خطبه جمعه بعنوان
قصه سبأ
(( ضمن سلسله نعم الله التى لاتحصى -
تاااابع لنعمه المال-3 ))
إعداد وإلقاء الاستاذ/ احمد عبدالله صالح خطيب مسجد بلال بن رباح-
الجمهوريه اليمنيه - محافظه إب.
القيت في 2017/2/18
ثم اما بعد ايها الأحباب الكرام :-
أتحدث إليكم اليوم عن مملكة ..
مملكةٍ كانت من أعظم ممالك التاريخ،
سادت ثم بادت, وذهب سلطانها وهيلمانها حتى أصبحت أثراًبعد عين, وغدت روايةً تُحكى,
( انها مملكه سبأ )
من ممالك اليمن العظيمة ..
هي الآن مدينة من مدن بلاد اليمن ،
كان يسكنها قديما رجل من العرب اسمه(سبأ ) ،
وسمي المكان باسمه ،
وصارت من بعده بلاداً يسكنها الكثير من قبائل العرب ..
كان أهلها في أرضٍ خصبةٍ وثمرةٍ يانعةٍ,
جنتان عن يمين وشمال...
رمزٌ ناطقٌ بالخضرة والجمال, والرخاءِ والمتاع .
كانوا في رفاهيه بكل ماتعنيه الكلمه من معانٍ .
نعم/
كانوا في نعمة لا تبارى -أي لا توصف-
وفي غبطة لا تجارى،
كانت اليمن بلادًا مستفيضة الرقعة..
أراضيها واسعة..
ذات أودية عريضة وتربة خصبة،
ولكنها كانت شحيحة المياه؛ لأنها لا أنهار فيها، تعيش على ما ينزل عليها من المطر،
ثم يتخذ سفوح الجبال، ثم يمضي إلى الصحراء،
تأتيها سيول جارفة وقوية، فلا يلبث السيل إلا كما يلبث الطيف، أي( يمر سريعًا).
أو تقيم كسحابة الصيف.
فهداهم حسن تفكيرهم -بعد توفيق الله لهم- بعد ان ألجأتهم الحاجة:
أن يبتدعوا أمرًا يوقفون به زحف السيول الهادرة ويحجزونها في أرضهم لكي ينتفعوا بها.
هُدوا إلى طريقة بناء السدود والحواجز يقيمونها بين الأودية، وذلك دليل على قوة همتهم وشدة عزيمتهم، وقد كثرت تلك السدود وتعددت الحواجز.
ولكن سد مأرب المشهور كان أقواها وأمتنها وأجدها وأنفعها.
فقد كان سدًّا عريضًا منيعًا حصينًا.
جعلوا له عيونًا تفتح وتغلق، وخزنوا الماء بكميات:
- فإذا بالوادي المقفر يتحول إلى حديقة غناء،
- وإذا بالوهاد الشاحبة بساطًا أخضر،
- وإذا بالبلد القاحلة تكتسي حلة خضراء
وترتدي ثوبًا قشيبًا.
منظر يَسْحَرُ العين ويُبهرُ القلب ويُمتِعُ الفؤاد،.
- حدائق غناء، وزروع خضراء.
- وماء متدفق، وعيون تجري.
- وقطوف دانية، وثمار يانعة.
- وفواكه مختلفة، وأشجار وأزهار.
- وطيور مغردة، وبلابل صداحة.
- ومتعة للقلب والنظر، ومتعة للفكر.
تسير المرأة في وسط هذه الحدائق المبهجة
وبين الشجار المكتظة، جوانبها صنوان المياه العذبة.
تسير المرأة حاملةً زنبيلاً فوق رأسها،
فلا تمضي مسافة يسيرة حتى يكون -الزنبيل- قد امتلأ من الثمر الناضج المتساقط فيه من غير حاجة إلى كلفة أو قطاف ودون ان تمس بيدها
فرعاً ولا غصناً لكثرته ونضجه, واستوائه.
وتعود إلى بيتها ، وهي تحمل ما لذ وطاب من الفواكه والثمار ..
( بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ)
وهكذا اتسعت النعمة وعَظُمت المنَّة وفاض الخير، وغنت بلابل السعد، وخيمت أيام السرور عليهم.
- لقد تدفق العطاء، وساد الرخاء..
- واتسع الغنى، وعمّ الهناء.
- وطابت الأرض، وحَسُنَ الُمقام.
- واعتدل الهواء، وصحّ المزاج.
ولم يبق في الحياة شيء يُعكرُ الصفو
أو يُكّدر الأنس.
ولقد خلت أرض سبأ من كل منغص حتى من الذباب والبعوض والبراغيث والحشرات والهوام.
- قال ابن الجوزي -رحمه الله- في زاد المسير: "ولم يكن يُرى في بلدهم حية ولا عقرب ولا بعوضة ولا ذباب ولا برغوث..
حتى كان يمر الغريب ببلدتهم وفي ثيابه القَمْل،
فيموت القمل لطيب هوائها!"
كل ذلك عناية من الباري الله -عز وجل-
عنايهً من الله الكريم....
وعطاءً من الله العظيم...
وهبةً من الله المنعم المتفضل ...
القائل: (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ
وَرَبٌّ غَفُورٌ) [سبأ:15]،
اي: تمتعوا بِنعَمِه واهنؤوا بعطائه، إلتذوا بأرزاقه،
والمطلوب منكم هو شكر الله سبحانه.
فالمقام طيب، والبلدة طيبة، والحياة طيبة،
والثمار طيبة، والهواء طيب..
وأطيب من كل ذلك أن الرب الله -عز وجل-
طيب غفور، فاجتمع لهم طِيْبٌ في الأرض
وطِيْبٌ في السماء..
بلدة طيبةً معطاء..
آمنةً مطمئنةً رخاء...
ورب غفورٌ، ودودٌ رؤوف، جوادٌ رحيم..
- سماحةٌ في الأرض بالنعمة والرخاء..
- وسماحةٌ في السماء بالعفو والغفران..
فهل بعد هذا الهناء من هناء؟!
وهل بعد هذه النعمة من نعمة؟!
فأي عذر بقي لأولئك يحول بينهم وبين حسن القصد والعمل؟!.
يحول بينهم وبين هذه النعمه وتقديرها وشكرها؟!
- تُرى ماذا كان يَضيرُ سبأ لو أطاعوا ربهم،
الذي أحاطهم بكل عناية، وشملهم بكل رعايةٍ،".
فأطعمهم من فوقهم، ومن تحت أرجلهم،
بلا حدودٍ ولا حسابٍ ..
- ماذا كان يضيرُ سبأ لو عرفوا للمتين الوهاب حقه، وأدركوا أن ما يتمتعون به من النعيم المقيم، والظل الوارف، والماء المسكوب..
هو فضلٌ من الله ومنة؟!
فلم التجبر والطغيان؟!
- ماذا كان يضير سبأ لو أدركوا أن ما يُٰنعّمون به من رغدِ العيشِ وأمن البلادِ إنما هو ابتلاء من الله لهم ليعلم -وهو العليم الخبير-
أيشكرون أم يكفرون؟
أينسبون الفضل لله أم لأنفسهم الضعيفة؟
{كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ} [(15-16) سورة سبأ].
فأعرضوا....
وهنا مَكمَن الخطأ..
وبدايةُ النهايةِ، وبوادرَ الكارثةَ...
فأعرضوا عن شكر النعمِ، وإجابة المرسلين، ورضوا لأنفسهم بالذِّلةِ والهوان،
يوم استبدلوا بعبودية الله عبودية شمس تشرق وتغرب، ويحجب أشعتها ركامٌ يسير من السحاب!
-( فَأَعْرَضُوا ) ،
أعرضوا عن شكر الله ....
أعرضوا عن طاعة الله ...
أعرضوا عن الإيمان به ....
وكذبوا الرسل ، بل وصدوا عن سبيل الله..
وقد قيل أن الله سبحانه وتعالى ، أرسل إليهم ثلاثة عشر نبيا ..
فلم يستجيبوا لهم . بل أعرضوا عن دين الله وعبادته وشكره..
نعوذ بالله من الخسران وقلة التوفيق وضيق الأفق وغلبة الهوى ومحق البركة...
أهكذا يكون الجزاء؟!
وهكذا تشكر النعمة ؟؟!
وهكذا يقابل الإحسان؟!
- الله سبحانه يخلق ويرزق وينعم ويُعبَد غيره؟!
- يعطي بلا حساب ويُشكر غيره ويتجه إلى سواه؟!
ولذلكم
أعرضوا عن طاعة الله، عصوا الله..
كثرت جرائمهم ومعاصيهم، وعبر الله -عز وجل-
عن كل ذلك بقوله: (فَأَعْرَضُوا)
إعراضًا استحقوا به العقوبة القاسية العظيمة الصارمة من الله -عز وجل-..
-:: فكان جزاؤهم مخيفًا، لم يكن شيئاً سهلاً
أو أمرًا هينًا بسبب شركهم ومعاندتهم وتخليهم عن عبادته، وبعدهم عن هدايته، ومخالفة أوامره، والتنكر لنعمه، والكفران لجوده...
فلما أعرضوا وعصوا الله ماذا حدث لهم؟!
قال تعالى:
(فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) [سبأ:16].
يا الله!! ما أسرع الانتقام!!
وما أشد العقوبة!!
ما أعظم البلية!!
فكأنه لم يكن بين الإعراض منهم وإنزال العذاب بهم إلا غمضة عين.
ولا شك أنهم قد عاشوا مدة طويلة في النعيم، وُأعطوا مهلة للتوبة..
ولكن ساعات الهنا محدودة..
ولحظات السرور معدودة..
فأرسل الله -عز وجل- عليهم سيل العرم..
أي السيل القوي الجارف الذي دمّر سدودهم وهدمها..
دمر السدود التي كانت سببًا في سعادتهم وسرورهم..
:: وإذا بالماء الذي شربوا من زلاله واستقوا من ينابيعه واستمتعوا بخريره واستأنسوا لهديره، وسقوا به زروعهم، وارتوت به أراضيهم وقلوبهم وبهائمهم..
:: إذا به يدمرهم بقدرة الله تعالى..
فأدخل الله به الرعب في قلوبهم..
وطاشت لهوله عقولهم:
- دمرت به منازلهم..
- واجتثت واقتلعت به مزارعهم..
- وقصفت به ممتلكاتهم...
- وقوضت به أبنيتهم..
- ونسفت به سدودهم..
( غرق الزرع، وهلك الضرع )...
:: وإذا بالوادي الأخضر يمسى وهو مقفر..
:: وإذا بالحدائق الغناء صحراء جرداء، قاحله.
:: وإذا بالثمار اليانعة يحل محلها الخمط والأثل -نبات مر بشع-
والسدر الذي يمكن أن يؤكل منه لم يوجد
منه إلا قليل..
:: وإذا بالطيور الصداحة والبلابل الغناء التى كانت تغنى وتفرد من فوق مزارعهم وعلى أشجارهم اليانعة تغادر ليحل محلها البوم والغربان...
تصيح فوق البيوت المهدمة والزروع المدمرة..
:: وإذا بالأسر تمزق، والأهل يشردون،
والأحبة يتفرقون...
:: وإذا بالبلاد تهجر، والأوطان تغادر بقلوب محترقة وأعين دامعة ونفوس متحسرة...
يقول الله تعالى:
(لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ * وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [سبأ 15 :19].
وللحديث بقية في الخطبة الثانية -إن شاء الله-.
أسأل الله أن يبارك لنا في القرآن العظيم، وسنة خاتم المرسلين، وأن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
إكمالاً لهذه القصة قصة سبأ،
التى تأتي ضمن سلسلسه نعم الله التى لاتحصى ضمن نعمه المال وكيف تشكر هذه النعمه وكيف تُكفر ....
فبعد أن عاش اهل سبأ في رغدٍ من العيش في اليمن في بلاد طيبة وأمن .
وقرى متواصلة ومدائن متقاربة..
وكانوا يسافرون من بلادهم إلى بلاد الشام
وإلى بلدان كثيرة وهم في أمن وأمان وأنس وسرور وعطاء ونماء..
لا يحتاجون إلى حَمْلٍ للزاد ولا تزود بالماء،.
فحيثما نزلوا وجدوا ماءً زُلالاً وثمرًا يانعًا..
ويقيلون في قرية ويبتون في الأخرى..
لا يشعرون بتعب . ولا يعتريهم نصب.
ولا يعانون من وصب.
فهم يسيرون في قرى واضحة ظاهرة آمنة.
لكنهم بطروا النعمة، وجحدوا المنة..
{فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ} [(19) سورة سبأ]
دعوا على أنفسهم بطول المسافات وتباعد الأسفار بطرًا منهم وحسدًا لأنفسهم وملالاً من الرخاء وضيقًا بعيش الهناء..
قالوا :
اجعل بين أسفارنا مسافاتٍ بعيدة،
ومفاوز شاسعةً حتى نشعر بعناء السفر ومشقته!.
يا للسفه والجنون! ويا للحماقةِ والطيش!
أناسٌ هيئ الله لهم قرى متشابكة، وطرقاً آمنة، فإذا بهم يتطلبون المسافات البعيدةِ والقرى النائية.
فكانت العقوبة الصارمة والانتقام المقيت..
وكان لا بد من وضعِ حدٍ لكبرياءَ القومِ وغرورهم وتجبرهم وطغيانهم..
فقد طفح الكيلُ وبلغ السيلُ الزُّبى..
فإذا بالجموع المتماسكة، والبيوتِ المتلاقصة، والأسرُ المتقاربةِ تنفرط سبحتها..
وتتمزق وحدتها، وتتقوضُ سلطتها...
{فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}.
أحاديث يَروي الناس أخبارهم ويحكون قصصهم ويتندرون بفعلهم..
أصبحوا حديث المجالس، وكلام الناس في مجالسهم ونواديهم..
فرقهم الله -عزّ وجل-، وشتّت شملهم،
وأصبح يُطلق عليهم المثل:
"تفرقوا أيدي سبأ"، أي تفرقوا وتشتتوا، وأصبحت أسرهم ممزقة مفرقة...
فلا حول ولا قوة إلا بالله، ما أشد عقوبة الله ذلك الزمان وفي كل زمان!!
عباد الله:
- احذروا من كفر النعمة..
- واحذروا من البطر والتكبر والغطرسة...
- احذروا من الاغترار بالنعم،
سواء أكانت مالاً أم صحة وعافية في الأبدان،
فما أسرع زوال النعم!!
وما أسرع أن يفتقر الإنسان بعد غنى!!
وما أسرع أن يمرض وتزول صحته!!
وما أسرع ذهاب أولاده!!
وما أسرع حضور الموت!!
فلنتّقِ الله ونشكره ولا نكفره، ونعبده وندعوه أن يديم علينا النعم.
وحيا الله من قال:-
إذا كنت فِي نعمةٍ فارعهـا
فإن المعاصـي تُزيـل النعـم
وحطها بطاعة رب العبـاد
فربُ العبـاد سريـع النقـم
ولذلكم تختتم الآيات
( ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ )
:: هذا جزاء من كفر وجحد نعم الله ..
:: هذا جزاء من أعرض عن ذكر الله وشكره ..
:: هذا جزاء من بدل إيمانه كفراً ، وضلالاً ، وفساداً في الأرض بعد اصلاحها..
جزؤه الهلاك والدمار وضنك العيش وضيق الرزق ، والخوف والهلع ، والحروب والقتل ، والظلم والعدوان فيما بينهم ..
هذه هي سنة الله في خلقه :-
0- فمن أسلم لله وجهه ، وشكر لله نعمه ، وابتعد عما يسخطه ، وصدق المرسلين ، فجزاؤه:-
(كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ
وَرَبٌّ غَفُورٌ )
0- وأما من أسلم للشيطان وجهه ، وصدق ابليس في وعده ، وكفر بنعمة ربه ، وأعرض عما جاء به المرسلون
(فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) ،
تلك هي سنة الله في خلقه ، وهي سنن لا تتغير ولا تتبدل ، يقول سبحانه:
(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاه عليه.
فقال -عز من قائل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صلّ وسلم على المصطفى نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-.
---------------------------------
اللهم اجعل ما اكتبه وما أعده وما انشره في سبيلك ومن أجلك ومن اجل رضاك ولأجل رحمتك ومغفرتك وعفوك ورضوانك ونعيمك وجنانك..
اللهم اجعلها صدقهً جاريهً لي ولأمي إلى ان ترث الارض ومن عليهاا...آآآآآآآمين.......
---------------------------------
قصه سبأ
(( ضمن سلسله نعم الله التى لاتحصى -
تاااابع لنعمه المال-3 ))
إعداد وإلقاء الاستاذ/ احمد عبدالله صالح خطيب مسجد بلال بن رباح-
الجمهوريه اليمنيه - محافظه إب.
القيت في 2017/2/18
ثم اما بعد ايها الأحباب الكرام :-
أتحدث إليكم اليوم عن مملكة ..
مملكةٍ كانت من أعظم ممالك التاريخ،
سادت ثم بادت, وذهب سلطانها وهيلمانها حتى أصبحت أثراًبعد عين, وغدت روايةً تُحكى,
( انها مملكه سبأ )
من ممالك اليمن العظيمة ..
هي الآن مدينة من مدن بلاد اليمن ،
كان يسكنها قديما رجل من العرب اسمه(سبأ ) ،
وسمي المكان باسمه ،
وصارت من بعده بلاداً يسكنها الكثير من قبائل العرب ..
كان أهلها في أرضٍ خصبةٍ وثمرةٍ يانعةٍ,
جنتان عن يمين وشمال...
رمزٌ ناطقٌ بالخضرة والجمال, والرخاءِ والمتاع .
كانوا في رفاهيه بكل ماتعنيه الكلمه من معانٍ .
نعم/
كانوا في نعمة لا تبارى -أي لا توصف-
وفي غبطة لا تجارى،
كانت اليمن بلادًا مستفيضة الرقعة..
أراضيها واسعة..
ذات أودية عريضة وتربة خصبة،
ولكنها كانت شحيحة المياه؛ لأنها لا أنهار فيها، تعيش على ما ينزل عليها من المطر،
ثم يتخذ سفوح الجبال، ثم يمضي إلى الصحراء،
تأتيها سيول جارفة وقوية، فلا يلبث السيل إلا كما يلبث الطيف، أي( يمر سريعًا).
أو تقيم كسحابة الصيف.
فهداهم حسن تفكيرهم -بعد توفيق الله لهم- بعد ان ألجأتهم الحاجة:
أن يبتدعوا أمرًا يوقفون به زحف السيول الهادرة ويحجزونها في أرضهم لكي ينتفعوا بها.
هُدوا إلى طريقة بناء السدود والحواجز يقيمونها بين الأودية، وذلك دليل على قوة همتهم وشدة عزيمتهم، وقد كثرت تلك السدود وتعددت الحواجز.
ولكن سد مأرب المشهور كان أقواها وأمتنها وأجدها وأنفعها.
فقد كان سدًّا عريضًا منيعًا حصينًا.
جعلوا له عيونًا تفتح وتغلق، وخزنوا الماء بكميات:
- فإذا بالوادي المقفر يتحول إلى حديقة غناء،
- وإذا بالوهاد الشاحبة بساطًا أخضر،
- وإذا بالبلد القاحلة تكتسي حلة خضراء
وترتدي ثوبًا قشيبًا.
منظر يَسْحَرُ العين ويُبهرُ القلب ويُمتِعُ الفؤاد،.
- حدائق غناء، وزروع خضراء.
- وماء متدفق، وعيون تجري.
- وقطوف دانية، وثمار يانعة.
- وفواكه مختلفة، وأشجار وأزهار.
- وطيور مغردة، وبلابل صداحة.
- ومتعة للقلب والنظر، ومتعة للفكر.
تسير المرأة في وسط هذه الحدائق المبهجة
وبين الشجار المكتظة، جوانبها صنوان المياه العذبة.
تسير المرأة حاملةً زنبيلاً فوق رأسها،
فلا تمضي مسافة يسيرة حتى يكون -الزنبيل- قد امتلأ من الثمر الناضج المتساقط فيه من غير حاجة إلى كلفة أو قطاف ودون ان تمس بيدها
فرعاً ولا غصناً لكثرته ونضجه, واستوائه.
وتعود إلى بيتها ، وهي تحمل ما لذ وطاب من الفواكه والثمار ..
( بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ)
وهكذا اتسعت النعمة وعَظُمت المنَّة وفاض الخير، وغنت بلابل السعد، وخيمت أيام السرور عليهم.
- لقد تدفق العطاء، وساد الرخاء..
- واتسع الغنى، وعمّ الهناء.
- وطابت الأرض، وحَسُنَ الُمقام.
- واعتدل الهواء، وصحّ المزاج.
ولم يبق في الحياة شيء يُعكرُ الصفو
أو يُكّدر الأنس.
ولقد خلت أرض سبأ من كل منغص حتى من الذباب والبعوض والبراغيث والحشرات والهوام.
- قال ابن الجوزي -رحمه الله- في زاد المسير: "ولم يكن يُرى في بلدهم حية ولا عقرب ولا بعوضة ولا ذباب ولا برغوث..
حتى كان يمر الغريب ببلدتهم وفي ثيابه القَمْل،
فيموت القمل لطيب هوائها!"
كل ذلك عناية من الباري الله -عز وجل-
عنايهً من الله الكريم....
وعطاءً من الله العظيم...
وهبةً من الله المنعم المتفضل ...
القائل: (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ
وَرَبٌّ غَفُورٌ) [سبأ:15]،
اي: تمتعوا بِنعَمِه واهنؤوا بعطائه، إلتذوا بأرزاقه،
والمطلوب منكم هو شكر الله سبحانه.
فالمقام طيب، والبلدة طيبة، والحياة طيبة،
والثمار طيبة، والهواء طيب..
وأطيب من كل ذلك أن الرب الله -عز وجل-
طيب غفور، فاجتمع لهم طِيْبٌ في الأرض
وطِيْبٌ في السماء..
بلدة طيبةً معطاء..
آمنةً مطمئنةً رخاء...
ورب غفورٌ، ودودٌ رؤوف، جوادٌ رحيم..
- سماحةٌ في الأرض بالنعمة والرخاء..
- وسماحةٌ في السماء بالعفو والغفران..
فهل بعد هذا الهناء من هناء؟!
وهل بعد هذه النعمة من نعمة؟!
فأي عذر بقي لأولئك يحول بينهم وبين حسن القصد والعمل؟!.
يحول بينهم وبين هذه النعمه وتقديرها وشكرها؟!
- تُرى ماذا كان يَضيرُ سبأ لو أطاعوا ربهم،
الذي أحاطهم بكل عناية، وشملهم بكل رعايةٍ،".
فأطعمهم من فوقهم، ومن تحت أرجلهم،
بلا حدودٍ ولا حسابٍ ..
- ماذا كان يضيرُ سبأ لو عرفوا للمتين الوهاب حقه، وأدركوا أن ما يتمتعون به من النعيم المقيم، والظل الوارف، والماء المسكوب..
هو فضلٌ من الله ومنة؟!
فلم التجبر والطغيان؟!
- ماذا كان يضير سبأ لو أدركوا أن ما يُٰنعّمون به من رغدِ العيشِ وأمن البلادِ إنما هو ابتلاء من الله لهم ليعلم -وهو العليم الخبير-
أيشكرون أم يكفرون؟
أينسبون الفضل لله أم لأنفسهم الضعيفة؟
{كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ} [(15-16) سورة سبأ].
فأعرضوا....
وهنا مَكمَن الخطأ..
وبدايةُ النهايةِ، وبوادرَ الكارثةَ...
فأعرضوا عن شكر النعمِ، وإجابة المرسلين، ورضوا لأنفسهم بالذِّلةِ والهوان،
يوم استبدلوا بعبودية الله عبودية شمس تشرق وتغرب، ويحجب أشعتها ركامٌ يسير من السحاب!
-( فَأَعْرَضُوا ) ،
أعرضوا عن شكر الله ....
أعرضوا عن طاعة الله ...
أعرضوا عن الإيمان به ....
وكذبوا الرسل ، بل وصدوا عن سبيل الله..
وقد قيل أن الله سبحانه وتعالى ، أرسل إليهم ثلاثة عشر نبيا ..
فلم يستجيبوا لهم . بل أعرضوا عن دين الله وعبادته وشكره..
نعوذ بالله من الخسران وقلة التوفيق وضيق الأفق وغلبة الهوى ومحق البركة...
أهكذا يكون الجزاء؟!
وهكذا تشكر النعمة ؟؟!
وهكذا يقابل الإحسان؟!
- الله سبحانه يخلق ويرزق وينعم ويُعبَد غيره؟!
- يعطي بلا حساب ويُشكر غيره ويتجه إلى سواه؟!
ولذلكم
أعرضوا عن طاعة الله، عصوا الله..
كثرت جرائمهم ومعاصيهم، وعبر الله -عز وجل-
عن كل ذلك بقوله: (فَأَعْرَضُوا)
إعراضًا استحقوا به العقوبة القاسية العظيمة الصارمة من الله -عز وجل-..
-:: فكان جزاؤهم مخيفًا، لم يكن شيئاً سهلاً
أو أمرًا هينًا بسبب شركهم ومعاندتهم وتخليهم عن عبادته، وبعدهم عن هدايته، ومخالفة أوامره، والتنكر لنعمه، والكفران لجوده...
فلما أعرضوا وعصوا الله ماذا حدث لهم؟!
قال تعالى:
(فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) [سبأ:16].
يا الله!! ما أسرع الانتقام!!
وما أشد العقوبة!!
ما أعظم البلية!!
فكأنه لم يكن بين الإعراض منهم وإنزال العذاب بهم إلا غمضة عين.
ولا شك أنهم قد عاشوا مدة طويلة في النعيم، وُأعطوا مهلة للتوبة..
ولكن ساعات الهنا محدودة..
ولحظات السرور معدودة..
فأرسل الله -عز وجل- عليهم سيل العرم..
أي السيل القوي الجارف الذي دمّر سدودهم وهدمها..
دمر السدود التي كانت سببًا في سعادتهم وسرورهم..
:: وإذا بالماء الذي شربوا من زلاله واستقوا من ينابيعه واستمتعوا بخريره واستأنسوا لهديره، وسقوا به زروعهم، وارتوت به أراضيهم وقلوبهم وبهائمهم..
:: إذا به يدمرهم بقدرة الله تعالى..
فأدخل الله به الرعب في قلوبهم..
وطاشت لهوله عقولهم:
- دمرت به منازلهم..
- واجتثت واقتلعت به مزارعهم..
- وقصفت به ممتلكاتهم...
- وقوضت به أبنيتهم..
- ونسفت به سدودهم..
( غرق الزرع، وهلك الضرع )...
:: وإذا بالوادي الأخضر يمسى وهو مقفر..
:: وإذا بالحدائق الغناء صحراء جرداء، قاحله.
:: وإذا بالثمار اليانعة يحل محلها الخمط والأثل -نبات مر بشع-
والسدر الذي يمكن أن يؤكل منه لم يوجد
منه إلا قليل..
:: وإذا بالطيور الصداحة والبلابل الغناء التى كانت تغنى وتفرد من فوق مزارعهم وعلى أشجارهم اليانعة تغادر ليحل محلها البوم والغربان...
تصيح فوق البيوت المهدمة والزروع المدمرة..
:: وإذا بالأسر تمزق، والأهل يشردون،
والأحبة يتفرقون...
:: وإذا بالبلاد تهجر، والأوطان تغادر بقلوب محترقة وأعين دامعة ونفوس متحسرة...
يقول الله تعالى:
(لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ * وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [سبأ 15 :19].
وللحديث بقية في الخطبة الثانية -إن شاء الله-.
أسأل الله أن يبارك لنا في القرآن العظيم، وسنة خاتم المرسلين، وأن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
إكمالاً لهذه القصة قصة سبأ،
التى تأتي ضمن سلسلسه نعم الله التى لاتحصى ضمن نعمه المال وكيف تشكر هذه النعمه وكيف تُكفر ....
فبعد أن عاش اهل سبأ في رغدٍ من العيش في اليمن في بلاد طيبة وأمن .
وقرى متواصلة ومدائن متقاربة..
وكانوا يسافرون من بلادهم إلى بلاد الشام
وإلى بلدان كثيرة وهم في أمن وأمان وأنس وسرور وعطاء ونماء..
لا يحتاجون إلى حَمْلٍ للزاد ولا تزود بالماء،.
فحيثما نزلوا وجدوا ماءً زُلالاً وثمرًا يانعًا..
ويقيلون في قرية ويبتون في الأخرى..
لا يشعرون بتعب . ولا يعتريهم نصب.
ولا يعانون من وصب.
فهم يسيرون في قرى واضحة ظاهرة آمنة.
لكنهم بطروا النعمة، وجحدوا المنة..
{فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ} [(19) سورة سبأ]
دعوا على أنفسهم بطول المسافات وتباعد الأسفار بطرًا منهم وحسدًا لأنفسهم وملالاً من الرخاء وضيقًا بعيش الهناء..
قالوا :
اجعل بين أسفارنا مسافاتٍ بعيدة،
ومفاوز شاسعةً حتى نشعر بعناء السفر ومشقته!.
يا للسفه والجنون! ويا للحماقةِ والطيش!
أناسٌ هيئ الله لهم قرى متشابكة، وطرقاً آمنة، فإذا بهم يتطلبون المسافات البعيدةِ والقرى النائية.
فكانت العقوبة الصارمة والانتقام المقيت..
وكان لا بد من وضعِ حدٍ لكبرياءَ القومِ وغرورهم وتجبرهم وطغيانهم..
فقد طفح الكيلُ وبلغ السيلُ الزُّبى..
فإذا بالجموع المتماسكة، والبيوتِ المتلاقصة، والأسرُ المتقاربةِ تنفرط سبحتها..
وتتمزق وحدتها، وتتقوضُ سلطتها...
{فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}.
أحاديث يَروي الناس أخبارهم ويحكون قصصهم ويتندرون بفعلهم..
أصبحوا حديث المجالس، وكلام الناس في مجالسهم ونواديهم..
فرقهم الله -عزّ وجل-، وشتّت شملهم،
وأصبح يُطلق عليهم المثل:
"تفرقوا أيدي سبأ"، أي تفرقوا وتشتتوا، وأصبحت أسرهم ممزقة مفرقة...
فلا حول ولا قوة إلا بالله، ما أشد عقوبة الله ذلك الزمان وفي كل زمان!!
عباد الله:
- احذروا من كفر النعمة..
- واحذروا من البطر والتكبر والغطرسة...
- احذروا من الاغترار بالنعم،
سواء أكانت مالاً أم صحة وعافية في الأبدان،
فما أسرع زوال النعم!!
وما أسرع أن يفتقر الإنسان بعد غنى!!
وما أسرع أن يمرض وتزول صحته!!
وما أسرع ذهاب أولاده!!
وما أسرع حضور الموت!!
فلنتّقِ الله ونشكره ولا نكفره، ونعبده وندعوه أن يديم علينا النعم.
وحيا الله من قال:-
إذا كنت فِي نعمةٍ فارعهـا
فإن المعاصـي تُزيـل النعـم
وحطها بطاعة رب العبـاد
فربُ العبـاد سريـع النقـم
ولذلكم تختتم الآيات
( ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ )
:: هذا جزاء من كفر وجحد نعم الله ..
:: هذا جزاء من أعرض عن ذكر الله وشكره ..
:: هذا جزاء من بدل إيمانه كفراً ، وضلالاً ، وفساداً في الأرض بعد اصلاحها..
جزؤه الهلاك والدمار وضنك العيش وضيق الرزق ، والخوف والهلع ، والحروب والقتل ، والظلم والعدوان فيما بينهم ..
هذه هي سنة الله في خلقه :-
0- فمن أسلم لله وجهه ، وشكر لله نعمه ، وابتعد عما يسخطه ، وصدق المرسلين ، فجزاؤه:-
(كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ
وَرَبٌّ غَفُورٌ )
0- وأما من أسلم للشيطان وجهه ، وصدق ابليس في وعده ، وكفر بنعمة ربه ، وأعرض عما جاء به المرسلون
(فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) ،
تلك هي سنة الله في خلقه ، وهي سنن لا تتغير ولا تتبدل ، يقول سبحانه:
(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاه عليه.
فقال -عز من قائل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صلّ وسلم على المصطفى نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-.
---------------------------------
اللهم اجعل ما اكتبه وما أعده وما انشره في سبيلك ومن أجلك ومن اجل رضاك ولأجل رحمتك ومغفرتك وعفوك ورضوانك ونعيمك وجنانك..
اللهم اجعلها صدقهً جاريهً لي ولأمي إلى ان ترث الارض ومن عليهاا...آآآآآآآمين.......
---------------------------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق