الاثنين، 16 أبريل 2018

خطبــة جمعـــة بعنـــوان [ العباده الخفيه - خبيئه عمل صالح ]


خطبــة جمعـــة بعنـــوان

    [  العباده الخفيه - خبيئه عمل صالح ]
السلسله الثانيه لأحب الاعمال الى الله
                      الخطبه {{ 9 }}
إعداد وتعديل وإلقاء :
الاستاذ/ أحمد عبدالله صالح
خطيب مسجد بلال بن رباح/
الجمهوريه اليمنيه - محافظه إب .
ألقيت في  23 مارس 2018 م
الموافق 6 رجب 1439هـ



ثم اما بعد ايها الاحباب الكرام
ونحن ندخل شهر الزرع رجب ونتهيىء بعده لشهر السقي شعبان ولنعيش بعدها شهرُ الحصاد رمضان ...
اعيش وإياكم اليوم مع عملٍ جديد ورائع من تلك الاعمال الجليله التى يحبها الله جل وعلا ضمن
السلسله الثانيه للأعمال التى يحبها الله ..



حيث وقد ابتدأنا في الجمعه الماضيه مع اول احاديث السنه النبويه المطهره على صاحبها افضل الصلاه وأتم التسليم والتى تبدأ بقوله عليه الصلاه والسلام (( ان الله يحب...))
حيث وقد كان حديث الجمعه السابقه الذي رواه البيهقي .. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
((إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ ))..



واليوم سنعيش كذلك مع حديث جديد يتضمن عبداً من اولئك العبيد الذين يحبهم الله لأعمالهم
ففي الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه من حديث سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
" إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِىَّ الْغَنِىَّ الْخَفِيَّ "



لا اخفيكم اني تأملت في هذا الحديث كثيراً
وخاصهً في قوله صلى الله عليه وسلم:
                   (الخفي)
 فتواردت الى ذهني وخاطري اسئله كثيره
وخواطر عديده وأفكار متعدده تبحث عن إجابهٍ لهذا الذي ذكره رسولنا في هذا الحديث :



من هو هذا العبد الخفي ...!!!
الذي أحبه الله سبحانه وتعالى؟!



ومن هم الاخفياء الذين احبهم الله ؟؟؟



فتوصلت الى جواب مقنع وكافي ووافي
بأن الاخفياء الذين احبهم الله هم :-



= اؤلئك الذين عرفوا ربهم، وعرفهم سبحانه وتعالى، فأحبوه وأحبهم وحرصوا أن يكون بينهم وبين الله أسرار وأسرار..
والله سبحانه وتعالى يعلم اسرارهم فكان خيراً لهم.



= أنهم اؤلئك الأنقياء الأتقياء، فما اجتهدوا في إخفاء أعمالهم؛ إلا لخوفهم من ربهم وخوفهم من فساد أعمالهم بالعجب والغرور، وهجمات الرياء، وطلب الثناء والمحمدة من الناس.



= أنهم اؤلئك الجنود المجهولون، الناصحون العاملون، الذين قامت على سواعدهم نهضه الامه وإصلاح شبابها وأجيالها على مر الزمان والتأريخ
فكم من ناصح.. وكم من مرب.. وكم من كلمة.. وكم من ورسالة..وكم من شريط طار في كل مطار، فسارت به الركبان، كان خلفه أخفياء وأخفياء، فهنيئا لهم!



 = أنهم أؤلئك الساجدون الراكعون في الخلوات، فكم من دعوة في ظُلمة الليل شقّت عنان السماء، وكم من دمعة بللت الأرض..
( وبتلك الدمعات وتلك السجدات حفظنا ربنا وحفظ أمننا، ورزقنا وسقانا )..



= أنهم أؤلئك الاخفياء الذين يسعون في ظلمة الليل، ليتحسسوا أحوال الضعفاء والمساكين والأرامل والأيتام؛ لإطعام الطعام وبذل المال؛ ليفكوا بها كُربة مكروب، وليفّرجوا بها همّ أرملة ضعيفة شريدةُ الحال كثيرةُ العيال.



= أنهم اولئك الأخفياء الذين لا يعرفهم الناس،
أو الذين لا يَعرِفُ أعمالهم الناس ولكن الله سبحانه وتعالى يعرفهم، وكفى بالله شهيداً.. فهنيئاً لهم.!
ولذلكم أحباب المصطفى صلى الله عليه وسلم :
الخفاءُ منهجٌ شرعي والخفاءُ او الخلوة أو العزلة:
هي انحباسٌ للنفس بعيداً عن مخالطة النّاس، وذلك لمراجعة النّفس والوقوف على أخطائها،
أو التفكر في ملكوت السموات والأرض وتمجيدُ باريها، أو الزيادة في العبادات والتلذذ بالمناجاة..



قال تعالى ﴿ إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ  أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149)﴾
ويقول سبحانه آمراً بذكره ومناجاته خفاءً :
( وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا [[ وَخِيفَةً ]]
وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ}. ..
ويقول جل وعلا :
( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً [[وَخُفْيَةً]] إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) [الأعراف:55].
قال الطبري: قوله تعالى: {تَضَرُّعًا}
اي : تذلُّلا واستكانةً لطاعته ..
وقوله تعالى:{ وَخُفْيَةً }
أي : بخشوعِ قلوبكم، وصحةِ اليقين منكم بوحدانيته فيما بينكم وبينه، لا جهارًا ومراءاةً، وقلوبكم غيرَ موقنة بوحدانيته وربوبيته ..



 وفي أمر إخفاء الصدقة يقول تعالى :
﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ [[ تُخْفُوهَا]] وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 271].



 وقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة:274]
فقدّم سبحانه تعالى هنا صدقةَ السّرّ عن العلانية،
وصدقةَ اللّيل عن النّهار لخفائهما..



 وقد أخرج الواحدي في أسباب نزول الآيه
 بسند حسن قال:
 نزلت هذه الآية في عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه كانت عنده أربع آلاف درهم فأنفق درهما سرّا، وآخر علانية، وآخر باللّيل، وآخر بالنّهار.



كما انه صلى الله عليه وسلم حثّ أمته على صدقة السر فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث
الذي أخرجه الطبراني في الكبير بسند حسن .
«وصدقة السر تطفئ غضب الرب»
 وفي الحديث الذي اخرجه البخاري ومسلم من حديث ابي هريره رضي الله عنه :
والذي يعتبر من أقوى الأدلة على أفضلية إخفاء الصدقة كما قال ذلك الحافظُ ابن حجر ..
يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم:
( سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، قال:
ومنهم: (ورجلٌ تصدق بصدقة فأخفاها حتى
لا تعلم شماله ما صنعت يمينه )..
وفي الحديث نفسه صورة أخرى يذكرها صلى الله عليه وسلم: (ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه).



فيا احبابي الكرام :
- عبادةُ السر وطاعةُ الخفاء زينة العبد في خلوته، وزاده من دنياه لآخرته ..
انها كنزٌ من كنوز الحسنات...
بها تُفرّجُ الكُربات، وتسموا الدرجات،
 وتُكفّرُ السيئات...



- عبادة السر وطاعة الخفاء لا تخرج إلا من قلب كريم قد ملأ حبَّ اللهِ سويداءه..!
وعَمَرتِ الرغبةُ فيما عند اللهِ أرجاءه.!
فأنكر نفسه، وأخفى عمله، وتجردَ لله يريدُ قبوله من مولاه.!
 فما أجمل هذه النفوس الطيبة، والقلوب النقية، والنيات الصافية.. التي تُخفى عن شمالها ما تنفق يمينها.



- عبادةُ السرِ وطاعةُ الخفاء دليلُ الصدق،
وعنوانُ الإخلاص، وعلامةُ المحبة، وأثرُ الإيمان.



- عبادةُ السرِ وطاعةُ الخفاء لا يستطيعها المنافقون، ولا يقوى عليها الكذابون،
ولا يعرفها المدّعون.
لأن كلٌ منهم بنى أعماله على رؤية الناس له.
{{ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا }} (142)



وإنما هي أعمال الصالحين..
 ولا يثبت عليها إلا الصادقون فقط ...
ولا يثبت عليها إلا اهل الايمان
لا يثبت عليها الا اهل الوفاء والاخلاص
وهؤلاء هم الثابتون وهم السعداء وهم الناجون
يوم الوقوف والعرض الأكبر على الله جل وعلا.
نعم أيها الأخ الكريم :                
إنّا إلى الله سائرون...!
وإلى لقائه ذاهبون ..!!
 وبين يديه يوم الحشر الأكبر موقوفون ..!!
 {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ}
في ذلك اليوم العصيب {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}



تأمل معي في هذا الحديث النبوي العظيم،
عش أحداثه الآن لتبحث لك عن مخرج قبل أن تعيشها واقعاً فتصيح في خوف ورعب وذهول:
{أَيْنَ الْمَفَرُّ}...!!!؟؟؟
تخيل هذا الموقف المهول ...
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم -:
((ما منكم أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة))



 تلتفت يمنة ويسرة بين يديك..
 الكل في ذهول..!!
الكل في رعب!!
الكل في توجس وخوف وقلق ..!!
الرجال والنساء والأطفال قد اشتعلت رؤوسهم شيباً، حفاة عراةً غرلاً، الرئيس والمرؤوس، الكبير والصغير، الغني والفقير، العزيز والذليل ، الصعلوك والأمير، الابيض والأسود ..!!
 في ذلك اليوم أخي الحبيب :
لا ينفعك أخوك..!
ولا تنفعك أمك..!
  ول اينفعك أبوك..!
ولاينفعك جاه ولامنصب ..!!
ولايتفعك سلطان ولا مال ..!
ولا ينفعك قوه ولا عتاد ولا هيلمان..!
ولن ينفعك من في الأرض جميعاً من ذلك الهول ..



ماهو الحل ؟؟؟
وكيف هو الخلاص ؟؟؟



 هنا الحل... هنا الخلاص..هنا النجاه..



 فما دمت في هذه الحياة الدنيا حاول أن تعمل بهذه الوصية النبوية وستجد فيها الحل والخلاص من هول ذلك اليوم وصعوبته ..!!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -:
 ((من استطاع منكم أن يكون له خَبْءٌ من عمل صالح فليفعل)) [ صحيح الجامع ]..
   فالحل إذن هو :
 العمل الصالح الذي تخفيه عن أنظار الخلق، وترفعه إلى رب المخلوقين الذي يعلم السر وأخفى سبحانه وتعالى ..
فهو زورق من ركبه نجا .!!
 ومن اعتادها طهر قلبه وهذب نفسه.
وفي الحديث عَنْ عَامر بن سعد بنِ أَبي وَقّاص عن أبيه رضي الله عنه:سَمِعْتُ  رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :
 ((إِنهَا سَتَكُونُ بعدِي فِتَن، أَو قَالَ:أُمُور، خَيرُ اَلنّاسِ فِيهَا اَلغَنِي اَلخَفِيُّ اَلتَّقِيُّ))
والله جل وعلا يقول في محكم آياته :-



{{ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا }} (110)



بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم وأقولُ ما سمعتم وأستَغفِرُ اللهَ لِي وَلَكم ولِسائِرِ المُسلمينَ من كلِّ ذَنْبِّ فاستغفروهُ إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.



الخطبه الثانيه
ثم اما بعد ايها الكرام :
ونحن في اول جمعهٍ من شهر رجبٍ المحرم  لا زال حديثنا مستمراً في السلسله الثانيه من تلك الاعمال الجليله التى يحبها الله سبحانه وتعالى
وعمل اليوم الذي يحبه الله هي
(( عباده الخفاء - خبيئه العمل الصالح ))
ففي الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه من حديث سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلميَقُولُ:
" إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِىَّ الْغَنِىَّ الْخَفِيَّ "
و(الخفي) هو الذي يداوم على العمل ويخفي هذا العمل..!!
وهذا إنسانٌ يُحبه الله جل وعلا ...
وإذا أحبه الله كان الأمر كما قال الله تعالى في الحديث الآخر:
 (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها؛ ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه).



نعم أحبتي الكرام
العبد الخفي؟!
 هو الذي عرف ربه، فعرفه الله سبحانه وتعالى، فأحب الله وأحبه الله، وحَرِصَ أن يكون بينه وبين الله أسرار.



والعبادُ الاخفياء هم اولئك الأنقياء الأتقياء،
الذين اجتهدوا في إخفاء أعمالهم..
إنّهم  الذين إذا حضروا لم يعرفوا،
 وإن غابوا لم يفتقدوا..
يقول نافعٌ عن مالك رحمه الله :
 "دخَل عمرُ بن الخطَّاب المسجدَ فوَجَد معاذَ بن جبل جالسًا إلى بيت النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم  وهو يبكي، فقال له عمر:
ما يُبكيك يا أبا عبدالرحمن؟ هلَك أخوك؟
 قال: لا، ولكنَّ حديثًا حدَّثنيه حبيبي صلَّى الله عليه وسلَّم  وأنا في هذا المسجد، فقال: ما هو؟ قال: ((إنَّ الله يحبُّ الأخفياءَ الأحفياءَ، الأتقياء الأبرياء، الذين إذا غابوا لم يُفْتَقدوا، وإذا حضَرُوا لم يُعرَفوا، قلوبهم مصابيحُ الهُدَى، يَخرُجون مِن كلِّ فِتنة عمياء مظلِمة)).



فالعباد الاخفياء شغلوا أنفسهم بالله، فازدادوا له إخباتاً وطاعة، وعرفوا أنفسهم وكيدها فازدادوا لها إذلالاً لمعبودها.
ولو جئنا في هذا الوقت القصير لنتحدث عن أولئك الرجال الاخفياء الذين كتب التاريخ مجدهم بمداد الخلود، فصاروا أئمةً يُقتدى بهم وقد أرمت عظامهم، وبليت ملامحهم... لما كفانا..
نعم /
أيّن نحن من تلك المواقف لسلفنا رحمة الله عليهم وتلك الصور الفذه والمشرقه من حياة أولئك النبلاء الأعلام ..
وأولئك الأخفياء الذين حَرِصوا على أن يكون لهم خبيئةٌ من عملٍ صالح...
وحرصوا أن يكون بينهم وبين الله أسرار وأسرار.!
نعم /
لم يكتف الصّالحون الأخفياء بصلاتهم وصومهم وعبادتهم القاصرة على أنفسهم،
 بل تعدَّى نفعهم إلى غيرهم في خفاء وسرية تامة، فيسهرون إذا نام الناس، ويؤثرون إذا ضنّ الآخرون..



كلّ ذلك ابتغاءَ أن يرفعَ اللهُ درجاتهم،. 
ويقضي حاجاتهم، ويكشف كرباتهم :
 ﴿ يوم لاينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم ﴾ ..



- فهذا خليفه المسلمين أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان إذا صلى الفجر بخرج إلى الصحراء، فيحتبس فيها شيئًا يسيرًا، ثم يعود إلى المدينة،
فتعجب عمر رضي الله عنه من خروجه اليومي
 فتبعه ذات يوم خُفيةً بعد ما صلى الفجر،
لينظر ماذا يصنع وماذا يعمل بهذا الوقت من يومه.
 فلما خرج أبو بكر من المدينة اذا به يأتي خيمة قديمة في الصحراء،
فاختبأ له عمر خلف صخرة، فلبث أبو بكر في الخيمة شيئًا يسيراً ثم خرج..
 فخرج عمر من وراء صخرته ودخل الخيمة،
فإذا فيها امرأةٌ ضعيفة عميــاء وعندها صبية صغار، فسألها عمر:
من هذا الذي يأتيكم؟
 فقالت: لا أعرفه، هذا رجل من المسلمين، يأتينا كل صباح منذ كذا وكذا،
فقال عمر: فماذا يفعل؟
 قالت المرأة: يكنس بيتنا، ويعجن عجيننا، ويحلب شاتنا، ثم يخرج ..
فخرج عمر وهو يقول:
 "لقد أتعبت الخلفاء من بعدك يا أبا بكر"
 لقد أتعبت الخلفاء من بعدك يا أبا بكر.



- ورُوي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه خَرَجَ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ فَرَأَهُ طَلْحَةُ، فَذَهَبَ عُمَرُ فَدَخَلَ بَيْتًا ثُمَّ دَخَلَ بَيْتًا آخَرَ ..



فَلَمَّا أَصْبَحَ طَلْحَةُ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ الْبَيْتِ فَإِذَا بِعَجُوزٍ عَمْيَاءَ مُقْعَدَةٍ، فَقَالَ لَهَا: مَا بَالُ هَذَا الرَّجُلِ يَأْتِيكِ؟ قَالَتْ: إِنَّهُ يَتَعَاهَدُنِي مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، يَأْتِينِي بِمَا يُصْلِحُنِي، وَيُخْرِجُ عَنِّي الْأَذَى، فَقَالَ طَلْحَةُ: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا طَلْحَةُ ‍أَعَثَرَاتِ عُمَرَ تَتْبَعُ؟"



- وكان علي بن الحسين رضي الله عنهما يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق بها، ويقول: "إن صدقة السر تطفئ غضب الرب"
ولَمَّا مَاتَ فَغَسَّلُوهُ وجدوا على ظهره آثَار سَوْدَاءَ  فَقَالُوا: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: كَانَ يَحْمِلُ جُرُبَ الدَّقِيقِ لَيْلًا عَلَى ظَهْرِهِ يُعْطِيهِ فُقَرَاءَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ".



 فانقطع الطعام عن مائة بيت في المدينة من بيوت الأرامل والأيتام، كان يأتيهم طعامهم بالليل،
لا يدرون من يحضره إليهم، فعلموا أنه هو الذي كان يحمل الطعام إلى بيوتهم بالليل، وينفق عليهم.
حتى قال ابن القُرشي :
" سَمِعْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ، يَقُولُونَ: "مَا فَقَدْنَا صَدَقَةَ السِّرِّ حَتَّى مَاتَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ"..



- ويقول يوسف بن عطية عن محمد بن واسع :
" لقد أدركت رجالاً كان الرجل يكون رأسه مع رأس امرأته على وسادة واحدة قد بلّ ما تحت خده من دموعه, لا تشعر به امرأته."
" ولقد أدركت رجالاً يقوم أحدهم في الصف فتسيل دموعه على خده ولا يشعر به الذي إلى جواره ".



- وهذا التابعي مَنْصُوْرَ بنَ المُعْتَمِرِ عليه رحمه الله
صَامَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، وَقَامَ لَيْلَهَا، وَكَانَ يَبْكِي، فَتَقُوْلُ لَهُ أُمُّهُ:  يَا بُنَيَّ، قَتَلتَ قَتِيْلاً؟
فَيَقُوْلُ: أَنَا أَعْلَمُ بِمَا صَنَعتُ بِنَفْسِي.
فَإِذَا كَانَ الصُّبْحُ، كَحَّلَ عَيْنَيْهِ، وَدَهَنَ رَأْسَه، وَبرَّقَ شَفَتَيْهِ، وَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ... إخفاءً لعمله..



- وصام أحد السلف عشرين سنة ..
يصوم يومًا ويفطر يومًا وأهله لا يدرون عنه،
كان له دكان يخرج إليه إذا طلعت الشمس ويأخذ معه فطوره وغداءه،
فإذا كان يوم صومه تصدق بالطعام،
 وإذا كان يوم فطره أكله..                                      
- وهذه امْرَأَةُ حَسَّانَ بْنِ أَبِي سِنَانٍ تقول عنه:
" كَانَ يَجِيئُ فَيَدْخُلُ مَعِي فِي فِرَاشِي ثُمَّ يُخادِعُنِي كَمَا تُخادِعُ الْمَرْأَةُ صَبِيَّهَا، فَإِذَا عَلِمَ أَنِّي قَدْ نِمْتُ سَلَّ نَفْسَهُ فَخَرَجَ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي " قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ كَمْ تُعَذِّبُ نَفْسَكَ ارْفُقْ بِنَفْسِكَ، قَالَ:
" اسْكُتِي وَيْحَكِ فيُوشِكُ أَنْ أَرْقُدَ رَقْدَةً لَا أَقُومُ مِنْهَا زَمَانًا "



فيأيها المؤمن ويا ايتها المؤمنه :



هذا غيضٌ من فيض مما ذكره التأريخ من سير وحياه اولئك الأفذاذ
هذه قطرهٌ من بحد من خبيئاتُ اولئك الأتقياء الأنقياء الاخفياء الأصفياء من سلف امتنا وصالحيها ..!!
فهل لك خبيئة ؟
فما هي خبيئتك ؟



فلنقتدِ بهذا الركبِ الطاهر..
ولْنَسِرْ على دربهم..
ولنمضي في طريقهم الذي سلكوه..
نعم /
 هيّا إلى عملٍ صالحٍ خفيٍ نُتاجرُ فيه مع الله
ونكسب فيه الربح والفلاح والرضوان..
 هيّا إلى دوحاتِ البِّر والخير والصلاح ..
 هيا الى صلاةٍ في دُجى الليل والأهلُ نيام…
هيا الى تلاوةٍ لكتابِ الله بتأملٍ وخشوعٍ وخضوع وتدبر …
هيا الى مناجاةٍ لله بالأسحار  ..
هيا الى الاستغفار والتسبيح والدعاء بدموعِ الخوفِ والرجاء..
هيا الى صيامٍ خفي لا يعلمه إلا الله…
هيا الى تفريجٍ لمكروب، أو إغاثةٍ لملهوف…
هيا الى صدقةٍ في السرِ تُطفئ غضب الربِ جل وعلا .
هيا الى يتيمٍ تتبناه او الى ارملهٍ تتعهدها ..
هيا الى أسرهٍ فقيره محتاجهٍ ترعاها ..
هيا الى جائع يتلوى من الجوع تطعمه وتسقيه..



هيا الى خبيئاتٍ صالحه هي فوزك وفلاحك ونجاتك وهي في الغد سبب فرحك وسرورك
بين يدي من لاتخفى عليه خافيه ..



نعم احبابي الكرام روّاد مسجد بلال :
لتكن لنا خبيئةٌ صالحة ندّخرها :    
ليومِ فقرنا .. وليوم ذُلّنا.. وليوم مسكنتنا
وليومٍ  تشخص فيه الأبصار…
وليومٍ  تُبْلى فيه السرائر..
وليومٍ تذهل فيه كل مرضعه عما أرضعت
وتضع فيه كل ذات حَمْلٍ حملها ..



ولتكن تلك الخبيئة مغلّفةٌ ( بالصدق)
 معطّرةٌ ( بالإخلاص )، محاطةٌ (بالسريه والكتمان)
حتى لا تفقدَ جمالها وبريقها ورونقَها وصفاءَها، وبهاءَها وأجرَها وثوابَها.



تاجر مع الله ولا تتوانَا ولا يَغُرَّنّكِ جُنونُ عصرنا بشهوة «النجومية» واللهث وراء «الشُّهرة»! والتخفِّي وراء عبارات «تقدير الذات»
 و«الثقة بالنفس»!!
 فالتجارة مع الله أكيدة ورابحة، وما الربح إلا ربح الآخرة :
﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾ [آل عمران: 185].
- فكن من الجنود المجهولين الذين يعرفون في السماء ولا يعرفون في الأرض ..
كما قال ابن مسعود :
"كونوا ينابيع العلم، مصابيح الهدى، أحلاس البيوت، سرج الليل، جدد القلوب، خلقان الثياب؛ تعرفون في السماء، وتخفون على أهل الأرض".



- كن من هؤلاء الذين أحبوا ربهم فأحبهم، وعرفوه فعرفهم، ودعوه فأجابهم :
 [كم من أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لا يُؤْبَهُ له لو أَقْسَمَ على اللهِ لَأَبَرَّه]
(الترمذي عن أنس وقال حسن صحيح].



- كن من الراكعين الساجدين في ظلام الليل،
ومن الذين يسعون في صمت وبعيداً عن الأضواء والضوضاء في حاجة الضعفاء والمساكين والأرامل والأيتام والمكروبين، من الناصحين المخلصين.



- سقاني الله وإياكم من كأس الإخلاص الممزوج بعروق الصدق...
وجعلنا من المخلصين سرا وعلانية ..



- اللهم اجعل سرنا خيراً من علانيتنا، واجعل ظواهرنا صالحة.



- اللهم اجعل عملنا صالحاً ولوجهك خالصاً ولاتجعل لأحدٍ منه شيئاً ياسميع الدعاء ..



- اللهم طهر أعمالنا من الرياء وألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانه ..



- اللهم إنّا نعوذ بك من الرياء والسمعه ونعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق يارب العالمين .



- اللهم ارزقنا خشيتك ومحبتك والقرب منك، والبصيرة في دينك، والمداومة على طاعتك،
 وعافِ نفوسنا بِمِنّتك، وأصلح حال أمتنا،
وارزقها الرّفعة والتمكين على أيدينا،
 إنك على كل شيء قدير...



- اللهم ارزقنا خشيتك في الغيب والشهادة، واجعلنا ممن رُزق الخوف من مقامك يوم نلقاك.. 



- اللهم املأ قلوبنا خشيةً تحول بها بيننا وبين معاصيك، ويقيناً يُعلقنا برضوانك وجنتك،
ويُزهّدنا بمعصيتك يا رب العالمين.



- اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا بفضلك ومنّك وكرمك رمضان يا كريم يارحيم ياغفار..



ثم اعلموا انّ الله أمركم بأمرٍ بدأ به نفسه
وثنى به ملائكته المسبحه بقدسه وثلث به عباده
من جنِّه وإنسه فقال :-
(( إنَّ اللّهَ وملائِكتَه يُصلونَ على النَّبي يا أيَّها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ))....
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد،..
 وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك، يا أرحم الراحمين.
-----------------------------------
اللهم اجعلها صدقهً جاريهً لي ولوالدتي المرحومه..
وأنفع بها عبادك المسلمين اجمعين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

🎤 خطبــة جمعـــة بعنـــوان : [ الإســـتغفـــــــار ] إعـــــــداد وتنظيــــم وإلقـــاء : الاستـــاذ/ احمــــد عبـداللَّـه صــالح خــط...