🎤
خطبــة جمعـــة بعنـــوان
[ أحبُّ الاعمال الى الله .. بِرُّ الوالدين ] ( ٢ )
السلسله الثانيه لأحب الاعمال الى الله
الخطبه {{ 17 }}
إعداد وتنظيم وإلقاء :
الاستاذ/ احمد عبدالله صالح
خطيب مسجد بلال بن رباح/
الجمهوريه اليمنيه - محافظة إب .
ألقيت في 19 أكتوبر 2018 م
الموافق 3 صفر 1440هـ
أما بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ
ايها الأحباب الكرام :
تحدثنا في جمعةٍ سبقت حول عمل من احب الاعمال الى الله عزوجل وعن عبادةٍ فاضلةٍ كريمه قرن الله عزوجل عبادته بها ...
ورد ذلك في الحديث الذي في الصحيحين من حديث أَبِيْ عَبْدِ الرَّحْمٰنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُوْدٍ رضي الله عنه قَالَ : سَأَلْتُ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم : أَيُّ اْلأَعْمَالِ أَحَبُّ إَلىَ اللهِ تَعَالىٰ ؟
قَالَ {الصَّلاَةُ عَلىٰ وَقْتِهَا ))
قلت : ثُمَّ أَي ؟
فقَالَ عليه الصلاة والسلام : بِرُّ اْلوَالِدَيْنِ )
( انها بِرُّ الوالدين )
وفضلُ الوالدين كبيرٌ، وإحسانُهما سابقٌ عظيمٌ، تذكَّرْ رعايتَهُما لك حالَ الصِّغَرِ، وضَعفِ الطفولةِ.
فقد حملتْك أُمُّك يا عبدَ اللهِ في أحشائِها تسعةَ أشْهُرٍ، وهناً على وهنٍ، حملتك كُرْهاً ووضعتك كُرْهاً.
وعند الوضع رأت الموت بعينها ولكن لما رأتك بجانبها زالت آلامها، وعلّقت فيك جميعَ آمالها.
رأت فيك البهجة والسعادة والحياة ، ثم شُغلت بخدمتك ليلها ونهارها،.
تُغذيك بصحتها .طعامك لبنُها. وبيتك حِجرُها. ومركبك يداها وصدرها وظهرها تُحيطك وترعاك .
تجوعُ هي لتشبع أنت . وتسهر الليل لتنام أنت.
فهي بك رحيمة، وعليك شفيقة.
إذا غابت عنك دَعوتَها، وإذا أعرضت عنك ناجيتها، وإذا أصابك مكروه استغثت بها .
تحسب كل الخير عندها، وتظن أن الشر لا يصل إليك إذا ضمتك إلى صدرها أو لحظتك بعينها..
وحيا من قال عنها :
لأمك حق لو علمت كبـــير
كثيرك يا هذا لديه يســيرُ
فكم ليلة باتت بثقلك تشتــكي
لها من جواها أنّة وزفيــرُ
وفي الوضع لو تدري عليها
مشقة فمن غصص منها الفؤاد يطير
وكم غسلت عنك اللأذى بيمينها
وما حجرها إلا لديك سرير
وتفديك مما تشتكيه بنفسهــا
ومن ثديها شرب لديك نمير
وكم مرة جاعت وأعطتك قوتها
حنواً وإشفاقاً وأنت صغير
فآهٍ لذي عقل ويتبع الهــوى
وآهٍ لأعمى القلب وهو بصير
فدونك فارغب في عميم دعائها
فأنت لما تدعو إليه فقــير
فهذه هي حالُ أمِّك.
- اما ابوك فإن كنت ناسياً فلا تنس انشغالَه بك وبصلاحِك ومستقبلِك وهمومِك.
- أما أبوك فتذكَّر كَدَّه وسعيَه وتنقُّلَه وسفرَه، وتحمُّلَه الأخطار والأكدار بحثاً عن كل ما تصلح به معيشتُك..
- اما ابوك فهو الذي يسعى من أجلك، ويدفع عنك صنوفَ الأذى، ينتقل في الأسفار. ويَتَحمْلُ الأخطار بحثاً عن لقمة العيش، لينفق عليك ويصلحك ويربيك.
إذا دخلت عليه هش. وإذا أقبلت إليه بش،
وإذا خرج تعلقت به، وإذا حضر احتضنك..
ومن الإجحاف ان يبادل الولد احسان والده له بالإساءة إليه ..
كحال أحد الآباء حين قال معبراً في عتاب ولده :
غذوتك مولوداً وعلتك يافعـاً
تعلُ بما أحنو عليك وتنهل
إذا ليلةٌ ضافتك بالسقمِ
لم أبَتْ لسقمكَ إلا ساهراً أتململ
كأنّي أنا المطروقُ دونَكَ بالذي
طُرقت به دوني فعيناي تهمل
تخافُ الردى نفسي عليك
وإنني لأعلم أن الموتَ وقتٌ مؤجل
فلما بلغت السنَ والغايةِ
التـي إليها مدى ما كنتَ فيك أؤمل
جعلت جزائي فظـاظةً وغلظةً
كأنّك أنت المنعمُ المتفضل
فليتك إذ لم ترعَ حق أبـوتي
فعلت كما الجارُ المجاورُ يفعل
فأَوْلَيْتَني حقَّ الجُوارِ ولم تكنْ
عليَّ بمالي دونَ مالِك تبخلُ
فهذان هما والداك، وتلك هي طفولتك وصباك،
فلماذا التنكر للجميل؟ وعلام الفظاظة والغلظة ؟
ولأجلِ ماذا العقوق والعصيان والقطيعه والهجران والتضايق والحرمان لهما وأنت كبير ؟
أفلا يستحِقَّان منك البرَّ والإحسانَ والعطفَ والحنانَ؟!
بلى، والله إن ذلك لمن أعظمِ الحقوقِ.
احبابي الكرام روّاد مسجد بلال بن رباح :
لبرّ الوالدين ثمرات كثيرة يجنيها البار لوالديه في عاجل الامر وآجله في الدنيا والاخره ولعلى سأقف معكم مع بعض هذه الثمار ...
فمن ثمار بر الوالدين الاخرويه والآجله أن البار بوالديه يكسب رضا الله تعالى وهو ما نسعى إليه دائمًا.
كمايحظى البار بوالديه بمنزلة عظيمة فيكون في رفقة الأنبياء والشهداء.
ومن الثمار الاخرويه والآجله لبر الوالدين :
= قبول الأعمال ودخول الجنة :
ففي سورة الأحقاف آيات تحدثت عن صنف من الناس عرف حق الله تعالى عليه فشكره، وعرف حق والديه فأحسن إليهما وأطاع أمرهما، واجتهد في برهما، وعرف حق ذريته فأحسن تربيتها ودعا لها بلإصلاح والتوفيق، وسأل الله تعالى التوبة والمغفرة، فتقبل الله عمله، وغفر له ذنبه، ووعده بالجنة، قال الله تعالى:
( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ) ...
اما الثمار الدنيويع والعاجله لبِرُّ الوالدين :
= الزيادة في العمر والبركة فيه :
ويؤيد هذا ما قاله عليه الصلاة والسلام في الحديث الشريف الذي رواه احمد من حديث أنس رضي الله عنه :
{من سرّه أن يُمدّ له في عمره، ويُزادَ له في رزقه فليبرّ والديه وليصل رحمه} ..
اي يبارك الله في عمر البار بوالديه ويؤخر له في أجله، وينفي عنه الآفات في بدنه وعقله وماله وأهله ويُعينه ويوفقه، ويهديه ويسدده، ويُحصِّل من الخير والأجر، والعزة والكرامة في الدنيا والآخرة، ما لا يُحصِّلُه صاحب القطيعة والعقوق، ولو كان عمره أضعاف عمر البار بوالديه .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{من برّ والديه طوبى له زاد الله في عمره}..
وقال عليه الصلاة والسلام :
{وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر}
فما أحلى الحياة إذا طال فيها العمر، وكثر فيها المال الحلال..!
وما أهنأ العيش إذا رافقته طمأنينةُ النفسِ وراحةَ الضميرِ ومحبةِ الناس.!
ومن الثمار الدنيوية والعاجله لبِرُّ الوالدين :
= أن الله يجعل للبار بوالديه لسان صدق وثناءٍ وحمد، فيرتفع ذكره ويشتهر فضله في حياته وبعد مماته، ولا يضمحل أثره بمجرد موته كما هو الحال في العاق ..
وهذا الذكر والثناء للإنسان هو عمر ثاني،
ولا يزال الإنسان معمرًا ما دام ذكره الحسن باقيًا. وقد صدق القائل :
دقاتُ قلبِ المرءِ قائلةً لـه
إن الحياةَ دقائقٌ وثواني
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها
فالذكر للإنسان عمرٌ ثاني
وكم من أناسٍ لا يزالون أحياء يُذكرون بالخير، وآثارهم شاهدةً على مكانتهم وفضلهم، وهم تحت أطباقِ الثرى من مئاتِ السنين.
بينما آخرون لا يزالون يعيشون على ظهر الأرض وهم في عداد الموتى، بسبب سقوط القدر وخمول الذكر. يقول ابن القيم :
" ومن أعظم نعم الله على العبد:
أن يرفع له بين العالمين ذكره، ويعلي قدره "
ولهذا خص أنبياءه ورسله من ذلك بما ليس لغيرهم، كما قال تعالى:
{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ* إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ} [ص:45ـ46]
أي: خصصناهم بخصيصة، وهو الذكرُ الجميل الذي يُذكرونَ به في هذه الدار، وهو لسانُ الصدق الذي سأله إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام
حيث قال: {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ }
وقال سبحانه وتعالى عنه وعن بنيه :
{وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً }[مريم 50]
وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم ـ:
{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } [الشرح 4]
فأتباع الرسل لهم نصيب من ذلك بحسب ميراثهم من طاعتهم ومتابعتهم، وكل من خالفهم فإنه بعيد من ذلك بحسب مخالفتهم ومعصيتهم".
ومن الثمار الدنيوية والعاجله لبِرُّ الوالدين :
= مغفرة وكفارة الذنوب والمعاصي وقبولِ التوبة :
روي عن يحيى بن أبي بكر، قال:
لما قدم أبو موسى الأشعري وأبو عامر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلما، قال :
{ما فعلت امرأة منكم تدعى كذا وكذا؟ قالوا: تركناها في أهلها، قال: فإنه قد غُفِر لها..
قالوا بما يا رسول الله؟ قال :
كانت لها أم عجوز كبيرة، فجاءها النذير،
إن العدو يريد أن يغير عليكم، فجعلت تحملها على ظهرها، فإذا أعيت وضعتها ثم ألزقت بطنها ببطن أمها، وجعلت رجليها تحت رجلي أمها من الرمضاء حتى نجت} ..
وفي الحديث الذي أخرجه الترمذي يقول ابن عمر رضي الله عنهما أتى رجلٌ الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله!
إني أصبت ذنبًا عظيمًا، فهل لي من توبة؟
قال: هل لك من أم؟
قال: لا.
قال: هل لك من خالة؟
قال: نعم.
قال: فبرها "
وجاء عند البخاري في الأدب المفرد وإسناده صحيح على شرط الشيخين :
[أن ابن عباس أتاه رجل، فقال: إني خطبت امرأة، فأبت أن تنكحني، وخطبها غيري، فأحبت أن تنكحه، فغرت عليها فقتلتها، فهل لي من توبة؟ قال: أأمك حية؟ قال: لا.
قال: تب إلى الله عزوجل، وتقرب إليه ما استطعت، فذهب الرجل وانصرف ..
قال فسألت ابن عباس : لم سألته عن حياة أمه؟ فقال: إني لا أعلم عملاً أقرب إلى الله عزوجل من بر الوالدة]
وهي جناية قتل والدماء ليست سهله ومع ذلك
بر الوالدين يقوم مقام الكفاره لهذه الجنايه ..
وجاء عن عائشة رضي الله عنها في قصة المرأة التي عملت السحر في دومة الجندل ، وقدمت المدينة تسأل عن توبتها، تقول عائشة :
[فرأيتها تبكي حين لم تجد رسول الله صلى الله عليه وسلم]
لأنها جاءت على وقت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءت تستفتي عن الكفارة، تقول عائشة : [لم تجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشفيها أي: بالجواب حتى إني لأرحمها تبكي،
فروت قصة السحر وهي تقول لـعائشة :
إني لأخاف أن أكون هلكت، سُقِطَ في يدي وندمت، والله يا أم المؤمنين ! ما فعلت شيئاً قط ولا أفعله أبداً..
تقول عائشه فسألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حداثة وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يومئذٍ متواترون، فما دروا ماذا يقولون لها، وكلهم هاب وخاف أن يفتيها بما لا يعلم، إلا أنهم قالوا: لو كان أبواك حيين أو أحدهما لكانا يكفيانك] ..
وجوّد ابن كثير إسناده عند ابن أبي حاتم.
ومن الثمار الدنيوية والعاجله لبِرُّ الوالدين :
= أن البار والمحسن إلى والديه يحظى بأجر يعادل أجر من يجاهد في سبيل الله تعالى أو من يحج ويعتمر إلى بيت الله الحرام.
جاء في شعب الايمان للبيهقي يقول النبي صلى الله عليه وسلم :
(ما من رجل ينظر إلى والديه نظرة رحمة إلا كتب الله له بها حجة مقبولة مبرورة) ..
وفي رواية بلفظ :
(ما من ولدٍ بارٍ ينظر إلى والديه نظرة رحمة
إلا كتبَ الله له بكل نظرة ينظر بها إليهما حجةٌ مبرورة) قالوا: يارسول الله أفرأيت إن نظر إليهما كل يوم مائة مرة ؟
قال :نعم ، الله أكبر وأطيب)
قال العلماء ( أكبر ) : أي أعظم مما يتصور
وخيره أكثر مما يُحصى ويُحصر ..
( وأطيب ) : أي أطهر من أن ينسب إلى قصورٍ في قدرته ونقصان في مشيئته وإرادته..
وعن عائشة رضي الله عنها كما روى ابو نعيم قالت : النظر في ثلاثة أشياء عبادة :
" النظر في وجه الأبوين، وفي المصحف ،
وفي البحر "
وفي رواية لابي داوود :
" النظر إلى الكعبة عبادة ، والنظر إلى وجه الوالدين عبادة ، والنظر في كتاب الله عبادة "
وعكسُ ذلك نظرة الغضب كما روى البيهقي
يقول النبي صلى الله عليه وسلم :
" ما برّ أباه من حدّ إليه الطرفُ بالغضب "
ومعناه : أن من نظر إلى والديه نظرة غضب كان عاقاً وإن لم يكن يتكلم بالغضب .
نعم /
بنظرةٍ حادةٍ غاضبةٍ للوالدين يندرج صاحبها ويدخل في صفوف العاقين ...
فكيف لو كانت اكبر من نظرة حادةونظرة غضب..
كيف لو كانت شتماً وإيذاءً ..
كيف لو كانت زجراً ونهراً ..
كيف لو كانت قهراً وإذلالاً ..
كيف لو كانت تطاولاً وتهجماً ..
كيف لو كانت انتهاكاً واعتداءً ..
وهؤلاء لن يروحوا رائحه الجنه ولن يذوقوا نعيمها
يقول عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم :
{ثلاثة حرّم الله تبارك وتعالى عليهم الجنة :
مدمن الخمر، والعاق لوالديه ، والديوث الذي يُقرّ الخُبث في أهله} ..
وإذا كانت الجنة محرمةٌ عليه فإن النار هي مصيره وبئس المصير.
ومن الثمار الدنيوية والعاجله لبِرُّ الوالدين :
= إجابة الدعوة :
فالبار بوالديه يدعو الله تعالى بما يرغب ويجيبه الله ببركة برّه لهما.
يشهد لهذا قصة أولئك النفر الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانطبقت عليهم صخرة فسدت فم الغار، فتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم، أن يفرج عنهم، فقال أحدهم :
" اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت
لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، فنأى بي طلب الشجر يومًا، فلم أرح عليهما حتى ناما، فحلبت غبوقهما، فوجدتهما نائمين فلبثت والقدح على يدي انتظر استيقاظهما حتى برق الفجر، فاستيقظا فشربا غبوقهما..
اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك، ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت قليلاً وتوسل صاحباه بصالح أعمالهما فانفرجت وخرجوا يمشون.
فلأن هذا كان باراً بوالديه استجاب الله دعاءه..
وهذا امير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم :
"أفيكم أويس بن عامر؟"
حتى أتى على أويس فقال له :
"أنت أويس بن عامر؟" قال: "نعم"
قال: "من مراد ثم من قرن؟" قال: "نعم"
قال: "فكان بك برصٌ فبرأتَ منه إلا موضع درهم؟" قال: "نعم"
قال: "لك والدة؟" قال: "نعم"
قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها برّ لو أقسم على الله لأبره؛ فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل؛ فاستغفر لي" فاستغفر له".
فبأي شيء بلغ أويس تلك المنزلة رضي الله عنه ؟
لانه كان بارًّا بأمه ملازمًا رجليها، امتنع من الهجرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقابله..
لأنه كان مشغولاً ببر أمه، هذا هو الجزاء أيها المسلمون عباد الله.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ :
" نمت فرأيتُني في الجنة، فإذا قارىءٌ يقرأ،
فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا حارثة بن النعمان.
وكان أبرّ الناسِ بأمه "
وفي روايه ( انه عليه الصلاة والسلام سمع قرع نعليه في الجنه ) فلما اصبح عليه الصلاة والسلام بشرّ أمه بما رأى وقال ؛ هكذا البر يا أم حارثة
كذلك البر، كذلك البر، كذلك البر.
اللهم أعنا على بر آبائنا وأمهاتنا ..
اللهم أعنا على الإحسان إليهما..
اللهم أعنا على طاعتهما...
أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم ..
الخطبه الثانيه :
أما بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ
ايها الأحباب الكرام :
تناولنا في الخطبه الاولى بعضاً من ثمار بر الوالدين الآجلة والعاجله وفي الدنيا والاخره
وخلصنا الى ثمرة بر الوالدين في الدنيا بأنّ البار بوالديه يكون مستجاب الدعوه بسبب بره بوالديه..
وهذا سلاح يضل بحوزته مادام على هذا البر والإحسان لوالديه ...
اضافه الى سلاحٍ اخر وهو انه يحظى
بدعوه مستجابه لاترد من والديه :
ففي الحديث الذي في صحيح البخاري :
عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاث دعوات مستجابات لهن، لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده".
ولقد ذكر ابن القيم الجوزيه في كتابه أن شاباً كان مكباً على اللهو واللعب لا ينفك عنه، وكان له والد صاحب دين، كثيراً ما يعظ هذا الابن، ويقول له:
يا بني! احذر هفوات الشباب وعثراتهم، فإن لله سطوات ونقمات ما هي من الظالمين ببعيد،
وكان إذا ألح عليه زاد له في العقوق، وجار على أبيه، ولما كان يوم من الأيام؛ ألح على ابنه في النصح على عادته، فمد الولد يده على أبيه، فحلف الأب بالله مجتهداً ليأتين بيت الله الحرام فيتعلق بأستار الكعبة ويدعو على ولده، فخرج حتى انتهى إلى البيت الحرام، فتعلق بأستار الكعبة وأنشأ يقول :
يا من إليه أتى الحجاج قد قطعوا
عرض البسيطة من قرب ومن بعد
إني أتيتك يا من لا يخيبه
ادعوه مبتهلاً بالواحد الصمد
هذا منازل لا يرتد من عققي
فخذ بحقي يا رحمان من ولدي
وشلل بحول منك جانبه
يا من تقدس لم يولد ولم يلد
فقيل: إنه ما استتم كلامه حتى يبس شِقّ ولده الأيمن..
(ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الوالد على ولده) .. (ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد لولده)
حديثان صحيحان، فيستجاب دعاء الأب والأم على الولد أو للولد..
فالولد إما ان ينل دعوةً مستجابة بسبب بره بوالديه،او ينل دعوة عليه مستجابة بعقوقه وتمرده.
نعم احبتي الكرام
عقوق الوالدين لو صادف دعوةً من الأب أو من الأم على الولد فإنها مستجابه ..
ما بينها إلا مسافةٌ تُقطعُ في لمحِ البصر..
تَصعدُ دعوةُ المظلوم إذا كان أباً أو أماً إلى السماء، فيجيب الله عزوجل.
وهل مرّ عليكم اسم جريج؟؟
هل سمعتم بقصه جريجُ العابد ..
كان جريج عابداً من عبّاد بني إسرائيل،
كان في صيام وصلاة ..
في ذكر ودعاء ..!
في صدقة وبذل ..!
وفي احدى الايام وبينما هو قائمٌ يصلي مستقبلاً قلبته، أتت أمه فنادته وقالت: يا جريج!
فقال في نفسه وهو يصلي :
أمي وصلاتي؟ فرأى أن يؤثر صلاته، ثم صرخت به الثانية، فقال في نفسه:
أمي وصلاتى؟ فرأى أن يؤثر صلاته.
فأستمر في صلاتي؟
انظر اخي الحبيب إلى بر الوالدين.
الآن والداك لا يطالبانك بأن تقطع الصلاة وإنما يدعوانك إلى طلبٍ خفيف، ومع ذلك تجد من يعق الوالدين، ويلعن الوالدين، ويقطع الوالدين، ويهجر الوالدين، وهما يقدمان له كل شيء!
نعم /
وجد في مجتمعاتنا وفي واقعنا من الآباء من فعل لاجل ابنه العجب العجاب، بنى له بيتاً، وزوَّجه، وملَّكه سيارة، وأعطاه من المال..
ثم تجد هذا الابن من أفجر الناس ..!
ينتقص من والده في المجالس، ويستهزئ به، ويُشّهر به امام الخلق ويجاهر والديه بالسوء وفاحش القول ويقهرهما وينهرهما ويرفع الصوت عليهما ويتأفف ويتضايق ويتضجر منهما وربما يصل به الحال الى ان يقول لأحدهما:
أراحنا الله منك وأخذ بعمرك..
وعجل بزوالك يا شيبة النحس ..؟
ويا عجوز الشؤم ، ويا عجوز الويل!
وحاله وحال أبيه كما قال الشاعر:
(( أريد حياته ويريد موتي ))
ولهذا جريج في صلاته وأمه تناديه حتى تحير في الصلاة ...
لكنه رأى أن طاعة الله مقدمة على ذلك، فهو ما عصاها لكن ما أجابها، فنادته في الثالثه :
فلم يجبها وآثر ان يكمل صلاته.
فغضبت عند ذلك عليه ودعت وقالت:
لا أماتك الله يا جريج! حتى تنظر في وجه المومسات.
دعوه ارتفعت للحق سبحانه على جريج وهو في طاعه وفي صلاه وهو امام خالقه وبارئه ورازقه..
" لا أماتك الله يا جريج! حتى تنظر في وجه المومسات"
أي : لا تحكم عليه بالموت حتى يرى وجوه الزانيات وكان عابداً، والله يحفظ العُبّاد.
وهل رأيتم إنساناً يحافظ على الصلوات الخمس ويشرب الخمر؟ لا.
وهل رأيتم إنساناً والمصحف في يده يعتدي على المحرمات، أو يزني ويسرق؟ لا.
احفظ الله يحفظك:
(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) [العنكبوت:69]..
(فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ ) [محمد:21].
إنسان يحافظ على صلاة الفجر جماعة كل يوم لن يتردى في الكبائر أبداً، وهذا معروف بالاستقراء، أكثر من يدخل السجون الآن هم الذين لا يصلون
لماذا؟
لأن الذي لا يعرف طريق المسجد يُعرّفه الله طريق السجن..
والذي لا يعرف القرآن يُعرّفه السوط ..
والذي لا يعرف سنة الرسول صلى الله عليه وسلم يذيقه الله أصناف العذاب ...
ولهذا قالت ام جريج :
اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات ...
فمكث زمناً حتى تحدث بنو إسرائيل عن عبادته، وصيامه، وصلاته، وصلاح واستقامته فقالت امرأةٌ فاجرة ..
دعوه لي واتركوا شأنه لي ونعوذ بالله من الفجور .
الفجور انتشر في بني إسرائيل كما قال تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ) [المائدة:13]
تركوا الحجاب ثم اختلطوا، فوقعوا في الزنا فلعنهم الله ومسخهم قردةً وخنازير.
ولذلك لا يوجد أحد أطهر من موسى إلا من أمثاله من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام،
أتى قارون إلى امرأةً زانيةً فأعطاها قنطاراً من ذهب، وقال: إذا اجتمعنا نحن والناس وقام موسى يدعونا إلى الله، فقومي وابكي وسط الناس هذه الإشاعة الباطلة المفتراة ضد الدعاة قالت:
ماذا أقول؟ قال: قولي: إنه صنع بك الفاحشة سبحان الله! موسى عليه السلام ..
فلما اجتمع بنوا إسرائيل ومعهم قارون والأغنياء والأمراء والناس؛ قامت تبكي وتضرب وجهها وتنفث شعرها، قالوا: مالك؟
فادعت أن موسى زنا بها، فقام موسى بالعصا، وقال: يا أمَةَ الله أسألك بمن شق البحر لي، وأنزل علي التوراة هل أنا فعلت ذلك؟
قالت: لا والله، فقال حينها نبي الله موسى:
اللهم خذ قارون، فخسف به وبداره، فأخذ قارون وداره فزلزل في الأرض يصيح:
يا موسى! يا موسى! يا موسى!
حتى اختفى صوته وماله وجسمه وداره في الأرض..
ولهذا جريج العابد لما ذاع صيته عن عبادته وصلاته وصيامه وتذاكر الجميع صلاحه
قالت أمرأة بغي من بغايا بني اسرائيل :
دعوه لي ، فذهبت إلى جريج، وحاولت معه واغرته بجمالها لكنه ثابتاً شامخاً مؤمناً صادقاً ..
وعندها رجعت إلى بني إسرائيل،مدعيةً بهتاناً وكذباً وزوراً أنّ جريج زنا بها ..
فأتوا إلى جريج وكان عابداً في صومعةٍ فأنزلوه وضربوه، وهدموا صومعته، فقال: مالكم؟!
قالوا: زنيت بتلك المرأة، فأتوا وإذا هي حامل،
وقد وضعت وطفلها معها يرضع ..
فقام حينها جريج للطفل وأخذ يكلمه وكأَنَّهُ يُكلم انساناً بالغاً عاقلاً فقال له وهو يضع اصبع السبابه في بطنه من هو ابوك يا أيها الطفل!
أسألك بالله رب العالمين من أبوك؟
فأنطق الله الطفل امام الجميع وقال:
أبي فلان ابن فلان الراعي ..
راعي غنم كان يدور حول الصومعة زنى بهذه المرأة فكان ابنه هذا الولد فرجعوا فقالوا:
نبني صومعتك من ذهب، قال: أعيدوها من طين، فأعادوها من طين.
فيا ايها الاحباب الكرام :
الله الله في آباءكم وأمهاتكم ...
الله الله في طاعتهما وبرهما والإحسان إليهما فهما الجنه بعينها ..
وهما الميته الحسنه ، والعاقبه المرضيه ، والخاتمة الطيبه ، والرضا والرضوان ، والنعيم والجنان والفلاح والفوز ، والعتق والنجاه ..
أوحى الله سبحانه وتعالى إلى موسى صلوات الله وسلامه عليه فقال :
يا موسى وقّر والديك، فإن من وقر والديه مددت في عمره، ووهبت له ولدًا يوقره، ومن عق والديه قصرت في عمره، ووهبت له ولدًا يعقه"
اسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم البر بآبائنا وأمهاتنا، وأن يجعلنا من القائمين بحقوقهما والعاملين على إرضائهما في طاعته سبحانه.
اللهم أعنا على بر آبائنا، اللهم أعنا على الإحسان إليهما،اللهم أعنا على طاعتهما،
اللهم اجعلنا عاملين في مرضاتهم يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين..
اللهم وارزقنا من يبرنا من أولادنا كما بررنا بآبائنا وأمهاتنا ..
ارزقنا من يدعوا لنا من اولادنا بعد موتنا كما دعونا لآبائنا وأمهاتنا ياسميع الدعاء ..
اللهم لاتتوفنا الا وانت راضٍ عنا مقبلين غير مدبرين محسنين لا مسيئين يا كريم يامتعال.
اللهم اطفيء لهيب الحروب والفتن في ارض اليمن
اللهم بدل حالنا لأحسن الاحوال ..
بدل حالنا من الخوف والرعب الى الأمن والأمان
ومن الشده والضيق الى الفرج والسعه..
ومن الجوع الى رغد العيش والشبع والراحه..
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد فقد أمرتم بالصلاة عليه كما قال تعالى:
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين..
---------------------------------------
للتواصل والاستفسار وإبداء الملاحظات :
جوال ( 00967777151620 )
ولمتابعه الخطب المكتوبه على الروابط التاليه :
١/
https://www.facebook.com/SheikhAhmedPage/
-----------------------
٢/
https://alahmed-ibb.blogspot.com/?m=1
-----------------------
٣/
https://lecahmed.blogspot.com/
-----------------------
٤/
http://talabah1.blogspot.com/?m=1
-----------------------------------
اللهم اجعلها صدقهً جاريهً لي ولوالدتي المرحومه..
وأنفع بها عبادك المسلمين اجمعين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
------------------------------------
والحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِين
خطبــة جمعـــة بعنـــوان
[ أحبُّ الاعمال الى الله .. بِرُّ الوالدين ] ( ٢ )
السلسله الثانيه لأحب الاعمال الى الله
الخطبه {{ 17 }}
إعداد وتنظيم وإلقاء :
الاستاذ/ احمد عبدالله صالح
خطيب مسجد بلال بن رباح/
الجمهوريه اليمنيه - محافظة إب .
ألقيت في 19 أكتوبر 2018 م
الموافق 3 صفر 1440هـ
أما بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ
ايها الأحباب الكرام :
تحدثنا في جمعةٍ سبقت حول عمل من احب الاعمال الى الله عزوجل وعن عبادةٍ فاضلةٍ كريمه قرن الله عزوجل عبادته بها ...
ورد ذلك في الحديث الذي في الصحيحين من حديث أَبِيْ عَبْدِ الرَّحْمٰنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُوْدٍ رضي الله عنه قَالَ : سَأَلْتُ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم : أَيُّ اْلأَعْمَالِ أَحَبُّ إَلىَ اللهِ تَعَالىٰ ؟
قَالَ {الصَّلاَةُ عَلىٰ وَقْتِهَا ))
قلت : ثُمَّ أَي ؟
فقَالَ عليه الصلاة والسلام : بِرُّ اْلوَالِدَيْنِ )
( انها بِرُّ الوالدين )
وفضلُ الوالدين كبيرٌ، وإحسانُهما سابقٌ عظيمٌ، تذكَّرْ رعايتَهُما لك حالَ الصِّغَرِ، وضَعفِ الطفولةِ.
فقد حملتْك أُمُّك يا عبدَ اللهِ في أحشائِها تسعةَ أشْهُرٍ، وهناً على وهنٍ، حملتك كُرْهاً ووضعتك كُرْهاً.
وعند الوضع رأت الموت بعينها ولكن لما رأتك بجانبها زالت آلامها، وعلّقت فيك جميعَ آمالها.
رأت فيك البهجة والسعادة والحياة ، ثم شُغلت بخدمتك ليلها ونهارها،.
تُغذيك بصحتها .طعامك لبنُها. وبيتك حِجرُها. ومركبك يداها وصدرها وظهرها تُحيطك وترعاك .
تجوعُ هي لتشبع أنت . وتسهر الليل لتنام أنت.
فهي بك رحيمة، وعليك شفيقة.
إذا غابت عنك دَعوتَها، وإذا أعرضت عنك ناجيتها، وإذا أصابك مكروه استغثت بها .
تحسب كل الخير عندها، وتظن أن الشر لا يصل إليك إذا ضمتك إلى صدرها أو لحظتك بعينها..
وحيا من قال عنها :
لأمك حق لو علمت كبـــير
كثيرك يا هذا لديه يســيرُ
فكم ليلة باتت بثقلك تشتــكي
لها من جواها أنّة وزفيــرُ
وفي الوضع لو تدري عليها
مشقة فمن غصص منها الفؤاد يطير
وكم غسلت عنك اللأذى بيمينها
وما حجرها إلا لديك سرير
وتفديك مما تشتكيه بنفسهــا
ومن ثديها شرب لديك نمير
وكم مرة جاعت وأعطتك قوتها
حنواً وإشفاقاً وأنت صغير
فآهٍ لذي عقل ويتبع الهــوى
وآهٍ لأعمى القلب وهو بصير
فدونك فارغب في عميم دعائها
فأنت لما تدعو إليه فقــير
فهذه هي حالُ أمِّك.
- اما ابوك فإن كنت ناسياً فلا تنس انشغالَه بك وبصلاحِك ومستقبلِك وهمومِك.
- أما أبوك فتذكَّر كَدَّه وسعيَه وتنقُّلَه وسفرَه، وتحمُّلَه الأخطار والأكدار بحثاً عن كل ما تصلح به معيشتُك..
- اما ابوك فهو الذي يسعى من أجلك، ويدفع عنك صنوفَ الأذى، ينتقل في الأسفار. ويَتَحمْلُ الأخطار بحثاً عن لقمة العيش، لينفق عليك ويصلحك ويربيك.
إذا دخلت عليه هش. وإذا أقبلت إليه بش،
وإذا خرج تعلقت به، وإذا حضر احتضنك..
ومن الإجحاف ان يبادل الولد احسان والده له بالإساءة إليه ..
كحال أحد الآباء حين قال معبراً في عتاب ولده :
غذوتك مولوداً وعلتك يافعـاً
تعلُ بما أحنو عليك وتنهل
إذا ليلةٌ ضافتك بالسقمِ
لم أبَتْ لسقمكَ إلا ساهراً أتململ
كأنّي أنا المطروقُ دونَكَ بالذي
طُرقت به دوني فعيناي تهمل
تخافُ الردى نفسي عليك
وإنني لأعلم أن الموتَ وقتٌ مؤجل
فلما بلغت السنَ والغايةِ
التـي إليها مدى ما كنتَ فيك أؤمل
جعلت جزائي فظـاظةً وغلظةً
كأنّك أنت المنعمُ المتفضل
فليتك إذ لم ترعَ حق أبـوتي
فعلت كما الجارُ المجاورُ يفعل
فأَوْلَيْتَني حقَّ الجُوارِ ولم تكنْ
عليَّ بمالي دونَ مالِك تبخلُ
فهذان هما والداك، وتلك هي طفولتك وصباك،
فلماذا التنكر للجميل؟ وعلام الفظاظة والغلظة ؟
ولأجلِ ماذا العقوق والعصيان والقطيعه والهجران والتضايق والحرمان لهما وأنت كبير ؟
أفلا يستحِقَّان منك البرَّ والإحسانَ والعطفَ والحنانَ؟!
بلى، والله إن ذلك لمن أعظمِ الحقوقِ.
احبابي الكرام روّاد مسجد بلال بن رباح :
لبرّ الوالدين ثمرات كثيرة يجنيها البار لوالديه في عاجل الامر وآجله في الدنيا والاخره ولعلى سأقف معكم مع بعض هذه الثمار ...
فمن ثمار بر الوالدين الاخرويه والآجله أن البار بوالديه يكسب رضا الله تعالى وهو ما نسعى إليه دائمًا.
كمايحظى البار بوالديه بمنزلة عظيمة فيكون في رفقة الأنبياء والشهداء.
ومن الثمار الاخرويه والآجله لبر الوالدين :
= قبول الأعمال ودخول الجنة :
ففي سورة الأحقاف آيات تحدثت عن صنف من الناس عرف حق الله تعالى عليه فشكره، وعرف حق والديه فأحسن إليهما وأطاع أمرهما، واجتهد في برهما، وعرف حق ذريته فأحسن تربيتها ودعا لها بلإصلاح والتوفيق، وسأل الله تعالى التوبة والمغفرة، فتقبل الله عمله، وغفر له ذنبه، ووعده بالجنة، قال الله تعالى:
( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ) ...
اما الثمار الدنيويع والعاجله لبِرُّ الوالدين :
= الزيادة في العمر والبركة فيه :
ويؤيد هذا ما قاله عليه الصلاة والسلام في الحديث الشريف الذي رواه احمد من حديث أنس رضي الله عنه :
{من سرّه أن يُمدّ له في عمره، ويُزادَ له في رزقه فليبرّ والديه وليصل رحمه} ..
اي يبارك الله في عمر البار بوالديه ويؤخر له في أجله، وينفي عنه الآفات في بدنه وعقله وماله وأهله ويُعينه ويوفقه، ويهديه ويسدده، ويُحصِّل من الخير والأجر، والعزة والكرامة في الدنيا والآخرة، ما لا يُحصِّلُه صاحب القطيعة والعقوق، ولو كان عمره أضعاف عمر البار بوالديه .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{من برّ والديه طوبى له زاد الله في عمره}..
وقال عليه الصلاة والسلام :
{وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر}
فما أحلى الحياة إذا طال فيها العمر، وكثر فيها المال الحلال..!
وما أهنأ العيش إذا رافقته طمأنينةُ النفسِ وراحةَ الضميرِ ومحبةِ الناس.!
ومن الثمار الدنيوية والعاجله لبِرُّ الوالدين :
= أن الله يجعل للبار بوالديه لسان صدق وثناءٍ وحمد، فيرتفع ذكره ويشتهر فضله في حياته وبعد مماته، ولا يضمحل أثره بمجرد موته كما هو الحال في العاق ..
وهذا الذكر والثناء للإنسان هو عمر ثاني،
ولا يزال الإنسان معمرًا ما دام ذكره الحسن باقيًا. وقد صدق القائل :
دقاتُ قلبِ المرءِ قائلةً لـه
إن الحياةَ دقائقٌ وثواني
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها
فالذكر للإنسان عمرٌ ثاني
وكم من أناسٍ لا يزالون أحياء يُذكرون بالخير، وآثارهم شاهدةً على مكانتهم وفضلهم، وهم تحت أطباقِ الثرى من مئاتِ السنين.
بينما آخرون لا يزالون يعيشون على ظهر الأرض وهم في عداد الموتى، بسبب سقوط القدر وخمول الذكر. يقول ابن القيم :
" ومن أعظم نعم الله على العبد:
أن يرفع له بين العالمين ذكره، ويعلي قدره "
ولهذا خص أنبياءه ورسله من ذلك بما ليس لغيرهم، كما قال تعالى:
{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ* إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ} [ص:45ـ46]
أي: خصصناهم بخصيصة، وهو الذكرُ الجميل الذي يُذكرونَ به في هذه الدار، وهو لسانُ الصدق الذي سأله إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام
حيث قال: {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ }
وقال سبحانه وتعالى عنه وعن بنيه :
{وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً }[مريم 50]
وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم ـ:
{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } [الشرح 4]
فأتباع الرسل لهم نصيب من ذلك بحسب ميراثهم من طاعتهم ومتابعتهم، وكل من خالفهم فإنه بعيد من ذلك بحسب مخالفتهم ومعصيتهم".
ومن الثمار الدنيوية والعاجله لبِرُّ الوالدين :
= مغفرة وكفارة الذنوب والمعاصي وقبولِ التوبة :
روي عن يحيى بن أبي بكر، قال:
لما قدم أبو موسى الأشعري وأبو عامر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلما، قال :
{ما فعلت امرأة منكم تدعى كذا وكذا؟ قالوا: تركناها في أهلها، قال: فإنه قد غُفِر لها..
قالوا بما يا رسول الله؟ قال :
كانت لها أم عجوز كبيرة، فجاءها النذير،
إن العدو يريد أن يغير عليكم، فجعلت تحملها على ظهرها، فإذا أعيت وضعتها ثم ألزقت بطنها ببطن أمها، وجعلت رجليها تحت رجلي أمها من الرمضاء حتى نجت} ..
وفي الحديث الذي أخرجه الترمذي يقول ابن عمر رضي الله عنهما أتى رجلٌ الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله!
إني أصبت ذنبًا عظيمًا، فهل لي من توبة؟
قال: هل لك من أم؟
قال: لا.
قال: هل لك من خالة؟
قال: نعم.
قال: فبرها "
وجاء عند البخاري في الأدب المفرد وإسناده صحيح على شرط الشيخين :
[أن ابن عباس أتاه رجل، فقال: إني خطبت امرأة، فأبت أن تنكحني، وخطبها غيري، فأحبت أن تنكحه، فغرت عليها فقتلتها، فهل لي من توبة؟ قال: أأمك حية؟ قال: لا.
قال: تب إلى الله عزوجل، وتقرب إليه ما استطعت، فذهب الرجل وانصرف ..
قال فسألت ابن عباس : لم سألته عن حياة أمه؟ فقال: إني لا أعلم عملاً أقرب إلى الله عزوجل من بر الوالدة]
وهي جناية قتل والدماء ليست سهله ومع ذلك
بر الوالدين يقوم مقام الكفاره لهذه الجنايه ..
وجاء عن عائشة رضي الله عنها في قصة المرأة التي عملت السحر في دومة الجندل ، وقدمت المدينة تسأل عن توبتها، تقول عائشة :
[فرأيتها تبكي حين لم تجد رسول الله صلى الله عليه وسلم]
لأنها جاءت على وقت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءت تستفتي عن الكفارة، تقول عائشة : [لم تجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشفيها أي: بالجواب حتى إني لأرحمها تبكي،
فروت قصة السحر وهي تقول لـعائشة :
إني لأخاف أن أكون هلكت، سُقِطَ في يدي وندمت، والله يا أم المؤمنين ! ما فعلت شيئاً قط ولا أفعله أبداً..
تقول عائشه فسألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حداثة وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يومئذٍ متواترون، فما دروا ماذا يقولون لها، وكلهم هاب وخاف أن يفتيها بما لا يعلم، إلا أنهم قالوا: لو كان أبواك حيين أو أحدهما لكانا يكفيانك] ..
وجوّد ابن كثير إسناده عند ابن أبي حاتم.
ومن الثمار الدنيوية والعاجله لبِرُّ الوالدين :
= أن البار والمحسن إلى والديه يحظى بأجر يعادل أجر من يجاهد في سبيل الله تعالى أو من يحج ويعتمر إلى بيت الله الحرام.
جاء في شعب الايمان للبيهقي يقول النبي صلى الله عليه وسلم :
(ما من رجل ينظر إلى والديه نظرة رحمة إلا كتب الله له بها حجة مقبولة مبرورة) ..
وفي رواية بلفظ :
(ما من ولدٍ بارٍ ينظر إلى والديه نظرة رحمة
إلا كتبَ الله له بكل نظرة ينظر بها إليهما حجةٌ مبرورة) قالوا: يارسول الله أفرأيت إن نظر إليهما كل يوم مائة مرة ؟
قال :نعم ، الله أكبر وأطيب)
قال العلماء ( أكبر ) : أي أعظم مما يتصور
وخيره أكثر مما يُحصى ويُحصر ..
( وأطيب ) : أي أطهر من أن ينسب إلى قصورٍ في قدرته ونقصان في مشيئته وإرادته..
وعن عائشة رضي الله عنها كما روى ابو نعيم قالت : النظر في ثلاثة أشياء عبادة :
" النظر في وجه الأبوين، وفي المصحف ،
وفي البحر "
وفي رواية لابي داوود :
" النظر إلى الكعبة عبادة ، والنظر إلى وجه الوالدين عبادة ، والنظر في كتاب الله عبادة "
وعكسُ ذلك نظرة الغضب كما روى البيهقي
يقول النبي صلى الله عليه وسلم :
" ما برّ أباه من حدّ إليه الطرفُ بالغضب "
ومعناه : أن من نظر إلى والديه نظرة غضب كان عاقاً وإن لم يكن يتكلم بالغضب .
نعم /
بنظرةٍ حادةٍ غاضبةٍ للوالدين يندرج صاحبها ويدخل في صفوف العاقين ...
فكيف لو كانت اكبر من نظرة حادةونظرة غضب..
كيف لو كانت شتماً وإيذاءً ..
كيف لو كانت زجراً ونهراً ..
كيف لو كانت قهراً وإذلالاً ..
كيف لو كانت تطاولاً وتهجماً ..
كيف لو كانت انتهاكاً واعتداءً ..
وهؤلاء لن يروحوا رائحه الجنه ولن يذوقوا نعيمها
يقول عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم :
{ثلاثة حرّم الله تبارك وتعالى عليهم الجنة :
مدمن الخمر، والعاق لوالديه ، والديوث الذي يُقرّ الخُبث في أهله} ..
وإذا كانت الجنة محرمةٌ عليه فإن النار هي مصيره وبئس المصير.
ومن الثمار الدنيوية والعاجله لبِرُّ الوالدين :
= إجابة الدعوة :
فالبار بوالديه يدعو الله تعالى بما يرغب ويجيبه الله ببركة برّه لهما.
يشهد لهذا قصة أولئك النفر الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانطبقت عليهم صخرة فسدت فم الغار، فتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم، أن يفرج عنهم، فقال أحدهم :
" اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت
لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، فنأى بي طلب الشجر يومًا، فلم أرح عليهما حتى ناما، فحلبت غبوقهما، فوجدتهما نائمين فلبثت والقدح على يدي انتظر استيقاظهما حتى برق الفجر، فاستيقظا فشربا غبوقهما..
اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك، ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت قليلاً وتوسل صاحباه بصالح أعمالهما فانفرجت وخرجوا يمشون.
فلأن هذا كان باراً بوالديه استجاب الله دعاءه..
وهذا امير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم :
"أفيكم أويس بن عامر؟"
حتى أتى على أويس فقال له :
"أنت أويس بن عامر؟" قال: "نعم"
قال: "من مراد ثم من قرن؟" قال: "نعم"
قال: "فكان بك برصٌ فبرأتَ منه إلا موضع درهم؟" قال: "نعم"
قال: "لك والدة؟" قال: "نعم"
قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها برّ لو أقسم على الله لأبره؛ فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل؛ فاستغفر لي" فاستغفر له".
فبأي شيء بلغ أويس تلك المنزلة رضي الله عنه ؟
لانه كان بارًّا بأمه ملازمًا رجليها، امتنع من الهجرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقابله..
لأنه كان مشغولاً ببر أمه، هذا هو الجزاء أيها المسلمون عباد الله.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ :
" نمت فرأيتُني في الجنة، فإذا قارىءٌ يقرأ،
فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا حارثة بن النعمان.
وكان أبرّ الناسِ بأمه "
وفي روايه ( انه عليه الصلاة والسلام سمع قرع نعليه في الجنه ) فلما اصبح عليه الصلاة والسلام بشرّ أمه بما رأى وقال ؛ هكذا البر يا أم حارثة
كذلك البر، كذلك البر، كذلك البر.
اللهم أعنا على بر آبائنا وأمهاتنا ..
اللهم أعنا على الإحسان إليهما..
اللهم أعنا على طاعتهما...
أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم ..
الخطبه الثانيه :
أما بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ
ايها الأحباب الكرام :
تناولنا في الخطبه الاولى بعضاً من ثمار بر الوالدين الآجلة والعاجله وفي الدنيا والاخره
وخلصنا الى ثمرة بر الوالدين في الدنيا بأنّ البار بوالديه يكون مستجاب الدعوه بسبب بره بوالديه..
وهذا سلاح يضل بحوزته مادام على هذا البر والإحسان لوالديه ...
اضافه الى سلاحٍ اخر وهو انه يحظى
بدعوه مستجابه لاترد من والديه :
ففي الحديث الذي في صحيح البخاري :
عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاث دعوات مستجابات لهن، لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده".
ولقد ذكر ابن القيم الجوزيه في كتابه أن شاباً كان مكباً على اللهو واللعب لا ينفك عنه، وكان له والد صاحب دين، كثيراً ما يعظ هذا الابن، ويقول له:
يا بني! احذر هفوات الشباب وعثراتهم، فإن لله سطوات ونقمات ما هي من الظالمين ببعيد،
وكان إذا ألح عليه زاد له في العقوق، وجار على أبيه، ولما كان يوم من الأيام؛ ألح على ابنه في النصح على عادته، فمد الولد يده على أبيه، فحلف الأب بالله مجتهداً ليأتين بيت الله الحرام فيتعلق بأستار الكعبة ويدعو على ولده، فخرج حتى انتهى إلى البيت الحرام، فتعلق بأستار الكعبة وأنشأ يقول :
يا من إليه أتى الحجاج قد قطعوا
عرض البسيطة من قرب ومن بعد
إني أتيتك يا من لا يخيبه
ادعوه مبتهلاً بالواحد الصمد
هذا منازل لا يرتد من عققي
فخذ بحقي يا رحمان من ولدي
وشلل بحول منك جانبه
يا من تقدس لم يولد ولم يلد
فقيل: إنه ما استتم كلامه حتى يبس شِقّ ولده الأيمن..
(ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الوالد على ولده) .. (ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد لولده)
حديثان صحيحان، فيستجاب دعاء الأب والأم على الولد أو للولد..
فالولد إما ان ينل دعوةً مستجابة بسبب بره بوالديه،او ينل دعوة عليه مستجابة بعقوقه وتمرده.
نعم احبتي الكرام
عقوق الوالدين لو صادف دعوةً من الأب أو من الأم على الولد فإنها مستجابه ..
ما بينها إلا مسافةٌ تُقطعُ في لمحِ البصر..
تَصعدُ دعوةُ المظلوم إذا كان أباً أو أماً إلى السماء، فيجيب الله عزوجل.
وهل مرّ عليكم اسم جريج؟؟
هل سمعتم بقصه جريجُ العابد ..
كان جريج عابداً من عبّاد بني إسرائيل،
كان في صيام وصلاة ..
في ذكر ودعاء ..!
في صدقة وبذل ..!
وفي احدى الايام وبينما هو قائمٌ يصلي مستقبلاً قلبته، أتت أمه فنادته وقالت: يا جريج!
فقال في نفسه وهو يصلي :
أمي وصلاتي؟ فرأى أن يؤثر صلاته، ثم صرخت به الثانية، فقال في نفسه:
أمي وصلاتى؟ فرأى أن يؤثر صلاته.
فأستمر في صلاتي؟
انظر اخي الحبيب إلى بر الوالدين.
الآن والداك لا يطالبانك بأن تقطع الصلاة وإنما يدعوانك إلى طلبٍ خفيف، ومع ذلك تجد من يعق الوالدين، ويلعن الوالدين، ويقطع الوالدين، ويهجر الوالدين، وهما يقدمان له كل شيء!
نعم /
وجد في مجتمعاتنا وفي واقعنا من الآباء من فعل لاجل ابنه العجب العجاب، بنى له بيتاً، وزوَّجه، وملَّكه سيارة، وأعطاه من المال..
ثم تجد هذا الابن من أفجر الناس ..!
ينتقص من والده في المجالس، ويستهزئ به، ويُشّهر به امام الخلق ويجاهر والديه بالسوء وفاحش القول ويقهرهما وينهرهما ويرفع الصوت عليهما ويتأفف ويتضايق ويتضجر منهما وربما يصل به الحال الى ان يقول لأحدهما:
أراحنا الله منك وأخذ بعمرك..
وعجل بزوالك يا شيبة النحس ..؟
ويا عجوز الشؤم ، ويا عجوز الويل!
وحاله وحال أبيه كما قال الشاعر:
(( أريد حياته ويريد موتي ))
ولهذا جريج في صلاته وأمه تناديه حتى تحير في الصلاة ...
لكنه رأى أن طاعة الله مقدمة على ذلك، فهو ما عصاها لكن ما أجابها، فنادته في الثالثه :
فلم يجبها وآثر ان يكمل صلاته.
فغضبت عند ذلك عليه ودعت وقالت:
لا أماتك الله يا جريج! حتى تنظر في وجه المومسات.
دعوه ارتفعت للحق سبحانه على جريج وهو في طاعه وفي صلاه وهو امام خالقه وبارئه ورازقه..
" لا أماتك الله يا جريج! حتى تنظر في وجه المومسات"
أي : لا تحكم عليه بالموت حتى يرى وجوه الزانيات وكان عابداً، والله يحفظ العُبّاد.
وهل رأيتم إنساناً يحافظ على الصلوات الخمس ويشرب الخمر؟ لا.
وهل رأيتم إنساناً والمصحف في يده يعتدي على المحرمات، أو يزني ويسرق؟ لا.
احفظ الله يحفظك:
(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) [العنكبوت:69]..
(فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ ) [محمد:21].
إنسان يحافظ على صلاة الفجر جماعة كل يوم لن يتردى في الكبائر أبداً، وهذا معروف بالاستقراء، أكثر من يدخل السجون الآن هم الذين لا يصلون
لماذا؟
لأن الذي لا يعرف طريق المسجد يُعرّفه الله طريق السجن..
والذي لا يعرف القرآن يُعرّفه السوط ..
والذي لا يعرف سنة الرسول صلى الله عليه وسلم يذيقه الله أصناف العذاب ...
ولهذا قالت ام جريج :
اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات ...
فمكث زمناً حتى تحدث بنو إسرائيل عن عبادته، وصيامه، وصلاته، وصلاح واستقامته فقالت امرأةٌ فاجرة ..
دعوه لي واتركوا شأنه لي ونعوذ بالله من الفجور .
الفجور انتشر في بني إسرائيل كما قال تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ) [المائدة:13]
تركوا الحجاب ثم اختلطوا، فوقعوا في الزنا فلعنهم الله ومسخهم قردةً وخنازير.
ولذلك لا يوجد أحد أطهر من موسى إلا من أمثاله من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام،
أتى قارون إلى امرأةً زانيةً فأعطاها قنطاراً من ذهب، وقال: إذا اجتمعنا نحن والناس وقام موسى يدعونا إلى الله، فقومي وابكي وسط الناس هذه الإشاعة الباطلة المفتراة ضد الدعاة قالت:
ماذا أقول؟ قال: قولي: إنه صنع بك الفاحشة سبحان الله! موسى عليه السلام ..
فلما اجتمع بنوا إسرائيل ومعهم قارون والأغنياء والأمراء والناس؛ قامت تبكي وتضرب وجهها وتنفث شعرها، قالوا: مالك؟
فادعت أن موسى زنا بها، فقام موسى بالعصا، وقال: يا أمَةَ الله أسألك بمن شق البحر لي، وأنزل علي التوراة هل أنا فعلت ذلك؟
قالت: لا والله، فقال حينها نبي الله موسى:
اللهم خذ قارون، فخسف به وبداره، فأخذ قارون وداره فزلزل في الأرض يصيح:
يا موسى! يا موسى! يا موسى!
حتى اختفى صوته وماله وجسمه وداره في الأرض..
ولهذا جريج العابد لما ذاع صيته عن عبادته وصلاته وصيامه وتذاكر الجميع صلاحه
قالت أمرأة بغي من بغايا بني اسرائيل :
دعوه لي ، فذهبت إلى جريج، وحاولت معه واغرته بجمالها لكنه ثابتاً شامخاً مؤمناً صادقاً ..
وعندها رجعت إلى بني إسرائيل،مدعيةً بهتاناً وكذباً وزوراً أنّ جريج زنا بها ..
فأتوا إلى جريج وكان عابداً في صومعةٍ فأنزلوه وضربوه، وهدموا صومعته، فقال: مالكم؟!
قالوا: زنيت بتلك المرأة، فأتوا وإذا هي حامل،
وقد وضعت وطفلها معها يرضع ..
فقام حينها جريج للطفل وأخذ يكلمه وكأَنَّهُ يُكلم انساناً بالغاً عاقلاً فقال له وهو يضع اصبع السبابه في بطنه من هو ابوك يا أيها الطفل!
أسألك بالله رب العالمين من أبوك؟
فأنطق الله الطفل امام الجميع وقال:
أبي فلان ابن فلان الراعي ..
راعي غنم كان يدور حول الصومعة زنى بهذه المرأة فكان ابنه هذا الولد فرجعوا فقالوا:
نبني صومعتك من ذهب، قال: أعيدوها من طين، فأعادوها من طين.
فيا ايها الاحباب الكرام :
الله الله في آباءكم وأمهاتكم ...
الله الله في طاعتهما وبرهما والإحسان إليهما فهما الجنه بعينها ..
وهما الميته الحسنه ، والعاقبه المرضيه ، والخاتمة الطيبه ، والرضا والرضوان ، والنعيم والجنان والفلاح والفوز ، والعتق والنجاه ..
أوحى الله سبحانه وتعالى إلى موسى صلوات الله وسلامه عليه فقال :
يا موسى وقّر والديك، فإن من وقر والديه مددت في عمره، ووهبت له ولدًا يوقره، ومن عق والديه قصرت في عمره، ووهبت له ولدًا يعقه"
اسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم البر بآبائنا وأمهاتنا، وأن يجعلنا من القائمين بحقوقهما والعاملين على إرضائهما في طاعته سبحانه.
اللهم أعنا على بر آبائنا، اللهم أعنا على الإحسان إليهما،اللهم أعنا على طاعتهما،
اللهم اجعلنا عاملين في مرضاتهم يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين..
اللهم وارزقنا من يبرنا من أولادنا كما بررنا بآبائنا وأمهاتنا ..
ارزقنا من يدعوا لنا من اولادنا بعد موتنا كما دعونا لآبائنا وأمهاتنا ياسميع الدعاء ..
اللهم لاتتوفنا الا وانت راضٍ عنا مقبلين غير مدبرين محسنين لا مسيئين يا كريم يامتعال.
اللهم اطفيء لهيب الحروب والفتن في ارض اليمن
اللهم بدل حالنا لأحسن الاحوال ..
بدل حالنا من الخوف والرعب الى الأمن والأمان
ومن الشده والضيق الى الفرج والسعه..
ومن الجوع الى رغد العيش والشبع والراحه..
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد فقد أمرتم بالصلاة عليه كما قال تعالى:
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين..
---------------------------------------
للتواصل والاستفسار وإبداء الملاحظات :
جوال ( 00967777151620 )
ولمتابعه الخطب المكتوبه على الروابط التاليه :
١/
https://www.facebook.com/SheikhAhmedPage/
-----------------------
٢/
https://alahmed-ibb.blogspot.com/?m=1
-----------------------
٣/
https://lecahmed.blogspot.com/
-----------------------
٤/
http://talabah1.blogspot.com/?m=1
-----------------------------------
اللهم اجعلها صدقهً جاريهً لي ولوالدتي المرحومه..
وأنفع بها عبادك المسلمين اجمعين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
------------------------------------
والحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق