الاثنين، 16 أبريل 2018

خطبــة جمعـــة بعنـــوان [ إتقانُ العمل ]

خطبــة جمعـــة بعنـــوان
    [  إتقانُ العمل ]
السلسله الثانيه لأحب الاعمال الى الله
                      الخطبه {{ 8 }}
إعداد وتعديل وإلقاء :
الاستاذ/ أحمد عبدالله صالح
خطيب مسجد بلال بن رباح/
الجمهوريه اليمنيه - محافظه إب .
ألقيت في  9 مارس 2018 م
الموافق 21 جماد ثاني 1439هـ

ثم اما بعد : أيها الأخوة المؤمنون :  
 في خطبٍ سبقت تحدّثتُ وإياكم عن جملهٍ من الاعمال التى يحبها الله جل وعلا
وابتدأت بما في القرآن الكريم من آياتٍ توضِّحُ
من يحبّ الله سبحانه وتعالى :
[إنّ الله يُحبِ المحْسِنين] ، [إنّ الله يُحب المقسطين]
[إنّ الله يحبّ المتّقين]، [إنّ الله يحب الصابرين ]
[إنّ الله يحبّ التوابين] ، [إنّ الله يحبّ المتوكِّلين ]

واليوم سننتقل وإياكم الى بستان الحبيب عليه افضل الصلاه وأتم التسليم   :
 لنختار جمله من الأحاديث التى تتضمن الاعمال التى يحبها الله جل وعلا ..
ولقد اخْترْتُ لكم اليوم حديثاً من الأحاديث الشريفة التى رواها البيهقي والذي يبدأُ بِقَول النبي عليه الصلاة والسلام :
 " إنّ الله يحبّ "
فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
((إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ ))
          (( الإتقان ))[ إتقان العمل ]
- الإتقانُ عبادةٌ شريفةٌ ينالُ عليها الإنسانِ أجرًا عظيمًا، ويُرفع بها الى الدرجات العلا في الدنيا والأخره وبها يرقى في مرضاة الله ..

- الإتقانُ سمةٌ أساسيةُ في الشخصيةِ المسلمة يُربيها الإسلام فيه في كلِ عملٍ من الاعمال.

- الإتقانُ ظاهرةٌ حضارية تؤدي إلى رُقي الجنس البشري، وعليه تقومُ الحضارات، ويُعمّرُ الكون،
وُتثرى الحياة، وَتنعُش وتزدهر ..

نعم /                                  
((إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ ))
إنّ المسلمون اليوم بِأَمسّ الحاجة إلى هذا الحديث الشريف ، لإتقانُ أعمالهم ، ولِيَظهروا أمام من يُعارضُ الدِّين بِمَظهرٍ كبير ، بأنّ هذا الإتقان
هو ثمرةٌ من ثِمارِ دينهم ..

هذا الحديث مُوَجّهٌ لأرباب المِهَن ..!
ولأصحاب الصّناعات..!! ولأصحاب الأعمال..!
حتى لِمَن يعملُ في الخدمات العامّة ..!!
كلّ إنسانٍ ألْبسَهُ الله عملاً فالله عزوجل يحبُّه إذا أتْقَنْ عمله...
وهذا الذي يُتقِنُ عملَهُ كبيرٌ في نظر الناس..
فإذا كان مسْلمًا ، وإذا كان له مطهرٌ ديني وكان بين الناس يُصلّي ، وأتقنَ عملهُ ، احترمَ الناس دينهُ  وربّما فسَّرُوا إتْقانَ عملهِ بسبب دينه ،
وربّما أقبلوا على الدِّين من إتْقان العمل ..

أما إذا أظهرَ الإنسان أنَّه يُصلّي ، وأنّ له انتماءً دينياً ، وأنَّه وأنَّهُ ، ثم بعد ذلك يُهْمَلُ عملهُ صَغُرَ في عين الناس ، وإذا صغُر في عين الناس
صَغُرَ دينهُ في عَين الناس ، وإذا صَغُر دينهُ في عَين الناس ابتعدَ الناس عن دينِهِ ..
ولقد أحسن من قال:           
 إذا عَمِلَ المرءُ المكلفُ مرةً 
                        عملًا فإنّ العيبَ ألّا يُحسنَه
فقـــــدْ ذكرَ المختارُ أنّ إلهنَا
                        يُحــــــبُّ لعبدٍ خافَهُ أنْ يُتقنَه

ايها الاحباب الكرام :                      
ما من شيءٍ إلا وهو في غايةٍِ من الإتقان،
والكونُ والعالمُ خلقه الله تعالى بإتقانٍ وإبداع، فوصف الله نفسه بقوله :
(بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ...) [البقرة: 117]
أي  : مبدعهما على غيرِ مثال سبق...
وقال سبحانه :
(( صُنعَ اللِه الذي أتقن كل شيء انه خبيرٌ بما تفعلون  )) ..
 وهذا الذي لا يُتقنُ عملهُ وتراه يعملُ أعمالاً كثيرة لكى تُسبّب له ربْحًا وفيرًا تُعينهُ على مواجهة أعباء الحياة ، هذا إنسانٌ لا يصدّق كلام الله عزوجل،..

-  فالطبيب عليه أن يجلِسَ جلسةً متأنِّيَةً مع المريض ..
= فلعلّ كلمةً يقولها للمريض تغيِّرُ مَجْرى التَّشْخيصِ كلّه ..
= ولعلّ سؤالاً يسألهُ للمريض يُعطيهِ فكرةً أخرى عمّا يُعانيه ، قد يُدخِلُ عليه العافيه بلا دواء ..

- اما اذا أراد الطبيب أنْ يُعالِجَ مَرضاهُ بسُرعةٍ كي يُنجزهم جميعًا في وقتٍ محدود كماهو الحاصل اليوم  في اغلب مستشفياتنا وعياداتنا الطبيه فقد خالف نصّ هذا الحديث ..

- وكذلك المحامي عليه ان يُطالِع إجتهادات المراجع العليا ، فلعلّ اجتِهادًا يعْتمِدُ عليه سيكون سبباً لإنقاذ  مُوَكِّلهُ من حُكمٍ مُزعج ..
- وكذلك التاجر !!
- وكذلك المُدرِّس !!
- وكذلك الصانِع !!

فأنت إذا أتْقنْتَ عملَكَ أحبّك الله تعالى ..
وأنت إذا أتْقنْتَ عملَكَ أحبّك الناس ..
وأنت إذا أتْقنْتَ عملَكَ أحبّ الناس دينَكَ ..
وكم من إنسانٍ اهْتَدَى إلى الإسلام لا بالقول
ولا بالنصيحه ولا بالموعظه بل بالعمل ..
أما اذا أنت أفْسدْتَ عملَكَ أبْغضك الله ...
وأبغضكَ الناس ، وأبغضَ الناس دينكَ . .

ولذلكم
نلحظ أن من أسباب التخلف في المجتمعات الإسلامية هو افتقادها خاصية الإتقان كظاهرة سلوكية وعلمية في الأفراد والجماعات،
 وانتشار الصفات المناقضة للإتقان :
كالفوضى والتسيب وفقدان النظام وعدم المبالاة بقيمة الوقت واختفاء الإحساس الجمعي والإهمال والغش والخديعة، وهذا منعكس في فقدان المسلمين للثقة في كل شيء ينتج في بلادهم مع ثقتهم في ما ينتج في غير بلاد المسلمين.

ولهذا لا يمكن لأي حضارة أن تنهض ...
 ولا لأي بلدٍ أن يتقدم ما لم تأخذ بهذا المبدأ السامي والعمل العظيم الذي جاء به ديننا..
ومع ذلك تجد المُسلمين اليوم  يُمجِّدونَ ما جاءَ بهِ غيرهُم مِمَّا يُسمَّى بالجودةِ النَّوعيَّةِ أوِ الجودةِ الشَّاملةِ أوِ التّميُّزِ،....
 ونسوا أنَّ دينهُم قد سبقَ العالمَ في هذا المبدأِ العظيمِ بِقُرونٍ من الزمن :
  فقالَ سبحانه وتعالى -:
﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الكهف: 7]
اي أتقنُ عملاً واصوبُ عملاً واخلصُ عملا..
وَقَالَ جل وعلا :
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2]
وقال سُبحانَهُ -:
﴿ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [الإسراء:35]
 وَقَال تَعَالى -:
 ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [المائدة: 1] وَقَال جَلَّ وَعَلا -:
﴿ وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [هود: 85]

ولهذا لماذا تقدم الغرب وتأخرنا ؟؟.  
لماذا نهضت تلك الشعوب وتراجعنا ؟؟
لانهم خدموا أوطانهم بإتقانهم لأعمالهم ..
ونحن غشننا وخدعنا واهملنا وضيعنا وقصرنا وتلاعبنا بالأعمال ..
بل انظروا للمشاهد حولكم في بلدنا مثلاً :-
انظروا للطرقات.. انظروا للمنشئات...
انظروا لمباني المؤسسات من المدارس والمستشفيات والمراكز الصحيه والمرافق الخدميه التى بنيت بأيدي أهلها .. ستجدون انها :
معرضهٌ للتلف في اي وقت..
ومعرضهٌ  للانهيار في اي لحظه..
وآيلهٌ  للهدم والسقوط في اي يوم ....

وانظروا في المقابل الى الشوارع والارصفه والمباني الخدميه من المستشفيات والمدارس التى بناها من لا يدينون بدين الاسلام من الصينيون والالمان وغيرهم ...
مرت عليها مئات السنين ولم تتغير لحظه
ولم تتشقق ولم تنهار ولم ولم ...
لأن المسلمون لم يدركوا للان قيمه الإتقان ..
ولان المتقنون مغيبون لا وجود لهم وإذا كانوا متواجدين فإنهم مُحَارَبون ومُطَارَدون ومنبوذون ومشردون يخدمون اوطاناً غير أوطانهم بعد ان لم يعد لهم مكانٌ في بلدهم ....
نعم /
اذهب إلى أي مؤسسة من المؤسسات ستجد أن المتقنين قلة، ويعدون بالأصابع  ولا نغالط أنفسنا،
أَنّهم قله قليله وكما يقال :
(كالشعرة السوداء في جلد الثور الأبيض)
 ومع هذا تجد هذا المتقن منبوذًا مُبغَضَاً ومكروهاً في إطار مؤسسته، لأنه لا يسير على منوالهم ولا على طريقتهم ...
فأمثال هؤلاء الذين يتقنون أعمالهم منبوذين .
لأنهم أخذوا بالإتقان وأخذوا بزمام المبادرة، وأرادوا أن يثبتوا للناس الخُلق السويّ في هذا الجانب، وأن يعملوا ببلدانهم، فتجدهم يرمونهم عن قوس واحدة، ويشتمونهم بأقبح الشتائم ويصفونهم بأبشع الألقاب التي تنفر الناس عليهم..
ولذلكم :                              
(( إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ ))
والإتقان ليس في جانب الأعمال الدنيوية فحسب،
بل لابد من هذا الإتقان، حتى في عباداتنا وطاعاتنا..
 وهذا الحديث إذا أردتَ أن تصرفَه إلى أعمال الطاعات البرّ ، والتقوى ، والعبادات ، والصلوات ، والطاعات ، وما إلى ذلك ..
 فالاتقان فيها يكون بالبُعْد عن الرّياء ، وبالبُعْد عن البِدعة ..
 والإتقانُ : (( أن يكون خالصًا وصوابًا ))
خالصًا : يُبْتُغِيَ بها وَجْه الله تعالى ..
وصوابًا : تكون  موافقَه للسنّة ...

+ فالصلاة مثلاً :                    
 حثنا الإسلام على إتقانها وأدائها كاملة الأركان والشروط والواجبات؛  وإلا كانت هباءً منثوراً .
وفي الحديث ( المتفق عليه )
عن أبي هريرة رضي الله عنه:
 أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دخَلَ المسجدَ ، فدَخَلَ رجلٌ فصلَّى ، ثم جاءَ فسلَّمَ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فرَدَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم السلامَ . قال: ارجِعْ فصَلِّ ؛ فإنك لم تُصَلِّ . فرَجَعَ الرجلُ فصلَّى كما كان صلَّى ، ثم جاءَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فسلَّم عليه . فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : وعليك السلامُ ، ثم قال : ارجِعْ فصَلِّ ؛ فإنك لم تُصَلِّ. حتى فَعَلَ ذلك ثلاثَ مراتٍ ، فقال الرجلُ : والذي بعَثَك بالحقِّ ! ما أُحْسِنُ غيرَ هذا ، عَلِّمْني .
فقال عليه الصلاه والسلام :
 إذا قُمْتَ إلى الصلاةِ فكَبِّرْ ، ثم اقرأْ ما تَيَسَّرَ معك مِن القرآنِ ، ثم اركَعْ حتى تَطْمَئِنَّ راكعًا ، ثم ارْفَعْ حتى تَعْتَدِلَ قائمًا ، ثم اسجُدْ حتى تَطْمَئِنَّ ساجدًا ، ثم ارفَعْ حتى تَطْمَئِنَّ جالسًا ، ثم افعلْ ذلك في صلاتِك كلِّها .”

- فالمتقن في صلاته هو الذي يصلي كصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو القائل عليه الصلاه والسلام:
 "وصلوا كما رأيتموني أصلي"..

- والمتقن في حجه هو الذي يحج بلا رفث ولافسوق ولاجدال ليعود من حجه كيوم ولدته أُمّه.
وعندما حج حجه الوداع أمر الناس أن يأتموا به فقال: "لتأخذوا مناسككم".

- والمتقن في صيامه هو الذي لا يدخل في حديث
( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجه في ان يدع طعامه وشرابه )...

- المتقن في عقيدته هو الذي يعتقد ما اعتقده رسول الله صلى الله عليه وسلم ..

- والمتقن في أخلاقه هو الذي يتخلق بالأخلاق العالية، أخلاق الكبار..
والمفسد هو الذي يفسد نفسه بارتكاب الأخلاق الدنيئة..

فالاتقان مطلوب في كل شيء حتى في الأشياء الجزئية التى قد لا يظن الظان أنها من باب الإتقان في العمل :

- ففي مجال الإمامة والصلاه بالناس :
 قال صلى الله عليه وآله وسلم-:
 "يؤمهم أقرؤهم لكتاب الله…".
اي : المتقن لكتاب الله..
فلا يصلح أن يتقدم إمام يصلي بالناس وهو
لا يتقن القرآن..

- ولما شرع الله تعالى الأذان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً أن يؤذن دون غيره من الناس،
فما اختاره وما اصطفاه لأمرٍ ما ولكنه قال:
((  إنه أندى صوتًا ))
 أي : أرفع صوتًا.. وكان متقنًا..
فأصبح  أول مؤذن في الإسلام ...
 وصار مؤذناً للرسول الله صلى الله عليه وسلم..

 - وفي مجال الرأفة والرحمة بالطير والحيوان
دعانا عليه الصلاه والسلام الى إتقان وإحسان ذبحها ..
ففي الحديث الذي رواه ( مسلم)
قال صلى الله عليه وسلم  :
” إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شقرته، وليرح ذبيحته”

-  بل ان الإتقان مطلوب حتى في الأمور التي
لا يتوقف عليها نفع أو ضرر للميت، وفي اللحظة الأخيرة من حياة هذا الإنسان:
(( في الدفن واللحد أُمرنا بالإتقان ))
فقد قال صلى الله عليه وسلم :
في الحديث الذي رواه مسلم :
” إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحَسِّنْ كَفَنَهُ “

( وروى البيهقي ) انه لما دُفن أحد الصحابة
جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
« سووا لحد هذا »
حتى ظن الناس أنه سُنّة ، فالتفت إليهم ، فقال : « أما إن هذا لا ينفع الميت ولا يضره ، ولكن الله يحب من العامل إذا عمل أن يحسن » ..

فانظروا  يرعاكم الله  كيف أمر بالإتقان حتى في هذا الموضع الذي لا يضر الميت فيه..
ولكنه التوجيه بالإتقان وتنميته لدى الضمير المسلم الواعي ليكون دافعا قويا للدعوة إلى إحسان العمل وإجادته أيا كان ..
وإذا كان هذا في القبر وحال الموت !!
ففيما هو أكبر منها أولى وأجدر !!

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بمافيه من الآيات والذكر الحكيم...
واقول قولي هذا واستغفروا الله لي ولكم من كل ذنب عظيم ويا فوز المستغفرين ....


الخطبه الثانيه :

ثم اما بعد
 أيها الأحباب الكرام :
كماهي العاده وقفتنا اليوم وحديثنا اليوم مع عمل جديدٍ من تلك الاعمال العظيمه التى يحبها الله :
إنه  :
                  (( الإتقان ))
ففي الحديث الذي رواه للبيهقي من حديث
عائشه رضي الله عنها قال :
قال عليه الصلاه والسلام :
(( إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ ))
 فأنت إذا أتْقَنـْتَ عملكَ فأنت قد فعلْتَ شيئًا يُحبّه الله عزوجل ..
 فيحبّك الله ، ويحبّك الناس ، ويحبُّ الناس دينكَ .
ولذلكم
نجد اليوم إنفصاماً وانفصالاً كبيراً بين الواقع والمأمول في إتقان العمل...
 فتجد أن الفرد يعمل بجد وإخلاص وتفاني وجودة وإتقان إذا كان يعمل لنفسه..
إما إذا كان يعمل في شركة أو وظيفة أو مؤسسة أو وزارة؛ فإنه لا يبالي بعمله..
وإن شغله الشاغل التوقيع في دفتر الحضور والانصراف ولا يهمه بعد ذلك جودة أو خدمة
 أو إتقان أو قيام مجتمع أو سقوطه أو مراقبة
 أو غير ذلك !!!
فالله غني عن أعمالك وعبادتك وليس بحاجة إليها..
انما أنت الذي بحاجة إليها وإلى أجرها العظيم ..

وكل عمل تقدمه خيراً أو شراً مُتقَناً أو غير متقنٍ فهو لك..
واسمع معي الى احد الملوك السابقين الذي قرر في يوم من الأيام ان يستدعى وزراءه الثلاثة،

وطلب من كل وزير أن يأخذ كيساً ويذهب إلى بستان القصر ويملأ هذا الكيس له من مختلف طيبات الثمار والزروع...
وطلب منهم أن لا يستعينوا بأحدٍ في هذه المهمة وأن لا يسندوها إلى أحد آخر..
فاستغرب الوزراء من طلب الملك وأخذ كل واحد منهم كيسه وانطلق إلى البستان..
- فالوزير الأول :
حرص على أن يُرضِيَ الملك فجمع من كل الثمرات من أفضل وأجود المحصول وكان يتخيّر الطيّب والجيّد من الثمار حتى ملأ الكيس..
- أما الوزير الثاني :
فقد كان مقتنعاً بأن الملك لا يريد الثمار ولا يحتاجها لنفسه وأنه لن يتفحص الثمار، فقام بجمع الثمار بكسل وإهمال ولم يتحرَّ الطيّب من الفاسد حتى ملأ الكيس بالثمار كيفما كانت..
- أما الوزير الثالث :
فلم يعتقد أن الملك سوف يهتم بمحتوى الكيس أصلاً، فملأ الكيس بالحشائش والأعشاب وأوراق الأشجار .
وفي اليوم التالي، أمر الملك أن يُؤتى بالوزراء الثلاثة مع الأكياس التي جمعوها..
 فلما اجتمع الوزراء بالملك أمر الملك الجنود بأن يأخذوا الوزراء الثلاثة ويسجنوهم كل واحد منهم على حده مع الكيس الذي معه لمدة ثلاثة أشهر في سجن بعيد لا يصل إليهم فيه أحد كان,
وأن يمنع عنهم الأكل والشراب..

- فالوزير الأول /                 
بقي يأكل من طيبات الثمار التي جمعها حتى انقضت الأشهر الثلاثة..
- والوزير الثاني /
عاش الشهور الثلاثة في ضيق وقلة حيلة معتمداً على ما صلح فقط من الثمار التي جمعها..

- أما الوزير الثالث /
فمات جوعاً قبل أن ينقضي الشهر الأول.

والحكمة والشاهد مما سبق هو :
أن نسأل أنفسنا أي نوع نحن؟!
 فنحن الآن في بستان الدنيا ..؟!
نغش ونتكاسل ونتهرب من أعمالنا!!
 نداهن ونراشي على حساب مجتمعنا!!
 نجمع من الأعمال الطيبة، أو الأعمال الخبيثة.!

ولكن غداً عندما يأمر ملك الملوك أن تُسجن في قبرك، في ذلك السجن الضيِّق المظلم وحدك..
فماذا تعتقد أنه سوف ينفعك غير طيبات الأعمال التي جمعتها في حياتك الدنيا !!
نعم/
لن ينفعك سوى :
صلواتك .. صدقاتك .. تسبيحاتك .. استغفاراتك
تلاواتك ...اغاثاتك ... عباداتك .. اعمالك...
وهي التى ستعرض  غداً على الذي لاتخفى عليه خافيه :
وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ”
قال ابن كثير وغيره: قال مجاهد:
 هذا وعيد من الله تعالى  للمخالفين أوامره،
بأن أعمالهم ستعرض عليه، وعلى الرسول والمؤمنين، وهذا كائن لا محالة يوم القيامة..

فالعبد المؤمن يفرح بعمله الصالح ويُسَرُّ بذلك أمام الله ورسوله وعباده يوم القيامة..

وعلى العكس العبد الفاجر الفاسق الذي خبث عمله في الدنيا يُفضَحُ على رؤوس الخلائق يوم القيامة.

قال أبو موسى الأشعري، رضي الله عنه-:
يُدعى المؤمن للحساب يوم القيامة، فَيَعْرضُ عليه رَبُّه عملَه فيما بينه وبينه، فيعترف فيقول:
 نعم أيْ رب، عملتُ عملتُ عملت.
قال: فيغفر الله له ذنوبه، ويستره منها.
قال: فما على الأرض خَليقة ترى من تلك الذنوب شيئًا، وتبدو حسناته، فَوَدَّ أن الناس كلهم يرونها..

ويُدعى الكافر والمنافق للحساب، فَيَعرضُ رَبُّه عليه عمله، فيجحد ويقول:
 أي رب، وعزتك لقد كتب عليّ هذا الملك ما لم أعمل.
 فيقول له الملك: أما عملت كذا، في يوم كذا، في مكان كذا؟
فيقول: لا وعزتك أيْ رب ما عملتُه.
فإذا فعل ذلك خُتِم على فيه.
قال أبو موسى الأشعري:
فإني أحسب أول ما ينطق منه الفخذ اليمنى،
 ثم تلا:
 { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ
وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }( يس: 65 )

فالاعضاء شاهدهٌ عليك امام الله..!!
كذلك ستشهد عليك الأرض يوم القيامة بما تعمله عليها خيراً أو شراً..
ففي الحديث الذي رواه أحمد والنسائي والترمذي
 قال أبو هريرة رضي الله عنه :
«قرأ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا}
قال: أتدرونَ ما أخبارها؟
 قالوا: الله ورسوله أعلم.
 قال: فإن من أخبارِها أن تشهدَ على كلِّ عبدٍ وأمَةٍ بما عملَ على ظهرها؛ أن تقول:
عملَ كذا وكذا يومَ كذا وكذا، فهذه أخبارها».

 فهي تشهد على من خان عليها!!
 وتشهد على من سرق عليها !!
 وتشهد على من زنى عليها !!
 وتشهد على من أهدر المال عليها!!
 وتشهد على من هرب من عمله وقصر فيه عليها!! وتشهد على من سفك دماء الأبرياء عليها!!
وتشهد على قُطَّاعِ الطرق والمحاربين عليها!!
  لذلك قال صلى الله عليه وسلم:
“تَحَفَّظُوا من الأرضِ ، فإنها أُمُّكُمْ ، وإنه ليس من أحدٍ عامِلٍ عليها خيرًا أو شَرًّا إلا وهي مُخْبِرَةٌ به “( الطبراني وضعفه الألباني )
فالاعضاء غداً شاهده..
 والارض بماعُمل عليها شاهده ..
والاعمال كذلك بين يدي الله معروضه ومكتوبة ومسجلة ومحصاة علينا جميعاً :
وفي الحديث القدسي الذي رواه مسلم يقول الله:
 ” يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا؛ فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ؛ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ “

اللهم ردنا إليك مرداً جميلاً ، مرداً غير فاضحٍ ولا مخزيٍ يا ارحم الراحمين ..
اللهم اعصمنا من الزيغ والضلاله ، ومن الغوايه بعد الهدايه ومن الفساد بعد الصلاح.
اللهم لاتتوفنا إلا وانت راضٍ عنا ، مقبلين غير مدبرين ، محسنين لا مسيئين ..
اللهم اجعلنا هداهً مهديين غير ضالين ولا مضلين
سلماً لاوليائك حرباً على أعدائك ، نحب بحبك من احبك ونعادي بعداوتك من عاداك يا رب العالمين.

ثم اعلموا انّ الله أمركم بأمرٍ بدأ به نفسه
وثنى به ملائكته المسبحه بقدسه وثلث به عباده
من جنِّه وإنسه فقال :-
(( إنَّ اللّهَ وملائِكتَه يُصلونَ على النَّبي يا أيَّها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ))....
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد،..
 وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك، يا أرحم الراحمين.
-----------------------------------
اللهم اجعلها صدقهً جاريهً لي ولوالدتي المرحومه..
وأنفع بها عبادك المسلمين اجمعين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
------------------------------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

🎤 خطبــة جمعـــة بعنـــوان : [ الإســـتغفـــــــار ] إعـــــــداد وتنظيــــم وإلقـــاء : الاستـــاذ/ احمــــد عبـداللَّـه صــالح خــط...