🎤
خطبــة جمعـــة بعنـــوان
{ إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ }
السلسله الثانيه لأحب الاعمال الى الله
الخطبه {{ 11 }}
إعداد وتعديل وإلقاء :
الاستاذ/ أحمد عبدالله صالح
خطيب مسجد بلال بن رباح/
الجمهوريه اليمنيه - محافظه إب .
ألقيت في 6 إبريل 2018 م
الموافق 20 رجب 1439هـ
ثــم أمـــا بـــعــــــد أيها الكرام
ونحن نعيش أيام فاضله كريمه تتمثل في شهر الله رجب المحرم ..
هذا الشهر الكريم الذي يُعدُ التوطئة الاولى للاستعداد لشهر الخير والبركه والعتق والرحمه والغفران رمضان لازالت سلسلتنا المباركه لأحب الاعمال والعبادات والأخلاق التى يحبها الله عزوجل مستمره ومتواصله ..
وحديثنا اليوم سيكون مع صفهٍ ساميه وخلقٍ فاضل من تلك الأخلاق التى يحبها الله عزوجل ويحب اهلها ..
ففي الحديث الذي رواه مسلم من حديث عائشةَ رضي الله عنها قالت: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :
((إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لاَ يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ))
وفي الحديث المتفق عليه ..
يقول عليه الصلاه والسلام :
”إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ”..
وفي الحديث الذي صححه الألباني
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم-:
"إن الله عزوجل يحب الرفق ويرضاه، ويُعين عليه ما لا يعين على العنف"..
وفي حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إن الله عزوجل ليعطي على الرفق ما لا يعطي على الخرق وإذا أحب الله عبداً أعطاه الرفق...)
= الرفق تحكُّمٌ في هوى النفس ورغباتها وحملٌ لها على الصبر والتحمل والتجمل ، وكفٌّ لها عن العنف والتعجل ، وكظمٌ عظيم لما قد يلقاه من تطاول في قول أو فعل أو تعامل .
= الرفق هو أخذٌ للأمور بأحسن وجوهها وأيسر مسالكها ..
= الرفقُ رأسُ الحكمة ودليلُ كمالِ العقل وقوة الشخصية ، والقدرة القادرة على ضبط التصرفات والإرادات واعتدال النظر..
= الرفقُ مظهرٌ عجيبٌ من مظاهر الرشد ، بل هو ثمرةٌ كبرى من ثمار التدين الصحيح .
= الرفق هو لين الجانب بالقول ولطافه الفعل والأخذ بالأيسر والأسهل والألطف ..
= الرفق فيه سلامةُ العرض وصفاءُ الصدر وراحةُ البدن واستجلابُ الفوائد وجميلُ العوائد ، ووسيلة التواصل والتواد وبلوغ المراد . ..
يقول سفيان الثوري رحمه الله لأصحابه :
"أتدرون ما الرفق؟" قالوا: قل يا أبا محمد.
قال: أن تضع الأمور في مواضعها:
الشدة في موضعها، واللين في موضعه،
والسيف في موضعه، والسوط في موضعه"
وهذه إشارة إلى أنه لا بد من مزج الغلظة باللين والفظاظة بالرفق ..
كما قيل:
وَوَضْعُ النَّدَى فِي مَوْضِعِ السَّيْـفِ بِالعُلاَ
مُضِرٌّ كَوَضْعِ السَّيْفِ فِي مَوْضِعِ النَّدَى
الرفق يا ايها الكرام :
خُلُقٌ إيمانيٌّ نبيل من الأخلاق الاسلاميه .
بل هو من أشهر ثمار حسن الخلق وأشهاها ومن أظهر مظاهر جميل التعاملات وأبهاها ..
الرفق هدفٌ إسلاميٌّ أصيل وأَدَبٌ رَفِيعٌ مِنَ الآدابِ النَّبَوِيَّةِ، يُوْجِبُ مَحبَّةَ اللهِ، وتُستَمطَرُ بِهِ نِعَمُهُ وعَطاياهُ..
ليس للرفق حدود تضيقه ولا مجالات تحصره ، بل هو مطلوب في كل الشئون والأحوال وفي الحياة كلها وفي شأن المسلم كله ..
الرفق يا كرام :
صفة من صفات الله جل وعلا ...
فهو سبحانه وتعالى رفيق بخلقه رؤوف بعباده ، كريم في عفوه ، رفيق في أمره ونهيه ، وهو الرحيم بعباده، الرفيق بهم, الحليم عليهم.
والرفق خلق الأنبياء، وصفة الصالحين الأتقياء،
بعث الله إلينا نبيًّاً تحلى بالرأفة, وتزين بالرحمة, وتجمَّل بالرفق, فقال تعالى عنه :
(بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة :128]
ايها الأحباب الكرام
روّاد مسجد بلال بن رباح :-
إن الرفق ذو أهميةٍ كبيرةٍ في حياة المرء،
فبالرفقِ ترتاحُ النفوس، وبه يَحصُلُ المطلوب في أكثر الأحيان، وبه تتحققُ النتائج المرجوة والمقصودة..
ولهذه الأهمية الكبيرة أمر الله سبحانه وتعالى به فقال سبحانه موجهاً رسوله الكريم بهذا الخلق الرفيع فقال عزوجل :
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران:159)
نعم /
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ) [آل عمران:159] يعني رحمك الله تعالى، وأحسن إليك، وتفضل عليك بأن أصبحت ليناً رفيقاً في تعاملك مع الناس: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ)
ثم بين الله تعالى ما هو الطريق الآخر لو لم يكن ليناً، فقال الله تعالى:
(َولَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ) [آل عمران:159]
لو كنت فظاً في تعاملك، ولست رفيقاً..
ولوكنت عنيفاً في تعاملك مع الناس..!
ولو كنت فظاً في تعاملك، ليس في قلبك رحمة
ولا إحسان ولا شفقة ولا عطف ولا حنان على الآخرين، (َلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ)..!
ما النتيجة؟
(لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)!.
لانفض من حولك من تدعوهم إلى الإسلام.! وانفض من حولك المسلمون.!
وانفض من حولك زوجتك وأبناؤك وجارك وخادمك، ينفضون من حولك :
ولو كنت نبيناً مرسلا..!
ولو كنت نبيا مقرباً..!
وإن كنت خاتم الأنبياء وسيد الأولياء وشيخ الأتقياء ..!
ينفضون من حولك إن لم يروا منك ابتسامةً ورفقاً في التعامل معهم، وحِلماً في التعامل مع أخطائهم .!
(وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ).
فأمتثل عليه الصلاه والسلام لهذه التوجيهات الربانية، فكان رفيقاً ليناً سهلاً قريباً من الناس،
واستمرَ يتعبدُ باسم الله "الرفيق" أينما حل وارتحل، في كل تصرفاته، وفي جميع شأنه، فاستحق صلى الله عليه وسلم وسام:
(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
فهلا كان لنا من خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في أقوالنا وأفعالنا نصيب، ومن اسم الله "الرفيق" في تصرفاتنا وعلاقاتنا دليل؟
نَبِيٌّ تَسَامَى فِي الْمَشَارِقِ نُورُهُ
فَلاحَتْ بَوَادِيهِ لأَهْلِ الْمَغَارِبِ
هَدَانَا إلى مَا لَمْ نَكُنْ نَهْتَدِي لَهُ
لِطُول الْعَمَى مِنْ وَاضِحَاتِ الْمَذَاهِبِ
ولم يتوقف عليه الصلاه والسلام عند هذا فحسب بل أخذ يدلنا على الرفق، ويحثَّنا عليه، ويأمرَنا به، وضرب لنا أروع الأمثلة فيه؛ ولذلك فإننا سنُمتِّع القلوب، ونُطرب الأسماع ببعض أحاديثه العطرة في الأمر بالرفق، والدعوة إليه وبيان منزلته، وعظيم أثره :
ففي الحديث الذي صححه الألباني
يقول صلى الله عليه وسلم-:
"مَن عال ثلاثاً من بنات يكفيهِنّ، ويرحمَهُنّ، ويرفِق بهنّ، فهو في الجنة" فقال رجل :
يا رسول الله! واثنتين؟ قال: "واثنتين" حتى قلنا : إن إنسانا لو قال واحدة، لقال واحدة ".
وهاهو صلى الله عليه وسلم يُشبّه الرفق بالحلية البديعة، والزينة الجميلة، التي تُعطي الأمور جمالًا، وتكسو الأفعال والأقوال بهاءً، وتزيد صاحبها والداعي إليها نورًا وضياءً؛
إنه تزيُّنٌ بالرفق، وتَحلٍ باللِّين، وتجمُّلٌ بالسماحة؛ فيقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي اخرجه مسلم -:
"إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شىء إلا شانه"..
وفي الحديث الذي رواه البخاري
يقول صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها-:
"عليكِ بالرفق! وإياكِ والعنفَ والفحشَ!"
نعم /
العنف لا يولّدُ إلاّ عنفاً..
والغلظهُ لا تولّدُ إلا غلظه ..
والقسوه لا تولّدُ إلا تهرباً ونفورا..
والشدهُ تورثُ الكراهيَةَ والتذمُّرَ والتضجُّرَ..
والفظاظه تُفسدُ علائق المحبَّةِ والأُخوَّةِ، وَبسببها تسود البَغْضَاءُ وَالوَحْشَةُ..
والرفق لا يولد إلاّ رفقاً وخيراً..!
فالخيرَ كُلُّ الخير في الرفق، فما عمل أحد بالرفق إلا جنى من وراءه خيرا، وأنَّ من يُحرم هذا الخلق الرفيع فإنه يُحرم الخير، ومصداقُ ذلك ما جاء من وفي الحديث الذي رواه مسلم من حديث
جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
((مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخَيْرَ)) ..
وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه ...
عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ :
((مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ، وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ)).
بل إنه سبحانه وتعالى قد جعل لكل شيء سببا وإن من أسباب دخول الخير إلى البيوت هو الرفق
ففِي الحديث الذي رواه احمد مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:
((إِذَا أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا.... ماذا ؟؟
إذا أراد الله ببيتك أنت، بزوجتك وأبنائك، أو بأمك وأبيك وأخواتك وأخوالك ..!
إذا أراد الله بأهل بيت خيراً، ماذا يفعل بهم؟
أكثر أموالهم؟ أم زرع بينهم الخير والصلاح؟
قال صلى الله عليه وسلم-:
"إذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق ]
فيصبحُ الزوج رفيقاً مع زوجته إذا أخطأت.
وهي رفيقة معه إذا لاحظت عليه خطأ..
يُصبحُ الأبُ رفيقاً مع أولاده..!
يُصبح الإخوة في رفق ولين مع أخواتهم..!
وكذلك الأخوات مع إخوانهن..
قال: إذا أراد الله بهم خيراً وصلاحاً ادخل عليهم الرفق ..
وجاء عن عائشة رضي الله عنها
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها:
(يا عائشة أرفقي فإن الله إذا أراد بأهل بيت خيراً دلهم على باب الرفق)..
وصاحبُ الرِّفقِ قريبٌ من الناسِ هيِّنٌ سهلٌ رقيقٌ رحيمٌ مُحرَّمٌ على النارِ.. ففي الحديث الذي رواه احمد .. يقول عليه الصلاه والسلام :
((حُرِّمَ عَلَى النَّارِ كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ قَرِيبٍ مِنَ النَّاسِ)) ..
لم يقل حرم على النار كل عابد قوّام لليل ..
ولا على كل صوّام للنهار، مع فضل العبادة وارتفاع شأنها ونفعها العظيم عند رب العالمين.
لكنه صلى الله عليه وسلم بيَّن أثر العبادة في الناس.
ما الفائدة من صلاتك إن لم تأمركَ بالخير وتحُثكَ عليه؟
ما الفائدة من صدقتك إذا لم تزرع في قلبك شفقة على الفقراء والمساكين؟
ما الفائده من بذلك وعطائك اذا لم تغرس في نفسك العطف على المحتاجين والمحرومين والجائعين والمعدمين والأرامل واليتامى والثكالى!؟
ما الفائدة في حجك إذا لم يزرع في قلبك مبادئ الأخوّة مع المسلمين؟
ما الفائدة من صومك إذ لم يُربِّكَ على كظم غيظك وعلى الحِلم والأناة مع الآخرين ؟؟
ما الفائدة من العبادة إذا كانت مجرد صور يعملها الإنسان دون أن تؤثر في حياته.
كلا!
العبادة الحقيقية هي التي تربيك على اللين والرفق في تعاملك مع الناس..!
وبالتالي إذا صلى الإنسان فأثرت الصلاة في حياته، أصبح ليناً سهلاً رفيقاً في تعامله مع الآخرين، فحرمه الله تعالى بعد ذلك على النار.
وقد أحسن من قال :
ورافقِ الرفقَ في كُلِ الأمور فلم
يندم رفيقٌ ولم يذمْمهُ إنسانُ
ولا يَغُرنّك حظٌ جره خَرْقٌ
فالخرقُ هدمٌ ورِفقُ المرءِ بنيانُ
أَحسِنْ إذا كان إمكانٌ ومقدرةٌ ...
فلن يدومَ على الإحسانِ إمكانُ
فالروضُ يزدانُ بالأنوارِ فاغمةٌ ...
والحرُ بالعدلِ والإحسانِ يزدانُ
ولأهميه الرفق ولما له من تأثيرٍ بالغٍ في النفوس
وسبرغورها يُرسل الله نبيه موسى عليه السلام ؟؟
وهل تدرون موسى مَن هُوَ ؟
إنه كليمُ الرحمان الذي قربه الله تعالى، ورفع قدره، وابتلاه، حتى ظهر من موسى عليه السلام- الصبر والحب لما عند الله تعالى، ومع ذلك يقول الله جل وعلا لموسى وهو يرسله إلى رجل طاغية ومجرم وسفاك وسفاح وظالم من الدرجه الاولى ..
فرعون الذي تجبر وعتا وتَجَهْرم على الله، حتى دفعه غروره إلى أن يدعي الألوهية، ويقول لأتباعه:
(يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي).
وظهر منه من الطغيان والفجور وتقتيل الناس واستحيائهم واستعبادهم ما لم يظهر من أحد قبله ولا بعده، حتى قال فيه تعالى -:
(وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ)
بل بلغ من طغيانه أنه جمع جنوده وبنى صرحاً عالياً ليرقى إلى إله موسى فيقاتله ..
ومع ذلك أمر الله عزوجل نبيه موسى عليه السلام أن يخاطبه بكل رفق، وأن يدعوه إلى الحق بحسن التأتي، وجميل التلطف، مستعينا بالحجج البالغة، والدلائل الدامغة، فقال:
(اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى).
وفي موطن آخر، يوصي ربنا عزوجل كليمه
موسى وهارون عليهما السلام ويقول :
(اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى )
طيب، هذا الطاغية يا ربّ كيف نتعامل معه
ما دام أنه طغي ؟؟
ومادام انه تجبر وتكبر وتغطرس !!
ومادام انه لم يضع للقيم والمباديء اي اعتبار!
ومادام انه داس على كل شيء تحت قدميه .!
كيف نتعامل معه؟.
فقال سبحانه وتعالى:
(فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا)
قولا له كلاماً حسن ..!!
قولا له كلاماً رقيقاً..!!
إئتيا إليه بالرفق واللين والسهولة وحُسنَ المقصد وحسن المدخل والمخرج..!
لا تكونا عنيفين يا موسى وهارون..!
ولا تكونا شديدين يا موسى وهارون..!!
ولا تكونا عابثين يا موسى وهارون..!!
فرعون الذي قال أنا ربكم الأعلى اختارا له أجمل العبارات وألطفِها وأحسنِها وألينِها وأرفقِها لتُسمعاهُ إياها، (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا)! لماذا يا ربي؟
قال: (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) [طه:44].
وَأَنْتَ الَّذِي مِنْ فَضْلِ مَنٍّ وَرَحْمَةٍ
بَعَثْتَ إِلَى مُوسَى رَسُولًا مُنَادِيَا
فَقُلْتَ لَهُ: يا اذْهَبْ وهَارُونَ فَادْعُوَا
إِلَى اللهِ فِرْعَوْنَ الَّذِي كَانَ طَاغِيَا
وَقُولَا لَهُ: آأَنْتَ سَوَّيْتَ هَذِهِ
بِلَا وَتَدٍ حَتَّى اطْمَأَنَّتْ كَمَا هِيَا؟
وَقُولَا لَهُ مَنْ يُنْبِتُ الحَبَّ فِي الثَّرَى
فَيُصْبِحُ مِنْهُ البَقْلُ يَهْتَزُّ رَابِيَا؟
وَيُخْرِجُ مِنْهُ حَبَّهُ فِي رُؤُوسِهِ
وَفِي ذَاكَ آيَاتٌ لِمَنْ كَانَ وَاعِيَا؟
يقول يزيد الرقاشي عند قوله: (فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا): "يا مَن يَتَحَبّب إلى مَن يُعَادِيه، فكيف بمن يَتَوَلاّه ويُنَادِيه؟".
" خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ *إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ "
( 199 – 201 سورة الأعراف) .
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي محمد صلى الله عليه وسلم .
وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة ؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبه الثانيه :
ثــم أمـــا بـــعــــــد أيها الكرام :
استمراراً في سلسله الاعمال والعبادات والأخلاق التى يحبها الله عزوجل فإن حديث اليوم يدور حول خلقٍ عظيمٍ يحبه الله عزوجل..
ففي الحديث الذي رواه مسلم من حديث عائشةَ رضي الله عنها قالت: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :
((إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لاَ يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ))
يقول ابن القيم :
وهو الرفيق سبحانه يُحبُ أهل الرفق ...
ويعطيهم بالرفق فوق أمان، ويعطي لهم من الأجر والمثوبة، على الرفق ما لا يعطيه على العنف..
نعم احبابي الكرام :
الرفقُ في الأمورِ كلِّها والرِّفقُ مع الناسِ واللِّينُ مَعَهُمْ والتيسيرُ عليهم من أعظمِ أبوابِ الأخلاقِ الإسلاميَّةِ، بل من أَعْظَمِ صفاتِ الكمالِ التي يسودُ بها العُظَماءُ من البشرِ، يُحبُّها اللهُ سبحانه وتعالى، ويُعطي عليها من الأجرِ والثوابِ ما لا يُعطي على غيرِها..
وفي ضل الدقائق المعدوده واليسيره والمتبقيه
من خطبه اليوم تعالوا بنا ننزل سوياً إلى أرض الواقع لأرسل لكم رسائل واقعية عملية عاجله؛
في الرفق وحسن المعامله حتى نخرج من موضوعنا بفائدةٍ وتطبيقٍ عمليّ :
€ ورسالتنا الاولى :
{ إلى كل مسئول ولكل وليَّ أُسرَةٍ أو صاحبَ منصبٍ أو ذا سلطانٍ؛ صَغُرت دائرتُه أم كَبُرَت }
أن يستمع لشكوى ومظالم من هم تحتَ يده ويعمل على حلها، فإن الله قد وكل أمرهم إليه فليتق الله فيهم، ويأخذ للضعيف حقه من القوي..
- واسمع إلى أبي بكر لما بويع للخلافة خطب الناس قائلاً:
” أيها الناس: قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له حقه، والقوي ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله تعالى”..
- وهذه خولة بنت ثعلبة ذات يوم مرت بعمر بن الخطاب رضي الله عنه أيام خلافته، وكان خارجاً من المنزل، فاستوقفته طويلاً ووعظته قائلة له:
يا عمر، كنت تُدعى عميراً، ثم قيل لك عمر، ثم قيل لك يا أمير المؤمنين، فاتّق الله يا عمر فإن من أيقن بالموت خاف الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب…
وعمر رضي الله عنه واقف يسمع كلامها بخشوع .. فقيل له: يا أمير المؤمنين، أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف كله ؟!!
فماذا قال رضى الله عنه وأرضاه..!!؟؟
وبماذا رد عليهم..!!؟
قال عمر: والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره لا زلت “إلا للصلاة المكتوبة”، ثم سألهم: أتدرون من هذه العجوز؟ قالوا: لا.
قال رضي الله عنه:
هذه التي قد سمع الله قولها من فوق سبع سماوات.. فقال فيها :
" قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ " المجادله(1)
أفيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر؟!!”
فأين نحن من هذه القيم؟!
اطرق اليوم باب أي مسئول هل يسمعك ؟!!!
لقد أسمعت لو ناديت حياً
ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو أنّا نفخنا في نارٍ لأضاءت
ولكنّك تنفخُ في رمادِ
بل ان رسول صلى الله عليه وسلم يبين لنا أهمية هذا الخلق الرفيع، في حياة المرء ..!
حيث يدعو الله لمن ولي من أمر أمته شيئاً فشق عليهم بالغلظة والشدة أن يشق الله عليه..
وأن من ولي من أمر أمته شيئاً فرفق بهم أن يرفق به .
ففي حديث عائشة رضي الله عنها قالت:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: (اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ) ..
€ رسالتنا الثانيه:
{ إلى أصحاب السيارات والمركبات } :
أقول: إذا أنعم الله عليك بسيارة فلا تنسَ الضعفاء الذين يعانون من حر الشمس صيفاً والبرد القارص شتاءً؛ وأنت تمر عليهم وتتلذذ بالنظر إليهم وهم في تلك الحال،
واعلم أن حمل الضعفاء معك ليس منحةً
أو تفضلاً وإنما هو حقٌ وواجبٌ،
فَفي الحديث الذي رواه مسلم من حديث
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ:
بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ قَالَ فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا.
فقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
” مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ، قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ”..
€ رسالتنا الثالثه :
{ إلى أرباب الأموال ورؤساء المصالح ومديري المؤسسات وأصحاب المصانع والشركات والمتاجر والمحلات في كل مكان } :
أنِ اتقوا الله في الأجراء والعاملين، ولا تذيقونهم الذل والهوان والقهر والاستبداد، مستغلين ضعفهم وحاجتهم للمال فالله أقدر عليكم منهم..
- ففي الحديث الذي رواه مسلم من حديث
أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضى الله عنهماقَالَ:
”كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتًا: اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ : لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ.
فَقَالَ: أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ”
- وصح عند أبي داود أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم:
كم أعفو عن الخادم؟
فقال صلى الله عليه وسلم:
” كلَ يوم سبعين مرة” ..
فمن باب أولى ان تحسن معاملة من هم تحت يدك
وقد أوصانا رسول الله بهم فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري :
”إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ” ..
€ رسالتنا الرابعه :
{ إلى كل من يملكون البهائم والدواب والطيور} :
لقد بلغ التوجيه إلى الرفق في ديننا حتى نال الحيوان الأعجم البهيم حظه من الرفق ..
ففي الحديث الذي رواه ابو داوود
مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ فَقَالَ: “اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً وَكُلُوهَا صَالِحَةً”
والنار وسوء العاقبة لامرأة حبست هرة حتى ماتت لا هي أطعمتها ولا هي سقتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ، وجنة عدن لبغِيٍّ سقت كلباً كان يأكل الثرى من العطش .
أما عن صور التعذيب والضرب والفجيعة حدث
ولا حرج، فكم هم اولئك الذين يستغلون عدم قدره هذه الحيوانات على الكلام..
أو الدفاع عن نفسها..
ولكنها بلسان حالها تشكو إلى ربها.
كما قال عنترة بن شداد عن الفَرَس :
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى
ولكان لو علم الكلام مكلمي
- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال:
كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجتِه، فرأينا حُمَّرَةً ( عصفورة ) معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمَّرةُ فجعلت تفرِّش، فجاء النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال:
” من فجع هذه بولدِها؟
ردُّوا ولدَها إليها ”..
- حتى الطيور الصغيرة التي لا ينتفع بها الإنسان كنفعه بالبهائم،!
يحاسب الله عليها كل من لم يرفق بها ..
ففي الحديث الذي رواه النسائي وابن حبان يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا عَجَّ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: يَا رَبِّ، إِنَّ فُلاَنًا قَتَلَنِي عَبَثًا، وَلَمْ يَقْتُلْنِي لِمَنْفَعَةٍ” ..
- وفي سنن ابي داوود .. يرى رسول الله قرية نمل قد حرّقها اصحابه فقال:
” من حرّق هذه؟”فقالوا: نحن يا رسول الله.!
قال:” إنه لا ينبغي أن يعذّب بالنار إلا رب النار”.
فضلاً عن تعطيل أمةٍ من النمل عن التسبيح لله، ففي الحديث الذي رواه البخاري من حديث
أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “قَرَصَتْ نَمْلَةٌ نَبِيًّاً مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ:
" أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنْ الْأُمَمِ تُسَبِّحُ!”.
فأين الناسُ اليوم من إيذاء البهائم؟
بل إيذاءِ البشر والاستخفاف بهم..
أين أنت يا راعيَ الغنم والإبل؟
أين أنت يا ربَّ الأسرة؟
ويا أيها المدرسُ في المدرسة؟
ويا أيها المسئول في الوظيفة؟
ويا كلَّ من ولي أمرًا من أمور المسلمين؟
اتقوا الله فيما استرعاكم، ولئن كان المصطفى صلى الله عليه وسلم قد مات، فلا تصل إليه الشكوى ، فإن ربه حيٌّ لا يموت، يراكم ويسمعكم، ولكن يؤخركم إلى أجل لا ريب فيه،..
{ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}(البقرة:281, وآل عمران:161)
€ رسالتنا الخامسه :
{ إلى كل روّاد المساجد والقائمين عليها }
لا تطردوا الصبيان من المساجد أو تعنفوهم
أو تغلظوا عليهم او تقهروهم..
إنهم فلذات أكبادكم فعاملوهم برفق وعلموهم واحتضنوهم، وليكن قدوتكم نبينا في ذلك،
ففي الحديث الذي رواه البخاري من حديث
أسامة بن زيد رضي الله عنه قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذني فيقعدني على فخذه، ويقعد الحسن على فخذه الأخرى، ثم يضمهما ثم يقول:
” اللهم ارحمهما، فإني أرحمهما “..
أين نحن من ذلك؟!!!
ولكم المقارنه بما يحدث الآن من نهرٍ للصغار في المساجد وطردهم من الصفوف وتوجيه الكلمات الجارحه لهم بعد او قبل كل صلاه ...
€ رسالتنا السادسه :
{ الى الابآء و الأمهات }
ارفقوا بأبنائكم وبناتكم ؛ فربكم يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف ، وإذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق .
وهاهو صلى الله عليه وسلم يجسد لنا الرفق مع الأطفال الصغار، وكيف أنه ينبغي أن نرفق بهم،
فقد جاء الأقرع بن حابس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقبل الحسن. فقال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم!!
فقال صلى الله عليه وسلم-:
( من لا يرحم لا يرحم)..
€ رسالتنا السابعه :
{ إلى الأبناء والبنات }
ارفقوا بآبائكم وأمهاتكم ، وأحسنوا الصحبة ولينُوا في المعاملة : …
عليكم ببر والديكم فهم في أهون درجات الضعف، وهم أولى الناس وأحقهم بالرحمة،
فببرهما تُستجلب الرحمات والبركات :
{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرً} (الإسراء:24).
واعلم أن الإنسان يُخلق ضعيفاً ثم قوياً ثم ينحدر إلى درجة الضعف مرة أخرى، وهذا يسمى
( المثلث الهرمي) وقد صور الله ذلك فقال:
{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ }(الروم: 54).
كم من أسر تزوج شبابها وبناتها ثم ينفرد كل واحد بمعيشته وينعزل الأبوان في كوخ متواضع او في زاويه من زوايا غرف البيت يذكرهما بماضيهما.
أما عن المعاملة فأترك المجال للشاعر أمية بن أبي الصلت يتكلم على لسان الأب الشيخ الضعيف الذي يشكو عقوق ولده بعد ان بلغ من الكبر عتياً فيقول:
غَذوَتُكَ مولوداً وَعُلتُكَ يافِعاً
تُعَلُّ بِما أُحنيَ عَلَيكَ وَتَنهلُ
إِذا لَيلَةٌ نابَتكَ بِالشَكو لَم أَبِت
لِشَكواكَ إِلّا ساهِراً أَتَمَلمَلُ
كَأَني أَنا المَطروقُ دونَكَ بِالَذي
طُرِقَت بِهِ دوني فَعَينايَ تَهمُلُ
تَخافُ الرَدى نَفسي عَلَيكَ وَإِنَني
لَأَعلَمُ أَنَ المَوتَ حَتمٌ مُؤَجَّلُ
فَلَمّا بَلَغَت السِّنَ وَالغايَةَ الَّتي
إِليها مَدى ما كُنتُ فيكَ أُؤَمِلُ
جَعَلتَ جَزائي غِلظَةً وَفَظاظَةً
كَأَنَكَ أَنتَ المُنعِمُ المُتَفَضِلُ
فَلَيتَكَ إِذ لَم تَرعَ حَقَّ أُبوَتي
فَعَلتَ كَما الجارُ المُجاورُ يَفعَلُ
فوافيتني حقَّ الجوارِ ولم تكن
عليَّ بمالي دونَ مالِك تَبخلُ
€ أما رسالتنا السابعه :
{ فهي إلى الأزواج }
يقول عليه الصلاه والسلام :
{ رفقاً بالقوارير }..
اتقوا الله في النساء، فالمرأة ضعيفة مخلوقة من ضلعٍ أعوج ..
ولكم هم اؤلئك الرجال الذين يعاملون الزوجات معاملة العبيد ناهيك عن الإهانة والسب والتقبيح وجميع صور الذل والهوان ..
ولقد كان صلى الله عليه وسلم مع زوجاته مثالاً أعلى في الرفق وحسن المعاملته لزوجاته،
يتخذ اللطف معهن سبيلاً، ويجعل الرفق بهن طريقاً ، ويرى الرأفة بهن دليلا،
مما يستحق أن يرفع شعاراً تحتج به المرأة على كمال حقوقها في الإسلام، وجمال العناية بها، وجلال الحرص على حفظها وصيانتها.
لا أن تنقلب على دينها، فترى حقوقها في تغيير شرع ربها، والتمرد على سنن نبيها،
الذي انتشلها من حالة الذل والوأد، إلى مرحلة السؤدد والمجد.
يقول صلى الله عليه وسلم كما ورد في صحيح سنن ابن ماجه :
"خَيْرُكُمْ، خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي".
وتقول عائشة رضي الله عنها كما روى مسلم -:
"مَا ضَرَبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلاَ امْرَأَةً، وَلاَ خَادِمًا، إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ الله. وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلاَّ أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ الله، فَيَنْتَقِمَ لِله - عَزَّ وَجَلَّ -".
بل تراه صلى الله عليه وسلم يعين زوجاته في أمور مهنتهن، ويقضي حوائجَ بيوتهن.
وقد سئلت عائشة رضي الله عنها في الحديث الذي رواه البخاري -:
" مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ فقالت: "كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ".
ومن جميل هذه الصور، ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه في الحديث الذي رواه مسلم :
"أَنَّ جَارًا لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَارِسِيًّا كَانَ طَيِّبَ الْمَرَقِ، فَصَنَعَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ جَاءَ يَدْعُوهُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "وَهَذِهِ؟" مشيراً إلى عائشة، فَقَالَ الفارسي: لاَ.
فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ".
فَعَادَ يَدْعُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "وَهَذِهِ؟". قَالَ: لاَ. قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ".
ثُمَّ عَادَ يَدْعُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "وَهَذِهِ؟". قَالَ: نَعَمْ فِي الثَّالِثَةِ.
فَقَامَا يَتَدَافَعَانِ حَتَّى أَتَيَا مَنْزِلَهُ".
أي لطف هذا؟ وأي رفق هذا؟ وأي اعتناء هذا؟
أي دين قبل الإسلام رفع من قيمة المرأة لهذه الدرجة ؟؟
وأية فلسفة مجدت المرأة بهذه الطريقة ؟؟
هل العيب إذاً في ديننا كما يريد أعداؤنا أن يقنعوا به بعض نسائنا !؟
أم إن العيب في جهلنا بديننا، وأنانية بعض الرجال منا، وتحريض البعض بيننا؟
يا دُرَّةً حُفِظَت بِالأَمْسِ غَالِيَةً
وَاليَوْمَ يَبْغُونَهَا لِلَّهْوِ وَالَّلعِبِ
يا حُرَّةً قَدْ أَرَادُوا جَعْلَهَا أَمَةً
غَرِيبَةَ اْلعَقْلِ لَكِنْ اِسمُهَا عَرَبيِ
هَلْ يَسْتَوِي مَنْ رَسُوْلُ اللهِ قَائِدَهُ
دَوْماً وَآخَرُ هَادِيهِ أَبُو لَهَبِ؟
فَلا تُبَالِي بِمَا يُلْقُونَ مِن شُبَهٍ
وَعِنْدَكِ اْلشَرْعُ إن تَدْعِيهِ يَسْتَجِبِ
ولا غرابة أن يكون من آخر وصايا النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم قولُه: "اتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ" ..
وقولُه في المتفق عليه:
"اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا" ..
€ رسالتنا الثامنه والاخيره :
{ إلى الأغنياء }
عليكم بالرفق بالمحتاجين والرأفه بالمساكين
وعليكم بتعهد الأرامل والفقراء والضعفاء والمعدمين
اعطوهم مما أعطاكم الله وكونوا عوناً لهم لسد حاجتهم وقضاء حوائجهم ..
فيأيها المسلمون:
ما أحوج البشرية إلى هذه المعاني الإسلامية السامية ..!
وما أشد افتقار الناس إلى التخلق بالرحمة التي تُضمّدُ جراحَ المنكوبين، والتي تواسي المستضعفين المغلوبين، ولا سيما في هذا العصر، الذي فقدت فيه الرحمة من أكثر الخلق،
فلا يسمع في هذا العصر لصرخات الأطفال،
ولا لأنين الثكلى، ولا لحنين الشيوخ، ولا لكلمة الضعفاء ..
فعليكم بالرفق واللين والرحمة بجميع فئات المجتمع، الآباء والصبيان والأرامل والعجزة والأجراء وغير ذلك مما ذكرنا، إننا إن فعلنا ذلك تحقق فينا قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في الحديث الذي رواه مسلم
“مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”..
- أسال الله جل وعلا أن يجعلنا جميعاً ممن يتحلون بالرفق في تعاملهم..
- اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرفُ عنا سيئها إلا أنت ياذا الجلال والإكرام ..
- اللهم من ولي من أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمة محمد شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه.
- اللهم أعز الإسلام والمسلمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين .
- اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين ، واخذل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الملة والدين .
- اللهم آمنا في أوطاننا . اللهم آمنا في أوطاننا ، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين .
- اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشد يُعزُّ فيه أهل الطاعة ويُهدَى فيه أهل المعصية ويُؤمَر فيه بالمعروف ويُنهَى فيه عن المنكر إنك على كل شيء قدير .
- اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا . وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا .
وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا .
واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر ، وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها ، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ..
- اللهم من أرادنا وأراد ديننا وديارنا وأمننا وأمتنا بسوء اللهم فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره تدميرا عليه يارب العالمين ..
اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم ..
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا
وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
- اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
- اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاًً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
- اللهم اجعلنا أحب عبادك إليك يا ذا الجلال والإكرام..
- اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا واغفر ربنا إنك رؤوف رحيم ..
- ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين .
- اللهم وفقنا للتوبة والإنابة وافتح لنا أبواب القبول والإجابة .
- اللهم تقبل طاعاتنا ودعاءنا وصالح أعمالنا ،
وكفر عنا سيئاتنا وتب علينا ، واغفر لنا وارحمنا إنك أنت أرحم الراحمين .
- ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: ((إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا ))
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى
آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
---------------------------------------
للتواصل والاستفسار :
جوال ( 00967777151620 )
----------------------------------------
اللهم اجعلها صدقهً جاريهً لي ولوالديّ
كماهي لوالدتي المرحومه..
وأنفعِ اللهم بها عبادك المسلمين اجمعين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
-----------------------------------------
خطبــة جمعـــة بعنـــوان
{ إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ }
السلسله الثانيه لأحب الاعمال الى الله
الخطبه {{ 11 }}
إعداد وتعديل وإلقاء :
الاستاذ/ أحمد عبدالله صالح
خطيب مسجد بلال بن رباح/
الجمهوريه اليمنيه - محافظه إب .
ألقيت في 6 إبريل 2018 م
الموافق 20 رجب 1439هـ
ثــم أمـــا بـــعــــــد أيها الكرام
ونحن نعيش أيام فاضله كريمه تتمثل في شهر الله رجب المحرم ..
هذا الشهر الكريم الذي يُعدُ التوطئة الاولى للاستعداد لشهر الخير والبركه والعتق والرحمه والغفران رمضان لازالت سلسلتنا المباركه لأحب الاعمال والعبادات والأخلاق التى يحبها الله عزوجل مستمره ومتواصله ..
وحديثنا اليوم سيكون مع صفهٍ ساميه وخلقٍ فاضل من تلك الأخلاق التى يحبها الله عزوجل ويحب اهلها ..
ففي الحديث الذي رواه مسلم من حديث عائشةَ رضي الله عنها قالت: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :
((إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لاَ يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ))
وفي الحديث المتفق عليه ..
يقول عليه الصلاه والسلام :
”إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ”..
وفي الحديث الذي صححه الألباني
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم-:
"إن الله عزوجل يحب الرفق ويرضاه، ويُعين عليه ما لا يعين على العنف"..
وفي حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إن الله عزوجل ليعطي على الرفق ما لا يعطي على الخرق وإذا أحب الله عبداً أعطاه الرفق...)
= الرفق تحكُّمٌ في هوى النفس ورغباتها وحملٌ لها على الصبر والتحمل والتجمل ، وكفٌّ لها عن العنف والتعجل ، وكظمٌ عظيم لما قد يلقاه من تطاول في قول أو فعل أو تعامل .
= الرفق هو أخذٌ للأمور بأحسن وجوهها وأيسر مسالكها ..
= الرفقُ رأسُ الحكمة ودليلُ كمالِ العقل وقوة الشخصية ، والقدرة القادرة على ضبط التصرفات والإرادات واعتدال النظر..
= الرفقُ مظهرٌ عجيبٌ من مظاهر الرشد ، بل هو ثمرةٌ كبرى من ثمار التدين الصحيح .
= الرفق هو لين الجانب بالقول ولطافه الفعل والأخذ بالأيسر والأسهل والألطف ..
= الرفق فيه سلامةُ العرض وصفاءُ الصدر وراحةُ البدن واستجلابُ الفوائد وجميلُ العوائد ، ووسيلة التواصل والتواد وبلوغ المراد . ..
يقول سفيان الثوري رحمه الله لأصحابه :
"أتدرون ما الرفق؟" قالوا: قل يا أبا محمد.
قال: أن تضع الأمور في مواضعها:
الشدة في موضعها، واللين في موضعه،
والسيف في موضعه، والسوط في موضعه"
وهذه إشارة إلى أنه لا بد من مزج الغلظة باللين والفظاظة بالرفق ..
كما قيل:
وَوَضْعُ النَّدَى فِي مَوْضِعِ السَّيْـفِ بِالعُلاَ
مُضِرٌّ كَوَضْعِ السَّيْفِ فِي مَوْضِعِ النَّدَى
الرفق يا ايها الكرام :
خُلُقٌ إيمانيٌّ نبيل من الأخلاق الاسلاميه .
بل هو من أشهر ثمار حسن الخلق وأشهاها ومن أظهر مظاهر جميل التعاملات وأبهاها ..
الرفق هدفٌ إسلاميٌّ أصيل وأَدَبٌ رَفِيعٌ مِنَ الآدابِ النَّبَوِيَّةِ، يُوْجِبُ مَحبَّةَ اللهِ، وتُستَمطَرُ بِهِ نِعَمُهُ وعَطاياهُ..
ليس للرفق حدود تضيقه ولا مجالات تحصره ، بل هو مطلوب في كل الشئون والأحوال وفي الحياة كلها وفي شأن المسلم كله ..
الرفق يا كرام :
صفة من صفات الله جل وعلا ...
فهو سبحانه وتعالى رفيق بخلقه رؤوف بعباده ، كريم في عفوه ، رفيق في أمره ونهيه ، وهو الرحيم بعباده، الرفيق بهم, الحليم عليهم.
والرفق خلق الأنبياء، وصفة الصالحين الأتقياء،
بعث الله إلينا نبيًّاً تحلى بالرأفة, وتزين بالرحمة, وتجمَّل بالرفق, فقال تعالى عنه :
(بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة :128]
ايها الأحباب الكرام
روّاد مسجد بلال بن رباح :-
إن الرفق ذو أهميةٍ كبيرةٍ في حياة المرء،
فبالرفقِ ترتاحُ النفوس، وبه يَحصُلُ المطلوب في أكثر الأحيان، وبه تتحققُ النتائج المرجوة والمقصودة..
ولهذه الأهمية الكبيرة أمر الله سبحانه وتعالى به فقال سبحانه موجهاً رسوله الكريم بهذا الخلق الرفيع فقال عزوجل :
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران:159)
نعم /
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ) [آل عمران:159] يعني رحمك الله تعالى، وأحسن إليك، وتفضل عليك بأن أصبحت ليناً رفيقاً في تعاملك مع الناس: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ)
ثم بين الله تعالى ما هو الطريق الآخر لو لم يكن ليناً، فقال الله تعالى:
(َولَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ) [آل عمران:159]
لو كنت فظاً في تعاملك، ولست رفيقاً..
ولوكنت عنيفاً في تعاملك مع الناس..!
ولو كنت فظاً في تعاملك، ليس في قلبك رحمة
ولا إحسان ولا شفقة ولا عطف ولا حنان على الآخرين، (َلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ)..!
ما النتيجة؟
(لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)!.
لانفض من حولك من تدعوهم إلى الإسلام.! وانفض من حولك المسلمون.!
وانفض من حولك زوجتك وأبناؤك وجارك وخادمك، ينفضون من حولك :
ولو كنت نبيناً مرسلا..!
ولو كنت نبيا مقرباً..!
وإن كنت خاتم الأنبياء وسيد الأولياء وشيخ الأتقياء ..!
ينفضون من حولك إن لم يروا منك ابتسامةً ورفقاً في التعامل معهم، وحِلماً في التعامل مع أخطائهم .!
(وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ).
فأمتثل عليه الصلاه والسلام لهذه التوجيهات الربانية، فكان رفيقاً ليناً سهلاً قريباً من الناس،
واستمرَ يتعبدُ باسم الله "الرفيق" أينما حل وارتحل، في كل تصرفاته، وفي جميع شأنه، فاستحق صلى الله عليه وسلم وسام:
(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
فهلا كان لنا من خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في أقوالنا وأفعالنا نصيب، ومن اسم الله "الرفيق" في تصرفاتنا وعلاقاتنا دليل؟
نَبِيٌّ تَسَامَى فِي الْمَشَارِقِ نُورُهُ
فَلاحَتْ بَوَادِيهِ لأَهْلِ الْمَغَارِبِ
هَدَانَا إلى مَا لَمْ نَكُنْ نَهْتَدِي لَهُ
لِطُول الْعَمَى مِنْ وَاضِحَاتِ الْمَذَاهِبِ
ولم يتوقف عليه الصلاه والسلام عند هذا فحسب بل أخذ يدلنا على الرفق، ويحثَّنا عليه، ويأمرَنا به، وضرب لنا أروع الأمثلة فيه؛ ولذلك فإننا سنُمتِّع القلوب، ونُطرب الأسماع ببعض أحاديثه العطرة في الأمر بالرفق، والدعوة إليه وبيان منزلته، وعظيم أثره :
ففي الحديث الذي صححه الألباني
يقول صلى الله عليه وسلم-:
"مَن عال ثلاثاً من بنات يكفيهِنّ، ويرحمَهُنّ، ويرفِق بهنّ، فهو في الجنة" فقال رجل :
يا رسول الله! واثنتين؟ قال: "واثنتين" حتى قلنا : إن إنسانا لو قال واحدة، لقال واحدة ".
وهاهو صلى الله عليه وسلم يُشبّه الرفق بالحلية البديعة، والزينة الجميلة، التي تُعطي الأمور جمالًا، وتكسو الأفعال والأقوال بهاءً، وتزيد صاحبها والداعي إليها نورًا وضياءً؛
إنه تزيُّنٌ بالرفق، وتَحلٍ باللِّين، وتجمُّلٌ بالسماحة؛ فيقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي اخرجه مسلم -:
"إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شىء إلا شانه"..
وفي الحديث الذي رواه البخاري
يقول صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها-:
"عليكِ بالرفق! وإياكِ والعنفَ والفحشَ!"
نعم /
العنف لا يولّدُ إلاّ عنفاً..
والغلظهُ لا تولّدُ إلا غلظه ..
والقسوه لا تولّدُ إلا تهرباً ونفورا..
والشدهُ تورثُ الكراهيَةَ والتذمُّرَ والتضجُّرَ..
والفظاظه تُفسدُ علائق المحبَّةِ والأُخوَّةِ، وَبسببها تسود البَغْضَاءُ وَالوَحْشَةُ..
والرفق لا يولد إلاّ رفقاً وخيراً..!
فالخيرَ كُلُّ الخير في الرفق، فما عمل أحد بالرفق إلا جنى من وراءه خيرا، وأنَّ من يُحرم هذا الخلق الرفيع فإنه يُحرم الخير، ومصداقُ ذلك ما جاء من وفي الحديث الذي رواه مسلم من حديث
جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
((مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخَيْرَ)) ..
وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه ...
عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ :
((مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ، وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ)).
بل إنه سبحانه وتعالى قد جعل لكل شيء سببا وإن من أسباب دخول الخير إلى البيوت هو الرفق
ففِي الحديث الذي رواه احمد مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:
((إِذَا أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا.... ماذا ؟؟
إذا أراد الله ببيتك أنت، بزوجتك وأبنائك، أو بأمك وأبيك وأخواتك وأخوالك ..!
إذا أراد الله بأهل بيت خيراً، ماذا يفعل بهم؟
أكثر أموالهم؟ أم زرع بينهم الخير والصلاح؟
قال صلى الله عليه وسلم-:
"إذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق ]
فيصبحُ الزوج رفيقاً مع زوجته إذا أخطأت.
وهي رفيقة معه إذا لاحظت عليه خطأ..
يُصبحُ الأبُ رفيقاً مع أولاده..!
يُصبح الإخوة في رفق ولين مع أخواتهم..!
وكذلك الأخوات مع إخوانهن..
قال: إذا أراد الله بهم خيراً وصلاحاً ادخل عليهم الرفق ..
وجاء عن عائشة رضي الله عنها
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها:
(يا عائشة أرفقي فإن الله إذا أراد بأهل بيت خيراً دلهم على باب الرفق)..
وصاحبُ الرِّفقِ قريبٌ من الناسِ هيِّنٌ سهلٌ رقيقٌ رحيمٌ مُحرَّمٌ على النارِ.. ففي الحديث الذي رواه احمد .. يقول عليه الصلاه والسلام :
((حُرِّمَ عَلَى النَّارِ كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ قَرِيبٍ مِنَ النَّاسِ)) ..
لم يقل حرم على النار كل عابد قوّام لليل ..
ولا على كل صوّام للنهار، مع فضل العبادة وارتفاع شأنها ونفعها العظيم عند رب العالمين.
لكنه صلى الله عليه وسلم بيَّن أثر العبادة في الناس.
ما الفائدة من صلاتك إن لم تأمركَ بالخير وتحُثكَ عليه؟
ما الفائدة من صدقتك إذا لم تزرع في قلبك شفقة على الفقراء والمساكين؟
ما الفائده من بذلك وعطائك اذا لم تغرس في نفسك العطف على المحتاجين والمحرومين والجائعين والمعدمين والأرامل واليتامى والثكالى!؟
ما الفائدة في حجك إذا لم يزرع في قلبك مبادئ الأخوّة مع المسلمين؟
ما الفائدة من صومك إذ لم يُربِّكَ على كظم غيظك وعلى الحِلم والأناة مع الآخرين ؟؟
ما الفائدة من العبادة إذا كانت مجرد صور يعملها الإنسان دون أن تؤثر في حياته.
كلا!
العبادة الحقيقية هي التي تربيك على اللين والرفق في تعاملك مع الناس..!
وبالتالي إذا صلى الإنسان فأثرت الصلاة في حياته، أصبح ليناً سهلاً رفيقاً في تعامله مع الآخرين، فحرمه الله تعالى بعد ذلك على النار.
وقد أحسن من قال :
ورافقِ الرفقَ في كُلِ الأمور فلم
يندم رفيقٌ ولم يذمْمهُ إنسانُ
ولا يَغُرنّك حظٌ جره خَرْقٌ
فالخرقُ هدمٌ ورِفقُ المرءِ بنيانُ
أَحسِنْ إذا كان إمكانٌ ومقدرةٌ ...
فلن يدومَ على الإحسانِ إمكانُ
فالروضُ يزدانُ بالأنوارِ فاغمةٌ ...
والحرُ بالعدلِ والإحسانِ يزدانُ
ولأهميه الرفق ولما له من تأثيرٍ بالغٍ في النفوس
وسبرغورها يُرسل الله نبيه موسى عليه السلام ؟؟
وهل تدرون موسى مَن هُوَ ؟
إنه كليمُ الرحمان الذي قربه الله تعالى، ورفع قدره، وابتلاه، حتى ظهر من موسى عليه السلام- الصبر والحب لما عند الله تعالى، ومع ذلك يقول الله جل وعلا لموسى وهو يرسله إلى رجل طاغية ومجرم وسفاك وسفاح وظالم من الدرجه الاولى ..
فرعون الذي تجبر وعتا وتَجَهْرم على الله، حتى دفعه غروره إلى أن يدعي الألوهية، ويقول لأتباعه:
(يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي).
وظهر منه من الطغيان والفجور وتقتيل الناس واستحيائهم واستعبادهم ما لم يظهر من أحد قبله ولا بعده، حتى قال فيه تعالى -:
(وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ)
بل بلغ من طغيانه أنه جمع جنوده وبنى صرحاً عالياً ليرقى إلى إله موسى فيقاتله ..
ومع ذلك أمر الله عزوجل نبيه موسى عليه السلام أن يخاطبه بكل رفق، وأن يدعوه إلى الحق بحسن التأتي، وجميل التلطف، مستعينا بالحجج البالغة، والدلائل الدامغة، فقال:
(اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى).
وفي موطن آخر، يوصي ربنا عزوجل كليمه
موسى وهارون عليهما السلام ويقول :
(اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى )
طيب، هذا الطاغية يا ربّ كيف نتعامل معه
ما دام أنه طغي ؟؟
ومادام انه تجبر وتكبر وتغطرس !!
ومادام انه لم يضع للقيم والمباديء اي اعتبار!
ومادام انه داس على كل شيء تحت قدميه .!
كيف نتعامل معه؟.
فقال سبحانه وتعالى:
(فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا)
قولا له كلاماً حسن ..!!
قولا له كلاماً رقيقاً..!!
إئتيا إليه بالرفق واللين والسهولة وحُسنَ المقصد وحسن المدخل والمخرج..!
لا تكونا عنيفين يا موسى وهارون..!
ولا تكونا شديدين يا موسى وهارون..!!
ولا تكونا عابثين يا موسى وهارون..!!
فرعون الذي قال أنا ربكم الأعلى اختارا له أجمل العبارات وألطفِها وأحسنِها وألينِها وأرفقِها لتُسمعاهُ إياها، (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا)! لماذا يا ربي؟
قال: (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) [طه:44].
وَأَنْتَ الَّذِي مِنْ فَضْلِ مَنٍّ وَرَحْمَةٍ
بَعَثْتَ إِلَى مُوسَى رَسُولًا مُنَادِيَا
فَقُلْتَ لَهُ: يا اذْهَبْ وهَارُونَ فَادْعُوَا
إِلَى اللهِ فِرْعَوْنَ الَّذِي كَانَ طَاغِيَا
وَقُولَا لَهُ: آأَنْتَ سَوَّيْتَ هَذِهِ
بِلَا وَتَدٍ حَتَّى اطْمَأَنَّتْ كَمَا هِيَا؟
وَقُولَا لَهُ مَنْ يُنْبِتُ الحَبَّ فِي الثَّرَى
فَيُصْبِحُ مِنْهُ البَقْلُ يَهْتَزُّ رَابِيَا؟
وَيُخْرِجُ مِنْهُ حَبَّهُ فِي رُؤُوسِهِ
وَفِي ذَاكَ آيَاتٌ لِمَنْ كَانَ وَاعِيَا؟
يقول يزيد الرقاشي عند قوله: (فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا): "يا مَن يَتَحَبّب إلى مَن يُعَادِيه، فكيف بمن يَتَوَلاّه ويُنَادِيه؟".
" خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ *إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ "
( 199 – 201 سورة الأعراف) .
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي محمد صلى الله عليه وسلم .
وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة ؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبه الثانيه :
ثــم أمـــا بـــعــــــد أيها الكرام :
استمراراً في سلسله الاعمال والعبادات والأخلاق التى يحبها الله عزوجل فإن حديث اليوم يدور حول خلقٍ عظيمٍ يحبه الله عزوجل..
ففي الحديث الذي رواه مسلم من حديث عائشةَ رضي الله عنها قالت: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :
((إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لاَ يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ))
يقول ابن القيم :
وهو الرفيق سبحانه يُحبُ أهل الرفق ...
ويعطيهم بالرفق فوق أمان، ويعطي لهم من الأجر والمثوبة، على الرفق ما لا يعطيه على العنف..
نعم احبابي الكرام :
الرفقُ في الأمورِ كلِّها والرِّفقُ مع الناسِ واللِّينُ مَعَهُمْ والتيسيرُ عليهم من أعظمِ أبوابِ الأخلاقِ الإسلاميَّةِ، بل من أَعْظَمِ صفاتِ الكمالِ التي يسودُ بها العُظَماءُ من البشرِ، يُحبُّها اللهُ سبحانه وتعالى، ويُعطي عليها من الأجرِ والثوابِ ما لا يُعطي على غيرِها..
وفي ضل الدقائق المعدوده واليسيره والمتبقيه
من خطبه اليوم تعالوا بنا ننزل سوياً إلى أرض الواقع لأرسل لكم رسائل واقعية عملية عاجله؛
في الرفق وحسن المعامله حتى نخرج من موضوعنا بفائدةٍ وتطبيقٍ عمليّ :
€ ورسالتنا الاولى :
{ إلى كل مسئول ولكل وليَّ أُسرَةٍ أو صاحبَ منصبٍ أو ذا سلطانٍ؛ صَغُرت دائرتُه أم كَبُرَت }
أن يستمع لشكوى ومظالم من هم تحتَ يده ويعمل على حلها، فإن الله قد وكل أمرهم إليه فليتق الله فيهم، ويأخذ للضعيف حقه من القوي..
- واسمع إلى أبي بكر لما بويع للخلافة خطب الناس قائلاً:
” أيها الناس: قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له حقه، والقوي ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله تعالى”..
- وهذه خولة بنت ثعلبة ذات يوم مرت بعمر بن الخطاب رضي الله عنه أيام خلافته، وكان خارجاً من المنزل، فاستوقفته طويلاً ووعظته قائلة له:
يا عمر، كنت تُدعى عميراً، ثم قيل لك عمر، ثم قيل لك يا أمير المؤمنين، فاتّق الله يا عمر فإن من أيقن بالموت خاف الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب…
وعمر رضي الله عنه واقف يسمع كلامها بخشوع .. فقيل له: يا أمير المؤمنين، أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف كله ؟!!
فماذا قال رضى الله عنه وأرضاه..!!؟؟
وبماذا رد عليهم..!!؟
قال عمر: والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره لا زلت “إلا للصلاة المكتوبة”، ثم سألهم: أتدرون من هذه العجوز؟ قالوا: لا.
قال رضي الله عنه:
هذه التي قد سمع الله قولها من فوق سبع سماوات.. فقال فيها :
" قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ " المجادله(1)
أفيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر؟!!”
فأين نحن من هذه القيم؟!
اطرق اليوم باب أي مسئول هل يسمعك ؟!!!
لقد أسمعت لو ناديت حياً
ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو أنّا نفخنا في نارٍ لأضاءت
ولكنّك تنفخُ في رمادِ
بل ان رسول صلى الله عليه وسلم يبين لنا أهمية هذا الخلق الرفيع، في حياة المرء ..!
حيث يدعو الله لمن ولي من أمر أمته شيئاً فشق عليهم بالغلظة والشدة أن يشق الله عليه..
وأن من ولي من أمر أمته شيئاً فرفق بهم أن يرفق به .
ففي حديث عائشة رضي الله عنها قالت:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: (اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ) ..
€ رسالتنا الثانيه:
{ إلى أصحاب السيارات والمركبات } :
أقول: إذا أنعم الله عليك بسيارة فلا تنسَ الضعفاء الذين يعانون من حر الشمس صيفاً والبرد القارص شتاءً؛ وأنت تمر عليهم وتتلذذ بالنظر إليهم وهم في تلك الحال،
واعلم أن حمل الضعفاء معك ليس منحةً
أو تفضلاً وإنما هو حقٌ وواجبٌ،
فَفي الحديث الذي رواه مسلم من حديث
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ:
بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ قَالَ فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا.
فقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
” مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ، قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ”..
€ رسالتنا الثالثه :
{ إلى أرباب الأموال ورؤساء المصالح ومديري المؤسسات وأصحاب المصانع والشركات والمتاجر والمحلات في كل مكان } :
أنِ اتقوا الله في الأجراء والعاملين، ولا تذيقونهم الذل والهوان والقهر والاستبداد، مستغلين ضعفهم وحاجتهم للمال فالله أقدر عليكم منهم..
- ففي الحديث الذي رواه مسلم من حديث
أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضى الله عنهماقَالَ:
”كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتًا: اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ : لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ.
فَقَالَ: أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ”
- وصح عند أبي داود أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم:
كم أعفو عن الخادم؟
فقال صلى الله عليه وسلم:
” كلَ يوم سبعين مرة” ..
فمن باب أولى ان تحسن معاملة من هم تحت يدك
وقد أوصانا رسول الله بهم فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري :
”إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ” ..
€ رسالتنا الرابعه :
{ إلى كل من يملكون البهائم والدواب والطيور} :
لقد بلغ التوجيه إلى الرفق في ديننا حتى نال الحيوان الأعجم البهيم حظه من الرفق ..
ففي الحديث الذي رواه ابو داوود
مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ فَقَالَ: “اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً وَكُلُوهَا صَالِحَةً”
والنار وسوء العاقبة لامرأة حبست هرة حتى ماتت لا هي أطعمتها ولا هي سقتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ، وجنة عدن لبغِيٍّ سقت كلباً كان يأكل الثرى من العطش .
أما عن صور التعذيب والضرب والفجيعة حدث
ولا حرج، فكم هم اولئك الذين يستغلون عدم قدره هذه الحيوانات على الكلام..
أو الدفاع عن نفسها..
ولكنها بلسان حالها تشكو إلى ربها.
كما قال عنترة بن شداد عن الفَرَس :
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى
ولكان لو علم الكلام مكلمي
- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال:
كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجتِه، فرأينا حُمَّرَةً ( عصفورة ) معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمَّرةُ فجعلت تفرِّش، فجاء النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال:
” من فجع هذه بولدِها؟
ردُّوا ولدَها إليها ”..
- حتى الطيور الصغيرة التي لا ينتفع بها الإنسان كنفعه بالبهائم،!
يحاسب الله عليها كل من لم يرفق بها ..
ففي الحديث الذي رواه النسائي وابن حبان يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا عَجَّ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: يَا رَبِّ، إِنَّ فُلاَنًا قَتَلَنِي عَبَثًا، وَلَمْ يَقْتُلْنِي لِمَنْفَعَةٍ” ..
- وفي سنن ابي داوود .. يرى رسول الله قرية نمل قد حرّقها اصحابه فقال:
” من حرّق هذه؟”فقالوا: نحن يا رسول الله.!
قال:” إنه لا ينبغي أن يعذّب بالنار إلا رب النار”.
فضلاً عن تعطيل أمةٍ من النمل عن التسبيح لله، ففي الحديث الذي رواه البخاري من حديث
أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “قَرَصَتْ نَمْلَةٌ نَبِيًّاً مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ:
" أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنْ الْأُمَمِ تُسَبِّحُ!”.
فأين الناسُ اليوم من إيذاء البهائم؟
بل إيذاءِ البشر والاستخفاف بهم..
أين أنت يا راعيَ الغنم والإبل؟
أين أنت يا ربَّ الأسرة؟
ويا أيها المدرسُ في المدرسة؟
ويا أيها المسئول في الوظيفة؟
ويا كلَّ من ولي أمرًا من أمور المسلمين؟
اتقوا الله فيما استرعاكم، ولئن كان المصطفى صلى الله عليه وسلم قد مات، فلا تصل إليه الشكوى ، فإن ربه حيٌّ لا يموت، يراكم ويسمعكم، ولكن يؤخركم إلى أجل لا ريب فيه،..
{ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}(البقرة:281, وآل عمران:161)
€ رسالتنا الخامسه :
{ إلى كل روّاد المساجد والقائمين عليها }
لا تطردوا الصبيان من المساجد أو تعنفوهم
أو تغلظوا عليهم او تقهروهم..
إنهم فلذات أكبادكم فعاملوهم برفق وعلموهم واحتضنوهم، وليكن قدوتكم نبينا في ذلك،
ففي الحديث الذي رواه البخاري من حديث
أسامة بن زيد رضي الله عنه قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذني فيقعدني على فخذه، ويقعد الحسن على فخذه الأخرى، ثم يضمهما ثم يقول:
” اللهم ارحمهما، فإني أرحمهما “..
أين نحن من ذلك؟!!!
ولكم المقارنه بما يحدث الآن من نهرٍ للصغار في المساجد وطردهم من الصفوف وتوجيه الكلمات الجارحه لهم بعد او قبل كل صلاه ...
€ رسالتنا السادسه :
{ الى الابآء و الأمهات }
ارفقوا بأبنائكم وبناتكم ؛ فربكم يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف ، وإذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق .
وهاهو صلى الله عليه وسلم يجسد لنا الرفق مع الأطفال الصغار، وكيف أنه ينبغي أن نرفق بهم،
فقد جاء الأقرع بن حابس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقبل الحسن. فقال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم!!
فقال صلى الله عليه وسلم-:
( من لا يرحم لا يرحم)..
€ رسالتنا السابعه :
{ إلى الأبناء والبنات }
ارفقوا بآبائكم وأمهاتكم ، وأحسنوا الصحبة ولينُوا في المعاملة : …
عليكم ببر والديكم فهم في أهون درجات الضعف، وهم أولى الناس وأحقهم بالرحمة،
فببرهما تُستجلب الرحمات والبركات :
{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرً} (الإسراء:24).
واعلم أن الإنسان يُخلق ضعيفاً ثم قوياً ثم ينحدر إلى درجة الضعف مرة أخرى، وهذا يسمى
( المثلث الهرمي) وقد صور الله ذلك فقال:
{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ }(الروم: 54).
كم من أسر تزوج شبابها وبناتها ثم ينفرد كل واحد بمعيشته وينعزل الأبوان في كوخ متواضع او في زاويه من زوايا غرف البيت يذكرهما بماضيهما.
أما عن المعاملة فأترك المجال للشاعر أمية بن أبي الصلت يتكلم على لسان الأب الشيخ الضعيف الذي يشكو عقوق ولده بعد ان بلغ من الكبر عتياً فيقول:
غَذوَتُكَ مولوداً وَعُلتُكَ يافِعاً
تُعَلُّ بِما أُحنيَ عَلَيكَ وَتَنهلُ
إِذا لَيلَةٌ نابَتكَ بِالشَكو لَم أَبِت
لِشَكواكَ إِلّا ساهِراً أَتَمَلمَلُ
كَأَني أَنا المَطروقُ دونَكَ بِالَذي
طُرِقَت بِهِ دوني فَعَينايَ تَهمُلُ
تَخافُ الرَدى نَفسي عَلَيكَ وَإِنَني
لَأَعلَمُ أَنَ المَوتَ حَتمٌ مُؤَجَّلُ
فَلَمّا بَلَغَت السِّنَ وَالغايَةَ الَّتي
إِليها مَدى ما كُنتُ فيكَ أُؤَمِلُ
جَعَلتَ جَزائي غِلظَةً وَفَظاظَةً
كَأَنَكَ أَنتَ المُنعِمُ المُتَفَضِلُ
فَلَيتَكَ إِذ لَم تَرعَ حَقَّ أُبوَتي
فَعَلتَ كَما الجارُ المُجاورُ يَفعَلُ
فوافيتني حقَّ الجوارِ ولم تكن
عليَّ بمالي دونَ مالِك تَبخلُ
€ أما رسالتنا السابعه :
{ فهي إلى الأزواج }
يقول عليه الصلاه والسلام :
{ رفقاً بالقوارير }..
اتقوا الله في النساء، فالمرأة ضعيفة مخلوقة من ضلعٍ أعوج ..
ولكم هم اؤلئك الرجال الذين يعاملون الزوجات معاملة العبيد ناهيك عن الإهانة والسب والتقبيح وجميع صور الذل والهوان ..
ولقد كان صلى الله عليه وسلم مع زوجاته مثالاً أعلى في الرفق وحسن المعاملته لزوجاته،
يتخذ اللطف معهن سبيلاً، ويجعل الرفق بهن طريقاً ، ويرى الرأفة بهن دليلا،
مما يستحق أن يرفع شعاراً تحتج به المرأة على كمال حقوقها في الإسلام، وجمال العناية بها، وجلال الحرص على حفظها وصيانتها.
لا أن تنقلب على دينها، فترى حقوقها في تغيير شرع ربها، والتمرد على سنن نبيها،
الذي انتشلها من حالة الذل والوأد، إلى مرحلة السؤدد والمجد.
يقول صلى الله عليه وسلم كما ورد في صحيح سنن ابن ماجه :
"خَيْرُكُمْ، خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي".
وتقول عائشة رضي الله عنها كما روى مسلم -:
"مَا ضَرَبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلاَ امْرَأَةً، وَلاَ خَادِمًا، إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ الله. وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلاَّ أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ الله، فَيَنْتَقِمَ لِله - عَزَّ وَجَلَّ -".
بل تراه صلى الله عليه وسلم يعين زوجاته في أمور مهنتهن، ويقضي حوائجَ بيوتهن.
وقد سئلت عائشة رضي الله عنها في الحديث الذي رواه البخاري -:
" مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ فقالت: "كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ".
ومن جميل هذه الصور، ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه في الحديث الذي رواه مسلم :
"أَنَّ جَارًا لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَارِسِيًّا كَانَ طَيِّبَ الْمَرَقِ، فَصَنَعَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ جَاءَ يَدْعُوهُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "وَهَذِهِ؟" مشيراً إلى عائشة، فَقَالَ الفارسي: لاَ.
فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ".
فَعَادَ يَدْعُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "وَهَذِهِ؟". قَالَ: لاَ. قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ".
ثُمَّ عَادَ يَدْعُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "وَهَذِهِ؟". قَالَ: نَعَمْ فِي الثَّالِثَةِ.
فَقَامَا يَتَدَافَعَانِ حَتَّى أَتَيَا مَنْزِلَهُ".
أي لطف هذا؟ وأي رفق هذا؟ وأي اعتناء هذا؟
أي دين قبل الإسلام رفع من قيمة المرأة لهذه الدرجة ؟؟
وأية فلسفة مجدت المرأة بهذه الطريقة ؟؟
هل العيب إذاً في ديننا كما يريد أعداؤنا أن يقنعوا به بعض نسائنا !؟
أم إن العيب في جهلنا بديننا، وأنانية بعض الرجال منا، وتحريض البعض بيننا؟
يا دُرَّةً حُفِظَت بِالأَمْسِ غَالِيَةً
وَاليَوْمَ يَبْغُونَهَا لِلَّهْوِ وَالَّلعِبِ
يا حُرَّةً قَدْ أَرَادُوا جَعْلَهَا أَمَةً
غَرِيبَةَ اْلعَقْلِ لَكِنْ اِسمُهَا عَرَبيِ
هَلْ يَسْتَوِي مَنْ رَسُوْلُ اللهِ قَائِدَهُ
دَوْماً وَآخَرُ هَادِيهِ أَبُو لَهَبِ؟
فَلا تُبَالِي بِمَا يُلْقُونَ مِن شُبَهٍ
وَعِنْدَكِ اْلشَرْعُ إن تَدْعِيهِ يَسْتَجِبِ
ولا غرابة أن يكون من آخر وصايا النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم قولُه: "اتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ" ..
وقولُه في المتفق عليه:
"اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا" ..
€ رسالتنا الثامنه والاخيره :
{ إلى الأغنياء }
عليكم بالرفق بالمحتاجين والرأفه بالمساكين
وعليكم بتعهد الأرامل والفقراء والضعفاء والمعدمين
اعطوهم مما أعطاكم الله وكونوا عوناً لهم لسد حاجتهم وقضاء حوائجهم ..
فيأيها المسلمون:
ما أحوج البشرية إلى هذه المعاني الإسلامية السامية ..!
وما أشد افتقار الناس إلى التخلق بالرحمة التي تُضمّدُ جراحَ المنكوبين، والتي تواسي المستضعفين المغلوبين، ولا سيما في هذا العصر، الذي فقدت فيه الرحمة من أكثر الخلق،
فلا يسمع في هذا العصر لصرخات الأطفال،
ولا لأنين الثكلى، ولا لحنين الشيوخ، ولا لكلمة الضعفاء ..
فعليكم بالرفق واللين والرحمة بجميع فئات المجتمع، الآباء والصبيان والأرامل والعجزة والأجراء وغير ذلك مما ذكرنا، إننا إن فعلنا ذلك تحقق فينا قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في الحديث الذي رواه مسلم
“مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”..
- أسال الله جل وعلا أن يجعلنا جميعاً ممن يتحلون بالرفق في تعاملهم..
- اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرفُ عنا سيئها إلا أنت ياذا الجلال والإكرام ..
- اللهم من ولي من أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمة محمد شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه.
- اللهم أعز الإسلام والمسلمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين .
- اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين ، واخذل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الملة والدين .
- اللهم آمنا في أوطاننا . اللهم آمنا في أوطاننا ، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين .
- اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشد يُعزُّ فيه أهل الطاعة ويُهدَى فيه أهل المعصية ويُؤمَر فيه بالمعروف ويُنهَى فيه عن المنكر إنك على كل شيء قدير .
- اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا . وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا .
وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا .
واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر ، وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها ، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ..
- اللهم من أرادنا وأراد ديننا وديارنا وأمننا وأمتنا بسوء اللهم فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره تدميرا عليه يارب العالمين ..
اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم ..
- اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا
وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
- اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
- اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاًً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
- اللهم اجعلنا أحب عبادك إليك يا ذا الجلال والإكرام..
- اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا واغفر ربنا إنك رؤوف رحيم ..
- ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين .
- اللهم وفقنا للتوبة والإنابة وافتح لنا أبواب القبول والإجابة .
- اللهم تقبل طاعاتنا ودعاءنا وصالح أعمالنا ،
وكفر عنا سيئاتنا وتب علينا ، واغفر لنا وارحمنا إنك أنت أرحم الراحمين .
- ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: ((إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا ))
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى
آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
---------------------------------------
للتواصل والاستفسار :
جوال ( 00967777151620 )
----------------------------------------
اللهم اجعلها صدقهً جاريهً لي ولوالديّ
كماهي لوالدتي المرحومه..
وأنفعِ اللهم بها عبادك المسلمين اجمعين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
-----------------------------------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق