللّهَ يا من ادخلتَ أمةً في دينِ الاسلام.!
الله اللّهَ على هذهِ الغيرةُ وعلى هذه الحرقه.!
( يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ )
أين نحنُ من هذةِ الهمةَ العالية، والنفسَ الطموحة التي أقبلت من اليمنِ إلى الشامِ ترفعُ الشكوى من الشركِ والوثنية، وتنادي بالإيمانِ والوحدانية !

اينّ أنتَ من هذا الطائرِ يا من نسيتَ اوامرَ الله !
اينّ أنتَ يا من خُلقتَ لاجلِ الله ودينه وعبادته !
يامن ترى المنكرات تنتشرُ في الارضِ فتتفرج
ولا تتكلم او تتحدث !
يامن ترى الفواحشَ فلا تأمر بالمعروفِ ولاتنه عن المنكر !
يامن تشاهدُ المخالفات الشرعية بين ظهرانيك، ومع هذا لا تُنكر ولا تغضب .!

بالله عليك حدثني عن طائرٍ يغارُ ولا تغار !!
عن طائرٍ يحملُ همّ دينِ اللهِ ولاتحملُ هذا الهم .!.

يانبي الله أتدري من هو سببُ كلَّ هذا ؟؟
أتدري من هو الذي اوصلهم الى عبادةِ غير الله
( وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ  )
إنّه الشَّيْطَانُ الذي أملى لهم ذلك ..!
انّه الشَّيْطَانُ الذي زيّنَ لهم ذلك ..!
انه الشَّيْطَانُ الذي سولَ لهم ذلك ..!
وهو السبب لكلِ مايحدثُ اليومَ في تزيينه لكثيرٍ من الناسِ سوءِ أعمالهم ..
وهو الذي يُزيّنُ اليومَ للزاني ان يزني..!
والسارقُ ان يسرقْ والقاتلْ ان يقتل ...!
عداوته مع بني آدم بعيدةُ الجذور ..!
ولمّا التقى نبي اللهُ زكريا عليه السلام بالشيطان قال له نبي الله زكريا اخبرني عن أصناف بني ادم عندك فقال له :
هم على ثلاثه أَصَْنافِ :
أمّا الصنفُ الاول فهم مثلك معصومون ..
واما الصنف الثاني فهم في أيدينا كالكرة في أيدي صبيانكم ..!
       ريموت كنترول !!
يُوجّهون للفاحشةِ فيتوجهوا ..!
يُوجّهون للحرامِ فلا يتراجعوا .!!
يُوجّهون للمحرماتِ والموبقات فلا يترددوا .!
اسرقوا فيسرقوا ! اجرموا فيجرموا !
اشربوا فيشربوا ! اعملوا فيعملوا !
قال : امّا الصنف الثالث فهم أشدُ الأصناف علينا وهم الذين ما إن نتمكن منهم حتى يفزعوا الى التوبه والاستغفار فيفسدوا علينا كل شيء
( والذين اذا فعلوا فاحشةً او ظلموا .....)
ولذلكم يقول الهدهد :                
( وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ  .... )

وبعدَ انْ تكلمَ عن السجودِ سابقاً فقال :
 ( وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ)
هاهو يُكررُ السجودَ مرةً اخرى فيقول :
( أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  ..)   ماقال :
الاّ يسجدوا للهِ الذي رفعَ السماء !!
ولا قال الاّ يسجدوا للهِ الذي بسطَ الارض !!
انّما ( أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ  )
جاءَ بشيءٍ يتعلقُ بحياته فهو يخبيءُ بيضه ويخبيءُ رزقه..!
وكأنّه أرادَ ان يقول :
كانَ الأولى بهم ان يسجدوا للواحدِ الاحد ..!
كانَ الاولى بهم ان يتوجهوا له وحده سبحانه .!

ثم اختتمَ حديثه واختتمَ تقريره بقوله :
( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ )
في البدايةِ ذكرَ عرشَ بلقيس فقال :
(  وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ  )
وهنا يُكررُ ذكر العرش لكنّة عرشُ الله وذلك لهدفٍ اسمى وغايةٌ عظمى :
وهى حتى لايغتر الانسان بعرش بلقيس فقال :
( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ )
قال المفسرون :
أصدقُ كلمةٍ قالها الهدهد هي ( لا اله الا الله )
لقد حفظَ الهدهدُ الكلمةَ الخالده التى لأجلها ارسلَ اللهُ الرسل ولأجلها خلقَ الخلق ولأجلها
ارسلَ الكتب ولأجلها مدّ الصراط ..!
هي كلمةُ الإخلاصِ وشهادةُ الحقِّ ودعوةُ الحق
هي أصدقُ العبارات ، وأجملُ الكلمات
وافضلُ الحديث ، وافضلُ الحسنات .!

فإذا جارَ عليك الناسُ فقل :  لا اله الا الله..!
واذا رأيتَ السماءَ مرفوعةً بلا عمد فقل :
لا اله الا الله ..
واذا رأيتَ البحرَ يتلاعبُ بالأمواجِ الهائجة  فقل :
لا اله الا الله ..
واذا رأيتَ الجبالَ هائمةً في الخيالِ فقل :
لا اله الا الله ..
واذا اشتدّ الخطبُ وعظُمَ الكربُ فقل :
لا اله الا الله ..
احبتــــي الكــــرام :
انتهى الهدهدُ من تقديمِ تقريره الكامل الذي لم يحملْ ايَّ غموضٍ او تكهنٍ او إلتباسٍ او قصورٍ في ايِّ جزءٍ من أجزاءه !
وفي هذا درسٌ هدهديٌ لكلِ الذين لايُجيدونَ صياغةَ التقارير ..
درسٌ لهم ان يتعلموا من هذا الهدهد كيف يُجيدونَ فنّ الإلقاءِ والعرض ..!
درسٌ لهم ان يتعلموا من تقريرِ الهدهد الذي. جاء تقريره بأجزاءٍ متماسكة ، متكاملة ، موجزة ، كافية، وكلماته واضحة، ومعبرة ..!
وبعيدةٌ عن الغموضِ، أوالتخمين، أو الإيجازِ المخلّ، أو التطويلِ المملّ…
ابتدأ تقريرُهُ بمقدمةٍ مشوقةٍ ومعبرةٍ ...!
والتشويق الكامل يأتي من قوله :
﴿أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾
فهي تُثيرُ في المستمعِ كلَ قوى الاستعدادِ والتحدي لسماعِ ماسوف يأتي بعد ذلك ما هذا الشيءُ الذي يعرفه الهدهد وأحاطَ به ولا يعرفه سليمان؟!!!
                                     
ثم اتبعَ التشويقَ بإعطاءِ المستمع أو القارئ فكرةً عن طبيعةِ الموضوع، وذلك حينما قال :
﴿وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾
فالموضوعُ يتعلق بسبأ، وما هي سبأ؟
وعلى السامعِ أن ينتظرَ بلهفةٍ وشوقٍ للاستماعِ والتعرف ..!

ثمّ انتقلَ بإعطاءِ صورةٍ كاملة، وشاملة، وصافية، وغيرَ منقوصة، بما رأى فيما يتعلقُ بقومِ سبأ هؤلاء، فحدد :-
نظام الحكم - والقدرةَ الاقتصادية - والنظامَ الاجتماعي ووضعَ المرأةِ فيه - والنظامَ الحضاري والصناعي ومدى تقدمه - والعقيدةِ الدينية ومدى رسوخها في نفوسهم ..
                               
- فقال عن نظامِ الحكم ووضعِ المرأةِ الإجتماعي :
﴿إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ﴾(النمل: من الآية 23)

- وقال عن القدرةِ الاقتصاديه :
﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾(النمل: من الآية 23)

- وقال عن الوضعِ الحضاري والصناعي والمهاري
﴿وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾(النمل: من الآية 23)

- وقال عن الوضعِ الديني والعقدي المتمثلِ بعبادةِ الشمس :
﴿وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَايَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ (النمل: من الآية 24)

- وقال عن مدى رسوخِ هذة العقيدة الراسخة في نفوسهم :
﴿وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾ (النمل: من الآية

وفي نهايةِ تقريرة لم يقفْ الهدهد عند مجردِ النقلِ والسرد؛ انّما ختمَ التقريرَ بجملةٍ من التوصيات
ووضعَ خطةً محكمةً ومدروسة تستغرق وقتًا وجهدًا
لتغييرِ هؤلاءِ وتحويلهم عن هذة العقيده  فقال  :
 ﴿أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)﴾ (النمل).
تقرير شامل ، وافي ، كافي ، وملخص ، وموجز ومستوى راقيٍ من جنديٍ مبادر لم يكتفِ بمجردِ تأديته الأوامر، ولكن ومن منطلقِ فهمِهِ وإيمانه برسالته التى يعملُ تحت لوائها ينطلق ويؤدي ويبدع ويتفانى في إتقانِ دوره بما ينعكسُ بأعلى درجاتِ الكفاءةِ والفعاليةِ على تحقيقِ وإنجازِ هذه الرسالة.
اقـــــــول مـا سمـعتـــم واستغفـــروا اللـَّه لـي ولــكم مـن ذنـب فيـــا فــــوز المستغفـــريـــن
ويــا نجــــــاة التـــــائبــــــين ..

الخطبــــــــــــــــــــــــــــه الثانيــــه :
أمــا بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ        
ايهـــا الأحبــــــاب الكرام :                  
استمعنا سوياً في الخطبةِ الاولى الى التقريرِ الكامل الذي قدمة الهدهدَ لنبيِّ الله سُليمانَ عليه السلام والذي أوضحَ من خلالهِ الأسبابَ التى جعلته يتغيبْ عن مجلسهِ واجتماعه ..!

كلُ هذهِ الرحلة الطويلة اختصرها الهدهدُ بتقريرٍ وفي ثلاثة أسطر..!
لم يفصل ؟ ولم يُطيل ؟
ولم يقل لسليمانَ ألوان الغرف !
وعددُ الحرسِ والوزاراء ؟
وعددُ الناسِ الذين شاهدهم؟
وعددُ الأنهار؟ وعددُ القصور؟
لأن الهدهد يعلمُ أنّه يتكلمُ مع إنسانٍ مشغول ليس عنده وقتٌ للتفصيلات فأعطى سليمان الزبدة فقط.

لكن هذا التقرير وكلَّ ما قاله الهدهدُ لا يزالُ بالنسبةِ إلى سليمان مجرّدَ افتراض قد يحتملُ الصوابَ أو الخطأ، ومن ثمّ لا يجِبُ أن يُبني عليه حكمًا أو قرارًا إلا بعدَ تحويله إلى حقيقة ..!

وهذا يحتاجُ إلى تبيُن وتأكد ودراسة واختبار لصحةِ الافتراضِ من عدمه.
والبعد عن العواطفِ والانفعالاتِ والنواحي الشخصية ..
وهذا بالضبطِ ما فعله سليمان عليه السلام مع الهدهد؛ حيث قال :
﴿سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْكَاذِبِينَ﴾
أي : سوف نتأكدْ ونتبينْ مدى صحةَ ما تدّعيه، وحينئذٍ يتمُ اتخاذَ القرارَ المناسب .والقرارَ الإستراتيجي المهم تُجاةَ هولاءِ لتحويلهم.

إنّهُ كلامُ الحكمةِ والعدل ..!
إنّهُ الردُ الرصينُ بلا طيشْ ولاتهورْ ولا اندفاعْ
ولا حِده ولا ظلمْ أو استبداد او عنجهيه..!
{ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ }النمل27.
ما قال له صدقت ولا قال له كذبت لانّهُ كانَ عليه السلام يملكُ حكمةً ومقدرةً فائقةً على اسنتاجِ الحكمِ الصحيح في القضايا المعروضةِ عليه .!

وفي هذا درسٌ مهم ورائع نستلهمه من هذا الموقفَ السليماني وهو درسٌ في التأني والتمهل والتروي .
درسٌ في عدم ِِ التسرعِ والعجلةِ في إصدارِ الأحكامِ جزافاً وظلماً وبهتاناً وزوراً .!

وما اجملَ وما اروعَ يومَ يأتيكَ خبرٌ مفاجيء
او معلومةٌ غريبه ويُطلبُ منك موقف منها فتعلنها سليمانيه وتقول :
سأنظرُ في الامر !! سأنظرُ في القضيه !!
سأتحققُ من الموضوع !! سأتأكدُ من الخبر !!
سأتحرى ، سأتبين ، سأتثبت ، سأرى ..!!

بعضُ الناسِ للاسفِ الشديد اول مايسمعُ خبراً
مباشرةً وفي سرعةٍ عاجله يخرجُ للتحدث ..!
يخرجُ للنشر ... ومن قال لك :
قال التلفاز ، قال الاخبار ، قال الصحف..
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول :
( كفى بالمرءِ كذباً أنْ يُحدثَ بكلِ ماسمع )
لاينبغي على المسلمِ الحقيقي والورع انْ يصدقَ كلَ مايُقالُ له ..
وفي سورةِ التوبه .. عندما طُعنَ بالرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا انّه يسمعُ كلَ شيءٍ ويُصدقُ
( يسمعُ الخبرَ الكاذب ويصدقه ويسمعُ الخبرَ الصادقَ ويصدقه واذا جئناه صدقنا فانزل الله :
( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ۚ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ ۚ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) 61التوبه.                
بل إنّ الرسول عليه الصلاة والسلام لمّا أرادَ أنْ يُبّين لابو ذر الشهادةَ قال له :
أترى الشمس ؟ قال : بلى ..
فقال: يا ابا ذر على مثلِ هذا فاشهدْ او دعْ )
اي : اشهد على شيءٍ تراه بعينك كما ترى هذه الشمس ..
وقال عليه الصلاة والسلام
( نظّرَ اللُه سمعَ امريءٍ سمعَ مقالةً فقالها كماسمعها )..
والله جل وعلا يقول في محكمِ آياته :
( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا )  36الاسراء
ولذلكــــم
إنّ من يُصدقُ الاخبارَ وينشرها ولا يتأكدْ منها يخسرُ ثقةَ الناسِ به ، يخسرُ اقربَ المقربين منه
يخسرُ كلَ من يثقونَ به ..
فالنجاةُ لا تكونُ إلاّ بالصدقِ والتحرى من الاخبارِ والتأكدِ منها والله يقول :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ )  6 الحجرات
احبتــــي الكــــرام روّاد مسـجد بـلال بن ربـاح :
كنتُ وإياكم في هذة الدقائق المعدودة بصحبةِ نبيِّ اللهِ سليمان علية السلام وقصته مع الهدهد ..!
قطفنا من هذة القصة الشيقه بعضاً من الدروس والعبر والإلماحاتِ المهمه التى نحتاجها في حياتنا!

واذا كانَ في العمرِ بقيةٌ ان شاء الله ..!
فإنّ الحديث سيستمر معكم وفي نفسِ القصر السليماني ومع حدثٍ اخر شيق وكله عظاتٌ وعبر.!

وحتى ذلكم الحين أسألُ اللّهَ جل وعلا ان يرزقني وإياكم الإخلاص في القول والعمل وان يكتب لنا القبول والتوفيق وان لا يتوفانا إلا وهو راضٍ عنا ..
مقبلين غير مدبرين ، محسنين لا مسيئين ..

اللهم ردنا إليك مرداً جميلاً ، مرداً غير فاضحٍ ولا مخزيٍ يا ارحم الراحمين ..

اللهم اعصمنا من الزيغ والضلاله ، ومن الغوايه بعد الهدايه ومن الفساد بعد الصلاح.

اللهم اجعلنا هداهً مهديين غير ضالين ولا مضلين
سلماً لاوليائك حرباً على أعدائك ، نحب بحبك من احبك ونعادي بعداوتك من عاداك يا رب العالمين.

ثم اعلموا انّ الله أمركم بأمرٍ بدأ به نفسه وثنى به ملائكته المسبحه بقدسه وثلث به عباده من جنِّه وإنسه فقال :-
(( إنَّ اللّهَ وملائِكتَه يُصلونَ على النَّبي يا أيَّها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ))....
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك، يا أرحم الراحمين.
------------------------------------
للتواصل والاستفسار وإبداء الملاحظات :
جوال ( 00967777151620 )
ولمتابعه الخطب المكتوبه على الروابط التاليه :
١/
https://www.facebook.com/SheikhAhmedPage/
-----------------------
٢/
https://alahmed-ibb.blogspot.com/?m=1
-----------------------
٣/
 https://lecahmed.blogspot.com/
-----------------------
٤/
 http://talabah1.blogspot.com/?m=1
-----------------------------------
اللهــــم اجعلـــها صــــدقةً جـــاريــةً لــــــي ولــوالدتي المرحــــــومه..
وأنفــــع بها عبــــادك المسلمــين اجمعـــين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
------------------------------------
      والحَمْـــــــدُ للّــه رَبِّ العَـــــــالَمِــين

الجمعة، 14 ديسمبر 2018

🎤
خطبــة جمعـــة بعنـــوان        
{ قصة نبيُّ اللِه سليمان والنمله }
إعداد وتنظيم وترتيب وإلقاء :
الاستاذ/ احمد عبدالله صالح
خطيب مسجد بلال بن رباح/
الجمهوريه اليمنيه - محافظة إب .
ألقيت في  14 ديسمبر 2018 م
الموافق  7 ربيع ثاني 1440هـ
أما بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ
ايها الأحباب الكرام :                  
نَقِفُ اليومَ في ظِلَالِ قصةٍ عجيبةٍ من قَصَصِ القرآنِ الكريم ..
بطلُ هذه القصه نملةٌ صَغيرةٌ، لكنَّها كبيرةٌ في مَواقفهَا، عَظيمةٌ في اخلاقها، مُبدعةٌ في فَنِّ القيادَةِ وَالإدارةِ، والتضحيةِ وإيجادِ الْحُلُولِ..

هي أشهرُ نملةٍ في تأريخِ النملِ على الإطلاق ..
ذكرها القرآنُ الكريم مَجهولَةٌ ونَكِرَةٌ ..!
ولكنّه خلّدَ ذكرها وبَقِيَ خبرُها مسطوراً يُتلى الى قيامِ الساعه .

ذِكْرُ اللَّهِ لشأنِ هذِه النملةِ ليْسَ مِثَالًا ..!
وَاللَّهُ جلَّ فِي عُلَاهُ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يضْرِبَ مثلًا مَا بَعُوضةً فما فوقها، وإِنَّما هيَ قصةٌ واقعيّةٌ مِنَ القَصَصِ الحقِّ ..                                          
فهيا بنا باخوتي الكرام وفي نصفِ ساعةٍ تقريباً مع هذهِ القصةَ القرآنيه ولنأخذَ منها الدروس ونجني منها العبر ونرسلُ منها الرسائلَ والبرقيات العاجله.
هيا بنا احبتي الكرام الى هناك الى القصرِ السليماني حيثُ ونبيُّ اللَّهِ سُليمان عليه السلام
قَدِ انتشرَ بَين يَديهِ جيشهُ العسكرِيُّ العرمرمُ،
الَّذي لمْ ولنْ يَجتمِعَ إِلَّا معَ سُليمانَ عليهِ السلَامُ :
(وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) [النَّمْلِ: 17]
جيشٌ مرتبٌ .! جيشٌ منظم يسيرُ بانتظامٍ فلا يتقدم أحدٌ عن موضعه ولا يتأخر احد ..
جيشٌ مدبّرٌ بإحكامٍ  كلٌ قَدْ علمَ دورهُ ومهمّته ..!

سارَ الجيشُ السليمانيُّ وفقَ تعليماتِ قائده بهذا الإنتظام ، وبهذا الترتيب وبهذا التنسيق وبهذا الابداع لا يرى إلاّ ماهوَ أمامَه ..!
وكانَ المسِيرُ يتّجهُ جهةَ وادٍ من النّملِ صغيرٍ لكنّهُ بسگانِهِ كثير .! قدْ مُلىءَ حيويةً ونشاطاً وانشغالاً وأعمالاً ..
بيد أنّ نملةٌ هناك كانت ترقُبُ المشهد ، وتتابعُ الموقف وتشاهدُ الحدث فأيقنت انّه ليسَ
بينهم وبينَ الهلاكِ إلاّ بِضعُ لحظات..!
فبادرتُ وأنذرتْ وصاحتْ وحذّرتْ وكأنّنا بها تُنادي بصوتٍ مرتجفٍ خائفٍ وجلٍ من مستقبلٍ مظلمٍ ومصيبةٍ مُتحيّنةٍ فقالت :
(يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) [النَّمْلِ: 18].
يا الله.. ماأروعَهُ منْ بيانٍ وجيزٍ بليغ..!
وما اروعها من كلماتٍ مُنَسَّقةٍ مرتبةٍ منظمة.!
ما أجملها من عباراتٍ ملؤها الفصاحةُ والبلاغه .!

تأملْ معي اخي الحبيب هذهِ الفصاحةُ في التعبير وهذا البيانُ في الخطاب،  وهذا التحذيرُ المختَصر من سوءِ العاقبةِ والمصير ..!
لقد استخدمتْ هذه النّملةُ أغلبَ أساليبِ الإبداعِ اللُغويّ فنادتْ ونبّهتْ فقالت : ( يا أيُّها )
ثمّ سمّتْ وأمرتْ فقالت : ( النّملُ ادْخُلُوا )
ثُمّ نصتْ فقالت : ( مَسَاكِنكُمْ )
ثمّ نهتْ فقالت : ( لَا يَحْطِمَنّكُمْ )
ثُمّ خصّتْ وعمّت فقالت : ( سُليمانُ وجُنُودُهُ )
ثُمّ اعتذرتْ فقالت ( وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ )

لقد شعرت النّملةُ انّ هناكَ خطرٌ داهم ، وهلاكٌ حتميٌ محقق ، وكارثةٌ كبيرةٌ قادمه ..!                  

فهل يشعرُ من يسكنُ القصورَ الفارهة والعمائرَ العالية والبروجَ المرتفعة بما يعانيه عبادُ اللهِ من ساكني العشش والخيام ومن يفترشون الارضَ ويلتحفون السماء ؟؟!

هل يشعرُ من ينامون على الأرائك والأسرّة بمن ينامون على الارصفة والطرقات .؟!

هل يشعرُ من ينامون ملءَ بطونهم وكروشهم
بمن ينامون على الجوعِ ويستيقضون على الجوع؟

وكم في دنيا الناسِ من المستضعفين الذين تطؤهم أقدامُ الأقوياءِ دون أن يشعروا .!
وكم من مجتمعاتٍ بشريةٍ جرفتها تياراتُ الظلمِ والاستبداد .!
 وكم وكم من الأحداث والأخبار التى لا يسعُ المقام لذكرها ولا الوقت للتحدثِ عنها ..

إنّها واللهِ لحكمةٌ بالغة ودرسٌ عظيمٌ تُلقيه نملةٌ ضئيلةٌ من مخلوقاتِ اللهِ على الإنسانيةِ كلها؛ لتتيقظَ ولا تطغى، ولتعلمَ أنّ الكونَ كلهُ لله، والعزةُ كلها له، ولا ملكَ إلا ملكُ الله..

نعم احبتي الكرام :
إنّهُ موقفٌ صغيرٌ عابرٌ ، لكنّهُ مليءٌ بالدلالاتِ والإشاراتِ والعِبرِ والإلماحاتِ .!
فلقد كان  خطابُ النّملةِ عامٌ لجميعِ مملكةِ النّملِ ولمْ تجعلْ خطابها خاصاً لفئةٍ دونَ اخرى ، سواءٌ أكانتْ هذهِ الفئةُ منْ كبارِ مملكةِ النّملِ أمْ من المقرّبين ..
 وهذا فيه مافيه من وجودِ العدلِ والمساواةِ في مجتمعِ النّملِ عِنْدَ حُصولِ الضرر ..

هذهِ النّملةُ الصغيرةُ كانَ لديْها رصيدٌ عالٍ منَ الولاءِ لقومها ومحبتها لهم ..!            
وهذا الولاءُ وتلكَ المحبةُ لمْ تكنْ مجرّدَ شعورٍ ذاتيٍّ  قابعٍ في الضميرِ  بل ترجمتهُ هذهِ النّملةُ الى واقعٍ وعملٍ كانَ منْ نتائجهِ إنقاذُ شعبها من الدمار  .
وهذا درسٌ اخر تُعَلِّمُنا هذه النملة بعد درسِ الشعوِر بالآخرين وهو درسُ الانتماءِ الحقيقي للوطن وللمجتمع..
 فقدمت هذه النملةُ أعلى درجاتِ التضحيةِ في سبيلِ وطنها وقومها, وكان بوسعها أن تنتحي جانباً ولا تُفكرَ إلا في إنقاذ نفسها؛ مبررة ذلك بـ :
 ماذا أفعلُ منفردةً أمامَ هذا الجيشِ العظيم؟
 لكنها اعتبرتْ نفسها حارسةً أمامَ قومها،
وما رضيتْ أن يمسهم أيُّ سوء، فاختارت المخاطرة بالسيرِ في نفسِ خطِ سيرِ الجيش لإنقاذ قومها, ممّا يدلُ على التضحيةِ العالية، وإنكارِ الذاتِ أمامَ الوطن والمصلحةِ العامة.  

وبهذا الشعور، وذلك الصدق، وتلك الروحُ الأخوية الفذة؛ أنجتْ النملةُ وادي النملِ بأكمله، فأفردَ لها القرآنُ الكريم سورةً كامله سماها باسمها بل وسطَّرها القرآن الكريم مثالاً ناصعاً على حبِّ الوطن والأخوة ونكرانِ الذات،  وبذلِ ما في الوسع لخدمةِ الآخرين.                            
 وإننا اليومَ متعطشونَ لهذه الروح ..!
 روحُ التضحيةِ من أجلِ الوطنِ والمصلحةِ العامة ولو كان على حسابِ المصلحةِ الشخصية ..!

قارنوا تصرفَ هذه النملةُ بما يفعله بعضُ الأفرادِ وهم قلةٌ قليلةٌ في مجتمعاتِ المسلمين من استحلالِ الأموالِ العامة والدماءَ المعصومة التي حرمَ الله، وتخريبِ المؤسساتِ والجامعات ..!
وليتهم كانوا كهذه النملة، ليسَ في شكلها وهيئتها فالإنسانُ أجلَّ وأكرمْ؛ ولكن في فهمها ووفائها للمكانِ الذي تعيشُ فيه وتنتفعُ منه.

ولذلكم                                    
كما أسلفت كانَ بوسعِ النّملةِ أنْ تنجوَ بنفسها
 ولا تُفكرَ في غيرها ولكنّها أبتْ إلاّ أنْ تضربَ درساً رائعاً في المبادرة والتضحية والإيجابية ..
وهي مبادرةٌ فرديةٌ ولكنّها أحيتْ أمّةً من النملِ .!
وكم علمتنا التجاربُ والقصصُ أنّ المبادرات الإيجابية هي التى تبقى ، ويبقى ذكرُها وأثرُها ..
وفي قَصَصِ القرآنِ حكايةٌ عن مبادراتٍ فرديةٍ كانَ لها أثرُها في الدعوةِ والإصلاح ..
فقال الله عن مؤمنٍ خالطَ الايمان ُبشاشةَ قلبه وقد سمعَ عن تكذيبِ قريةٍ من القرى لرسلِ الله وإنكار دعوتهم فانطلق ليقوم بواجبه وتبليغ رسالته :
(وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ • إتبعوا ...) [يس: 20].
 فلا تستقلَّ يا اخي أيَّ جُهدٍ ومبادرةٍ ومشروعٍ بسبب كونة جهد فردي ، إنّما قم بواجبك ..
وأمر بالعُرفْ ولو قلاكَ الناسُ ..
وأنهَ عن المنّكرِ والمهالكِ ..
واصبرْ على ما اصابكَ إنّ ذلكَ من عزمِ الأمور .

احبتي الكرام :                    
ولم تكتفي النَّمْلَةُ بنداءِ ( يا ايّها النّمل )
بَلْ قَدَّمَتِ الْحُلُولَ الْعَمَلِيَّةَ، وَالْمَخَارِجَ التَّطْبِيقِيَّةَ
وكم نحنُ بحاجةٍ إلى هذه التصورَ العميق في حلِّ المشكلات ، يجب أن نقدمَ الحلول بعد تشخيصـ المشكلات، فالتلاوم والتشكي لا يُزيل المشكلة ،
ولا يَرفعُ البلاء .
ولهذا قالت :  ( يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا  )
إنّه نداءُ تحذير ، وصرخةُ نذير، ونَفَسٌ من أنفاسِ النصيحة، صدعتْ به هذهِ النملةُ الصغيرةُ الناصحة، ولله درها، كيف حملتْ همّ هذا الوادي الكبير بما فيه من النمل، وهي صغيرةٌ في حجمها، ضئيلةٌ في جسمها ، ضعيفةٌ في قوتها .!

وقفتْ وقد رأتْ الجموعَ الهائلة، فتحركتْ للنصيحة، ونادت بنداءٍ عذبٍ مؤدبٍ مهذبٍ تُحذّرُ من الخطر، وتُبيّنُُ الحل ..!
ولم تكتفِ بالصراخِ والعويلِ .!
ولم تكتفي باللطمِ والبكاءِ اوالشكوى والصياح .!                    
بل قدمت خُطةً عاجلة للحلِ السريع الناجع فقالت (( ادخلوا )) والى اينّ؟ ((( ادخلوا مَسَاكِنَكُمْ )))
وهذه رسالةٌ نمليةٌ اخرى ودرسٌ جديد :
على أنّ المسكنَ هوَ الملجأُ ، والمسكنَ هو الْأَمَانُ والمسكنَ هوَ الْمَلَاذُ حَالَ الْخَوْفِ والرعبِ والهلعِ والفتنِِ والهرجِ العام  ..
وهذا ما أشار إليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي اخرجه الامامُ احمد وهو حديث حسن
قال محمدُ بن مسلمةَ :
دفعَ إليّ النبي صلى الله عليه وسلم سيفاً فقال :
( قاتلْ بهِ ماقُوتلَ العدو ،فإذا رأيتَ الناسَ يَقتلُ بعضُهمْ بعضاً فَاعْمَدْ بهِ إلى صخرةٍ فاضربْهُ بها، ثمّ الزمْ بيتك حتى تأتيكَ منيةٌ قاضيةٌ ، أو يدٌ خاطئةٌ )..
وَقالَ عبدُ الله بن أبي أوفى في الحديث الذي اخرجه الامامُ احمدُ بسندٍ حسن :
( أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم إنْ أدركتُ شيئاً من هذهِ الفتن .. أي : ( فتنَ الدماء )
فَاعْمَدْ إلى أُحُدٍ فاكسِرْ بهِ حدَّ سيفكَ ثُمّ اقعُدْ في بيتك )
ايها الاحباب الكرام :                  
وبعد أنْ دعتْ النّملةُ جميعَ النّملِ للدخولِ في المساكنِ من أجلِ الحمايةِ والأمان أخذت تُبرر
سبب تلك الدعوه فقالت :
(لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُليمانُ وجنوده )
لقد خافتِ الهلاكَ على الاخَرينَ ، وفي هذا إشارةٌ الى أنّ المحافظةَ على أرواحِ الآخرين ومصالحهمْ هو سبيلُ النصيحةِ الصادقة ..!
فكانتِ النملةُ صادقةٌ في نصحها وأظهرت حرصها على قومها وقِبلَ قومها النصيحة ..
ولكنّ في زماننا أينّ من ينصحون بصدق ؟؟
اينّ من يرشدون بإخلاص !؟
اينّ من يوجهون بأمانةٍ دون تجريحٍ او اهانه !؟
وأينّ من يقبلون النصيحة ولا يرفضونها او يتشائمون و يتضجرون منها  ؟؟
أينّ الصادقون في نصحِ أهلهم وجيرانهم .؟
وأينّ الفرحون بالنصيحة ؟؟

وانظروا الى بلاغةِ القرآن وبيانه فقالت النملةُ :
 ( لايحطمنكم ) ..
ولم تقل : لا يطأنكم، او لا يدوسكم .
 لأن التحطيم هو أنسبُ الأوصافِ على تكسير الزجاج، وفي زمن نزول القرآن الكريم لم يكن لأحد قدرةٌ على دراسةِ تركيبِ جسمِ النملة؛
ولكن، في زماننا وجدَ العلماءُ أنّ للنملِ هيكلاً عظمياً صلباً يتركبُ من السليكون الذي يَدخلُ في صناعةِ الزجاج، ولذلك قال الله تعالى-:
(لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ).
 وهذا يشهدُ بأنّ القرآنّ نزلَ من عند الله تعالى مشتملاً على علمه سبحانه وتعالى، ليكون شاهداً على الناسِ في كلِ زمانٍ ومكان :
 (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) [النساء:82].

وفي الأخير احبتي وإخواني تخْتمُ النَّمْلَةُ زَفْرتها وصيحتها بدرسٍ جديد اخر ورسالةٍ نمليةٍ اخرى فقالت  :
( وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ )
أيُّ درسٍ في الاخلاقِ تبثُهُ هذهِ النّملةُ ..
حيثُ قدّمتْ حُسنَ ظنّها بسليمانَ وعدله ورحمته بالخلقِ الذي ذاعَ وشاعَ حتى وصلَ خبرُهُ للنّمل ..

وإذا كانَ سُليمانُ لنْ يُحطمَ مملكةَ النّملِ وهو لايشعر ، فيقيناً أنّه لن يحطمَ أيَّ إنسانٍ وهو لايشعر ..!
فليت شعري كَيْفَ لو رأتْ هذهِ النّملةُ رؤساء الدنيا وزعماء الدول وهم يُحطّمونَ الانسانيه ويُدمّرون البشريه بصواريخهم المحرمه وأسلحتهم الفتاكه وقنابلهم المدمره وهم يشعرون ، وهم يعلمون ، وهم يعرفون ..!

ولذلكم
كم نحنُ بحاجةٍ الى ان نتعلمَ من هذه النملةُ مبدأَ حُسنِ الظنِّ بالآخرين وفتحِ مساحاتٍ من التفسيرِ الحسنِ عِنْدَ أيِّ زلّةٍ أو هفوةٍ دون غوصٍ في ظنونٍ وأوهامٍ تَهدمُ ولا تبني .!

كم نحنُ بحاجةٍ الى ان نتربى على التماسِ الأعذارِ في أيِّ موقفٍ نرى أنه خطأ .!

 وكم نحن بحاجةٍ الى أن نمتثلَ لأمرِ الله :
 ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرَاً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) [الحجرات:12].
 والرسول صلى الله عليه وسلم يقول -:
 "إياكم والظنَّ! فإن الظنّ أكذب الحديث"

وما أجملَ تلكَ الكلماتِ التي جعلها اللهُ على
لِسَانِ عُمَرَ الفاروق رضي الله عنه :
 “ لا تَظُنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَخِيكَ الْمُؤْمِنِ شَرًّا وَأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مَحْمَلًا ”
وكم في هذا الخُلقِ الجميلِ من صلاحٍ لباطنِ العبدِ وطردٍ لوساوسِ الشيطانِ وحلٍ لكثيرٍ من المشكلاتِ بين الناسِ والأقاربِ والارحامِ والجيران ..

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
( وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) [النمل:17-18].

بَارِكْ لَي ولكم بالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنْفَعْني وإياكم بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ…
 واستغفروا الله لي ولكم ويافوز المستغفرين ...


الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ :                              
أما بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ
ايها الأحباب الكرام :                    
انتهى دورُ النّملةِ بهذا الإنذارِ وذلكم الحل
أمّا النتائجُ فأمرٌ خارجٌ عن إرادةِ النّملة  ..!
وهكذا الداعيةُ والناصحُ والمربي والوالد ينتهي دورهُ بإيصالِ النصيحةِ والتذكيرِ والتوجيهِ وتَركِ نتائجها بيدِ الله عزوجل وهو القائل سبحانه :
( وَمَا عَلَىَ الْرَسُولِ إِلاَّ الْبَلَاغُ الْمُبِين )

إنتهى دورُ النملةِ وانتهت مهمتها بعد ان بادرتُ وأنذرتْ وصاحتْ وحذّرتْ واعذرت الى الله بماقدمته لأجل قومها من قرية النمل وهي بحجمها الضئيل وبنيانها الصغير ..!

وياليت شعري ماذا يقول من خلقه الله وكرمه وصورة بأحسن صوره واعطاه سمعاً وبصراً
وروحاً وفؤداً وقلباً ونَفَساً واطرافاً وأركاناً ليكون خليفته في ارضه ليعمرها، ويعبده حقّ عبادته ويطيعه حقّ طاعته مع ضخامة جسمه وطوله وعرضه ..!؟
نعم
عمراً طويلاً تعمر ماذا قدم فيه لامته ، وماذا قدم لدينه ، وماذا قدم لوطنه ، وماذا قدم لمجتمعه .!
وكم إنساناً أنقذه من النار ؟!
وكم انساناً أعانه ؟ وكم شخصاً نفعه وخدمه ؟
وكم مكروباً نفّس عنه ؟ وكم جائعاً اطعمه ؟
وكم فقيراً واساه ؟ وكم محزوناً اسعده ؟
وكم مظلوماً نصره ؟ وكم محروماً أعطاه ؟
وكم وكم وكم ..!!

نعم احبتي الكرام :
انتهى مشهدُ النّملةِ وبقيَ موقفُ سليمانَ عليه السلامُ الذي عَجِبَ وأُعجبَ من صنيعِ النّملةِ  الناصحةِ وسمعَ قولها من ثلاثةِ اميالٍ فتبسمَ عليه الصلاةُ والسلامُ من قولها وتعحب من تحذيرها واهتدائها لمصالحها ونصيحتها للنّملِ فأمرَ عليه السلام موكبه وأمر الريحَ بالتوقف لئلا يذعرنَ حتى يدخلنّ مساكنهنّ وبيوتهنّ ..

قال اللهُ مخبراً عن سيدنا سليمان وعن هذا المشهد : ﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِن قَوْلِهَا ﴾  
إنّهُ تبسمُ القادرِ المستطيعِ على الضعيفِ الذي قلّتْ حيلتُه ..
والتبسمُ إشراقةٌُ محبوبةٌ ورسالةُ سلامٍ وأمانٍ وارتياحٍ واطمئنانٍ ، لاتُكلّفُ العبدَ شيئاً ..!

وخيرُ مايجنيهِ المُبتسمُ قَبِلَ كَسْبِ القلوبِ هوَ الأجرُ المدخرُ والمعروفُ المُنتظرُ قال عليه الصلاة والسلام كما اخرج الامامُ مسلم :
( لاتحقرنَّ من المعروفِ شيئاً ولو ان تلقى اخاكَ بوجهٍ طلْقٍ )..

ويتأكدُ التبسمُ في حقِّ الكبير للصغيرِ والقويِ للضعيفِ والقادرِ على العاجزِ والغنيِ على الفقيرِ لأنهُ تبسمٌ خالصٌ لامصلحةَ فيهِ ولا مُقابل ..

واذا عجبتَ اخي الحبيب من سماعِ سُليمانَ لصوتِ النّملةِ وفهمِهِ لخطابها ..!!
فهيَ رسالةٌ لنا في تعظيمِ اللهِ تعالى الذي وسِعَ سمعُهُ جميعَ ذراتِ الأَرْضِ على اختلافِ أماكنها وأزمانها ولُغاتها .!
وسِعَ سمعُهُ كُلَّ الأصواتِ ، يسمعُ دبيبَ النٌملةِ السوداءِ في الليلةِ الظلماءِ فوقَ الصخرةِ الصماءِ

وَهْوَ الَّذِي يَرَى دَبِيبَ الذَّرِّ
                      فِي الظُّلُمَاتِ فَوْقَ صُمِّ الصَّخْرِ
وَسَامِعٌ لِلْجَهْرِ وَالْإِخْفَاتِ
                             بِسَمْعِهِ الْوَاسِعِ لِلْأَصْوَاتِ

احبتي الكرام :
وبعد ابتسامةِ نبي الله سليمان يتذكرَ سُليمانُ نعمةَ اللهِ عليهِ بهذا الملكِ وما آتاهُ من فَهْمٍ للُغةِ الدوابِّ التي خُصّ بها من بينِ الخلقِ    فابتهلَ الى ربهِ أنْ يُلهمهُ ويُعينهُ على إقامةِ عبادةِ الشكرِ وأنْ يستمرَّ في دُروبِ الطاعاتِ  ..!
وهكذا هُمْ أهلُ الإيمانِ يُجدّدُونَ شكرهم لربهم مع كلِ نعمةٍ ..!
ويزدادونَ صلاحاً مع اللهِ واقتراباً ورجاؤُهمْ أن يشملهُمُ اللّهَ برحمةٍ مِْنهُ وأنْ يُدخلهمْ في عبادهِ الصالحين :
﴿ وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَـالِحًا تَرْضَـاهُ وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّـالِحِينَ ﴾
(سورة النمل/19)                                          
هذا كلُّهُ من فضلِ اللهِ تعالَى عَلَى عبدِهِ ونبيِّه سليمانَ عليهِ السلامُ الذِي كانَ عَبدًا مطيعًا أوّابًا داعيًا إلى عبادةِ اللهِ وحدَه لا شريك له وكانَ مِنْ عبادِ اللهِ الشَّاكِرينَ، يقولُ اللهُ تعالَى :
﴿ وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَـنَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ سورة ص/ 30 .  
احبتي الكرام روّاد مسجد بلال بن رباح :          
ذلكم طرفٌ من قصةِ نبيِّ اللهِ سليمان مع النملة وذاك شيءٌ بسيطٌ مختصرٌ  لبعضِ إشاراتها وعبرها وعظاتها ودلالاتها ..
ولعل حديثنا سيتجددُ مرةً اخرى وفي جمعةٍ قادمةٍ إذا احيانا اللُه إنْ شاءَ الله وفي نفسِ القصرِ السليماني ومع مشهدٍ اخرٍ وحتى ذلكم الحين جعلني الله وإياكم من أهلِ طاعته وعمّنا بمغفرته وأنعمَ علينا بالسير على نهج أنبياءه ورسله ..

 عباد الله أمركم ربُّكم جلَّ وعلا بأمر بدأ فيه نفسه وثنى به ملائكته المسبحه بحمده وثلث به عباده من جنه وإنسه فقال تعالى قولاً كريمًا:
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا وحبيبنا وقدوتنا محمَّد بن عبدالله، وارضَ اللَّهم عن خلفائه الرَّاشدين ذوي المقام العليّ، أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن سائر الصَّحابة والتَّابعين...
---------------------------------------
للتواصل والاستفسار وإبداء الملاحظات :
جوال ( 00967777151620 )
ولمتابعه الخطب المكتوبه على الروابط التاليه :
١/
https://www.facebook.com/SheikhAhmedPage/
-----------------------
٢/
https://alahmed-ibb.blogspot.com/?m=1
-----------------------
٣/
 https://lecahmed.blogspot.com/
-----------------------
٤/
 http://talabah1.blogspot.com/?m=1
-----------------------------------
اللهم اجعلها صدقهً جاريهً لي ولوالدتي المرحومه..
وأنفع بها عبادك المسلمين اجمعين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
------------------------------------
              والحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِين

الجمعة، 7 ديسمبر 2018

🎤
خطبــة جمعـــة بعنـــوان        
{ إِنّ اللَّهَ يُحِبُّ السَّهْلَ الطَّلْقَ }
          (( الإبتسامه ))
السلسله الثانيه لأحب الاعمال الى الله
                          الخطبه {{ 20 }}  
إعداد وتنظيم وإلقاء :
الاستاذ/ احمد عبدالله صالح
خطيب مسجد بلال بن رباح/
الجمهوريه اليمنيه - محافظة إب .
ألقيت في  7 ديسمبر 2018 م
الموافق  29 ربيع أول 1440هـ
أما بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ
ايها الأحباب الكرام :  
وتحت ضلالِ سلستنا المباركه لأحب الاعمال الى الله نعاود الحديث معكم اليوم مجدداً ومع عمل جديد يحبه الله جل وعلا ..
وعملُ اليوم الذي يحبه الله يا ايها الأحبه :
هو عملٌ قليل ، عملٌ بسيط ، عملٌ سهل ، يسير ،
لا يحتاجُ الى بذلِ مال،  ولا الى قوةِ جسد ..
فِعله لا يُكلّف شيئاً .. ولا يستغرق أكثر من لمحة بصر ..!
لكن أثره يخترقُ القلوب، ويأسر الارواح ، ويسلِبُ العقول، ويُذهب الأحزان، ويُصفي النفوس، ويكسر الحواجز مع بني الإنسان ..

هو لغةٌ لا تحتاجُ إلى ترجمة، وسلاحٌ للحياة والعقل، ومفتاحٌ للقلوب ..        
هو شمعةُ أملٍ تَبعثُ الحياة من جديدٍ في النفوس الراكدة، وتزيلُ كلّ معالمِ الوحشة والنفور من الصدور الضائقة والقلوب الحاقدة والمغضبة.

انّه وقودُ القلوبِ النابضة، وبوابةُ السعادةِ المشرقة، ينطلق ليرسمَ جسور التواصلِ والمحبة، فيتجاوز المعوقات والعثرات التي تقف حاجبًا بيننا وبين الآخرين ..

يُذيبُ الغضبَ المتراكم، ويَصهَرُ أقفالَ الحقد الصدئِة، ويُعطرُ الأجواءَ بنسماتِ الحبِ والودِ والارتياحِ والطمأنينة.

إنّه إحدُ اللغاتِ الصعبة التي يفهما الكل ولكن لا يستطيعُ التحدثَ بها ولا يُحسنُ التعاملَ معها إلا القليل الموفقون إليها،

إنّه أسرعُ سهمٍ تَملِكُ به القلوب وهي مع ذلك عبادة وصدقة فعلها الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، وتعبَّد بها خلقٌ كثيرٌ ممن سار على نهجه....
فهل عرفتم ما هو هذا العمل الذي يحبه الله ؟
وهل عرفتم ما هذا الخلق الجميل وما هذه الحركة البسيطة التي إذا أُطلقت فعلت أكثر مما تفعله أكبر مغريات العالم من التأثير.
             (( إنها الابتسامة ))
تلك الحركةُ البسيطة التي يُفتحُ بها المنغَلِقُ من قلُوبِ البشر.
ففي الحديث الذي اخرجه البيهقي في شعب الإيمان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :
 ((إِنّ اللَّهَ يُحِبُّ السَّهْلَ الطَّلْقَ))
وفي روايه : ( السهلُ الطليق )
يُحبُّ اللهُ متَهَللَ الوَجه .!  يُحبُّ اللُه البسّام .!
يُحبُّ اللهُ الضّحاك ..!
الذي إذا دخلَ بيته كان بسّاماً ضحّاكاً ..
طَلْقٌ في وَجهه ، سهْلٌ في مُعاملتِهِ ..
سَهلٌ في مُعاشرة الخلق ، ليِّنَ الجانب ، رَحبَ الصدر ، حَسَنَ الصُّحْبة ، ذا رفْقٍ في الدنيا ، وفي الدِّين ..
سَهْلُ الانقياد إلى طاعةِ الله تعالى ..
مُتَيَسِّرٌ في أمْرِهِ غير متعسِّر ..
متيسرٌ في بيْعِهِ ، في شِرائِهِ ، في أخْذِهِ ،
في عَطائِهِ .!
من خِلال تصرّفاتِه يُشْعرُكَ أنّ الدنيا لا قيمة لها ،
يُشْعرُكَ أنّ الدنيا ليْسَت كبيرةً عندهُ ..!

   ((  إِنّ اللَّهَ يُحِبُّ السَّهْلَ الطَّلْقَ ))
علَّقَ بعضُ العلماء على هذا الحديث فقالوا :
بإنّ الله يُحبُّ أسماءهُ ، ويُحبُّ من تخلَّق بأسمائه
والسهولة والطلاقة داخلان في أسمائِهِ ، وهي من الرّحمةِ والحِلْم ، ومَن كان طلْقًا سَهلاً فقد تخلَّق بأخلاق الله ، ومن تخلّق بأخلاقِ اللهِ أحبّه الله .

وكما انّ الطلاقه والإبتسامهُ تتجلى في اسماءِ الله من خلال زرعها للرحمهِ والحلم..!
فإنّها كذلك سنةٌ من سنن الحبيب صلى الله عليه وسلم .!
بل من أظهرِ صفاته وسماته عليه الصلاه والسلام..
فلقد كان رسولكم صلى الله عليه وسلم يبتسم وهو ينظرُ إلى مستقبلِ هذه الأمةِ وحتى وهو في منامه؛ فكما جاء في البخاري عن أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها قالت: نام رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا قريبًا مني ثم استيقظ يتبسم فقلت :  ما أضحكك ؟
فقال عليه الصلاة والسلام :
"أناسٌ من أمتي عُرِضوا عليّ يركبون هذا البحر الأخضر كالملوكِ على الأسرّة"
فقالت ام حرام بنت ملحان رضي الله عنها : فادعوا اللهَ أن يجعلني منهم ....فدعا لها…

بل كان عليه الصلاة والسلام  يَعلمُ بالخيرِ لأمته فيفرحَ لها ويستبشر ويتبسم ويضحك…
فقد تبسمّ رسول صلى الله عليه وسلم رضاً وارتياحًا وفرحًا، خاصةً بعدما رأى ما سرّه مما ينتظره يوم القيامة ..
 فعن أنس رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا،
إذ أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه مبتسماً، فقلنا :
ما أضحكك يا رسول الله؟
قال: "أُنزلت عليّ آنفًا سورة " فقرأ سورة الكوثر، ثم قال: " أتدرون ما الكوثر؟"
فقلنا: الله ورسوله أعلم !؟
قال:" فإنه نهرٌ وعَدَنيه ربي سبحانه وتعالى عليه خيرٌ كثير، هو حوضٌ تَرِدُ عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم".

بل إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في البخاري من حديث انس بن مالك رضي الله عنه
ودعَ الدنيا وهو ينظرُ إلى أمته وهو في الصلاة خلفَ أبي بكر رضي الله عنه وكان قد أنهكه المرض صلى الله عليه وسلم فلما رأى أمته على هذه الحالة ضَحكَ وابتسم  ..
كيف وهو الذي قال عنه عبد الله بن الحارث في الحديث الذي رواه الترمذي  :
"ما رأيت أحدًا أكثر تبسمًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم".

ولهذا أرسى الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم خُلق البسمة والبشاشة، وعلَّمَ الإنسانية هذه اللغة العالمية اللطيفة بقوله وفعله وسيرته العطرة،
فكان صلى الله عليه وسلم بسّامَ الثَغر طَلْق الُمحيا، يحبه بديهة من رآه، ويفديه من عرفه بنفسه وأهله وأغلى ما يملك !
 لقد كان تبسمه لأهله وأصحابه بذرًا طيبًا آتى أُكله ضعفين، خيرًا في الدنيا وأجرًا في الآخرة..
أمّا الخيرية العاجلة :
فانشراحُ القلب وراحةُ الضمير.!!
كذلك مصالح اجتماعية وشرعية تتمثل في تأليف القلوب وربطها بحبلِ المودة المتين وترغيبها لحبِّ الدين ..!
ويتبعها منافع صحية أخرى أثبتها الأطباء على البدن،فلقد أُجريت العديد من البحوث والدراسات العلمية حول الابتسامة وفوائدها الصحية والنفسية بالنسبة للإنسان فتوصلوا إلى :
أنّ الابتسامةَ تحفظُ للإنسانِ صحته النفسية والبدنية..                          
 كما تساعدُ الابتسامه على تخفيفِ ضغطِ الدم..
وتعملُ على تنشيطِ الدورةِ الدموية ...
بل وتزيد من مناعةِ الجسم ضدّ الأمراض والضغوطات النفسية والحياتية ..
كما أنّ الابتسامةَ تساعدُ المخ على الاحتفاظِ بكميةٍ كافية من الأوكسجين ..
ولها آثار ايجابية على وظيفةِ القلبِ والبدنِ والمخ وتزيدُ الوجهَ جمالاً وبهاءً ..
 وتعملُ على التخفيفِ من حموضةِ المعدةِ وزيادة إفرازات الغددَ الصُم مثل :
غدة البنكرياس والغدد الكظرية والدرقية والنخامية..
كما أنّها تقهرُ الأرق والكآبة ..
كل هذه الفوائد الصحيه وغيرها كثير تأتي نتيجه الابتسامه التى تساهل فيها كثير من الناس .!

ولذلكم كانتِ البسمةُ بريدٌ عاجل إلى الناسِ كافة
لا تكلفنا مؤنةً ماليةً أو متاعب جسدية ، بل تُبْعثُ في ومضةٍ سريعةٍ يبقى أثرها الحميدُ عظيماً في النفوس !                              
بل يقول الصينيون في حكمةٍ يرددونها :-
"إنّ الرجلَ الذي لا يَعرِفُ كيف يبتسم لا ينبغي له أن يفتح متجرًا"
بل وتقوم كثيرُ من الدول المتقدمة والشركات العالمية بإنفاق ملايين الدولارات من أجل تدريب موظفيها على الابتسامةِ في وجه الزبائن والعملاء وهم بذلك يرجون ثواب الدنيا..
فكيف بالمسلمِ عندما يتخلق بهذا الخلق فيجمع بين ثواب الدنيا والآخرة وصدق الله إذ يقول في المؤمنين :
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة:201].

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بمافيه من الايات والذكر الحكيم واستغفروا الله لي ولكم من كل ذنب ويافوز المستغفرين ويانجاة التائبين ..

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ :                              
أما بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ
ايها الأحباب الكرام :
أحدثكم اليوم عن عملٍ من تلك الاعمال التى يحبها الله عزوجل ضمن سلستنا المباركه والمستمره
        ( احب الاعمال الى الله )
وحديثنا اليوم يتمحور حول عمل بسيط وسهل ويسير يحبه الله عزوجل قليلُ الجهد والعناء،
كبيرُ الأثرِ والفضلِ، والأجرِ والثواب ..
ففي الحديث الذي اخرجه البيهقي في شعب الإيمان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :
 ((إِنّ اللَّهَ يُحِبُّ السَّهْلَ الطَّلْقَ)).

فالبسمةُ آيةٌ من آياتِ الله تعالى ونعمةٌ ربانيةٌ عظيمة، إنّها سحرٌ حلال تنبثق من القلب وترتسم على الشفاه، فتَنثرُ عبيرَ المودة، وتنشرُ نسائمًَ المحبة وتستلَّ عُقْدَ الضغينة والبغضاء لتحلَ الألفة والإخاء،..
ولن نجدَ مفتاحًا أسلس ولا أسهل نفوذًا للقلبِ وأسرع في فتح ما استُغلقَ منه من الابتسامة .!
يقول ابن عيينة رحمه الله-:
 "البشاشةُ مصيدةُ القلوب"..
وأوصى ابن عمر رضي الله عنهما ابنه فقال : "بنيّ إن البر شيء هيّن ( وجه طليق وكلام ليّن )..

ولذلكم حدثتكم في الخطبه الاولى عن الخيريه العاجله المتمثله بالمنافع الصحيه والاجتماعية والآثار الإيجابية والشرعية للابتسامه والبشاشة
امّا الخيرية الآجلة للابتسامه :
 فهو الثواب المثبت في جزاء الصدقة وبذل المعروف ...!
فالابتسامه عبادةٌ وصدقةٌ فاضله يستطيعها الفقير والغني على حدٍّ سواء..
 وما أكثر ما فرطنا في هذه العبادة ..!
وما أكثر ما بخلنا في هذه الصدقة ..
فهي إعلان الإخاء، وعربون الصفاء، ورسالة الود، وخطاب المحبة تقع على صخرة الحقد فتذيبها، وتسقطُ على رُكامِ العداوة فتزيلها، وتقطعُ حبلَ البغضاء، وتطردُ وساوسَ الشحناء،.

ففي الحديث الذي رواه للترمذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
 "وتبسمك في وجهِ أخيك لك صدقة"

وفي الحديث الذي رواه الحاكم والبيهقي في شعب الايمان قال عليه الصلاة والسلام :
 "لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق "..

وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم-: "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسطُ الوجهِ وحُسنَ الخلق" …

فما أحوجنا إلى تبسمِ الأخ في وجه أخيه ..!
والجار في وجه جاره والصديق في وجه صديقه والأبُ في وجه أولاده في زمنٍ طغت فيه المادة وقلت فيه الألفة وكثرت فيه الصراعات ..
 
ما أحوجنا إلى تبسمِ الرجل في وجه زوجته!
والزوجةُ في وجهِ زوجها في زمنٍ كثرت فيه المشاكل الاجتماعية فلا ترى إلا عُبوس الوجه وتقطيب الجبين وكأنّك في حلبةِ صراع من أجل البقاء !!
فالزوجه اليوم لاتبتسم الا في وجوه زميلاتها ونساء جيرانها او نسوةٌ من قريباتها ..
والزوج كذلك ربما تراه يبتسم للجميع ،
يبتسم لأصدقائه لاقرانه لزملائه في العمل .!
يبتسم للمدير ، للموظفين ، للعاملين ،
يبتسم لأبناء حارته ، لجيرانه ، للمقربين منه
إلاّ امام أولاده وزوجته . فاذا ما عاد الى البيت
عاد إليه مقطبّ الجبين كالحَ الوجه ، سوداوي مكفهِر سيءُ المزاج سيءُ الطباع ..

وما أحوجنا إلى تلك الابتسامة من مديرٍ في وجه موظفيه فيكسب قلوبهم ويرفع من عزائهم
بعيدًا التعالي وبعيداً عن العنجهية والتسلط والغرور والكبرياء !!!
                                         
وما أحوجنا إلى البسمة وطلاقةَ الوجهِ وانشراحِ الصدر ولطفَ الروحِ ولينَ الجانب من عالمٍ رباني منصف ..  
يجمع ولايفرق ويصلح ولا يفسد ويبني ولايهدم.!                            
يسعى لجمعِ الكلمة ووحدةِ الصف ، ورأبِ الصدع وردم جذور الخلاف ..!
والتحدث فيما يعود بالخير والبركه والأمن والسلام والانس والطمأنينة للوطن والمواطن ..

 بدلاً من الفتاوى الجائرة الظالمة في نبش فتن الطائفية والمذهبية، وتوسيع هُوة الخلاف والنزاع والشقاق، وتضليلِ الناسِ وتبديعهم وتفسيقهم ،
بل والتعرض للعلماء والدعاة الربانيين بالغمزِ واللمزِ والاستطالةِ في أعراضهم !!
وممن؟ من أقزامٍ لا هُمْ في العِير ولا في النعِير!

ما أحوجنا كذلك إلى الابتسامةِ من ذلك التاجر فيكسب القلوب وتحلَ عليه البركة ويكثرُ رزقه وتدركه رحمةَ ربه ..              
فقد روى البخاري دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة حيث قال :
"رحم الله عبدًا سمحًا إذا باع سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا قضى، سمحاً إذا اقتضى"..
كما بشره عليه الصلاه والسلام بالمغفرة في حديث جابر قال صلى الله عليه وسلم لما رواه احمد
"غفر الله لرجلٍ ممن كان قبلكم كان سهلا ً إذا باع سهلا ً إذا اشترى سهلا ً إذا اقتضى"

وما أحوجنا إلى الابتسامةِ الصادقة من ذلك المسئول في وجهِ من يقوم برعايتهم وخدمتهم من غيرِ ما خداعٍ أو كذبٍ أو تزوير، أو وعيدٍ أو تهديد فتحبه قلوبهم وتلهجُ بالثناءِ الحسن والدعاءِ  له ألسنتهم !!!

يأتي رجلٌ فقيرٌ من المسلمين إلى عمر بن الخطاب فاروق الامه رضي الله عنه وارضاه فقال له  :
أيَا عُمَرَ الخَيْرَ جُزِيتَ الجَنَّةْ
                             اُكْسُ  بُنَيَّاتِي وأُمَّهُنَّهْ
  وكن لنا في ذا الزمان جُنّة      
                              أَقْسَمْتُ باللهِ لَتَفْعَلَنَّهْ
فقال عمر: وإن لم أفعل، يكون ماذا؟
قال: يَكُونُ عَنْ حَالِي لَتُسْأَلنَّهْ
قال عُمر: متى ؟
قال : يَوْمَ تَكُونُ الأُعْطِيَاتُ مِنَّهْ
                         وَالوَاقِفُ المَسْؤُولُ بَيْنَهُنَّهْ
         إِمَّا إِلَى نَارٍ وَإِمَّا جَنَّةْ
فبكى رضي الله عنه وارضاه وخلع الجلباب الذي كان يلبسه وقال لغلامِه :
يا غلامُ، أعطه قميصي هذا، لا لِشِعْره؛ ولا لكلامه ولكن ليومٍ تكون فيه الأعطياتُ منَّة، والواقف المسؤول بينهنَّه، إِمَّا إلى نارٍ وإما إلى جنة.

فما اجمل ان نبتسم في وجةِ الفقراءِ والمساكين
ما أجمل أن نبتسم في وجوهِ الأيتامِ والأرامل والمعوزين والمحتاجين من أبناء بلدنا وامتنا فندخل السرور إلى نفوسهم ونمدُ يدَ العونِ لهم ونَرسمُ البسمةَ على شفاههم ..!

اقول هذا الكلام ويؤسفني القول :        
انّ العلاقات اليوم صارت بين الناس تجارية،
نحترم ونتبسم ونتلطف مع الأغنياء مع الأثرياء
مع رؤوس الأموال ومع أصحاب الأملاك،
وفي بعض الأحيان لا نبتسم ولا نتلطف إلا لمن نرجو منهم المصلحة .!
وعندما نرى فقيرًا نعبسُ في وجهه ولا نُلقي له بالاً بل ربما لا نرد عليه حتى السلام...!
لماذا وصلنا لهذا السلوك ؟
لماذا وصلنا الى هذا الامر ؟
سل نفسك يا عبد الله :
كم من محتاجٍ أعنته !؟
وكم من مسكين واسيته !؟
وكم من فقير تبسمت في وجهه وأشعرته بالأمان وبقيمته واحترامه فرفع في ظلمة الليل يدًا داعية يستنزل بها لك الرحمات والبركات والخيرات من السماء..
وهو القائل عليه الصلاة والسلام :
( ورُبّ أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره.. )
فكن دائم البشر مع هؤلاء الضعفاء..!  
كن صاحب ابتسامة مع الفقراء ..!
فابتسامة المرء شعاع من أشعة الشمس لا تكلف شيئا ولكنها تعطي كثيرا فوق ما نتصور..
نعم احبتي الكرام روّاد مسجد بلال بن رباح:
 اننا اليوم بحاجه الى ان نتعلم فنّ التبسم بصدق، ونشر ثقافة الوجه الطلْق والسماحة والسعادة بيننا وفي مجتمعاتنا ..

نحن بحاجه إلى إشاعة هذا الهدي النبوي الشريف، والتعبد لله به في ذواتنا، وبيوتنا، مع أزواجنا، وأولادنا، وزملائنا في العمل، والمساكين والفقراء والمحتاجين من أبناء بلدنا وامتنا ...
ففي ذلك الضمان الأكيد لحياةٍ سعيدة وعلاقة أخوية مترابطة .. ولن نخسر شيئا!
بل إننا سنخسر خيراً كثيراً دينياً ودنيوياً حينما نحبس هذه الصدقة عن الخروج إلى واقعنا المليء بضغوط الحياة.

اللهم أصلح حالنا وأحسن مآلنا، اللهم ارزقنا قلبًا خاشعًا، وعلمًا نافعًا، وعملًا صالحا خالصًا..
اللهم إنا نعوذ بك من الرياء والنفاق والشقاق وسوء الأخلاق ..
اللهم طهّر ألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، ونفوسنا من العُجب وقلوبنا من الرياء..
اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع ومن دعوة لا تسمع..
اللهم إنا نسألك البر والتقوى ومن العمل ما ترضى..
اللهم اجعلنا إخوة متحابين متناصرين يرحم بعضنا بعضًا ويمشي بعضنا بحاجة بعض،
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
اللهم اختم بالصالحات أعمالنا واقرن بالسعادة غدونا وآصالنا واجعل إلى جنتك مصيرنا ومآلنا.

ثم اعلموا أن الله تبارك وتعالى قال قولاً كريمًا تنبيهًا لكم وتعليمًا وتشريفًا لقدر نبيه وتعظيمًا: (إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وخلفائه الراشدين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية الصحابة والقرابة وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وفضلك يا أرحم الراحمين ..
---------------------------------------
للتواصل والاستفسار وإبداء الملاحظات :
جوال ( 00967777151620 )
ولمتابعه الخطب المكتوبه على الروابط التاليه :
١/
https://www.facebook.com/SheikhAhmedPage/
-----------------------
٢/
https://alahmed-ibb.blogspot.com/?m=1
-----------------------
٣/
 https://lecahmed.blogspot.com/
-----------------------
٤/
 http://talabah1.blogspot.com/?m=1
-----------------------------------
اللهم اجعلها صدقهً جاريهً لي ولوالدتي المرحومه..
وأنفع بها عبادك المسلمين اجمعين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
------------------------------------
              والحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِين

🎤 خطبــة جمعـــة بعنـــوان : [ الإســـتغفـــــــار ] إعـــــــداد وتنظيــــم وإلقـــاء : الاستـــاذ/ احمــــد عبـداللَّـه صــالح خــط...