🎤
خطبــة جمعـــة بعنـــوان
التوكل
{{ إنّ اللّهَ يُحبُ المتوكلين }}
السلسله الثانيه لأحب الاعمال الى الله
الخطبه {{ 7 }}
إعداد وتعديل وإلقاء :
الاستاذ/ أحمد عبدالله صالح
خطيب مسجد بلال بن رباح/
الجمهوريه اليمنيه - محافظه إب .
ألقيت في 23 فبراير 2018 م
الموافق 7 جماد ثاني 1439هـ
ثم اما بعد :
حديثنا اليوم كما هو المعتاد مع عملٍ جديدٍ من تلك الاعمال التى يحبها الله سبحانه وتعالى..
وعمل اليوم عبادةٌ قلبيةٌ عظيمةُ القدر ...
ضل عنها كثير من المسلمين ..!!!
إما للجهل بحقيقتها؛ وإما للعجز والتفريط فيها...
نعم ايها الكرام :
في ظلِ زينةِ الدنيا وافتتانِ الناس بها
ولهوهم وغفلتهم وانشغالهم عن الحياةِ الآخرة ...
تحتاجُ الأنفسُ البشرية بين الفينة والأخرى إلى التذكير ببعضِ العبادات التي غفل بعضُ الناس عنها ، وجهلوا أثرها وفائدتها..
فتعالوا معي اليوم أيها الاحباب الكرام :
لنقف مع أنفسنا وقفةَ مصارحة ومحاسبة في واحدة من هذه العبادات :
لنرى واقعنا ، ونبصر حجم أخطائنا..
و لنعود بإذن الله تعالى إلى رشدنا وصوابنا .
انها عبادهُ التوكل
عبادهٌ يحبها الله ويُحبُ أهلها
قال سبحانه: (( إنّ اللّهَ يُحبُ المُتَوَكِلِين ))
التوكل أحباب المصطفى صلى الله عليه وسلم:
- إنطراحُ القلب بين يدي الرب وتفويض الأمر له
جل ثناؤه ، والثقةُ به، وحسنُ الظنِ به سبحانه .
- التوكلُ هو صدقُ إعتمادِ القلب على الله عزوجل في استجلاب المصالح ودفعِ المضار من أمور الدنيا والآخرة كلها.
- التوكلُ هو طرحُ البدن في العبودية ..
وتعلق القلبِ بالربوبية والطمأنينة إلى الكفاية فإن أُعطي شكر وإن مُنع صبر..
- التوكل هو الاعتمادُ على الله في تحصيل المنافع أو حفظها بعد حصولها ، وفي دفع المضار ورفعها بعد وقوعها..
- التوكل هو الجمعُ بين العملِ والأمل مع هدوءِ قلبٍ وطمأنينةُ نفس ،واعتقاد جازم أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
- وقيل التوكلُ هو : تحقيقُ الإيمانِ بأنه لا يُعطي ولا يمنعُ ولا يهدي ولا يضلل ولا ينصر ولا يخذل
ولا يخفِض ولا يرفع ولا يُعز ولا يذل،ولا يَضرُّ ولا ينفع سواه ، وهذه منزلة لا يبلُغها إلا الصدّيقون ..
حتى قال سعيدُ بنُ جُبير عن التوكل
« التوكلُ جماعُ الإيمانِ » .
ولِعِظَمِ منزلةِ التوكلِ فقد جاءت الآيات الكثيرةُ التى لا يسع المقام لذكرها..
تَحُثُّ عليه وتبيِّنُ منزلتَه ليأخذ به المسلمُ لما فيه من حلاوةِ العيشِ وحُسنِ العاقبةِ ..
ورد فيها التوكل مقترناً تاره بالالوهيه وتاره بالربوبيه وتاره بالصبر وأخرى بالانابه :
قال اللهُ تعالى - :
(( ومن يتوكل على اللهِ فهو حسبُه)) أي: كافيه.
وقال:
(( وعلى اللهِ فتوكلوا إن كنتم مؤمنين )) .
وقال:
( قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب)..
وقال جل وعلا:
(رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً)
وقال جل ثناؤه:
(قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب)
وقال عزوجل :
(ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب)
وقال سبحانه :
(ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير)
وقال تعالى :
( ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شىء قدراً)
وقال جل وعلا :
( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون)..
وقال سبحانه عن نبيه يعقوب عليه السلام
وهو يوصي أولاده بالتوكل على الله:
(وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون).
فهكذا كان أنبياء الله مع التوكل ..
وهكذا كان التوكل وصيةُ الأنبياء لأقوامهم ...
+ فهذا نوح عليه السلام يقول لقومه :
" يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم " (يونس:71)
+ وقال تعالى عن نبيه هود عليه السلام :
" إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها " (هود:56) ،
+ وقال عن شعيب عليه السلام :
" وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب " (هود:88).
+ وقال سبحانه آمراً وموجهاً رسوله محمد
صلى الله عليه وسلم :
" فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين " (آل عمران:159) .
+ وهذا نبي الله موسى عليه السلام فقد قال الله على لسانه وهو يدعو قومه للتوكل على الله :
((وقال موسى يا قومِ إن كنتم آمنتم باللهِ فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين * فقالوا على الله توكلنا..))
وقال رسلُ اللهِ وأنبياؤه :
(( ومالنا أن لا نتوكلَ على اللهِ وقد هدانا سبُلَنا)) .
فإذا كان هذا حالَ الأنبياءِ صلواتُ ربي وسلامُه عليهم ..
ينبغي على المسلمِ أن يقتديَ بهم ،..
وأن يستشعرَ حقيقةَ التوكلِ في قلبِه ، والتي ينتجُ عنها ترجمةُ هذه العقيدةِ القلبيةِ على لسانِه وجوارحِه ، ويوقنُ أشدَّ اليقينِ بأنَّ العبدَ إذا توكلَ على اللهِ تعالى أورثه ذلك علماً أكيداً بأنه لا يملكُ لنفسِه ولا لغيرِه حولاً ولا قوة ،
وأن استطاعتَه بيدِ اللهِ لا بيده ، فهو مالِكُها دونه ، وأنه إنْ لم يعطه الاستطاعةَ فهو عاجزٌ ،
وأنه لا يتحركُ إلا باللهِ لا بنفسِه ،
- ولذا كان من دعائه صلى اللهُ عليه وسلم -:
«يا حيُّ يا قيومُ برحمتِك استغيثُ ، أصلح لي شأني كلَّه ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين» .
- وكان من دعاء عليِ بنِ الحسينِ رحمه اللهُ - :
« اللهم لا تكلني إلى نفسي فأعجز عنها
ولا تكلني إلى المخلوقين فيضيّعوني »
اما في السنه النبويه على صاحبها افضل الصلاه وأتم التسليم..
فقد جاء عن النبيِّ صلى اللهُ علي وسلم قال:
«لو أنكم تتوكلون على الله حقَّ توكلِه لرزقكم كما يرزقُ الطيرَ ، تغدو خِماصاً وتروح بِطاناً».
ومعنى " تغدو خماصاً "
أي تذهب في الصباح جائعة ،
و" تروح بطاناً "
أي ترجع في المساء شبعة .
ففي هذا الحديثِ ضرب النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلمَ المثلَ بالطيرِ على ضعفِه ، وأن الله قد تكفَّل له بالرزقِ وهداه لأسبابِه ، وهذا مما يورثُ اليقينَ عند العبدِ بأن عَيْشَه مكفولٌ ،
فإذا علم ذلك أورثه ذلك حسنَ ظنٍّ بربِّه سبحانه - لأن المتوكلَ حقيقةً مَن يعلمُ أن اللهَ قد ضمِنَ لعبِده رزقَه وكفايتَه ، فيصدقُ الله فيما ضمنه ، ويثق بذلك حقَّ الثقة ، ويحقِّقُ الاعتمادَ عليه فيما ضمِنَه مِن الرزقِ ، وأن الرزقَ مقسومٌ لكلِّ أحدٍ من بَرٍّ وفاجر ، ومؤمنٍ وكافرٍ ، كما قال تعالى - :
(( وما من دابةٍ في الأرضِ إلا على اللهِ رزقُها ))
هذا مع ضعفِ كثيرٍ من الدوابِّ وعجزِها عن السعيِ في طلبِ الرزقِ ، فما دام العبدُ حياً فرِزقُه على اللهِ ، وقد يُيَسِّرُه اللهُ بكسبٍ أو بغيرِ كسبٍ ، وإن كان بذلُ الأسبابِ مطلوباً .
وحيا الله من قال :
تَوكلْتُ في رِزْقي عَلَى اللَّهِ خَالقي *
وَأَيْقَنْتُ أنَّ اللَّهَ لاَ شَكَّ رَازِقي
وَمَا يَكُ مِنْ رِزْقِي فَلَيْسَ يَفوتُني *
وَلَو كَانَ في قَاع البَحارِ الغَوامِقِ
سَيأْتي بِهِ اللَّهُ العظيم بِفَضْلِه * ِ
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِني اللسَانُ بِنَاطِقِ
فَفي أي شيءٍ تَذْهَبُ النَفْسُ حَسْرَةً *
وَقَدْ قَسَمَ الرَّحْمَنُ رِزْقَ الْخَلاَئِقِ
وفي السنن من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال حين يخرج من بيته:
«بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله" يقال له:
هديت ووقيت وكفيت، فيقول الشيطان لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي ووقي وكفي»
وقد كان في دعاءِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلمَ ما يدلُّ على توكلِه الدائمِ على خالقِه سبحانه- :
فكان من دعائه صلى اللهُ عليه وسلم - قولُه:
«اللهم لك أسلمتُ ، وبك آمنتُ ، وعليك توكلتُ ، وإليك أنبتُ وبك خاصمتُ» .
وفي حديث أنس بن مالك رضى الله عنه قال :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه :
(اللهم اجعلني ممن توكل عليك فكفيته واستهداك فهديته واستغفرك فغفرته).
وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وأحمد
عن ابن عباس رضي الله عنه...
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:
( اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت الحي الذي لا يموت والجن والأنس يموتون)..
فالتوكل من أجلِّ صفات المؤمنين ، وأرفع درجات السالكين ، وأعلى مقامات الموحدين ،
قال تعالى : " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ، وإذا تليت عليهم آيته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون "( الأنفال:2)
قال ابن كثير رحمه الله :
" أي لا يرجون سواه ، ولا يقصدون إلا إياه ،
ولا يلوذون إلا بجنابه ، ولا يطلبون حوائجهم إلا منه، ولا يرغبون إلا إليه،
ويعلمون أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن،
وأنه المتصرف في الملك لا شريك له ولا معقب لحكمه وهو سريع الحساب .." .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...
ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبه الثانيه :
ثم اما بعد ايها الكرام :
إن التوكل على الله شعور ويقين بعظمة الله وربوبيته وهيمنته على الحياة والوجود والأفلاك والأكوان ومن فيها وما عليها والدول وكل ما تملك، فكل ذلك محكوم بحوله وقوته سبحانه.
التوكل قطع القلب عن العلائق، ورفض التعلّق بالخلائق، وإعلان الافتقار إلى محوّل الأحوال ومقدّر الأقدار، لا إله إلا هو، إنه صدق اعتماد القلب على الله -عز وجل- في استجلاب المصالح ودفع المضارّ، فلا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا ينفع ذا الجد منه الجد.
التوكل صدق وإيمان وسكينة واطمئنان، ثقة بالله وفي الله، وأمل يصحب العمل، وعزيمة لا ينطفئ وَهَجُها مهما ترادفت المتاعب...
ولا يعني التوكلُ أنْ لا يأخذَ العبدُ بالأسبابِ ؛
انما مِن تمامِ التوكلِ الأخذَ بالأسبابِ ،
لأن تركَ الأسبابِ جملةً ممتنعٌ عقلاً وحساً ..
وما أخل النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم بشيءٍ من الأسبابِ :
- فقد لبسَ درعين يومَ أحدٍ ولم يترك لُبس الدروع محتجًا بأنه متوكل على الله...
- وأمر بغلق الباب وإطفاء النار عند المبيت..
- وكان يأخذ الزاد في السفر ..
- واختفى عن الكفار في الغار ..
- وتعاطى الدواء ..
- وقال: "من يحرسنا الليلة؟!"
- ولما خرج مهاجراً أخذ من يدله على الطريق
ولم يقل سأذهب مهاجراً ، وأتوكل على الله ،
ولن اصطحب معي من يدلني الطريق بل إستأجرَ دليلاً مشركاً يدلّه على طريقِ الهجرةِ..
- وكان صلى الله عليه وسلم يتقي الحر والبرد
ولم ينقص ذلك من توكله...
- وكان إذا سافر في حجٍّ أو جهادٍ حَمَلَ الزادَ والمزادَ ..
- وقد كان صلى الله عليه وسلم وهو سيد المتوكلين يدّخرُ لأهله قوت سنة كما ورد ذلك في صحيح البخاري..
ولما جاء النبي صلى الله عليه وسلم رجل على ناقة قال : يا رسول الله أرخي لناقتي وأتوكل ؟
أي أتركها بدون عقال وأتوكل ..!
فماذا كان جواب الحبيب صلى الله عليه وسلم ؟
قال له : أعقلها وتوكل ..
أي أربطها ثم توكل على الله.
رواه الترمذي وابن حبان..
فهكذا كان عليه الصلاه والسلام ..
وهكذا فعل أصحابُه رضي اللهُ عنهم :
- فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرى
أقواماً عاكفون في المسجد عالة على الناس ،
قد تركوا العمل والكسب ..
علاهم عمر بدرته وطردهم قائلاً :
" إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة " ..
- ولقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً أناساً من أهل اليمن ، فقال : من أنتم ؟
قالوا : نحن المتوكلون ، قال :
بل أنتم المتواكلون، إنما المتوكل من يُلقي حَبَهُ
في الأرض ويتوكل على الله .
ومَعَ كونِ الأخذ بالأسبابِ من تمامِ التوكلِ فإن الواجبَ على المُسلمِ أنْ لا يلتفت قلبُه إلى الأسبابِ بل إلى مسبِّبِها سبحانه وتعالى ولا يتعلق قلبه بها إنما القلب متعلق بالله.
- فأنت تطلب الوظيفة ولكن لا يتعلق قلبك بها..
- وتجمع مالا تُغني به ورثتَك من أهلٍ وأبناء؛
ولكن يبقى تعلقك بالله لا بهذا المال.
& والمتأمل في حياتنا اليوم يجد أنواعاً وصوراً وأمثلهً كثيرهً على ضعف توكلنا على الله تعالى وقلة اعتمادنا عليه سبحانه ... ومن تلك الصور :-
- أن بعض الناس إذا كانت له حاجة دنيوية
أو معاملة أو طلب وظيفة أو غيرها..
تجد أن أول من يخطر على فؤاده فلان من
الناس ، فيتوجه إليه ويطلبه ..
وربما نافق له أو مدحه أو رشاه ولربما انبطح بباب داره وقبّل يديه وركبتيه ونسي أو تناسى أن الله بيده كل شيء، وهو كل شيء قدير..
- ومن الناس فئام أصيبوا بالأمراض فعلّقوا قلوبهم بالأطباء أو الأدوية ، ورجوا منهم الشفاء وزوال الداء.
- ومنهم من قطع الفيافي والقفار وشرق وغرب في الأمصار ، يلاحق السحرة والمشعوذين ، يرجو منهم رفع البلاء وكشف الضراء ، فخربوا قلوبهم لإصلاح أبدانهم ، ففسدت قلوبهم ، ووهنت أبدانهم..
- ومن الناس كذلك من إذا نزلت بهم المصائب ، وأصابتهم النوائب فزعوا إلى غير مفزع ، وفروا إلى غير مهرب ، طرقوا كل باب ، وسلكوا كل سبيل..
وتناسوا طريق الله تعالى ...
وتناسوا باب الخالق الكريم ...
وغفلوا عن سبيل الله تعالى ،..
وتناسوا أنه سبحانه إذا أراد شيئاً قال له
كن فيكون ..
وأنه سبحانه كاف من يثق به في نوائبه ومهماته .
ولذلكم احبابي الكرام :-
جعل الله تعالى للتوكل عليه منافع وفوائد
وآثاراً مباركة فمن ذلك :_
{{ ان التوكل باب من أبواب الرزق }}
قيل لحاتم الأصم على ما بنيت أمرك في التوكل؟
قال : على خصال أربعة :
علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأنت نفسي ..
وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به.. وعلمت أن الموت يأتي على بغتة فأنا أبادره ..
وعلمت أني لا أخلو من عين الله فأنا مستحي منه.
= ومن منافع التوكل على الله حق توكله :
[[ حفظ الله للعبد في وقت الشدائد والأزمات ][
- فهذا الخليل براهيمُ عليه الصلاةُ والسلامُ لما دعا قومَه إلى التوحيدِ وكسّر أصنامَهم أوقدوا له ناراً عظيمةً ثم رمَوه فيها ، فلما رمَوه جاءه جبريل وقال له ألك حاجه مني فقال الخليل ابراهيم :
أما منك فلا .. وأما من الله فبلى ثم قال :
( حسبُنا اللهُ ونعم الوكيلُ )
فكانت النتيجةُ أن أنجاه اللهُ من النارِ قال تعالى:
(( قُلنا يا نارُ كوني برداً وسلاماً على إبراهيم ))
فنجاه اللهُ لِحُسنِ ظنِّه به وصِدْقِ توكلِه عليه .
- ولما رجعَ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم مِن غزوةِ أُحدٍ وقد هُزِم المسلمون فيها وأصابهم غمٌّ شديدٌ وضَنَكٌ عظيمٌ وقُتِل منهم خلقٌ كثيرٌ - جاء مَن أخبر النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم أنَّ المشركين عزموا على العودةِ إلى النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم وصحابتِه ليستأصلوا بقيَّتَهم ،
وقد جمعوا لذلك الجموعِ ..
سطر الله ذلك بقوله :
{ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ }
[آل عمران: 173]
فما كان من النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم وصحابتِه إلا أن فوَّضوا أمرَهم إلى اللهِ وأحسنوا الظنَّ به سبحانه وزادهم ذلك الأمرُ على شدتِه ايماناً
{فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} أي :
أنه كافينا في مهماتِنا ومُلماتِنا ،
وهو نِعم الكافي ومن نُفَوِّضُ له الأمرُ .
فماذا كانت النتيجةُ ؟
قال تعالى:
((فانقلبوا بنعمةٍ مِن اللهِ وفضلٍ لم يمسسهم سوءٌ ، واتبعوا رضوانَ اللهِ والله ذو فضلٍ عظيمٍ)).
- وفي حمراء الأسد يدفع الله عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الوهن ، ويقذف في قلوب أعدائهم الرعب حين قالوا :
" حسبنا الله ونعم الوكيل "
- وروي أن رجلاً من أهل الكوفة قال :
كنت في بستان لي، إذ خيل إلي شخص أسود ففزعت منه فقلت : حسبي الله ونعم الوكيل، فساخ في الأرض ( غاص فيها ) وأنا أنظر إليه،
وسمعت صوتاً من ورائي يقرأ هذه الآية :
" ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره " فالتفت فلم أر شيئاً "
= ومن منافع التوكل على الله :
[ ان المتوكل على الله يدفع الله عنه أذى الخلق وكيد الكائدين عليه وشر المتربصين به ]
يقول ابن القيم رحمه الله عليه :
" التوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد
ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم " .
= ومن منافع التوكل على الله :
[[ ان المتوكل على الله ليس للشيطان عليه سبيل
أو سلطان ..]]
قال تعالى :
" إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون " ( النحل: )
قال صلى الله عليه وسلم :
" إذا خرج المرء من بيته كان معه ملكان موكلان به فإذا قال: بسم الله، قالا: هديت، فإذا قال: توكلت على الله، قالا: كفيت، فإذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، قالا: وقيت ، قال: فيلقاه قريناه فيقولان: ماذا تريدان من رجل قد هدي وكفي ووقي ."
رواه الترمذي وغيره .
= ومن منافع التوكل على الله تعالى :
[[ أنه يكسب صاحبه قوة وشجاعة تهون في سبيلها قوة الخلق ومكائدهم مهما كانت ]]
وكلما قل قدر المرء من التوكل زاد نصيبه من الضعف والخور ، ولا حقته الهموم وسيطرت عليه الأوهام ..
قال بعض السلف:
من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله تعالى فإن القوة مضمونة للمتوكل والكفاية والحسب، والدفع عنه حاصل له..
وليكن لسان حالنا في كل وقت من أوقاتنا
ان نقول :
اللهم إنا نبرأ من الثقة إلا بك ..
ونبرأ من الأمل إلا فيك ..
ونبرأ من التسليم إلا لك ..
ونبرأمن التفويض إلا إليك..
ونبرأمن التوكل إلا عليك ..
ونبرأمن الصبر إلا علي بابك..
ونبرأ من الذل إلا في طاعتك ..
ونبرأ من الرهبة إلا لجلالك العظيم ..
- نسأل الله أن يجعلنا من المتوكلين الذين تعلقت قلوبهم بالله فلا يرجون إلا الله ولا يدعون إلا الله..
- وان يجعلنا من الذين يعملون الأسباب ويتعلقون بمسبب الأسباب.
يعاملون الخلق واعتمادهم على الخالق.
- اللهم يا ذا الأسماء الحسنى والصفات العلى
أرزقنا صدق التوكل عليك، وحسن الظن بك .
- اللهم ياحي يا قيوم اجعلنا جميعاً ممن توكل عليك فكفيته ، واستهداك فهديته، واستنصرك فنصرته.
- ربنا اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار .
- ربنا اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها اولها وآخرها علانيتها وسرها ..
- اللهم اغفر لنا في يومنا هذا اجمعين وهب المسيئين منا للمحسنين وان لم يكن منا محسنٌ فهبنا الى رحمتك ..
ثم اعلموا انّ الله أمركم بأمرٍ بدأ به نفسه
وثنى به ملائكته المسبحه بقدسه وثلث به عباده
من جنِّه وإنسه فقال :-
(( إنَّ اللّهَ وملائِكتَه يُصلونَ على النَّبي يا أيَّها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ))....
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد،..
وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك، يا أرحم الراحمين.
-----------------------------------
اللهم اجعلها صدقهً جاريهً لي ولوالدتي المرحومه..
وأنفع بها عبادك المسلمين اجمعين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
------------------------------------
خطبــة جمعـــة بعنـــوان
التوكل
{{ إنّ اللّهَ يُحبُ المتوكلين }}
السلسله الثانيه لأحب الاعمال الى الله
الخطبه {{ 7 }}
إعداد وتعديل وإلقاء :
الاستاذ/ أحمد عبدالله صالح
خطيب مسجد بلال بن رباح/
الجمهوريه اليمنيه - محافظه إب .
ألقيت في 23 فبراير 2018 م
الموافق 7 جماد ثاني 1439هـ
ثم اما بعد :
حديثنا اليوم كما هو المعتاد مع عملٍ جديدٍ من تلك الاعمال التى يحبها الله سبحانه وتعالى..
وعمل اليوم عبادةٌ قلبيةٌ عظيمةُ القدر ...
ضل عنها كثير من المسلمين ..!!!
إما للجهل بحقيقتها؛ وإما للعجز والتفريط فيها...
نعم ايها الكرام :
في ظلِ زينةِ الدنيا وافتتانِ الناس بها
ولهوهم وغفلتهم وانشغالهم عن الحياةِ الآخرة ...
تحتاجُ الأنفسُ البشرية بين الفينة والأخرى إلى التذكير ببعضِ العبادات التي غفل بعضُ الناس عنها ، وجهلوا أثرها وفائدتها..
فتعالوا معي اليوم أيها الاحباب الكرام :
لنقف مع أنفسنا وقفةَ مصارحة ومحاسبة في واحدة من هذه العبادات :
لنرى واقعنا ، ونبصر حجم أخطائنا..
و لنعود بإذن الله تعالى إلى رشدنا وصوابنا .
انها عبادهُ التوكل
عبادهٌ يحبها الله ويُحبُ أهلها
قال سبحانه: (( إنّ اللّهَ يُحبُ المُتَوَكِلِين ))
التوكل أحباب المصطفى صلى الله عليه وسلم:
- إنطراحُ القلب بين يدي الرب وتفويض الأمر له
جل ثناؤه ، والثقةُ به، وحسنُ الظنِ به سبحانه .
- التوكلُ هو صدقُ إعتمادِ القلب على الله عزوجل في استجلاب المصالح ودفعِ المضار من أمور الدنيا والآخرة كلها.
- التوكلُ هو طرحُ البدن في العبودية ..
وتعلق القلبِ بالربوبية والطمأنينة إلى الكفاية فإن أُعطي شكر وإن مُنع صبر..
- التوكل هو الاعتمادُ على الله في تحصيل المنافع أو حفظها بعد حصولها ، وفي دفع المضار ورفعها بعد وقوعها..
- التوكل هو الجمعُ بين العملِ والأمل مع هدوءِ قلبٍ وطمأنينةُ نفس ،واعتقاد جازم أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
- وقيل التوكلُ هو : تحقيقُ الإيمانِ بأنه لا يُعطي ولا يمنعُ ولا يهدي ولا يضلل ولا ينصر ولا يخذل
ولا يخفِض ولا يرفع ولا يُعز ولا يذل،ولا يَضرُّ ولا ينفع سواه ، وهذه منزلة لا يبلُغها إلا الصدّيقون ..
حتى قال سعيدُ بنُ جُبير عن التوكل
« التوكلُ جماعُ الإيمانِ » .
ولِعِظَمِ منزلةِ التوكلِ فقد جاءت الآيات الكثيرةُ التى لا يسع المقام لذكرها..
تَحُثُّ عليه وتبيِّنُ منزلتَه ليأخذ به المسلمُ لما فيه من حلاوةِ العيشِ وحُسنِ العاقبةِ ..
ورد فيها التوكل مقترناً تاره بالالوهيه وتاره بالربوبيه وتاره بالصبر وأخرى بالانابه :
قال اللهُ تعالى - :
(( ومن يتوكل على اللهِ فهو حسبُه)) أي: كافيه.
وقال:
(( وعلى اللهِ فتوكلوا إن كنتم مؤمنين )) .
وقال:
( قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب)..
وقال جل وعلا:
(رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً)
وقال جل ثناؤه:
(قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب)
وقال عزوجل :
(ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب)
وقال سبحانه :
(ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير)
وقال تعالى :
( ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شىء قدراً)
وقال جل وعلا :
( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون)..
وقال سبحانه عن نبيه يعقوب عليه السلام
وهو يوصي أولاده بالتوكل على الله:
(وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون).
فهكذا كان أنبياء الله مع التوكل ..
وهكذا كان التوكل وصيةُ الأنبياء لأقوامهم ...
+ فهذا نوح عليه السلام يقول لقومه :
" يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم " (يونس:71)
+ وقال تعالى عن نبيه هود عليه السلام :
" إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها " (هود:56) ،
+ وقال عن شعيب عليه السلام :
" وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب " (هود:88).
+ وقال سبحانه آمراً وموجهاً رسوله محمد
صلى الله عليه وسلم :
" فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين " (آل عمران:159) .
+ وهذا نبي الله موسى عليه السلام فقد قال الله على لسانه وهو يدعو قومه للتوكل على الله :
((وقال موسى يا قومِ إن كنتم آمنتم باللهِ فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين * فقالوا على الله توكلنا..))
وقال رسلُ اللهِ وأنبياؤه :
(( ومالنا أن لا نتوكلَ على اللهِ وقد هدانا سبُلَنا)) .
فإذا كان هذا حالَ الأنبياءِ صلواتُ ربي وسلامُه عليهم ..
ينبغي على المسلمِ أن يقتديَ بهم ،..
وأن يستشعرَ حقيقةَ التوكلِ في قلبِه ، والتي ينتجُ عنها ترجمةُ هذه العقيدةِ القلبيةِ على لسانِه وجوارحِه ، ويوقنُ أشدَّ اليقينِ بأنَّ العبدَ إذا توكلَ على اللهِ تعالى أورثه ذلك علماً أكيداً بأنه لا يملكُ لنفسِه ولا لغيرِه حولاً ولا قوة ،
وأن استطاعتَه بيدِ اللهِ لا بيده ، فهو مالِكُها دونه ، وأنه إنْ لم يعطه الاستطاعةَ فهو عاجزٌ ،
وأنه لا يتحركُ إلا باللهِ لا بنفسِه ،
- ولذا كان من دعائه صلى اللهُ عليه وسلم -:
«يا حيُّ يا قيومُ برحمتِك استغيثُ ، أصلح لي شأني كلَّه ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين» .
- وكان من دعاء عليِ بنِ الحسينِ رحمه اللهُ - :
« اللهم لا تكلني إلى نفسي فأعجز عنها
ولا تكلني إلى المخلوقين فيضيّعوني »
اما في السنه النبويه على صاحبها افضل الصلاه وأتم التسليم..
فقد جاء عن النبيِّ صلى اللهُ علي وسلم قال:
«لو أنكم تتوكلون على الله حقَّ توكلِه لرزقكم كما يرزقُ الطيرَ ، تغدو خِماصاً وتروح بِطاناً».
ومعنى " تغدو خماصاً "
أي تذهب في الصباح جائعة ،
و" تروح بطاناً "
أي ترجع في المساء شبعة .
ففي هذا الحديثِ ضرب النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلمَ المثلَ بالطيرِ على ضعفِه ، وأن الله قد تكفَّل له بالرزقِ وهداه لأسبابِه ، وهذا مما يورثُ اليقينَ عند العبدِ بأن عَيْشَه مكفولٌ ،
فإذا علم ذلك أورثه ذلك حسنَ ظنٍّ بربِّه سبحانه - لأن المتوكلَ حقيقةً مَن يعلمُ أن اللهَ قد ضمِنَ لعبِده رزقَه وكفايتَه ، فيصدقُ الله فيما ضمنه ، ويثق بذلك حقَّ الثقة ، ويحقِّقُ الاعتمادَ عليه فيما ضمِنَه مِن الرزقِ ، وأن الرزقَ مقسومٌ لكلِّ أحدٍ من بَرٍّ وفاجر ، ومؤمنٍ وكافرٍ ، كما قال تعالى - :
(( وما من دابةٍ في الأرضِ إلا على اللهِ رزقُها ))
هذا مع ضعفِ كثيرٍ من الدوابِّ وعجزِها عن السعيِ في طلبِ الرزقِ ، فما دام العبدُ حياً فرِزقُه على اللهِ ، وقد يُيَسِّرُه اللهُ بكسبٍ أو بغيرِ كسبٍ ، وإن كان بذلُ الأسبابِ مطلوباً .
وحيا الله من قال :
تَوكلْتُ في رِزْقي عَلَى اللَّهِ خَالقي *
وَأَيْقَنْتُ أنَّ اللَّهَ لاَ شَكَّ رَازِقي
وَمَا يَكُ مِنْ رِزْقِي فَلَيْسَ يَفوتُني *
وَلَو كَانَ في قَاع البَحارِ الغَوامِقِ
سَيأْتي بِهِ اللَّهُ العظيم بِفَضْلِه * ِ
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِني اللسَانُ بِنَاطِقِ
فَفي أي شيءٍ تَذْهَبُ النَفْسُ حَسْرَةً *
وَقَدْ قَسَمَ الرَّحْمَنُ رِزْقَ الْخَلاَئِقِ
وفي السنن من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال حين يخرج من بيته:
«بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله" يقال له:
هديت ووقيت وكفيت، فيقول الشيطان لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي ووقي وكفي»
وقد كان في دعاءِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلمَ ما يدلُّ على توكلِه الدائمِ على خالقِه سبحانه- :
فكان من دعائه صلى اللهُ عليه وسلم - قولُه:
«اللهم لك أسلمتُ ، وبك آمنتُ ، وعليك توكلتُ ، وإليك أنبتُ وبك خاصمتُ» .
وفي حديث أنس بن مالك رضى الله عنه قال :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه :
(اللهم اجعلني ممن توكل عليك فكفيته واستهداك فهديته واستغفرك فغفرته).
وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وأحمد
عن ابن عباس رضي الله عنه...
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:
( اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت الحي الذي لا يموت والجن والأنس يموتون)..
فالتوكل من أجلِّ صفات المؤمنين ، وأرفع درجات السالكين ، وأعلى مقامات الموحدين ،
قال تعالى : " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ، وإذا تليت عليهم آيته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون "( الأنفال:2)
قال ابن كثير رحمه الله :
" أي لا يرجون سواه ، ولا يقصدون إلا إياه ،
ولا يلوذون إلا بجنابه ، ولا يطلبون حوائجهم إلا منه، ولا يرغبون إلا إليه،
ويعلمون أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن،
وأنه المتصرف في الملك لا شريك له ولا معقب لحكمه وهو سريع الحساب .." .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...
ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبه الثانيه :
ثم اما بعد ايها الكرام :
إن التوكل على الله شعور ويقين بعظمة الله وربوبيته وهيمنته على الحياة والوجود والأفلاك والأكوان ومن فيها وما عليها والدول وكل ما تملك، فكل ذلك محكوم بحوله وقوته سبحانه.
التوكل قطع القلب عن العلائق، ورفض التعلّق بالخلائق، وإعلان الافتقار إلى محوّل الأحوال ومقدّر الأقدار، لا إله إلا هو، إنه صدق اعتماد القلب على الله -عز وجل- في استجلاب المصالح ودفع المضارّ، فلا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا ينفع ذا الجد منه الجد.
التوكل صدق وإيمان وسكينة واطمئنان، ثقة بالله وفي الله، وأمل يصحب العمل، وعزيمة لا ينطفئ وَهَجُها مهما ترادفت المتاعب...
ولا يعني التوكلُ أنْ لا يأخذَ العبدُ بالأسبابِ ؛
انما مِن تمامِ التوكلِ الأخذَ بالأسبابِ ،
لأن تركَ الأسبابِ جملةً ممتنعٌ عقلاً وحساً ..
وما أخل النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم بشيءٍ من الأسبابِ :
- فقد لبسَ درعين يومَ أحدٍ ولم يترك لُبس الدروع محتجًا بأنه متوكل على الله...
- وأمر بغلق الباب وإطفاء النار عند المبيت..
- وكان يأخذ الزاد في السفر ..
- واختفى عن الكفار في الغار ..
- وتعاطى الدواء ..
- وقال: "من يحرسنا الليلة؟!"
- ولما خرج مهاجراً أخذ من يدله على الطريق
ولم يقل سأذهب مهاجراً ، وأتوكل على الله ،
ولن اصطحب معي من يدلني الطريق بل إستأجرَ دليلاً مشركاً يدلّه على طريقِ الهجرةِ..
- وكان صلى الله عليه وسلم يتقي الحر والبرد
ولم ينقص ذلك من توكله...
- وكان إذا سافر في حجٍّ أو جهادٍ حَمَلَ الزادَ والمزادَ ..
- وقد كان صلى الله عليه وسلم وهو سيد المتوكلين يدّخرُ لأهله قوت سنة كما ورد ذلك في صحيح البخاري..
ولما جاء النبي صلى الله عليه وسلم رجل على ناقة قال : يا رسول الله أرخي لناقتي وأتوكل ؟
أي أتركها بدون عقال وأتوكل ..!
فماذا كان جواب الحبيب صلى الله عليه وسلم ؟
قال له : أعقلها وتوكل ..
أي أربطها ثم توكل على الله.
رواه الترمذي وابن حبان..
فهكذا كان عليه الصلاه والسلام ..
وهكذا فعل أصحابُه رضي اللهُ عنهم :
- فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرى
أقواماً عاكفون في المسجد عالة على الناس ،
قد تركوا العمل والكسب ..
علاهم عمر بدرته وطردهم قائلاً :
" إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة " ..
- ولقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً أناساً من أهل اليمن ، فقال : من أنتم ؟
قالوا : نحن المتوكلون ، قال :
بل أنتم المتواكلون، إنما المتوكل من يُلقي حَبَهُ
في الأرض ويتوكل على الله .
ومَعَ كونِ الأخذ بالأسبابِ من تمامِ التوكلِ فإن الواجبَ على المُسلمِ أنْ لا يلتفت قلبُه إلى الأسبابِ بل إلى مسبِّبِها سبحانه وتعالى ولا يتعلق قلبه بها إنما القلب متعلق بالله.
- فأنت تطلب الوظيفة ولكن لا يتعلق قلبك بها..
- وتجمع مالا تُغني به ورثتَك من أهلٍ وأبناء؛
ولكن يبقى تعلقك بالله لا بهذا المال.
& والمتأمل في حياتنا اليوم يجد أنواعاً وصوراً وأمثلهً كثيرهً على ضعف توكلنا على الله تعالى وقلة اعتمادنا عليه سبحانه ... ومن تلك الصور :-
- أن بعض الناس إذا كانت له حاجة دنيوية
أو معاملة أو طلب وظيفة أو غيرها..
تجد أن أول من يخطر على فؤاده فلان من
الناس ، فيتوجه إليه ويطلبه ..
وربما نافق له أو مدحه أو رشاه ولربما انبطح بباب داره وقبّل يديه وركبتيه ونسي أو تناسى أن الله بيده كل شيء، وهو كل شيء قدير..
- ومن الناس فئام أصيبوا بالأمراض فعلّقوا قلوبهم بالأطباء أو الأدوية ، ورجوا منهم الشفاء وزوال الداء.
- ومنهم من قطع الفيافي والقفار وشرق وغرب في الأمصار ، يلاحق السحرة والمشعوذين ، يرجو منهم رفع البلاء وكشف الضراء ، فخربوا قلوبهم لإصلاح أبدانهم ، ففسدت قلوبهم ، ووهنت أبدانهم..
- ومن الناس كذلك من إذا نزلت بهم المصائب ، وأصابتهم النوائب فزعوا إلى غير مفزع ، وفروا إلى غير مهرب ، طرقوا كل باب ، وسلكوا كل سبيل..
وتناسوا طريق الله تعالى ...
وتناسوا باب الخالق الكريم ...
وغفلوا عن سبيل الله تعالى ،..
وتناسوا أنه سبحانه إذا أراد شيئاً قال له
كن فيكون ..
وأنه سبحانه كاف من يثق به في نوائبه ومهماته .
ولذلكم احبابي الكرام :-
جعل الله تعالى للتوكل عليه منافع وفوائد
وآثاراً مباركة فمن ذلك :_
{{ ان التوكل باب من أبواب الرزق }}
قيل لحاتم الأصم على ما بنيت أمرك في التوكل؟
قال : على خصال أربعة :
علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأنت نفسي ..
وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به.. وعلمت أن الموت يأتي على بغتة فأنا أبادره ..
وعلمت أني لا أخلو من عين الله فأنا مستحي منه.
= ومن منافع التوكل على الله حق توكله :
[[ حفظ الله للعبد في وقت الشدائد والأزمات ][
- فهذا الخليل براهيمُ عليه الصلاةُ والسلامُ لما دعا قومَه إلى التوحيدِ وكسّر أصنامَهم أوقدوا له ناراً عظيمةً ثم رمَوه فيها ، فلما رمَوه جاءه جبريل وقال له ألك حاجه مني فقال الخليل ابراهيم :
أما منك فلا .. وأما من الله فبلى ثم قال :
( حسبُنا اللهُ ونعم الوكيلُ )
فكانت النتيجةُ أن أنجاه اللهُ من النارِ قال تعالى:
(( قُلنا يا نارُ كوني برداً وسلاماً على إبراهيم ))
فنجاه اللهُ لِحُسنِ ظنِّه به وصِدْقِ توكلِه عليه .
- ولما رجعَ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم مِن غزوةِ أُحدٍ وقد هُزِم المسلمون فيها وأصابهم غمٌّ شديدٌ وضَنَكٌ عظيمٌ وقُتِل منهم خلقٌ كثيرٌ - جاء مَن أخبر النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم أنَّ المشركين عزموا على العودةِ إلى النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم وصحابتِه ليستأصلوا بقيَّتَهم ،
وقد جمعوا لذلك الجموعِ ..
سطر الله ذلك بقوله :
{ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ }
[آل عمران: 173]
فما كان من النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم وصحابتِه إلا أن فوَّضوا أمرَهم إلى اللهِ وأحسنوا الظنَّ به سبحانه وزادهم ذلك الأمرُ على شدتِه ايماناً
{فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} أي :
أنه كافينا في مهماتِنا ومُلماتِنا ،
وهو نِعم الكافي ومن نُفَوِّضُ له الأمرُ .
فماذا كانت النتيجةُ ؟
قال تعالى:
((فانقلبوا بنعمةٍ مِن اللهِ وفضلٍ لم يمسسهم سوءٌ ، واتبعوا رضوانَ اللهِ والله ذو فضلٍ عظيمٍ)).
- وفي حمراء الأسد يدفع الله عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الوهن ، ويقذف في قلوب أعدائهم الرعب حين قالوا :
" حسبنا الله ونعم الوكيل "
- وروي أن رجلاً من أهل الكوفة قال :
كنت في بستان لي، إذ خيل إلي شخص أسود ففزعت منه فقلت : حسبي الله ونعم الوكيل، فساخ في الأرض ( غاص فيها ) وأنا أنظر إليه،
وسمعت صوتاً من ورائي يقرأ هذه الآية :
" ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره " فالتفت فلم أر شيئاً "
= ومن منافع التوكل على الله :
[ ان المتوكل على الله يدفع الله عنه أذى الخلق وكيد الكائدين عليه وشر المتربصين به ]
يقول ابن القيم رحمه الله عليه :
" التوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد
ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم " .
= ومن منافع التوكل على الله :
[[ ان المتوكل على الله ليس للشيطان عليه سبيل
أو سلطان ..]]
قال تعالى :
" إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون " ( النحل: )
قال صلى الله عليه وسلم :
" إذا خرج المرء من بيته كان معه ملكان موكلان به فإذا قال: بسم الله، قالا: هديت، فإذا قال: توكلت على الله، قالا: كفيت، فإذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، قالا: وقيت ، قال: فيلقاه قريناه فيقولان: ماذا تريدان من رجل قد هدي وكفي ووقي ."
رواه الترمذي وغيره .
= ومن منافع التوكل على الله تعالى :
[[ أنه يكسب صاحبه قوة وشجاعة تهون في سبيلها قوة الخلق ومكائدهم مهما كانت ]]
وكلما قل قدر المرء من التوكل زاد نصيبه من الضعف والخور ، ولا حقته الهموم وسيطرت عليه الأوهام ..
قال بعض السلف:
من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله تعالى فإن القوة مضمونة للمتوكل والكفاية والحسب، والدفع عنه حاصل له..
وليكن لسان حالنا في كل وقت من أوقاتنا
ان نقول :
اللهم إنا نبرأ من الثقة إلا بك ..
ونبرأ من الأمل إلا فيك ..
ونبرأ من التسليم إلا لك ..
ونبرأمن التفويض إلا إليك..
ونبرأمن التوكل إلا عليك ..
ونبرأمن الصبر إلا علي بابك..
ونبرأ من الذل إلا في طاعتك ..
ونبرأ من الرهبة إلا لجلالك العظيم ..
- نسأل الله أن يجعلنا من المتوكلين الذين تعلقت قلوبهم بالله فلا يرجون إلا الله ولا يدعون إلا الله..
- وان يجعلنا من الذين يعملون الأسباب ويتعلقون بمسبب الأسباب.
يعاملون الخلق واعتمادهم على الخالق.
- اللهم يا ذا الأسماء الحسنى والصفات العلى
أرزقنا صدق التوكل عليك، وحسن الظن بك .
- اللهم ياحي يا قيوم اجعلنا جميعاً ممن توكل عليك فكفيته ، واستهداك فهديته، واستنصرك فنصرته.
- ربنا اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار .
- ربنا اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها اولها وآخرها علانيتها وسرها ..
- اللهم اغفر لنا في يومنا هذا اجمعين وهب المسيئين منا للمحسنين وان لم يكن منا محسنٌ فهبنا الى رحمتك ..
ثم اعلموا انّ الله أمركم بأمرٍ بدأ به نفسه
وثنى به ملائكته المسبحه بقدسه وثلث به عباده
من جنِّه وإنسه فقال :-
(( إنَّ اللّهَ وملائِكتَه يُصلونَ على النَّبي يا أيَّها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ))....
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد،..
وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك، يا أرحم الراحمين.
-----------------------------------
اللهم اجعلها صدقهً جاريهً لي ولوالدتي المرحومه..
وأنفع بها عبادك المسلمين اجمعين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
------------------------------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق