🎤
خطبــة جمعـــة بعنـــوان
الصحابي الجليل مصعب بن عمير
رضي الله عنه وأرضاه
إعداد وتعديل وإلقاء :
الاستاذ/ أحمد عبدالله صالح
خطيب مسجد بلال بن رباح/
الجمهوريه اليمنيه - محافظه إب .
ألقيت في 2 مارس 2018 م
الموافق 14جماد ثاني 1439هـ
معاشر المؤمنين والمؤمنات:
كلما تقدم الزمان، احتاج الناس إلى نماذج بشرية مشرقة:-
تُحيي فيهم روح الأمل ..
وتبعث فيهم شعله الحماس ..
وتوقد فيهم جذوه العزيمه ..
وتغرس فيهم قيم الخير والفضيله ..
فتستعيد الأجيال اللاحقة منها سر نهضتها وتميزِها، ولتستنير بها في سيرها إلى الله سبحانه....
ولقد كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خيرَ نماذج هذه الأمة ممن يُقتدى بهم.
واليوم بإذن الله، نحن على موعد نحلق فيه سوياً في بساتين الصادقين الأوائل اليانعة :
لنرى ونعلم كيف صدقوا مع الله...
فاعزهم الله وأعز بهم الاسلام في كل مكان ..
وضيف مسجدنا الكريم ...
ومن نتشرف به في جمعه اليوم ...
ومن نستأنس بالحديث عنه في النصف الساعه
شخصيهٌ فذه وصحابيٌ جليل كلما تعمق القاريء في ترجمته :
ازداد له هيبةً وامتلأ إعجاباً وإكباراً له..
- إنّه احدُ الصحابه الذين كان لهم شرفُ وضع البُني الأساسية لمجد الإسلام وعزته ومكانته ورفعته في مدينة رسول الله بين الأنصار
أوسهم وخزرجهم...
- إنّه أحد السابقين الأولين إلى الإسلام ..
فلقد أسلم رضي الله عنه وارضاه قديماً والنبي في دار الأرقم..
ولا أقصد بكلامي عن هذه الشخصية الكريمة مجرد التفاخر والتواكل والاعتماد في الحاضر على الأحساب والأمجاد الأولى،
فهذا لا يفيدنا شيئاً في مجال البناء..
ولا يفيدنا شيئاً في مجال النهضة بشبابنا الضائع وأمتنا التائهة.
- وإنما أقصد بحديثي استلهام روح البطولات الرائدة لدى سلفنا الصالح ..
ليصبحَ الحديثَ عنهم عنواناً طيبًا صالحاً لبعث الحياة فيهم من جديد...
وتجديد الأمل، واستعذاب المنى ..
وتفجير الطاقات والقوى...
وإحداث التغيرات الفورية في جيل الإسلام وأمة الحاضر للاتجاه نحو الأفضل .
والعمل من أجل غدٍ مشرق ومستقبلٍ باسم مليء بالأمجاد .
لا مجال فيه لمتخاذل أو مُستَضعف او متقاعس
أو متردد او جبان أو مبتدع مارق..
نعم احبابي الكرام يا رواد مسجد بلال بن رباح:
ليس الكلام الشيق المفصّل عن حياة أي صحابي مجرد قصة عابره تقص للترفيه ..
أو ترجمة عابرة للتسلية..
وشَغلُ الوقت كأغلب قصص وروايات وثقافات السوق الرائجة...
وإنما الهدف من سرد وذكر قصص هؤلاء الابطال هو لتبيين موطن العبرة وموضع العظة..
ومعرفة طريق الأمل والنور...
ودعوة الناس للسير في طريقهم واقتفاء أثرهم والتشبه بهم ومحبتهم وتربيه الأجيال والناشئة على الاقتداء بهم وحبهم ..
ولهذا ضيفُ جمعتنا اليوم
الفتى الصادق المتألق .. والشابُ النبيل الأنيق ..
والبدري القرشي العبدري..
مصعبُ بن عمير رضي الله عنه وارضاه
وهو مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف
بن عبد الدار بن قصي القرشي...
ولا أزعم اني سأقدم إليكم اليوم هذا الصحابي العملاق بكل مواقفه وشمول حياته..
انما سأشير وعلى استحياء الى بعضِ سمات تفوقه والى بعضٍ من الإضاءات من سيرتة وحياته رضي الله عنه وأرضاه ..
فهل لشبابنا أن يتخذوه قدوة لهم ويكونوا مثلَه على الأقل في مجال الدعوة إلى الله والعبادة والعمل الصالح؟
هل لشبابنا أن يتذاكروا بطولته وجهاده واستشهاده في سبيل الله؟
بدل أن يتذاكروا بطولات لاعبي الكرة،
ومغامرات التائهين ..
وحماقات السفهاء ...
وتصرفات الأغبياء من المفسدين والمفسدات والمُضلين والمُضلات؟
• مصعب الذي باع الدنيا بالآخرة ..
وآثر النعيم المقيم على النعيم الزائل..
ينبغي أن يكون قدوة لكل شاب مترف يتقلب في نعمة الله تعالى وأراد الرجوع إلى الله.
• مصعب كلما تعمق القارئ في سيرته وفي حياته، ازداد له حباً وتقديراً وامتلأ قلبه إعجاباً وإكباراً ومعزهً له.
• مصعب بن عمير:
ذلكم الشاب التقي الداعية المجاهد الذي
نور الله قلبه:-
فأسلم طائعاً...
وهاجر معلماً وداعياً ...
ومات مجاهداً شهيداً...
كان في صغره وقبل إسلامه شاباً غنياً جميلاً مدللاً منعماً مرهفاً...
حَسَنُ الوجه.. يلبس أحسن الثياب وأغلاها..
ويتعطر بأجمل العطور وابهاها حتى كان أهل مكة يعرفونه بعطره الذي يفوح منه دائماً...
حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يذكره ويقول :
"ما رأيت بمكة أحسن لِمَّةً ولا أرق حُلّة ولا أنعم نِعمةٍ من مصعب بن عمير ثم ترك ذلك كله حباً لله ورسوله ".
ويقول عنه سعد بن أبي وقاص :
(وأما مصعب بن عمير فإنه كان أترف غلام بمكة بين أبويه فيما بيننا، فلما أصابه ما أصابنا من شظف العيش، لم يقو على ذلك، فلقد رأيته وإن جلده ليتطاير عنه تطاير جلد الحية ولقد رأيته ينقطع به فما يستطيع أن يمشي، فنعرض له القسيّ ثم نحمله على عواتقنا) ..
أما أبواه فكانا من أغنى أغنياء مكة،
وكانا يُحبان مصعب حباً عظيماً ولا يردان له طلباً،
بل رغباته وطلباته وامنياته كلها مستجابة وكلها محققه ومنفذة.
- لكن مصعب لم يمنعه ذلك النعيم من أن يدخل في دين الله، فآثر ما عند الله...
آثر الآخرة ليحظى بنعيمها...
يقول كتاب السيرة:
خرج مصعب من النعمة الوارفة التي كان يعيش فيها مؤثراً الشظف والفاقة, وأصبح الفتى المتأنق المعطر لا يُرى إلا مرتدياً أخشن الثياب .
ودخل الاسلام مباشرةً...
وكان يعلم أنه سيُسلب النعيم الذي هو فيه..
وسوف يتبدل حاله من السعةِ إلى الضيق...
ومن الراحةِ إلى التعب...
ومن الغنى إلى الفقر...
ولكنه مع ذلك آثر الآخرة على الدنيا...
ودخل في دين الله ...
طاعةً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم...
ولم يقل كما يقول بعض المترفين اليوم من شبابنا: (إنّ هذا الدين كَبْتٌ وحبسٌ للمشاعر)
- مصعب لم يدفعه جماله ولا منصبه أن يجمع حوله الشبابَ الضائع المائع المتهتك المتكسر البعيد عن الرجولة لينشغل بمغازلة النساء ومعاكستهن...
بل سمع دعوة الحق، فاستجاب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم في وقت كان المسلمون يعانون من أذى المشركين وتسلطهم...
نعم/
شابٌ يختار الله ودين الله وما عند الله..
شابٌ لم يستمتع بالحياه ، يعلمُ ان ما مر من عمره زمنٌ قصير وأمامه زمنٌ طويل ومستقبلٌ واعدٌ مشرق ومضيء فيه مافيه من الآمال والأشواق والطموحات والملذات، حتى انه لهذه اللحظه لم يكوّن أسره ولم يستمتع بدُنْيه ولم يستلذ بنساء ..
انه ينتظر مستقبلاً زاهراً باهراً ، يريد أخذ الشهادات والمؤهلات لكنه يستعجل بهذا كله ليختار دين الله وشريعه ربه...
فأسرع رضي الله عنه وأرضاه للقاء النبي صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم بن أبي الأرقم، وهناك أعلن إسلامه.
- أسلم مصعب الفتى ..!!!
وحينها تعلم أمه خُناس بنت مالك بخبر إسلامه التى كانت تحبه حباً شديداً،
- فحاولت أن تُثنيه عن الإسلام فلم يستجب لها.. - حبسته لكي يعدل عن قراره فلم يرضخ لحبسها.
- هددته بكل انواع التهديد فلم يكثرث لوعيدها.
- حرمته من كلِ نعيمٍ كانت تَغدُق به عليه لكي يتراجع عن ما اقدم عليه لكنه كان أشدَ إباءً من ذي قبل ..
كررت المحاولات معه ولسان حالها ومقالها:
لا تتشدد يا بني ..!!
ماذا تريد من هذا الدين ..!!؟
أتريد أن تمنع نفسك من الغناء ومن النساء
ومن الشهوات !!؟؟
إن الدين يبعدك عنها ويمنعك منها ..!
وأنت تعلم أن الحياة لا تصفوا إلا بهذه الأمور،
ولكن مصعباً كان يعلم أن ما حُرم منه في هذه الدنيا فما عند الله خير وأبقى،
فليس عنده أي تنازل أمام أمه ...
وليس لديه خيار آخر غير الإسلام ...
ولم يزدَدْ إلا ثباتاً ورسوخاً ولسانُ حاله يقول: (ماضٍ وأعرف ما دربي وما هدفي، ولن أترك ديني مهما حل بي من ضيق وشدة.)
- أيُّ ايمان هذا الذي خالط بشاشه هذا القلب الذي لم يمر عليه سوى وقت قصير من إسلامه.
- اي ثباتٍ هذا ..!! واي صدق هذا ..!!
واي شجاعه هذه ...!!
بمعابد الافرنج كان أذاننا
قبل الكتائب يفتح الامصارا
لم تنسى افريقيا ولاصحراؤها
سجداتنا والارض تقدفُ نارا
كنا نقدم للسيوف صدورنا
لم نخشى يوماً غاشماً جبارا
وكأنّ ضل السيف ضل حديقهٍ
خضراء ينبت حولها الازهارا
- ولما اشتد الإيذاء بالمسلمين :-
هاجر إلى أرض الحبشة، ثم عاد منها إلى مكة، ثم هاجر إلى المدينة،
ومع مرور السنين يختاره ويعتمده النبي صلى الله عليه وسلم أولَ وخيرَ سفير في الإسلامِ إلي يثرب،
ليُعلِّم الناس القرآن ويُصلي بهم...
فقدَّر مصعب المسؤوليةَ التي أُنيطت به،
وحمل لواء الدعوة إلى الله عقيدةً وسلوكاً وجهادا..
واستطاع بإخلاصه ودماثه خُلقه وصفاءِ نفسه ونقاء سريرته ورجاحةِ عقله وبيان حكمته أن يجمع بين أهل يثربَ ويوحد بينهم ويُحببَ إليهم دين الله وطاعةَ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم،وان يجمعهم على الإسلام حتى أن قبيلة من أكبر قبائل يثرب وهي قبيلة بني عبد الأشهل قد أسلمت جميعها على يده بقيادة رئيسها سعد بن معاذ
بل ما أمسى فيهم رجل ولا امرأة إلا مسلماً ومسلمة إلا رجلاً واحداً هو الأصيرم وتأخر إسلامه إلى يوم أحد ..
وأقام مصعب يدعو إلى الله حتى لم يبق بيت من بيوت الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون منها.
فهذا هو مصعب قد قام بمهمته خير قيام ..
وقبل حلول موسم الحج عاد مصعب إلى مكة يحمل إلى رسول الله بشائر النصر والفوز ويقصّ عليه خبر قبائل يثرب، وما فيها من مواهب الخير وما لها من قوة ومنعة لنصرة فهذا الدين، فسر النبي صلى الله عليه وسلم لذلك سروراً كثيرا..
- وتمضي الأيام والأعوام يا ايها الكرام :
وتأتي غزوة أحد، وحينها يختار الرسول صلى الله عليه وسلم مصعباً ليحمل لواء المسلمين،
وتقع المعركة ويحتدمُ القتال، وتتساقط الرؤوس وتسيل الدماء وكان النصر بدايةً للمسلمين،
ولكن سرعان ما تحولَ النصرُ إلى هزيمة
بسبب مخالفه الرماة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلوا من فوق الجبل يجمعون الغنائم،
فأخذ المشركون يقتلون المسلمين الذين بدأت صفوفهم تتمزق،
فركز الأعداء على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذوا يتعقبونه،
فأدرك عندها مصعب هذا الخطر، ومضى يقاتل،
وهمه أن يُلفت أنظار الأعداء إليه ليُشغلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فتجمع الأعداء حول مصعب،وجاءه الكافر والعتل الجواظ ابن قميئة فضرب يده اليمنى فقطعها، فحمل اللواء بيده اليسرى فقطعها عدو الله،
فضم اللواء إلى صدره بعضديه، وهو يقول:
((وما محمدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل)) فضربه ضربة ثالثة فقتله فمات شهيدا رضي الله عنه...
ولما انتهت المعركة وقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا وعيناه تذرفان بالدموع وقرأ:
﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23].
نعم معاشر الصالحين والصالحات:
كانت خاتمة مصعب الشهادة في سبيل الله... ولقد صدق فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه".
- مصعب بن عمير، الشاب الذي كانت ترمقه العيون إكباراً وإعجاباً لحسنه وغناه ومكانته، ينسلخ من ذلك الترف والنعيم كلِّه مبتغياً وجه الله تعالى، وما أعده لعباده المؤمنين،
يُقتل شهيدا في سبيل الله، فلا يجد المسلمون عند موته غير ثوبٍ قصير ورداءٍ خشن لا يكفي كفناً له.
فرضي الله عنه وأرضاه بهذا الشرف،
وقد ينال هذا الشرف يا شبابنا كلُّ مُصْعبي
أتى بعده، يحمل همه، ويُقَدِّمُ كل ما يملك من راحة النفس والنعمة والمال في سبيل هذا الدين.
- لقد استشهد مصعب ولم يطلب في يوم من الأيام نعمةً ولا ثراءً،
ولا سلطةً ولا وجاهة ..
ولم يكن يفكر يوماً بمنصبٍ أو رئاسة ..
ولم يكن له همٌ سوى انتصار دين الله على الكفر وأهله ..
فآتاه الله أجره وأعطاه هو وإخوانه من كل شيء،
أعطاه من عنده كل ما يتمناه طلاب الدنيا وزيادة، وأعطاه هو وإخوانه كذلك كل ما يتمناه طلاب الآخرة ويرجونه ..
(( فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ))
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...
ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبه الثانيه :
ثم اما بعد ايها الكرام :
كنا على موعد لنكمل بقيه سلسله احب الاعمال الى الله ..
لكنني اخترت اليوم ليكون موعداً لنستريح
في بستان من بساتين الصادقين اليانعة..
ولنقف فيه مع بطلٍ من أبطالنا الأوائل العظماء
وبطلنا اليوم هو احد شباب مكة الذين كان يشار إليهم بالبنان، وهو الصحابي الجليل /
مصعب بن عمير رضي الله عنه وارضاه ..
- تُحدثنا عنه شوارع مكة وطرقاتها، نواديها وعرصاتها..
- يُحدثنا عنه أريج المسك والأطياب،
وناعم المسكن والثياب، ولذيذ المطعم والشراب..
- تُحدثنا عنه مكة بأسرها، فتياتها اللواتي طالما تمنينه، وشبابها الذين كانوا يغبطونه على عيشه، وأمُّه التي كانت تُدلِّلُه وتلبي له كل مطلب.
كلُّ أولاء يحدثون أن مصعبًا ألقاهم وراء ظهره وسار إلى الله...!!
وسار الى الحي الذي لايموت ...!!
وانطلق الى من بيده ملكوت كلِ شيء..!!
ألقى الدنيا بكل أوضار الدنيا، وعلائق الدنيا، وسار يحدوه الشوق، ويدفعه الأمل، ليرقى في منازل المحبين...
واختار نعيم الاخره على نعيم الدنيا..
باع الدنيا، ففاز بالآخرة ..
وآثر الباقي على الزائل ..
وترك السراب ليفوز بالدائم..
وودع الرخيص ليظفر بالغالي ...
( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)
= يأتي يوم القيامة وفي ميزانه حسناتُ الذين أسلموا على يديه...
وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه في الحديث الذي رواه البخاري: "فواللهِ لَأُن يهديَ اللهُ بك رجلا واحدا خيرٌ لك من أن يكون لك حُمْرُ النَّعَمِ".
ويأتي يوم القيامة أقوامٌ من أمة النبي صلى الله عليه وسلم يحملون أوزارهم على ظهورهم وأوزاراً أخرى أمثال الجبال، لِمَّا ضلوا وأضلوا من الخلق عن الحق وصدوا عن سبيل الله...
ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثلُ أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثلُ آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا).
:: رحل مصعبُ الشاب كما سيرحل جميع الناس، ولكنه :
رحل عزيزاً .. رحل كريماً ..
رحل صادقاً ... رحل شهيداً ..
رحل كبيراً ...
رحل وقد أعذر إلى الله بعمله الصالح وجهده المضيء، فحاز نيشان الفخر ونال وسام الشرف من رب جوادٍ رحيم ٍكريم :
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران: 169].
:: رحل مصعب ولم ترحل ذكراه ...
ولا ذكرى بطولاته ...
ولا ذكرى دعوته الى الله ..
ولا ذكرى تضحياته في سبيل الله من قلوب المجاهدين الأتقياء في كل زمان ومكان...
:: رحل مصعب ليقول لك أيها التائه في البحث عن السعادة :-
- من كان يظن أن السعادة في المال فقد أخطأ..
- ومن كان يظن ان السعاده في الجاه فقد اخطأ.
- ومن كان يظن أن السعادة في النسب فقدأخطأ
- ومن كان يظن أن السعادة في الشرف فقد اخطأ..
- ومن كان يظن أن السعادة في المنصب
فقد أخطأ..
- ومن كان يظن أن السعادة في السلطة فقد اخطأ..
- ومن كان يظن أن السعادة في العقارات والعمارات والقصور والدور فقد اخطأ ..
إنما السعاده كُلُّ السعاده في معرفه الله..
السعاده كل السعاده في شرع الله..
السعاده كل السعاده في دين الله..
السعاده كل السعاده في تقوى الله..
السعاده كل السعاده في سنه رسول الله..
السعاده كل السعاده بالائتمار بما امر الله
والانتهاء عما نهى الله ..
السعاده كل السعاده والرفعة والعزة والكرامه في طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم:-
﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المنافقون: 8].
فيا شباب الاسلام اليوم عودوا
فأنتم مجده الزاهي وبكم يسودُ
وانتم سرُ نهضته قديماً
وانتم فجره الباهي الجديدُ
فهذه هي سيره الصحابي الجليل /
( مصعب بن عمير رضي الله عنه )
اومأت بإختصارٍ الى بعض سمات تفوقه
والى بعضٍ من الإضاءات في سيرته وحياته .
هذه هي سيره مصعب بن عمير :-
سيرته قائداً .. سيرته معلماً
سيرته داعيهً ... سيرته مجاهداً
سيرته إماماً ... سيرته مربياً
سيرته مصلحاً ... سيرته مرشداً وموجهاً...
هذه هي سيرته من بدايه إسلامه الى ان لقى ربه شهيداً كلها تضحيهٌ وفداء..
كلها دعوهٌ وإخاء...
كلها صدقٌ وبناء...
كلها نقاءٌ وصفاء ..
كلها جهادٌ وإمضاء..
كلها دعوهٌ وتعليمٌ وعطاء..
فأغرسوا يا ايها الكرام في نفوس أولادكم وناشئه اليوم حب هؤلاء العظماء لينشأوا على التوحيد.. ويترعرعوا على حب الله وحب رسوله وحب صحابته الكرام..
ولتثمر في قلوبهم شجر الخير ..
وتنضج في نفوسهم ثمار الفضيله ...
نعم
إذا أردنا أن ننهض بشباب الأمة فيجب علينا
أن نربيهم على سيرة رسول الله وعلى سيرة الرعيل الأول كأمثال :
حمزة ومصعب وجعفر وابن رواحة وابن عمر وابن عباس وأسامة بن يزيد وغيرهم وهم كثير ولله الحمد ونغرس فيهم التفاني من أجل الدين
ونرتفع بهم من ثقلة الأرض إلى علو السماء ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة وأن نؤدبهم على ذلك من الصغر حتى تصبح عزة أحدهم بدينه طابعاً لا تطبعاً وخلقاً لا تخلقاً..
وحينئذ نجني الثمرة المرجوة من شبابنا ..
فوداعاً مصعبُ بن عمير ...
وداعاً يا اول سفيرٍ في الاسلام ..
وداعاً يامن كان له شرفُ وضع البنى الاساسيه لمجد الاسلام وعزته ومكانته ورفعته في مدينه رسول الله ...
وداعاً يامن ترك نعيم الدنيا الفاني ليظفر ويفوز بنعيم الاخره الباقي...
وداعاً حتى الملتقى في دارٍ تجمع سلامه الأبدان والأديان الى جوار الانبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقاً ...
- اللهم إنا أحببنا صحابة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم أصدق الحب وأعمقه،
فهبنا يوم الفزع الأكبر لأي منهم فإنك تعلم أننا ما أحببناهم إلا فيك يا أرحم الراحمين.
- اللهم أحينا سعداء، وأمتنا شهداء،
وارزقنا مرافقة الأنبياء،
وجدد في هذه الأمة بطولاتِ أولئك الأبطال المرضيين،
واجمعنا وإياهم مع حبيبك ورسولك محمد في أعلى عليين...
ثم اعلموا انّ الله أمركم بأمرٍ بدأ به نفسه
وثنى به ملائكته المسبحه بقدسه وثلث به عباده
من جنِّه وإنسه فقال :-
(( إنَّ اللّهَ وملائِكتَه يُصلونَ على النَّبي يا أيَّها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ))....
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد،..
وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك، يا أرحم الراحمين.
-----------------------------------
اللهم اجعلها صدقهً جاريهً لي ولوالدتي المرحومه..
وأنفع بها عبادك المسلمين اجمعين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
------------------------------------
خطبــة جمعـــة بعنـــوان
الصحابي الجليل مصعب بن عمير
رضي الله عنه وأرضاه
إعداد وتعديل وإلقاء :
الاستاذ/ أحمد عبدالله صالح
خطيب مسجد بلال بن رباح/
الجمهوريه اليمنيه - محافظه إب .
ألقيت في 2 مارس 2018 م
الموافق 14جماد ثاني 1439هـ
معاشر المؤمنين والمؤمنات:
كلما تقدم الزمان، احتاج الناس إلى نماذج بشرية مشرقة:-
تُحيي فيهم روح الأمل ..
وتبعث فيهم شعله الحماس ..
وتوقد فيهم جذوه العزيمه ..
وتغرس فيهم قيم الخير والفضيله ..
فتستعيد الأجيال اللاحقة منها سر نهضتها وتميزِها، ولتستنير بها في سيرها إلى الله سبحانه....
ولقد كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خيرَ نماذج هذه الأمة ممن يُقتدى بهم.
واليوم بإذن الله، نحن على موعد نحلق فيه سوياً في بساتين الصادقين الأوائل اليانعة :
لنرى ونعلم كيف صدقوا مع الله...
فاعزهم الله وأعز بهم الاسلام في كل مكان ..
وضيف مسجدنا الكريم ...
ومن نتشرف به في جمعه اليوم ...
ومن نستأنس بالحديث عنه في النصف الساعه
شخصيهٌ فذه وصحابيٌ جليل كلما تعمق القاريء في ترجمته :
ازداد له هيبةً وامتلأ إعجاباً وإكباراً له..
- إنّه احدُ الصحابه الذين كان لهم شرفُ وضع البُني الأساسية لمجد الإسلام وعزته ومكانته ورفعته في مدينة رسول الله بين الأنصار
أوسهم وخزرجهم...
- إنّه أحد السابقين الأولين إلى الإسلام ..
فلقد أسلم رضي الله عنه وارضاه قديماً والنبي في دار الأرقم..
ولا أقصد بكلامي عن هذه الشخصية الكريمة مجرد التفاخر والتواكل والاعتماد في الحاضر على الأحساب والأمجاد الأولى،
فهذا لا يفيدنا شيئاً في مجال البناء..
ولا يفيدنا شيئاً في مجال النهضة بشبابنا الضائع وأمتنا التائهة.
- وإنما أقصد بحديثي استلهام روح البطولات الرائدة لدى سلفنا الصالح ..
ليصبحَ الحديثَ عنهم عنواناً طيبًا صالحاً لبعث الحياة فيهم من جديد...
وتجديد الأمل، واستعذاب المنى ..
وتفجير الطاقات والقوى...
وإحداث التغيرات الفورية في جيل الإسلام وأمة الحاضر للاتجاه نحو الأفضل .
والعمل من أجل غدٍ مشرق ومستقبلٍ باسم مليء بالأمجاد .
لا مجال فيه لمتخاذل أو مُستَضعف او متقاعس
أو متردد او جبان أو مبتدع مارق..
نعم احبابي الكرام يا رواد مسجد بلال بن رباح:
ليس الكلام الشيق المفصّل عن حياة أي صحابي مجرد قصة عابره تقص للترفيه ..
أو ترجمة عابرة للتسلية..
وشَغلُ الوقت كأغلب قصص وروايات وثقافات السوق الرائجة...
وإنما الهدف من سرد وذكر قصص هؤلاء الابطال هو لتبيين موطن العبرة وموضع العظة..
ومعرفة طريق الأمل والنور...
ودعوة الناس للسير في طريقهم واقتفاء أثرهم والتشبه بهم ومحبتهم وتربيه الأجيال والناشئة على الاقتداء بهم وحبهم ..
ولهذا ضيفُ جمعتنا اليوم
الفتى الصادق المتألق .. والشابُ النبيل الأنيق ..
والبدري القرشي العبدري..
مصعبُ بن عمير رضي الله عنه وارضاه
وهو مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف
بن عبد الدار بن قصي القرشي...
ولا أزعم اني سأقدم إليكم اليوم هذا الصحابي العملاق بكل مواقفه وشمول حياته..
انما سأشير وعلى استحياء الى بعضِ سمات تفوقه والى بعضٍ من الإضاءات من سيرتة وحياته رضي الله عنه وأرضاه ..
فهل لشبابنا أن يتخذوه قدوة لهم ويكونوا مثلَه على الأقل في مجال الدعوة إلى الله والعبادة والعمل الصالح؟
هل لشبابنا أن يتذاكروا بطولته وجهاده واستشهاده في سبيل الله؟
بدل أن يتذاكروا بطولات لاعبي الكرة،
ومغامرات التائهين ..
وحماقات السفهاء ...
وتصرفات الأغبياء من المفسدين والمفسدات والمُضلين والمُضلات؟
• مصعب الذي باع الدنيا بالآخرة ..
وآثر النعيم المقيم على النعيم الزائل..
ينبغي أن يكون قدوة لكل شاب مترف يتقلب في نعمة الله تعالى وأراد الرجوع إلى الله.
• مصعب كلما تعمق القارئ في سيرته وفي حياته، ازداد له حباً وتقديراً وامتلأ قلبه إعجاباً وإكباراً ومعزهً له.
• مصعب بن عمير:
ذلكم الشاب التقي الداعية المجاهد الذي
نور الله قلبه:-
فأسلم طائعاً...
وهاجر معلماً وداعياً ...
ومات مجاهداً شهيداً...
كان في صغره وقبل إسلامه شاباً غنياً جميلاً مدللاً منعماً مرهفاً...
حَسَنُ الوجه.. يلبس أحسن الثياب وأغلاها..
ويتعطر بأجمل العطور وابهاها حتى كان أهل مكة يعرفونه بعطره الذي يفوح منه دائماً...
حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يذكره ويقول :
"ما رأيت بمكة أحسن لِمَّةً ولا أرق حُلّة ولا أنعم نِعمةٍ من مصعب بن عمير ثم ترك ذلك كله حباً لله ورسوله ".
ويقول عنه سعد بن أبي وقاص :
(وأما مصعب بن عمير فإنه كان أترف غلام بمكة بين أبويه فيما بيننا، فلما أصابه ما أصابنا من شظف العيش، لم يقو على ذلك، فلقد رأيته وإن جلده ليتطاير عنه تطاير جلد الحية ولقد رأيته ينقطع به فما يستطيع أن يمشي، فنعرض له القسيّ ثم نحمله على عواتقنا) ..
أما أبواه فكانا من أغنى أغنياء مكة،
وكانا يُحبان مصعب حباً عظيماً ولا يردان له طلباً،
بل رغباته وطلباته وامنياته كلها مستجابة وكلها محققه ومنفذة.
- لكن مصعب لم يمنعه ذلك النعيم من أن يدخل في دين الله، فآثر ما عند الله...
آثر الآخرة ليحظى بنعيمها...
يقول كتاب السيرة:
خرج مصعب من النعمة الوارفة التي كان يعيش فيها مؤثراً الشظف والفاقة, وأصبح الفتى المتأنق المعطر لا يُرى إلا مرتدياً أخشن الثياب .
ودخل الاسلام مباشرةً...
وكان يعلم أنه سيُسلب النعيم الذي هو فيه..
وسوف يتبدل حاله من السعةِ إلى الضيق...
ومن الراحةِ إلى التعب...
ومن الغنى إلى الفقر...
ولكنه مع ذلك آثر الآخرة على الدنيا...
ودخل في دين الله ...
طاعةً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم...
ولم يقل كما يقول بعض المترفين اليوم من شبابنا: (إنّ هذا الدين كَبْتٌ وحبسٌ للمشاعر)
- مصعب لم يدفعه جماله ولا منصبه أن يجمع حوله الشبابَ الضائع المائع المتهتك المتكسر البعيد عن الرجولة لينشغل بمغازلة النساء ومعاكستهن...
بل سمع دعوة الحق، فاستجاب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم في وقت كان المسلمون يعانون من أذى المشركين وتسلطهم...
نعم/
شابٌ يختار الله ودين الله وما عند الله..
شابٌ لم يستمتع بالحياه ، يعلمُ ان ما مر من عمره زمنٌ قصير وأمامه زمنٌ طويل ومستقبلٌ واعدٌ مشرق ومضيء فيه مافيه من الآمال والأشواق والطموحات والملذات، حتى انه لهذه اللحظه لم يكوّن أسره ولم يستمتع بدُنْيه ولم يستلذ بنساء ..
انه ينتظر مستقبلاً زاهراً باهراً ، يريد أخذ الشهادات والمؤهلات لكنه يستعجل بهذا كله ليختار دين الله وشريعه ربه...
فأسرع رضي الله عنه وأرضاه للقاء النبي صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم بن أبي الأرقم، وهناك أعلن إسلامه.
- أسلم مصعب الفتى ..!!!
وحينها تعلم أمه خُناس بنت مالك بخبر إسلامه التى كانت تحبه حباً شديداً،
- فحاولت أن تُثنيه عن الإسلام فلم يستجب لها.. - حبسته لكي يعدل عن قراره فلم يرضخ لحبسها.
- هددته بكل انواع التهديد فلم يكثرث لوعيدها.
- حرمته من كلِ نعيمٍ كانت تَغدُق به عليه لكي يتراجع عن ما اقدم عليه لكنه كان أشدَ إباءً من ذي قبل ..
كررت المحاولات معه ولسان حالها ومقالها:
لا تتشدد يا بني ..!!
ماذا تريد من هذا الدين ..!!؟
أتريد أن تمنع نفسك من الغناء ومن النساء
ومن الشهوات !!؟؟
إن الدين يبعدك عنها ويمنعك منها ..!
وأنت تعلم أن الحياة لا تصفوا إلا بهذه الأمور،
ولكن مصعباً كان يعلم أن ما حُرم منه في هذه الدنيا فما عند الله خير وأبقى،
فليس عنده أي تنازل أمام أمه ...
وليس لديه خيار آخر غير الإسلام ...
ولم يزدَدْ إلا ثباتاً ورسوخاً ولسانُ حاله يقول: (ماضٍ وأعرف ما دربي وما هدفي، ولن أترك ديني مهما حل بي من ضيق وشدة.)
- أيُّ ايمان هذا الذي خالط بشاشه هذا القلب الذي لم يمر عليه سوى وقت قصير من إسلامه.
- اي ثباتٍ هذا ..!! واي صدق هذا ..!!
واي شجاعه هذه ...!!
بمعابد الافرنج كان أذاننا
قبل الكتائب يفتح الامصارا
لم تنسى افريقيا ولاصحراؤها
سجداتنا والارض تقدفُ نارا
كنا نقدم للسيوف صدورنا
لم نخشى يوماً غاشماً جبارا
وكأنّ ضل السيف ضل حديقهٍ
خضراء ينبت حولها الازهارا
- ولما اشتد الإيذاء بالمسلمين :-
هاجر إلى أرض الحبشة، ثم عاد منها إلى مكة، ثم هاجر إلى المدينة،
ومع مرور السنين يختاره ويعتمده النبي صلى الله عليه وسلم أولَ وخيرَ سفير في الإسلامِ إلي يثرب،
ليُعلِّم الناس القرآن ويُصلي بهم...
فقدَّر مصعب المسؤوليةَ التي أُنيطت به،
وحمل لواء الدعوة إلى الله عقيدةً وسلوكاً وجهادا..
واستطاع بإخلاصه ودماثه خُلقه وصفاءِ نفسه ونقاء سريرته ورجاحةِ عقله وبيان حكمته أن يجمع بين أهل يثربَ ويوحد بينهم ويُحببَ إليهم دين الله وطاعةَ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم،وان يجمعهم على الإسلام حتى أن قبيلة من أكبر قبائل يثرب وهي قبيلة بني عبد الأشهل قد أسلمت جميعها على يده بقيادة رئيسها سعد بن معاذ
بل ما أمسى فيهم رجل ولا امرأة إلا مسلماً ومسلمة إلا رجلاً واحداً هو الأصيرم وتأخر إسلامه إلى يوم أحد ..
وأقام مصعب يدعو إلى الله حتى لم يبق بيت من بيوت الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون منها.
فهذا هو مصعب قد قام بمهمته خير قيام ..
وقبل حلول موسم الحج عاد مصعب إلى مكة يحمل إلى رسول الله بشائر النصر والفوز ويقصّ عليه خبر قبائل يثرب، وما فيها من مواهب الخير وما لها من قوة ومنعة لنصرة فهذا الدين، فسر النبي صلى الله عليه وسلم لذلك سروراً كثيرا..
- وتمضي الأيام والأعوام يا ايها الكرام :
وتأتي غزوة أحد، وحينها يختار الرسول صلى الله عليه وسلم مصعباً ليحمل لواء المسلمين،
وتقع المعركة ويحتدمُ القتال، وتتساقط الرؤوس وتسيل الدماء وكان النصر بدايةً للمسلمين،
ولكن سرعان ما تحولَ النصرُ إلى هزيمة
بسبب مخالفه الرماة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلوا من فوق الجبل يجمعون الغنائم،
فأخذ المشركون يقتلون المسلمين الذين بدأت صفوفهم تتمزق،
فركز الأعداء على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذوا يتعقبونه،
فأدرك عندها مصعب هذا الخطر، ومضى يقاتل،
وهمه أن يُلفت أنظار الأعداء إليه ليُشغلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فتجمع الأعداء حول مصعب،وجاءه الكافر والعتل الجواظ ابن قميئة فضرب يده اليمنى فقطعها، فحمل اللواء بيده اليسرى فقطعها عدو الله،
فضم اللواء إلى صدره بعضديه، وهو يقول:
((وما محمدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل)) فضربه ضربة ثالثة فقتله فمات شهيدا رضي الله عنه...
ولما انتهت المعركة وقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا وعيناه تذرفان بالدموع وقرأ:
﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23].
نعم معاشر الصالحين والصالحات:
كانت خاتمة مصعب الشهادة في سبيل الله... ولقد صدق فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه".
- مصعب بن عمير، الشاب الذي كانت ترمقه العيون إكباراً وإعجاباً لحسنه وغناه ومكانته، ينسلخ من ذلك الترف والنعيم كلِّه مبتغياً وجه الله تعالى، وما أعده لعباده المؤمنين،
يُقتل شهيدا في سبيل الله، فلا يجد المسلمون عند موته غير ثوبٍ قصير ورداءٍ خشن لا يكفي كفناً له.
فرضي الله عنه وأرضاه بهذا الشرف،
وقد ينال هذا الشرف يا شبابنا كلُّ مُصْعبي
أتى بعده، يحمل همه، ويُقَدِّمُ كل ما يملك من راحة النفس والنعمة والمال في سبيل هذا الدين.
- لقد استشهد مصعب ولم يطلب في يوم من الأيام نعمةً ولا ثراءً،
ولا سلطةً ولا وجاهة ..
ولم يكن يفكر يوماً بمنصبٍ أو رئاسة ..
ولم يكن له همٌ سوى انتصار دين الله على الكفر وأهله ..
فآتاه الله أجره وأعطاه هو وإخوانه من كل شيء،
أعطاه من عنده كل ما يتمناه طلاب الدنيا وزيادة، وأعطاه هو وإخوانه كذلك كل ما يتمناه طلاب الآخرة ويرجونه ..
(( فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ))
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...
ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبه الثانيه :
ثم اما بعد ايها الكرام :
كنا على موعد لنكمل بقيه سلسله احب الاعمال الى الله ..
لكنني اخترت اليوم ليكون موعداً لنستريح
في بستان من بساتين الصادقين اليانعة..
ولنقف فيه مع بطلٍ من أبطالنا الأوائل العظماء
وبطلنا اليوم هو احد شباب مكة الذين كان يشار إليهم بالبنان، وهو الصحابي الجليل /
مصعب بن عمير رضي الله عنه وارضاه ..
- تُحدثنا عنه شوارع مكة وطرقاتها، نواديها وعرصاتها..
- يُحدثنا عنه أريج المسك والأطياب،
وناعم المسكن والثياب، ولذيذ المطعم والشراب..
- تُحدثنا عنه مكة بأسرها، فتياتها اللواتي طالما تمنينه، وشبابها الذين كانوا يغبطونه على عيشه، وأمُّه التي كانت تُدلِّلُه وتلبي له كل مطلب.
كلُّ أولاء يحدثون أن مصعبًا ألقاهم وراء ظهره وسار إلى الله...!!
وسار الى الحي الذي لايموت ...!!
وانطلق الى من بيده ملكوت كلِ شيء..!!
ألقى الدنيا بكل أوضار الدنيا، وعلائق الدنيا، وسار يحدوه الشوق، ويدفعه الأمل، ليرقى في منازل المحبين...
واختار نعيم الاخره على نعيم الدنيا..
باع الدنيا، ففاز بالآخرة ..
وآثر الباقي على الزائل ..
وترك السراب ليفوز بالدائم..
وودع الرخيص ليظفر بالغالي ...
( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)
= يأتي يوم القيامة وفي ميزانه حسناتُ الذين أسلموا على يديه...
وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه في الحديث الذي رواه البخاري: "فواللهِ لَأُن يهديَ اللهُ بك رجلا واحدا خيرٌ لك من أن يكون لك حُمْرُ النَّعَمِ".
ويأتي يوم القيامة أقوامٌ من أمة النبي صلى الله عليه وسلم يحملون أوزارهم على ظهورهم وأوزاراً أخرى أمثال الجبال، لِمَّا ضلوا وأضلوا من الخلق عن الحق وصدوا عن سبيل الله...
ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثلُ أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثلُ آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا).
:: رحل مصعبُ الشاب كما سيرحل جميع الناس، ولكنه :
رحل عزيزاً .. رحل كريماً ..
رحل صادقاً ... رحل شهيداً ..
رحل كبيراً ...
رحل وقد أعذر إلى الله بعمله الصالح وجهده المضيء، فحاز نيشان الفخر ونال وسام الشرف من رب جوادٍ رحيم ٍكريم :
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران: 169].
:: رحل مصعب ولم ترحل ذكراه ...
ولا ذكرى بطولاته ...
ولا ذكرى دعوته الى الله ..
ولا ذكرى تضحياته في سبيل الله من قلوب المجاهدين الأتقياء في كل زمان ومكان...
:: رحل مصعب ليقول لك أيها التائه في البحث عن السعادة :-
- من كان يظن أن السعادة في المال فقد أخطأ..
- ومن كان يظن ان السعاده في الجاه فقد اخطأ.
- ومن كان يظن أن السعادة في النسب فقدأخطأ
- ومن كان يظن أن السعادة في الشرف فقد اخطأ..
- ومن كان يظن أن السعادة في المنصب
فقد أخطأ..
- ومن كان يظن أن السعادة في السلطة فقد اخطأ..
- ومن كان يظن أن السعادة في العقارات والعمارات والقصور والدور فقد اخطأ ..
إنما السعاده كُلُّ السعاده في معرفه الله..
السعاده كل السعاده في شرع الله..
السعاده كل السعاده في دين الله..
السعاده كل السعاده في تقوى الله..
السعاده كل السعاده في سنه رسول الله..
السعاده كل السعاده بالائتمار بما امر الله
والانتهاء عما نهى الله ..
السعاده كل السعاده والرفعة والعزة والكرامه في طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم:-
﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المنافقون: 8].
فيا شباب الاسلام اليوم عودوا
فأنتم مجده الزاهي وبكم يسودُ
وانتم سرُ نهضته قديماً
وانتم فجره الباهي الجديدُ
فهذه هي سيره الصحابي الجليل /
( مصعب بن عمير رضي الله عنه )
اومأت بإختصارٍ الى بعض سمات تفوقه
والى بعضٍ من الإضاءات في سيرته وحياته .
هذه هي سيره مصعب بن عمير :-
سيرته قائداً .. سيرته معلماً
سيرته داعيهً ... سيرته مجاهداً
سيرته إماماً ... سيرته مربياً
سيرته مصلحاً ... سيرته مرشداً وموجهاً...
هذه هي سيرته من بدايه إسلامه الى ان لقى ربه شهيداً كلها تضحيهٌ وفداء..
كلها دعوهٌ وإخاء...
كلها صدقٌ وبناء...
كلها نقاءٌ وصفاء ..
كلها جهادٌ وإمضاء..
كلها دعوهٌ وتعليمٌ وعطاء..
فأغرسوا يا ايها الكرام في نفوس أولادكم وناشئه اليوم حب هؤلاء العظماء لينشأوا على التوحيد.. ويترعرعوا على حب الله وحب رسوله وحب صحابته الكرام..
ولتثمر في قلوبهم شجر الخير ..
وتنضج في نفوسهم ثمار الفضيله ...
نعم
إذا أردنا أن ننهض بشباب الأمة فيجب علينا
أن نربيهم على سيرة رسول الله وعلى سيرة الرعيل الأول كأمثال :
حمزة ومصعب وجعفر وابن رواحة وابن عمر وابن عباس وأسامة بن يزيد وغيرهم وهم كثير ولله الحمد ونغرس فيهم التفاني من أجل الدين
ونرتفع بهم من ثقلة الأرض إلى علو السماء ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة وأن نؤدبهم على ذلك من الصغر حتى تصبح عزة أحدهم بدينه طابعاً لا تطبعاً وخلقاً لا تخلقاً..
وحينئذ نجني الثمرة المرجوة من شبابنا ..
فوداعاً مصعبُ بن عمير ...
وداعاً يا اول سفيرٍ في الاسلام ..
وداعاً يامن كان له شرفُ وضع البنى الاساسيه لمجد الاسلام وعزته ومكانته ورفعته في مدينه رسول الله ...
وداعاً يامن ترك نعيم الدنيا الفاني ليظفر ويفوز بنعيم الاخره الباقي...
وداعاً حتى الملتقى في دارٍ تجمع سلامه الأبدان والأديان الى جوار الانبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقاً ...
- اللهم إنا أحببنا صحابة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم أصدق الحب وأعمقه،
فهبنا يوم الفزع الأكبر لأي منهم فإنك تعلم أننا ما أحببناهم إلا فيك يا أرحم الراحمين.
- اللهم أحينا سعداء، وأمتنا شهداء،
وارزقنا مرافقة الأنبياء،
وجدد في هذه الأمة بطولاتِ أولئك الأبطال المرضيين،
واجمعنا وإياهم مع حبيبك ورسولك محمد في أعلى عليين...
ثم اعلموا انّ الله أمركم بأمرٍ بدأ به نفسه
وثنى به ملائكته المسبحه بقدسه وثلث به عباده
من جنِّه وإنسه فقال :-
(( إنَّ اللّهَ وملائِكتَه يُصلونَ على النَّبي يا أيَّها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ))....
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد،..
وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك، يا أرحم الراحمين.
-----------------------------------
اللهم اجعلها صدقهً جاريهً لي ولوالدتي المرحومه..
وأنفع بها عبادك المسلمين اجمعين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
------------------------------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق