خطبه بعنوان
يوم عرفه
تعديل واضافه وإلقاء/
الاستاذ/ احمد عبدالله صالح
خطيب مسجد بلال بن رباح-
الجمهوريه اليمنيه - محافظه إب.
أما بعد:
غداً عرفة، غداً عرفات،
غداً يقف الحجيج بصعيد عرفات، يقفون شُعْثاً غُبْراً ضاحين، يلبُّون، يستغفرون، يهلِّلون، يكبِّرون، يدعون، يبكون، يبتهلون:
رَفَعُوا الأكُفَّ وَأَرْسَلوُا الدَّعَوَاتِ
وَتَجَرَّدُوا لِلَّهِ فِي عَرَفَاتِ
شُعْثَاً تُجَلِّلُهُمْ سَحَائِبُ رَحْمَةٍ
غُبْرَاً يَفِيضُ النُّورُ فِي القَسَمَاتِ
وَكَأنَّ أجْنِحَةَ المَلائِكِ عَانَقَتْ
أَرْوَاحَهُمْ بِالبِرِّ والطَّاعاتِ
فَتَنَزَّلَتْ بَيْنَ الضُّلُوعِ سَكِينَةٌ
عَلَويَّةٌ مَوْصُولةُ النَّفَحَاتِ
وَتَصَاعَدَتْ أنْفَاسُهُمْ مَشْبُوبةٌ
وَجْدَاً يَسِيلُ بِوَاكِفِ العبَرَاتِ
هَذِي ضُيُوفُكَ يَا إلهي تَبْتَغِي
عَفْوَاً وَتَرْجُو سَابِغَ البَرَكَاتِ
غصَّتْ بِهِمْ في حِلِّهِمْ وَرَحِيلِهِمْ
رُحْبُ الوِهَادِ وواسعُ الفَلَوَاتِ
تَرَكُوا وراءَ ظُهُورِهم دُنْيا الوَرَى
وأتَوْكَ في شَوْقٍ وفِي إِخْبَاتِ
وَفَدُوا إلى أبْوابِ جُودِكَ خُشَّعَاً
وَتَزَاحَمُوا في مَهْبِطِ الرَّحَمَاتِ
فاقْبَلْ إلهَ العَرْشِ كُلَّ ضَرَاعَةٍ
وامْحُ الذُّنُوبَ وكفِّر الزَّلَّاتِ
غداً عرفات يأيها الأحبة
غداً يباهي الله بنا ملائكته:
"يا ملائكتي، انظروا لعبادي، أتوني شعثاً غبراً ضاحين، أشهدكم أني قد غفرت لهم"!
"يا ملائكتي، انظروا لعبادي، أتوني شعثاً غبراً ضاحين، أشهدكم أني قد غفرت لهم".
أيها الأحبة المؤمنون:
غداً عرفات،
غداً ينكشف الغطاء، وتنفتح أبواب السماء، فيتوجه الحجاج إلى الله بقلوب انزاحت عنها ظلمة الأهواء والشهوات.
وأشرقت عليها الأنوار، فسمت حتى رأت الأرض ومَن عليها ذرة صغيرة تحملها رياح القدرة،
ثم سمت حتى سمعت تسبيح الملائكة بألسنة الطاعة.
ثم سمت حتى تدبرت القرآن غضاً طرياً،
كأنما نزل به الوحي أمس، وسمعت النداء من جانب القدس:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات:13].
فأجابت: لبيك اللهم لبيك! وردَّدَت بطاح عرفات، وأرجاء الحرم، ورددت السماوات السبع والأرضون: لبيك اللهم لبيك!.
غداً تتنفس الإنسانية التي خنقها دخان البارود، وعلامات الحدود، وسيد ومسود، وعبد ومسيود، وتحيا في عرفات حيث لا كبير ولا صغير،
ولا عظيم ولا حقير، ولا مأمور ولا أمير ، ولا غني ولا فقير.
غداً -أيها الأعزاءُ-
تَتَحقَّقُ المثُل العليا التي لم يعرفها الغرب
إلا في أدمغة الفلاسفة وبطون الأسفار،
فتزول الشرور، وترتفع الأحقاد،
وتعم المساواة، ويسود السلام،
ويجتمع الناس على اختلاف ألسنتهم وألوانهم في صعيد واحد،
لباسهم واحد، يتوجهون إلى رب واحد،
ويؤمنون بنبي واحد، ويدينون بدين واحد، ويصيحون بلسان واحد: لبيك اللهم لبيك!.
في هذه المواقف المشرفة، والبقاع المطهرة، والأزمنة المباركة!!
- كم فيها اليوم من ضارع منكسر؟!
- كم فيها من حزين أسيف؟!
- كم فيها من نائحٍ على ذنوبه، باكٍ على عيوبه؟!
- كم فيها من رجل بادر الله بالتوبة فبادره بالغفران؟!
وخط بدموعه كتاب رجوعه، فحط عنه وزر العصيان؟!
ليت شعري، كم ينصرف من هذا الموقف من رجال ما عليهم من الأوزار مثقال ذرة!
قد ملأت قلوبهم الأفراح وعلت وجوههم المسرة!!
أواقـع ما أرى أم خانني البصر
أم هذه من رؤى أحلامنا صور
هذي الجموع يهز الشوق همتها
إلـى الـجنان وخلد ثم ينتظر
فهل سمعت بكاهم يوم وقفتهم
وهل رأيت دموع الشوق تبتدر
وهل سمعـت أنين المذنبين على
ماضٍ تضـج به الآثام تستعر
ايها الكرام
غداً :-
تظهر المعجزة الباقية، فتطوى الأرض ثم تؤخذ من أطرافها، حتى توضع كلها في عرفات.
غداً تلتقي شطآن إفريقيا بسواحل آسيا.
ومدن أوروبا بأكواخ السودان.
ونهر الكنج بنهر النيل.
وجبال طوروس بجبال البلوز.
فيعرف المسلم أن وطنه أوسع من أن تحده على الأرض جبال أو مجار.
أو تفرقه في السياسة خرق تتميز عن خرق، وأعلام تختلف عن أعلام.
لأن وطن المسلم في القرآن،
لا في التراب ولا الحجار..
ولا في البحيرات ولا في الأنهار..
ولا في الجبال ولا في البحار..
غداً يرتفع شعار:
(إِنَّما المؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:10].
غداً أيها المؤمنون:
يتفقد الإخوة إخوتهم:-
فيعين القوي الضعيف..
ويعطي الغني الفقير..
ويساعد العزيز الذليل، فلا ينصرفون من الحج
إلا وهم أقوياء أغنياء أعزاء.
غداً في عرفات الله:
يذكر المسلم كيف مر سيد العالم -
صلى الله عليه وسلم-
بهذه البطاح مهاجراً إلى الله،
تاركاً بلده التي نشأ فيها،
وقومه الذين ربي فيهم،
وكيف جاء -بأبي هو وأمي ونفسي وأولادي!-
جاء حتى وقف على الحزورة فنظر إلى مكة وقال: "إنك لَأحَب بلاد الله إلى الله، وإنك لأحب بلاد الله إليَّ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت"؛
فيستقبل تلك الصحراء الهائلة،
وليس معه إلا الصدِّيق الأمين،
يتلفت كلما سار ليتزود بنظرة من مكة حتى
غابت عن الأنظار ، فانطلقا يؤمان الغار.
هل علمَتْ تلك البطاح أن هذا الرجل الفرد سيقف وحده في وجه العالم كله..
يصرع باطله بقوة الحق، ويواجهه بنور الإسلام، ويهدي ضلالته بهدي القرآن؟
خرج من مكة مستخفياً، وسيعود إليها بعشرة آلاف من الأبطال، فتفتح له مكة أبوابها.
وتتهاوى عند قديمه أسيادها، تعنو له الجزيرة،
ثم يخضع لدينه نصف المعمورة؟.
هل علِمَتْ تلك البطاح أن هؤلاء النفر الذين هربوا من جبروت قريش وسلطانها:-
< سيُعِزون حتى تدين لهم قريش.
< ثم يُعزون حتى يرثوا كسرى وقيصر في أرضيهما.
< ثم يٰعزون حتى يرثوا الأرض ومَن عليها. <وسيكثرون حتى يبلغوا ألفاً وأربعمائة مليون، <وسيتفرقون في الأرض داعين مجاهدين فاتحين، ثم يجتمعون في عرفات حاجِّين منيبين ملبين:
( لبيك اللهم لبيك !..)
غداً في عرفات الله يا احبابي الكرام:
يذكر المسلم كيف وقف سيد العالم -
صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع،
يعلن حقوق الإنسان، ويقرر مبادئ السلام، وينشر الأخوة، والعدالة، والمساواة بين الناس،
قبل أن تنشرها فرنسا بألف عام.
يقول أيها الناس:
اسمعوا مني أبين لكم، فإني لا أدري لعلي
لا ألقاكم بعد عامي، هذا في موقفي هذا.
:: أيها الناس:
إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا.
ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد!.
:: أيها الناس:
إنما المؤمنون اخوة، لا يحل لامرئ مال أخيه إلا عن طيب نفس منه
ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد!.
:: أيها الناس:
إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على عجمي إلا بالتقوى. ألا هل بلغت؟
اللهم اشهد!.
نعم/
غداً في عرفات الله:-
يذكر المسلم كيف وقف سيد العالم -
صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع،
يعلن انتهاء الرسالة الكبرى التي بعثه الله بها إلى الناس كافة، ويتلو قول المولى جل جلاله: (اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينَاً) [المائدة:3].
ويبعث صحابته ليحملوا هذه الرسالة إلى آخر الأرض، ثم يحملوها إلى آخر الزمان.
غداً في عرفات أيها الأحبة:
تتجلى عظمة الإسلام، دين الحرية والمساواة والعلم والحضارة.
ومن عرفات يسمع المسلمون داعي الله يدعو:
حي على الصلاة! حي على الفلاح!
فيجيبون:
لبيك اللهم لبيك!
وينطلقون ليعملوا للآخرة كأنهم يموتون غداً، ويعملوا للدنيا كأنهم يعيشون أبداً.
فلْتَفْسَد الأرض، ولْتَطْغَ الشرور
وليعصف الحديد، ولينفجر البارود.
ولتغص الإنسانية في حمأة الرذيلة إلى العنق.
نعم/
فليتجبر المتجبرون، وليطغى الطاغون.
وليظلم الظالمون، وليخنع الخانعون.
فإنه لا خوف على الفضيلة، ولا على الحق،
ولا على السلام، ما دام في الأرض عرفات"
ما دام في الأرض "عرفات".
وما دام في الجو هذا الصوت القدسي المجلجل: "لبيك اللهم لبيك!"
فأفيقي يا أمة الإسلام، أفيقي فقد طال سباتك، أفيقي فقد طال رقادك.
أُمَّتِي هَلْ لَكِ بَيْنَ الأُمَمِ
مِنْبَرٌ للسَّيْفِ أَوْ لِلْقَلَمِ
أتَلَقَّاكِ وَطَرفِي مُطْرِقٌ
خَجَلاً مِن أمْسِكِ المنصَرِم
أُمَّتِي كم غُصَّةٍ دَامِيَةٍ
خَنَقَتْ نَجْوَى عُلاكِ فِي فَمِي
أَلِإسْرائيلَ تعلُو رايةٌ
فِي حِمَى المهْدِ وَظِلِّ الحَرَمِ؟
كَيْفَ أَغْضَيْتِ عَلى الذُّلِّ وَلَمْ
تَنْفُضِي عَنْكِ غُبَارَ التُّهَمِ؟
أَوَمَا كُنْتِ إِذَا البَغْيُ اعْتَدَى
مَوجَةً مِن لَهَبٍ أَو مِن دَمِ؟
اسمَعِي نَوْحَ الحَزَانَى واطْرَبِي
وانْظُرِي حُزْنَ اليَتَامَى وابْسمِي
وَدَعِي القادةَ فِي أهْوائِها
تَتَفَانَى فِي خَسِيسِ المغْنَمِ
رُبَّ وَامُعْتَصِمَاهُ انْطَلَقَتْ
مِلْءَ أفْواهِ الصَّبَايَا اليُتَّمِ
لامَسَتْ أَسْمَاعَهُمْ لكِنَّهَا
لَمْ تُلَامِسْ نَخْوَةَ المعْتَصِمِ
أُمَّتِي كَمْ صَنَمٍ مَجَّدْتِهِ
لم يَكُنْ يَحْمِلُ طُهْرَ الصَّنَمِ
لا يُلامُ الذِّئبُ فِي عُدْوَانِهِ
إنْ يكُ الرَّاعِي عَدُوَّ الغَنَمِ
فاحْبِسِي الشَّكْوَى فَلَوْلَاكِ لَمَا
كَانَ فِي الحُكْمِ عَبيدُ الدِّرْهَمِ
-
اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم....
الخطبه الثانيه
ثم امابعد
ايها الكرام
عرفة...وما ادراكم ماعرفات؟؟
ما أعظمه من يوم ..
وما أشرَفَ وأطيب ساعاته.
انه موسمٌ من مواسم الإيمان.
له في القلب لوعة وشان .
ما أشرَقَت الشَّمس في دهرها على يومٍ خير منه .
ولذلكم:-
- من فاته في هذا العام القيام بعرفة فليقم لله
بالحق الذي عرفه.
- ومن عجز عن المبيت بمزدلفة فليبيِّت عزمه على طاعة الله الذي قربه وأزلفه.
- ومن لم يقدر على نحر هديه بمنى، فليذبح هواه هنا.
- ومن لم يصل إلى البيت العتيد، فليقصد رب البيت، فإنه أقرب إلى من دعاه ورجاه من حبل الوريد.
أيها المسلمون:
يا من أنتم خارج عرفة:
اعلموا أن بركات عرفه تصلكم..
ونفع عرفه يعم عليكم..
فما أنتم عاملون؟
وكيف أتعَّبد الله في يوم عرفه وأنا خارج عرفة؟
أيها المسلمون:
هذا اليوم المبارك، يوم عرفة، نقوم فيه بعملين صالحين يحبهما الله -تعالى-، وشرعهما لنا رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ودعانا أن نفعلهما يوم عرفة، وأن نتعبد الله بهما:
العمل الأول:
( هو أن نصوم يوم عرفة)
شرع لك نبيك -صلى الله عليه وسلم- صيام يوم عرفة، وأعظَمَ الله الأجر لعباده الصائمين فيه.
فلئن كان الحجاج يقفون في صعيد عرفات يُلبّون ويَدْعون.
فإن الله قد أكرم عباده الذين لا يقفون في أرض عرفات ولم يكتب لهم الحج، أكرمهم بمضاعف الأجر وتكفير الذنب، فنفعهم ببركات هذا اليوم فضلا منه سبحانه، قال صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده".
العمل الصالح الثاني:
( هو أن ندعو يوم عرفة )
وأن نذكر ذِكْر الموحدين فيه، نعم،
هذا اليوم المبارك، يوم عرفة هو يوم الدعاء،
قال صلى الله عليه وسلم:
"خير الدعاء دعاء يوم عرفة".
قال المباركفوري: قوله: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة": "لأنه أجزل إثابة، وأعجل إجابة"
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاه عليه..
_____________________________
-----------------------------------
اللهم اجعلها صدقهً جاريهً لي ولوالدتي المرحومه..
وأنفع بها عبادك المسلمين اجمعين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
------------------------------------
يوم عرفه
تعديل واضافه وإلقاء/
الاستاذ/ احمد عبدالله صالح
خطيب مسجد بلال بن رباح-
الجمهوريه اليمنيه - محافظه إب.
أما بعد:
غداً عرفة، غداً عرفات،
غداً يقف الحجيج بصعيد عرفات، يقفون شُعْثاً غُبْراً ضاحين، يلبُّون، يستغفرون، يهلِّلون، يكبِّرون، يدعون، يبكون، يبتهلون:
رَفَعُوا الأكُفَّ وَأَرْسَلوُا الدَّعَوَاتِ
وَتَجَرَّدُوا لِلَّهِ فِي عَرَفَاتِ
شُعْثَاً تُجَلِّلُهُمْ سَحَائِبُ رَحْمَةٍ
غُبْرَاً يَفِيضُ النُّورُ فِي القَسَمَاتِ
وَكَأنَّ أجْنِحَةَ المَلائِكِ عَانَقَتْ
أَرْوَاحَهُمْ بِالبِرِّ والطَّاعاتِ
فَتَنَزَّلَتْ بَيْنَ الضُّلُوعِ سَكِينَةٌ
عَلَويَّةٌ مَوْصُولةُ النَّفَحَاتِ
وَتَصَاعَدَتْ أنْفَاسُهُمْ مَشْبُوبةٌ
وَجْدَاً يَسِيلُ بِوَاكِفِ العبَرَاتِ
هَذِي ضُيُوفُكَ يَا إلهي تَبْتَغِي
عَفْوَاً وَتَرْجُو سَابِغَ البَرَكَاتِ
غصَّتْ بِهِمْ في حِلِّهِمْ وَرَحِيلِهِمْ
رُحْبُ الوِهَادِ وواسعُ الفَلَوَاتِ
تَرَكُوا وراءَ ظُهُورِهم دُنْيا الوَرَى
وأتَوْكَ في شَوْقٍ وفِي إِخْبَاتِ
وَفَدُوا إلى أبْوابِ جُودِكَ خُشَّعَاً
وَتَزَاحَمُوا في مَهْبِطِ الرَّحَمَاتِ
فاقْبَلْ إلهَ العَرْشِ كُلَّ ضَرَاعَةٍ
وامْحُ الذُّنُوبَ وكفِّر الزَّلَّاتِ
غداً عرفات يأيها الأحبة
غداً يباهي الله بنا ملائكته:
"يا ملائكتي، انظروا لعبادي، أتوني شعثاً غبراً ضاحين، أشهدكم أني قد غفرت لهم"!
"يا ملائكتي، انظروا لعبادي، أتوني شعثاً غبراً ضاحين، أشهدكم أني قد غفرت لهم".
أيها الأحبة المؤمنون:
غداً عرفات،
غداً ينكشف الغطاء، وتنفتح أبواب السماء، فيتوجه الحجاج إلى الله بقلوب انزاحت عنها ظلمة الأهواء والشهوات.
وأشرقت عليها الأنوار، فسمت حتى رأت الأرض ومَن عليها ذرة صغيرة تحملها رياح القدرة،
ثم سمت حتى سمعت تسبيح الملائكة بألسنة الطاعة.
ثم سمت حتى تدبرت القرآن غضاً طرياً،
كأنما نزل به الوحي أمس، وسمعت النداء من جانب القدس:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات:13].
فأجابت: لبيك اللهم لبيك! وردَّدَت بطاح عرفات، وأرجاء الحرم، ورددت السماوات السبع والأرضون: لبيك اللهم لبيك!.
غداً تتنفس الإنسانية التي خنقها دخان البارود، وعلامات الحدود، وسيد ومسود، وعبد ومسيود، وتحيا في عرفات حيث لا كبير ولا صغير،
ولا عظيم ولا حقير، ولا مأمور ولا أمير ، ولا غني ولا فقير.
غداً -أيها الأعزاءُ-
تَتَحقَّقُ المثُل العليا التي لم يعرفها الغرب
إلا في أدمغة الفلاسفة وبطون الأسفار،
فتزول الشرور، وترتفع الأحقاد،
وتعم المساواة، ويسود السلام،
ويجتمع الناس على اختلاف ألسنتهم وألوانهم في صعيد واحد،
لباسهم واحد، يتوجهون إلى رب واحد،
ويؤمنون بنبي واحد، ويدينون بدين واحد، ويصيحون بلسان واحد: لبيك اللهم لبيك!.
في هذه المواقف المشرفة، والبقاع المطهرة، والأزمنة المباركة!!
- كم فيها اليوم من ضارع منكسر؟!
- كم فيها من حزين أسيف؟!
- كم فيها من نائحٍ على ذنوبه، باكٍ على عيوبه؟!
- كم فيها من رجل بادر الله بالتوبة فبادره بالغفران؟!
وخط بدموعه كتاب رجوعه، فحط عنه وزر العصيان؟!
ليت شعري، كم ينصرف من هذا الموقف من رجال ما عليهم من الأوزار مثقال ذرة!
قد ملأت قلوبهم الأفراح وعلت وجوههم المسرة!!
أواقـع ما أرى أم خانني البصر
أم هذه من رؤى أحلامنا صور
هذي الجموع يهز الشوق همتها
إلـى الـجنان وخلد ثم ينتظر
فهل سمعت بكاهم يوم وقفتهم
وهل رأيت دموع الشوق تبتدر
وهل سمعـت أنين المذنبين على
ماضٍ تضـج به الآثام تستعر
ايها الكرام
غداً :-
تظهر المعجزة الباقية، فتطوى الأرض ثم تؤخذ من أطرافها، حتى توضع كلها في عرفات.
غداً تلتقي شطآن إفريقيا بسواحل آسيا.
ومدن أوروبا بأكواخ السودان.
ونهر الكنج بنهر النيل.
وجبال طوروس بجبال البلوز.
فيعرف المسلم أن وطنه أوسع من أن تحده على الأرض جبال أو مجار.
أو تفرقه في السياسة خرق تتميز عن خرق، وأعلام تختلف عن أعلام.
لأن وطن المسلم في القرآن،
لا في التراب ولا الحجار..
ولا في البحيرات ولا في الأنهار..
ولا في الجبال ولا في البحار..
غداً يرتفع شعار:
(إِنَّما المؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:10].
غداً أيها المؤمنون:
يتفقد الإخوة إخوتهم:-
فيعين القوي الضعيف..
ويعطي الغني الفقير..
ويساعد العزيز الذليل، فلا ينصرفون من الحج
إلا وهم أقوياء أغنياء أعزاء.
غداً في عرفات الله:
يذكر المسلم كيف مر سيد العالم -
صلى الله عليه وسلم-
بهذه البطاح مهاجراً إلى الله،
تاركاً بلده التي نشأ فيها،
وقومه الذين ربي فيهم،
وكيف جاء -بأبي هو وأمي ونفسي وأولادي!-
جاء حتى وقف على الحزورة فنظر إلى مكة وقال: "إنك لَأحَب بلاد الله إلى الله، وإنك لأحب بلاد الله إليَّ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت"؛
فيستقبل تلك الصحراء الهائلة،
وليس معه إلا الصدِّيق الأمين،
يتلفت كلما سار ليتزود بنظرة من مكة حتى
غابت عن الأنظار ، فانطلقا يؤمان الغار.
هل علمَتْ تلك البطاح أن هذا الرجل الفرد سيقف وحده في وجه العالم كله..
يصرع باطله بقوة الحق، ويواجهه بنور الإسلام، ويهدي ضلالته بهدي القرآن؟
خرج من مكة مستخفياً، وسيعود إليها بعشرة آلاف من الأبطال، فتفتح له مكة أبوابها.
وتتهاوى عند قديمه أسيادها، تعنو له الجزيرة،
ثم يخضع لدينه نصف المعمورة؟.
هل علِمَتْ تلك البطاح أن هؤلاء النفر الذين هربوا من جبروت قريش وسلطانها:-
< سيُعِزون حتى تدين لهم قريش.
< ثم يُعزون حتى يرثوا كسرى وقيصر في أرضيهما.
< ثم يٰعزون حتى يرثوا الأرض ومَن عليها. <وسيكثرون حتى يبلغوا ألفاً وأربعمائة مليون، <وسيتفرقون في الأرض داعين مجاهدين فاتحين، ثم يجتمعون في عرفات حاجِّين منيبين ملبين:
( لبيك اللهم لبيك !..)
غداً في عرفات الله يا احبابي الكرام:
يذكر المسلم كيف وقف سيد العالم -
صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع،
يعلن حقوق الإنسان، ويقرر مبادئ السلام، وينشر الأخوة، والعدالة، والمساواة بين الناس،
قبل أن تنشرها فرنسا بألف عام.
يقول أيها الناس:
اسمعوا مني أبين لكم، فإني لا أدري لعلي
لا ألقاكم بعد عامي، هذا في موقفي هذا.
:: أيها الناس:
إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا.
ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد!.
:: أيها الناس:
إنما المؤمنون اخوة، لا يحل لامرئ مال أخيه إلا عن طيب نفس منه
ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد!.
:: أيها الناس:
إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على عجمي إلا بالتقوى. ألا هل بلغت؟
اللهم اشهد!.
نعم/
غداً في عرفات الله:-
يذكر المسلم كيف وقف سيد العالم -
صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع،
يعلن انتهاء الرسالة الكبرى التي بعثه الله بها إلى الناس كافة، ويتلو قول المولى جل جلاله: (اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينَاً) [المائدة:3].
ويبعث صحابته ليحملوا هذه الرسالة إلى آخر الأرض، ثم يحملوها إلى آخر الزمان.
غداً في عرفات أيها الأحبة:
تتجلى عظمة الإسلام، دين الحرية والمساواة والعلم والحضارة.
ومن عرفات يسمع المسلمون داعي الله يدعو:
حي على الصلاة! حي على الفلاح!
فيجيبون:
لبيك اللهم لبيك!
وينطلقون ليعملوا للآخرة كأنهم يموتون غداً، ويعملوا للدنيا كأنهم يعيشون أبداً.
فلْتَفْسَد الأرض، ولْتَطْغَ الشرور
وليعصف الحديد، ولينفجر البارود.
ولتغص الإنسانية في حمأة الرذيلة إلى العنق.
نعم/
فليتجبر المتجبرون، وليطغى الطاغون.
وليظلم الظالمون، وليخنع الخانعون.
فإنه لا خوف على الفضيلة، ولا على الحق،
ولا على السلام، ما دام في الأرض عرفات"
ما دام في الأرض "عرفات".
وما دام في الجو هذا الصوت القدسي المجلجل: "لبيك اللهم لبيك!"
فأفيقي يا أمة الإسلام، أفيقي فقد طال سباتك، أفيقي فقد طال رقادك.
أُمَّتِي هَلْ لَكِ بَيْنَ الأُمَمِ
مِنْبَرٌ للسَّيْفِ أَوْ لِلْقَلَمِ
أتَلَقَّاكِ وَطَرفِي مُطْرِقٌ
خَجَلاً مِن أمْسِكِ المنصَرِم
أُمَّتِي كم غُصَّةٍ دَامِيَةٍ
خَنَقَتْ نَجْوَى عُلاكِ فِي فَمِي
أَلِإسْرائيلَ تعلُو رايةٌ
فِي حِمَى المهْدِ وَظِلِّ الحَرَمِ؟
كَيْفَ أَغْضَيْتِ عَلى الذُّلِّ وَلَمْ
تَنْفُضِي عَنْكِ غُبَارَ التُّهَمِ؟
أَوَمَا كُنْتِ إِذَا البَغْيُ اعْتَدَى
مَوجَةً مِن لَهَبٍ أَو مِن دَمِ؟
اسمَعِي نَوْحَ الحَزَانَى واطْرَبِي
وانْظُرِي حُزْنَ اليَتَامَى وابْسمِي
وَدَعِي القادةَ فِي أهْوائِها
تَتَفَانَى فِي خَسِيسِ المغْنَمِ
رُبَّ وَامُعْتَصِمَاهُ انْطَلَقَتْ
مِلْءَ أفْواهِ الصَّبَايَا اليُتَّمِ
لامَسَتْ أَسْمَاعَهُمْ لكِنَّهَا
لَمْ تُلَامِسْ نَخْوَةَ المعْتَصِمِ
أُمَّتِي كَمْ صَنَمٍ مَجَّدْتِهِ
لم يَكُنْ يَحْمِلُ طُهْرَ الصَّنَمِ
لا يُلامُ الذِّئبُ فِي عُدْوَانِهِ
إنْ يكُ الرَّاعِي عَدُوَّ الغَنَمِ
فاحْبِسِي الشَّكْوَى فَلَوْلَاكِ لَمَا
كَانَ فِي الحُكْمِ عَبيدُ الدِّرْهَمِ
-
اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم....
الخطبه الثانيه
ثم امابعد
ايها الكرام
عرفة...وما ادراكم ماعرفات؟؟
ما أعظمه من يوم ..
وما أشرَفَ وأطيب ساعاته.
انه موسمٌ من مواسم الإيمان.
له في القلب لوعة وشان .
ما أشرَقَت الشَّمس في دهرها على يومٍ خير منه .
ولذلكم:-
- من فاته في هذا العام القيام بعرفة فليقم لله
بالحق الذي عرفه.
- ومن عجز عن المبيت بمزدلفة فليبيِّت عزمه على طاعة الله الذي قربه وأزلفه.
- ومن لم يقدر على نحر هديه بمنى، فليذبح هواه هنا.
- ومن لم يصل إلى البيت العتيد، فليقصد رب البيت، فإنه أقرب إلى من دعاه ورجاه من حبل الوريد.
أيها المسلمون:
يا من أنتم خارج عرفة:
اعلموا أن بركات عرفه تصلكم..
ونفع عرفه يعم عليكم..
فما أنتم عاملون؟
وكيف أتعَّبد الله في يوم عرفه وأنا خارج عرفة؟
أيها المسلمون:
هذا اليوم المبارك، يوم عرفة، نقوم فيه بعملين صالحين يحبهما الله -تعالى-، وشرعهما لنا رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ودعانا أن نفعلهما يوم عرفة، وأن نتعبد الله بهما:
العمل الأول:
( هو أن نصوم يوم عرفة)
شرع لك نبيك -صلى الله عليه وسلم- صيام يوم عرفة، وأعظَمَ الله الأجر لعباده الصائمين فيه.
فلئن كان الحجاج يقفون في صعيد عرفات يُلبّون ويَدْعون.
فإن الله قد أكرم عباده الذين لا يقفون في أرض عرفات ولم يكتب لهم الحج، أكرمهم بمضاعف الأجر وتكفير الذنب، فنفعهم ببركات هذا اليوم فضلا منه سبحانه، قال صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده".
العمل الصالح الثاني:
( هو أن ندعو يوم عرفة )
وأن نذكر ذِكْر الموحدين فيه، نعم،
هذا اليوم المبارك، يوم عرفة هو يوم الدعاء،
قال صلى الله عليه وسلم:
"خير الدعاء دعاء يوم عرفة".
قال المباركفوري: قوله: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة": "لأنه أجزل إثابة، وأعجل إجابة"
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاه عليه..
_____________________________
-----------------------------------
اللهم اجعلها صدقهً جاريهً لي ولوالدتي المرحومه..
وأنفع بها عبادك المسلمين اجمعين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
------------------------------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق