خطبه جمعه بعنوان
همُّ الآخرة وهم الدنيا
الجزء الثاني...(( هم الدنيا ))
إعداد وتعديل واضافه
الاستاذ/ احمد عبدالله صالح
خطيب مسجد بلال بن رباح/
الجمهوريه اليمنيه - محافظه إب .
ألقيت في 2017/10/17
ثم اما بعد
ايها الأحباب الكرام
طفنا في الجمعه الماضيه في بستان الحبيب عليه أفضل الصلاه وأتم التسليم ..
ووقفنا عند زهرهٍ من زهرات بستانه اليانعة
من حديث زيد بن ثابت رضى الله عنه :
ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( من كانت الاخره هَمّه :
جمع الله عليه شمله وجعل غناه في قلبه
واتته الدنياوهي راغمه...)
ولقد دار حديثنا في الجمعه الماضيه حول هذا الشطر الاول من الحديث
مع هم الاخره وأحوال طلاب الاخره وما يلقّون ويمنحون من النعم والعطايا جزاء همهم للاخره..
اما حديثُ جمعه اليوم فسوف يستكمل الحديث
لنعيش سويا مع الشطر والشق الثاني من الحديث...
(( ومن كااااانت الدنيا هَمّه:-
فَرَّقَ الله عليه شَمْله،
وجعل فقره بين عَيْنَيْه،
ولم يأتِه منَ الدُّنيا إلاَّ ما قدر له. ))
وفي روايه اخرى:-
(ومن كانت الدنيا همه فإن الله جل وعلا يشتت عليه ضيعته ولا يأتيه من الدنيا إلا ما قُسِمَ له)
أي:
من كانت الدنيا تفكيره:
لأجلها يقدم خطوة، ولأجلها يتقهقر أخرى.
اي:
من كانت الدنيا سبباً في قربه وبعده،
وابتسامته ونطقه وصمته وكلامه،
ورضاه وسخطه وحزنه ومعاتبته..
نعم
انه ذاك المَغْرُور...:-
الذي ملكتْ عليه العاجِلة شِغافَ قلبه،
فَلِأَجْلِها يرضى ويسخط، ويُوالِي ويُعادِي..
يَتَهَلَّل إذا ذُكِرَتْ، ويَشْمَئِز إذا ذُمَّت..
فبشاشته وهشاشته، وعتابه وملامته
لأجل الدُّنيا وللدنيا.
ألْهَاهُ مالُه وما كسب عن ذكر ربه، وإقامِ الصلاة، وإيتاء الزكاة،
نعم/
من كانت الدنيا همه لا يفكر إلا فيها..
ولا يعمل إلا لها،..
ولا يهتم إلا من أجلها..
ولا يفرح إلا لها..
ولا يوالي أو يعادي إلا فيها..
صاحب هذا الهم والحال..
صاحب هذه الحياه البائسة ..
صاحب هذا العمر التائه..
صاحب هذه الحاله الساقطه..
يُعاقَب في العاجِلة قبل الآجلة، بأمورٍ ثلاثة:
وافتحوا لي آذان القلوب قبل آذان الرؤوس
وارحلوا معي لتعرفوا عقوبات من عاش للدنيا:-
أولها:
( أن يُشَتِّتَ اللهُ عليه شمله)
تشتت الشمل والأمر..
يفرق الله عليه شمله وأمره..
فما من شيء كان يحيط به إلا مزقه الله عليه، ..
وما من امرٍ كان يلف حوله الا شتته الله..
وما من جمعٍ كان يحتشد معه الا فرقه الله..
فتراه متشتت البال والفكر ومضطرب النفس،
كثير القلق على كل أمر مهما كان تافهًا..
يقلق على مشكله هينه..
يضيق صدره لقضيهٍ تافهه..
يتقلب كالجمر على فراشه لفوات امرٍ سهل هين
لم يستطع الظفر به .
- يُفّرق عليه ماله فلا يوفق في تجارة أو عمل..
- ويفرق عليه أبناؤه وزوجه فيرى عقوقًا دائمًا يزيد همه وغمه..
- ويجد من زوجه تأففًا وتمردًا وشكوى لا تنقطع تجعله يتمنى الخلاص من الدنيا من شدة ما يجد.
- ويفرق الله الناس عنه فلا يحبه أحد، بعد أن كتب الله له البغضاء في الأرض.
نعم
تراه وإن حصَّل الثَّراء أو بلغ المنصب والأضواء:
مشتتَ البال، هائم الفكر..
مضطرب النفس..
كثير القَلَق..
لا بركة في مالِه ولابركه في وَلَدِه.
ولابركه في تجارته.
ولابركه في طعامه.
ولابركه في وقته.
ولابركه في جمعه ووو...
القلوبُ لا تجتمع عليه، والقَبُول لا يُكْتَبُ له.
مبغوضٌ في أرض الله؛ لأنَّ اللهَ قد بَغِضَه في سمائه.
- نعم انها عقوبه يستحقها من عشق الدنيا
ولأجلها فعل كل شيء..
(( تشتت شمله ))
فكل ما حوله متشتت حتى ولو رآهم رأي العين بين يديه..
وانظر انت ولينظر هذا ولينظر ذاك ولتنظر تلك
ولينظر الجميع :-
لمن حوى الدنيا بأجمعها،
واسأله عن حال قربه بأهله وزوجاته
وأبنائه وأولاده.
تجد زوجته تتمنى اللحظه لتنعم بالحديث معه والاستئناس بقربه..
تجد أولاده يتمنون الدقيقة من وقته ليقابلوه.
موظفوه يقابلونه أضعاف أضعاف ما يقابله أبناؤه.
وخدمه وعماله يقابلونه أضعاف أضعاف ما تقابله زوجته.
والسبب في ذلك أن الدنيا باتت له هماً ومطلباً، ومغنماً.
ولأجل ذلك تشتت شمله حتى وإن كان الأمر بين يديه.
وزد على ذلك أن الفقر يلازمه:
ولا يعني ذلك أن له صك إعسار ثبت فيه عسره أمام غرمائه.
لا وألف لا، بل أرصدته تملأ البنوك.
(ولكن الفقر بين عينيه).
لو طرق الباب سائل يريد لقمة لأعطي اليوم
وحرم الغد.
ولو طلب أحد جهازاً من اللهو أو شيئاً من المنكر لبذل الكثير في سبيله.
تجده مغداقاً منفاقاً بذولاً لكن للاسف ليس :
- لإطعام جائع..
او كفاله يتيم..
او كف عزيز نفسٍ من ان يمد يده ..
نعم
تجده معطاءً منفاقاً باذلاً بكل كرم وسخاء
لكن ليس :
- لرعايه داعيه او كفاله طالب علم..
او كفاله حلقه قرآن كريم...
او لاغاثه ملهوف...
او لنجده مكروب..
او إرشاد حائر...
او في اجراء نهر..
او في بناء سد ليشرب الانسان والحيوان.
او في مشاركه جماعيه لاغاثه مجتمع قتل أفراده الجوع وانهكهم الفقر واتعبتهم الفاقه وقله مافي اليد ...
انما بالعكس من كل هذا ولا عجب لان الدنيا همه وشغله الشاغل تجده معطاءً منفاقاً :
في الحرام والشبهات والمكروهات..
شحيحاً بخيلاً في الطيبات والصدقات..
وذاك من أصناف الذين اشتغلوا بالدنيا:
فشتت الله شمله وأصبح الفقر لا يفارق عينه حينما يُدعى إلى خير..
وإذا دُعي إلى شر أو حرام بذل الأموال ولم ينس أنه يحاسب، وقد نسي أنه يحاسب على ما بذل.
نعم.
الشيطان يعده الفقر ويأمره بالفحشاء،
وهذا والله أمر غريب وعجيب...
سمعنا ورأينا وعرفنا أصنافاً من الأثرياء
إذا سئل أحدهم كفالة داعية من الدعاة،
أو كفالة يتيم من الأيتام،
أو بناء مسجد من المساجد،
أو دار من دور الحضانة والتعليم لأبناء المسلمين.
أخذ يتعلل بحاجة المال وصرفه وتدويره وتشغيله في صنوف شتى.
وأما إذا دعي إلى سفر في جولة لأقطار الدنيا وما فيها من مشاهد محرمة وصور مظلمة،
وأحوال لا ترضي الله هان عليه الدرهم والدينار.
فذاك رجل ((الفقر بين عينيه )) حينما يدعى إلى الخير والمعروف..
ويغيب الفقر عن عينيه حينما يدعى إلى الحرام
(إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) [التغابن:15]..
( إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ )[التغابن:14].
أيها الأحبة في الله:
اسألوا ذلك الذي اهتم بدنياه وخدمها وأتقن حساباتها ولا ينتهي عام إلا والميزانية لمؤسسته وشركته تُقدم بين يديه بالهللات والأرقام،
ووراء المحاسب مراجع،
ووراء المراجع محاسب قانوني،
ووراء القانوني مدقق لتقدم نهاية العام كشوف في غاية الدقة والعناية،
فهل اهتم بأعماله بنصف هذا القدر
أو بثلث هذا القدر، أو بربع هذا القدر؟
لا والله، وذلك من الحرمان.
واسأل ذلك الثري الذي أشغلته دنياه عن آخرته: كم لك من دنياك؟
هل تلبس كل ثيابك التي في خزينة ملابسك؟
ليس لك إلا ما يُغطي ظهرك،
وليس لك من مخازن الأطعمة إلا لقيمات تُشبع بطنك.
وليس لك من أنهار المياه وبحارها إلا جرعة تملأ جوفك.
وليس لك من ملاذ النساء إلا فراشاً في دقائق معدودة بلذة فانية يعقبها التعب وانكسار القوة،
نعم/
الذين جمعوا الأموال هل تلذذوا بلذات مئات الرجال في آن واحد.
وهل أكلوا مقدار ما يأكله مئات الرجال في آن واحد.
أو شربوا ولبسوا بقدر ما يشربه ويلبسه مئات الرجال في آن واحد.
لا وألف لا.
وحيا من قال:
ملك كسرى عنه تغني كسرة
وعن البحر اجتزاء بالوشل
القليل ربما أغنى وكفى عن الكثير،
وصدق صلى الله عليه وسلم:
(ما قل وكفى خير مما كثر وألهى)
الثري الذي دنياه لدينه وآخرته وإخوانه والمسلمين؛ قاصداً بذلك مرضاة رب العالمين، فنعم المال له! اللهم فزد له وبارك له.
أما الثري الذي أشغلته دنياه عن آخرته.
وإن الأثرياء لهم إيمان بالغيب عجيب في شأن الأرصدة.
يوقع الثري صفقة بخمسمائة مليون أو بمليار
أو بمائة مليون..
ويقبل أرقاماً وأصفاراً على ورق..
لكنه ما رأى المليار وما رأى الملايين مجتمعة،
رأى أرقاماً ووقع على وثيقة فآمن تمام الإيمان أنه يملك المليار..
ولو قيل له: تصدق بحائطك، تصدق ببستانك، تصدق بشيء من ثروتك..
واعلم أن لك في الجنة أضعافها..
لتردد يمنة ويسرة، وفكر وقدر، ثم هلك كيف قدر.
يؤمنون بالغيب في أرقام حول أرصدة من الدنيا، وأما الإيمان بالغيب فيما أعد الله من نعيم الآخرة فإن الكثير منهم في ضَعْفٍ وتردد وشك وريب،.
:: أين هذا وامثالهم:-
من ذلك الصحابي الذي تصدق بناقة مخطومة
في سبيل الله، يوم أن دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصدقة فقال صلى الله عليه وسلم:
(لك بها سبعون ناقة مخطومة في الجنة)
فأخذ يُهلل ويكبر،
كأنه يرى نوقه في الجنة..
كأنه يسوق أذواده في الجنة..
كأنه يحتلب ويدور حول نوقه في الجنة،
إيمان بغيب.
:: وهذا صهيب الرومي لما لحقت به قريش، قالوا: جئت صعلوكاً فقيراً فآويناك وأغنيناك،
أوَبعد ما قويت واغتنيت تهاجر بمالك؟
والله لا ندعك، فقال: [وإن تركت لكم المال؟ قالوا: نخلي عنك، فوصف مكان ماله لهم وفر مهاجراً إلى الله]
وما يغني قليل وحفنة ومتاع من الدنيا أمام الهجرة إلى الله ورسوله،
إن الهجرة إلى الله ورسوله لهي أضعاف أضعاف لا يمكن أن تقاس،
وكما قال صلى الله عليه وسلم -كما ذكره الإمام مسلم في كتاب وصف الجنة- :
(مثل هذه الدنيا في الآخرة كمثل ما يضع
أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع)
إن الدنيا قطرة من الماء علقت بسبابتك
وأما الآخرة فهي البحار في الدنيا مجتمعة،
فمن ذا يبيع بحراً بقطرة...
ومن ذا يبيع محيطاً برشفة..
ومن ذا يبيع أنهاراً عذبة زلالاً بِقِربة..
إن ذلك هو الخسران المبين.
(( قل ان الخاسرين الذين خسروا انفسهم وأهليهم يوم القيامه الا ذلك هو الخسران المبين ))
بااااارك الله لي ولكم ###
----
الخطبه الثانيه
ثم امااااابعد :-
إخْوَة الإيمان:
لازلنا عند العقوبات التى تحل بمن جعل همه الدنيا:-
وابتدأنا باول عقوبه وهي (( تشتيت الشمل )).
عندما تجد ثرياً قد بلغت به سوء صحته مبلغها
وتعظه وتنصحه ان يراجع حساباته مع خالقه ويُصر على التعامل بالربا والكسب الحرام واللهث وراء الدنيا وهو في حالهٍ يرثى لها وفي ارذل العمر ..
فماذا تسمي هذا
أليس ذلك من تشتت الشمل...
أليس ذلك من الفقر، أليس ذلك من المحق؟
يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا [البقرة:276] يمحق الله الربا والمرابي في صحته وفي بدنه وفي عافيته وفي أهله..
أولاده حوله لا يتمتعون بالجلوس معه..
والدنيا بمتاعها ولذاتها حوله..
أما الحلو منها فَسُكَرَه يمنعه من تناوله.
وأما المالح فََضغْطُهُ يمنعه..
وأما الدسم والدهن فضيق شرايينه يمنعه..
إن ذلك لمن صور تشتت الشمل،
لا يعني تشتت الشمل حالة واحدة فقط،
بل ربما رأيت في ظاهر الأمر أن الدنيا اجتمعت لمن اهتم بها وخدمها..
ولكنها في الحقيقة:
بين عينيه ولا يمس منها شيئاً بين يديه..
ولا يدخل جوفه منها شيئاً..
الدنيا حوله ولا يستمتع بقليل منها.
ايها الكرام
اما العقوبةٌ الثانيةٌ التى تَحل على مَن جعل دنياه همه:-
( أن يجعلَ الله فقره بين عينيه)
فهو إن كان غنيًّا، لا يعيش حياة القناعة أبدًا، فمهما حَصَّل وكسب وكنز..
يرى خطر الفقر ماثِلاً أمامَه..
ويخيم على خاطره هاجِس الحاجة،
والخوف منَ المستقبل،
يزداد حِرْصُه كلما زاد ثراؤُه،
وتزهو نفسُه كُلَّما لمع بَريقُه.
هذا الحريصُ اللاَّهِث وراء طَنين الدُّنيا ورنينها،
هو في الحقيقة عبدٌ لما يطلُب،
وهذه هي التَّعاسَةُ التي دعا النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابها بقوله:
((تَعِس عبدُ الدِّينار، تَعِس عبد الدِّرهم، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس، وإذا شَيكَ فَلا انْتَقَش)).
نعم ( جعل الله فقره بين عينه).
انه الفقر اللازم وإن كان غنيًا،
فيجعله لا يشعر بالقناعة أبدًا مهما ملك من المال، يشعر دائمًا بالفقر والحاجة،
يجعله يجري ويلهث وراء المال كلما ازداد شعوره بالفقر..
وهذا مما يزيد في تعبه وهمه وقلقه.
( اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا).
اما الأمْرٌ الثالث والأخير الذي يُلاقِيه صاحب هذا الهم:
( أنَّه لا يأتيه مِن دنياه إلاَّ ما قدر له)
فهو وإن تعنَّى وكدح، وكد ومدح.
فلن يستعجلَ أو يزيدَ في رزق الله له.
بهذا نفث رُوح القُدُس في روع النبي صلى الله عليه وسلم:
(( أنه لن تموتَ نفسٌ حتى تستكملَ رزقها،
فاتقوا الله، وأجملوا في الطَّلَب)).
نعم
انها العقوبه الأخيرة
(هروب الدنيا)
فتجده دوما يطلبها وهي دومًا هاربةً منه.
ويطلبها وهي تبتعد عنه.
يجري وراءها كما يجري من يحسب السراب ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا.
فهو يسعى للمنصب والجاه والشهرة والثناء وغيرها.
فهو يُهلك نفسه من أجل ذلك.
ولا يأتيه من الدنيا غير ما كتب له.
ولكن ذلك عقوبة من الله له.
وهذا ما جعل عثمان بن عفان ذا النورين رضي الله عنه يقول فيما روي عنه:
(همّ الدنيا ظلمة في القلب،
وهمّ الآخرة نور في القلب).
أصحاب هذا الهم استعاذَ مِن حالِهم خيرُ البشر صلى الله عليه وسلم فكان يقول في دعائه:
((اللهُمَّ لا تَجْعلِ الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا)).
الخلاصه ايهاالكرام
هذا الحديثُ النّبويُّ العظيم، الذي كان حديث لجمعتين على التوالي:
أتمنّى أن يتّخذَ منهُ كلُّ إنسانٍ مسلمٍ صادقٍ في إسلامهِ دستوراً لحياته..
يتمسَّكُ بالشِّقِّ الاول منهُ ..
ويتّقي الوقوعَ في الشِّقِّ الثاني الذي أصحابه
ينتقلونَ من همٍّ إلى همومٍ شتّى،
ولا يتحقّق لهم هدفٌ من الأهدافِ التي ابتغوها، فلا على أفئدةِ النّاسِ هيمنوا..
ولا على الغنى الذي بحثوا عنهُ عثروا..
ولا على الأمنِ والطّمأنينةِ اللّتينِ ابتغاها كلٌّ منهم هيمنوا وعثروا أيضاً.
وبقيت همومهم ودنياهم غصصاً كما قالَ سيّدُنا رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم.
وإذا كانت هذهِ حقيقةً نراها ونلمسُها..
فلماذا لا نجعلُ همومنا كلَّها لماذا لا نضفرُها ونصبُّها في همٍّ واحد؟
لماذا لا نجعلُ همّنا متّجهاً إلى هدفٍ واحد؟
(( أن يرضى عنّا مالكُنا))
الذي بيدهِ أمرُنا..
وبيدهِ رزقُنا..
وبيدهِ أفئدةُ النّاسِ لتتوجّهَ إلينا بالحبِّ أو لتتوجّهَ إلينا بالبُغض...
بيدهِ المالُ ..
وبيدهِ الغنى وبيدهِ الفقر...
لماذا لا نتّجهُ إلى هذا الينبوعِ فنخلصُ معَ اللهِ سبحانهُ وتعالى دينه ونتّجهُ في سلوكنا إلى مرضاته ننفِّذُ أوامرهُ وننتهي عن نواهيهِ ولا نبالي في ذلكَ بشيء؟
تخشى خلالَ ذلكَ دنياك؟
تخشى خلالَ ذلكَ عاقبةَ أمرك؟
تخشى خلالَ ذلكَ أن يتحوَّلَ رصيدُ حُبِّ النّاسِ لكَ إلى رصيدِ كُره؟
كلُّ هذا يضمنهُ لكَ ربُّك..
كلُّ هذا يضمنهُ لكَ خالقُكَ ومولاك.
نعم/
- توجّه إلى اللهِ سبحانهُ وتعالى ومارسِ السّبيلَ الذي يجعلُكَ محبوباً عندَ ربِّك..
يكتبِ اللهُ سبحانهُ وتعالى لكَ القبولَ بينَ عبادهِ في الأرض.
- اتّجه إلى اللهِ سبحانهُ وتعالى لتنالَ مرضاته، يكتبِ اللهُ سبحانهُ وتعالى لكَ الرّغدَ من العيش. -
اتّجه إلى اللهِ سبحانهُ وتعالى لتكونَ قائماً على أوامرهِ حارساً لحدوده، يُقِمكَ اللهُ سبحانهُ وتعالى على حياةٍ مكلوءةٍ بعنايته..
تنامُ قريرَ العينِ ملئَ عينيك، ليسَ هنالكَ همٌّ يشاغبُ عليكَ حياتك.
ولم يقل سيِّدُنا رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ هذا الكلامَ إلا وهوَ ظلٌّ أو شرعٌ لقولِ ربِّنا سبحانهُ وتعالى:
((من عملَ صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينّهُ حياةً طيّبةً ولنجزينّهم أجرهم بأحسنِ ما كانوا يعملون)).
((فلنحيينّهم حياةً طيّبةً))
في الدّنيا، والحياةُ الطّيبةُ هي الضّمانةُ لكلِّ ما قالهُ سيِّدُنا رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم، ((ولنجزينّهم أجرهم))
أي في الآخرةِ ((بأحسنِ ما كانوا يعملون)). فالأمنُ معكَ في دنياك..
والأمنُ يلاحقُكَ في آخرتك..
وغناكَ ملءُ قلبك، ثمَّ إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يأمرُ الدّنيا أن تكونَ طوعَ أمركَ وخادماً يطوفُ من حولك.
أليسَ هذا كلامَ سيِّدِنا رسولِ الله؟
إذاً:
لماذا نعرضُ عن أوامرِ اللهِ في كثيرٍ ممّا أمرنا بهِ في بيوتِنا؟ في أهلينا؟ في أسواقِنا؟
في تجاراتِنا؟ في شؤوننا كلِّها؟
ونوزِّعُ أهدافنا هموماً هنا وهنا وهناك؟
من الضّامنُ لكَ أن تتحوَّلَ همومُكَ هذهِ إلى سعادةٍ تحقِّقُ لكَ آمالكَ بعدَ أن أعرضتَ عن اللهِ عزَّ
وجلَّ الذي بيدهِ كلُّ شيء؟
نسأل الله تعالى أن يحييَ قلوبنا مِن غفلتها،
وأن يعليَ هِمَمنا في طاعته،
وأن يجعلَنا مِمَّن أراد الآخرة،
وممن سعى لها سعيها، وهو مؤمن.
إنَّه سبحانه نِعم المجيب..
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاه عليه.
------.............------------
-------------------------------
اللهم اجعلها صدقهً جاريهً لي ولوالدتي المرحومه..
وأنفع بها عبادك المسلمين اجمعين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
---------------------------------
همُّ الآخرة وهم الدنيا
الجزء الثاني...(( هم الدنيا ))
إعداد وتعديل واضافه
الاستاذ/ احمد عبدالله صالح
خطيب مسجد بلال بن رباح/
الجمهوريه اليمنيه - محافظه إب .
ألقيت في 2017/10/17
ثم اما بعد
ايها الأحباب الكرام
طفنا في الجمعه الماضيه في بستان الحبيب عليه أفضل الصلاه وأتم التسليم ..
ووقفنا عند زهرهٍ من زهرات بستانه اليانعة
من حديث زيد بن ثابت رضى الله عنه :
ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( من كانت الاخره هَمّه :
جمع الله عليه شمله وجعل غناه في قلبه
واتته الدنياوهي راغمه...)
ولقد دار حديثنا في الجمعه الماضيه حول هذا الشطر الاول من الحديث
مع هم الاخره وأحوال طلاب الاخره وما يلقّون ويمنحون من النعم والعطايا جزاء همهم للاخره..
اما حديثُ جمعه اليوم فسوف يستكمل الحديث
لنعيش سويا مع الشطر والشق الثاني من الحديث...
(( ومن كااااانت الدنيا هَمّه:-
فَرَّقَ الله عليه شَمْله،
وجعل فقره بين عَيْنَيْه،
ولم يأتِه منَ الدُّنيا إلاَّ ما قدر له. ))
وفي روايه اخرى:-
(ومن كانت الدنيا همه فإن الله جل وعلا يشتت عليه ضيعته ولا يأتيه من الدنيا إلا ما قُسِمَ له)
أي:
من كانت الدنيا تفكيره:
لأجلها يقدم خطوة، ولأجلها يتقهقر أخرى.
اي:
من كانت الدنيا سبباً في قربه وبعده،
وابتسامته ونطقه وصمته وكلامه،
ورضاه وسخطه وحزنه ومعاتبته..
نعم
انه ذاك المَغْرُور...:-
الذي ملكتْ عليه العاجِلة شِغافَ قلبه،
فَلِأَجْلِها يرضى ويسخط، ويُوالِي ويُعادِي..
يَتَهَلَّل إذا ذُكِرَتْ، ويَشْمَئِز إذا ذُمَّت..
فبشاشته وهشاشته، وعتابه وملامته
لأجل الدُّنيا وللدنيا.
ألْهَاهُ مالُه وما كسب عن ذكر ربه، وإقامِ الصلاة، وإيتاء الزكاة،
نعم/
من كانت الدنيا همه لا يفكر إلا فيها..
ولا يعمل إلا لها،..
ولا يهتم إلا من أجلها..
ولا يفرح إلا لها..
ولا يوالي أو يعادي إلا فيها..
صاحب هذا الهم والحال..
صاحب هذه الحياه البائسة ..
صاحب هذا العمر التائه..
صاحب هذه الحاله الساقطه..
يُعاقَب في العاجِلة قبل الآجلة، بأمورٍ ثلاثة:
وافتحوا لي آذان القلوب قبل آذان الرؤوس
وارحلوا معي لتعرفوا عقوبات من عاش للدنيا:-
أولها:
( أن يُشَتِّتَ اللهُ عليه شمله)
تشتت الشمل والأمر..
يفرق الله عليه شمله وأمره..
فما من شيء كان يحيط به إلا مزقه الله عليه، ..
وما من امرٍ كان يلف حوله الا شتته الله..
وما من جمعٍ كان يحتشد معه الا فرقه الله..
فتراه متشتت البال والفكر ومضطرب النفس،
كثير القلق على كل أمر مهما كان تافهًا..
يقلق على مشكله هينه..
يضيق صدره لقضيهٍ تافهه..
يتقلب كالجمر على فراشه لفوات امرٍ سهل هين
لم يستطع الظفر به .
- يُفّرق عليه ماله فلا يوفق في تجارة أو عمل..
- ويفرق عليه أبناؤه وزوجه فيرى عقوقًا دائمًا يزيد همه وغمه..
- ويجد من زوجه تأففًا وتمردًا وشكوى لا تنقطع تجعله يتمنى الخلاص من الدنيا من شدة ما يجد.
- ويفرق الله الناس عنه فلا يحبه أحد، بعد أن كتب الله له البغضاء في الأرض.
نعم
تراه وإن حصَّل الثَّراء أو بلغ المنصب والأضواء:
مشتتَ البال، هائم الفكر..
مضطرب النفس..
كثير القَلَق..
لا بركة في مالِه ولابركه في وَلَدِه.
ولابركه في تجارته.
ولابركه في طعامه.
ولابركه في وقته.
ولابركه في جمعه ووو...
القلوبُ لا تجتمع عليه، والقَبُول لا يُكْتَبُ له.
مبغوضٌ في أرض الله؛ لأنَّ اللهَ قد بَغِضَه في سمائه.
- نعم انها عقوبه يستحقها من عشق الدنيا
ولأجلها فعل كل شيء..
(( تشتت شمله ))
فكل ما حوله متشتت حتى ولو رآهم رأي العين بين يديه..
وانظر انت ولينظر هذا ولينظر ذاك ولتنظر تلك
ولينظر الجميع :-
لمن حوى الدنيا بأجمعها،
واسأله عن حال قربه بأهله وزوجاته
وأبنائه وأولاده.
تجد زوجته تتمنى اللحظه لتنعم بالحديث معه والاستئناس بقربه..
تجد أولاده يتمنون الدقيقة من وقته ليقابلوه.
موظفوه يقابلونه أضعاف أضعاف ما يقابله أبناؤه.
وخدمه وعماله يقابلونه أضعاف أضعاف ما تقابله زوجته.
والسبب في ذلك أن الدنيا باتت له هماً ومطلباً، ومغنماً.
ولأجل ذلك تشتت شمله حتى وإن كان الأمر بين يديه.
وزد على ذلك أن الفقر يلازمه:
ولا يعني ذلك أن له صك إعسار ثبت فيه عسره أمام غرمائه.
لا وألف لا، بل أرصدته تملأ البنوك.
(ولكن الفقر بين عينيه).
لو طرق الباب سائل يريد لقمة لأعطي اليوم
وحرم الغد.
ولو طلب أحد جهازاً من اللهو أو شيئاً من المنكر لبذل الكثير في سبيله.
تجده مغداقاً منفاقاً بذولاً لكن للاسف ليس :
- لإطعام جائع..
او كفاله يتيم..
او كف عزيز نفسٍ من ان يمد يده ..
نعم
تجده معطاءً منفاقاً باذلاً بكل كرم وسخاء
لكن ليس :
- لرعايه داعيه او كفاله طالب علم..
او كفاله حلقه قرآن كريم...
او لاغاثه ملهوف...
او لنجده مكروب..
او إرشاد حائر...
او في اجراء نهر..
او في بناء سد ليشرب الانسان والحيوان.
او في مشاركه جماعيه لاغاثه مجتمع قتل أفراده الجوع وانهكهم الفقر واتعبتهم الفاقه وقله مافي اليد ...
انما بالعكس من كل هذا ولا عجب لان الدنيا همه وشغله الشاغل تجده معطاءً منفاقاً :
في الحرام والشبهات والمكروهات..
شحيحاً بخيلاً في الطيبات والصدقات..
وذاك من أصناف الذين اشتغلوا بالدنيا:
فشتت الله شمله وأصبح الفقر لا يفارق عينه حينما يُدعى إلى خير..
وإذا دُعي إلى شر أو حرام بذل الأموال ولم ينس أنه يحاسب، وقد نسي أنه يحاسب على ما بذل.
نعم.
الشيطان يعده الفقر ويأمره بالفحشاء،
وهذا والله أمر غريب وعجيب...
سمعنا ورأينا وعرفنا أصنافاً من الأثرياء
إذا سئل أحدهم كفالة داعية من الدعاة،
أو كفالة يتيم من الأيتام،
أو بناء مسجد من المساجد،
أو دار من دور الحضانة والتعليم لأبناء المسلمين.
أخذ يتعلل بحاجة المال وصرفه وتدويره وتشغيله في صنوف شتى.
وأما إذا دعي إلى سفر في جولة لأقطار الدنيا وما فيها من مشاهد محرمة وصور مظلمة،
وأحوال لا ترضي الله هان عليه الدرهم والدينار.
فذاك رجل ((الفقر بين عينيه )) حينما يدعى إلى الخير والمعروف..
ويغيب الفقر عن عينيه حينما يدعى إلى الحرام
(إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) [التغابن:15]..
( إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ )[التغابن:14].
أيها الأحبة في الله:
اسألوا ذلك الذي اهتم بدنياه وخدمها وأتقن حساباتها ولا ينتهي عام إلا والميزانية لمؤسسته وشركته تُقدم بين يديه بالهللات والأرقام،
ووراء المحاسب مراجع،
ووراء المراجع محاسب قانوني،
ووراء القانوني مدقق لتقدم نهاية العام كشوف في غاية الدقة والعناية،
فهل اهتم بأعماله بنصف هذا القدر
أو بثلث هذا القدر، أو بربع هذا القدر؟
لا والله، وذلك من الحرمان.
واسأل ذلك الثري الذي أشغلته دنياه عن آخرته: كم لك من دنياك؟
هل تلبس كل ثيابك التي في خزينة ملابسك؟
ليس لك إلا ما يُغطي ظهرك،
وليس لك من مخازن الأطعمة إلا لقيمات تُشبع بطنك.
وليس لك من أنهار المياه وبحارها إلا جرعة تملأ جوفك.
وليس لك من ملاذ النساء إلا فراشاً في دقائق معدودة بلذة فانية يعقبها التعب وانكسار القوة،
نعم/
الذين جمعوا الأموال هل تلذذوا بلذات مئات الرجال في آن واحد.
وهل أكلوا مقدار ما يأكله مئات الرجال في آن واحد.
أو شربوا ولبسوا بقدر ما يشربه ويلبسه مئات الرجال في آن واحد.
لا وألف لا.
وحيا من قال:
ملك كسرى عنه تغني كسرة
وعن البحر اجتزاء بالوشل
القليل ربما أغنى وكفى عن الكثير،
وصدق صلى الله عليه وسلم:
(ما قل وكفى خير مما كثر وألهى)
الثري الذي دنياه لدينه وآخرته وإخوانه والمسلمين؛ قاصداً بذلك مرضاة رب العالمين، فنعم المال له! اللهم فزد له وبارك له.
أما الثري الذي أشغلته دنياه عن آخرته.
وإن الأثرياء لهم إيمان بالغيب عجيب في شأن الأرصدة.
يوقع الثري صفقة بخمسمائة مليون أو بمليار
أو بمائة مليون..
ويقبل أرقاماً وأصفاراً على ورق..
لكنه ما رأى المليار وما رأى الملايين مجتمعة،
رأى أرقاماً ووقع على وثيقة فآمن تمام الإيمان أنه يملك المليار..
ولو قيل له: تصدق بحائطك، تصدق ببستانك، تصدق بشيء من ثروتك..
واعلم أن لك في الجنة أضعافها..
لتردد يمنة ويسرة، وفكر وقدر، ثم هلك كيف قدر.
يؤمنون بالغيب في أرقام حول أرصدة من الدنيا، وأما الإيمان بالغيب فيما أعد الله من نعيم الآخرة فإن الكثير منهم في ضَعْفٍ وتردد وشك وريب،.
:: أين هذا وامثالهم:-
من ذلك الصحابي الذي تصدق بناقة مخطومة
في سبيل الله، يوم أن دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصدقة فقال صلى الله عليه وسلم:
(لك بها سبعون ناقة مخطومة في الجنة)
فأخذ يُهلل ويكبر،
كأنه يرى نوقه في الجنة..
كأنه يسوق أذواده في الجنة..
كأنه يحتلب ويدور حول نوقه في الجنة،
إيمان بغيب.
:: وهذا صهيب الرومي لما لحقت به قريش، قالوا: جئت صعلوكاً فقيراً فآويناك وأغنيناك،
أوَبعد ما قويت واغتنيت تهاجر بمالك؟
والله لا ندعك، فقال: [وإن تركت لكم المال؟ قالوا: نخلي عنك، فوصف مكان ماله لهم وفر مهاجراً إلى الله]
وما يغني قليل وحفنة ومتاع من الدنيا أمام الهجرة إلى الله ورسوله،
إن الهجرة إلى الله ورسوله لهي أضعاف أضعاف لا يمكن أن تقاس،
وكما قال صلى الله عليه وسلم -كما ذكره الإمام مسلم في كتاب وصف الجنة- :
(مثل هذه الدنيا في الآخرة كمثل ما يضع
أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع)
إن الدنيا قطرة من الماء علقت بسبابتك
وأما الآخرة فهي البحار في الدنيا مجتمعة،
فمن ذا يبيع بحراً بقطرة...
ومن ذا يبيع محيطاً برشفة..
ومن ذا يبيع أنهاراً عذبة زلالاً بِقِربة..
إن ذلك هو الخسران المبين.
(( قل ان الخاسرين الذين خسروا انفسهم وأهليهم يوم القيامه الا ذلك هو الخسران المبين ))
بااااارك الله لي ولكم ###
----
الخطبه الثانيه
ثم امااااابعد :-
إخْوَة الإيمان:
لازلنا عند العقوبات التى تحل بمن جعل همه الدنيا:-
وابتدأنا باول عقوبه وهي (( تشتيت الشمل )).
عندما تجد ثرياً قد بلغت به سوء صحته مبلغها
وتعظه وتنصحه ان يراجع حساباته مع خالقه ويُصر على التعامل بالربا والكسب الحرام واللهث وراء الدنيا وهو في حالهٍ يرثى لها وفي ارذل العمر ..
فماذا تسمي هذا
أليس ذلك من تشتت الشمل...
أليس ذلك من الفقر، أليس ذلك من المحق؟
يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا [البقرة:276] يمحق الله الربا والمرابي في صحته وفي بدنه وفي عافيته وفي أهله..
أولاده حوله لا يتمتعون بالجلوس معه..
والدنيا بمتاعها ولذاتها حوله..
أما الحلو منها فَسُكَرَه يمنعه من تناوله.
وأما المالح فََضغْطُهُ يمنعه..
وأما الدسم والدهن فضيق شرايينه يمنعه..
إن ذلك لمن صور تشتت الشمل،
لا يعني تشتت الشمل حالة واحدة فقط،
بل ربما رأيت في ظاهر الأمر أن الدنيا اجتمعت لمن اهتم بها وخدمها..
ولكنها في الحقيقة:
بين عينيه ولا يمس منها شيئاً بين يديه..
ولا يدخل جوفه منها شيئاً..
الدنيا حوله ولا يستمتع بقليل منها.
ايها الكرام
اما العقوبةٌ الثانيةٌ التى تَحل على مَن جعل دنياه همه:-
( أن يجعلَ الله فقره بين عينيه)
فهو إن كان غنيًّا، لا يعيش حياة القناعة أبدًا، فمهما حَصَّل وكسب وكنز..
يرى خطر الفقر ماثِلاً أمامَه..
ويخيم على خاطره هاجِس الحاجة،
والخوف منَ المستقبل،
يزداد حِرْصُه كلما زاد ثراؤُه،
وتزهو نفسُه كُلَّما لمع بَريقُه.
هذا الحريصُ اللاَّهِث وراء طَنين الدُّنيا ورنينها،
هو في الحقيقة عبدٌ لما يطلُب،
وهذه هي التَّعاسَةُ التي دعا النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابها بقوله:
((تَعِس عبدُ الدِّينار، تَعِس عبد الدِّرهم، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس، وإذا شَيكَ فَلا انْتَقَش)).
نعم ( جعل الله فقره بين عينه).
انه الفقر اللازم وإن كان غنيًا،
فيجعله لا يشعر بالقناعة أبدًا مهما ملك من المال، يشعر دائمًا بالفقر والحاجة،
يجعله يجري ويلهث وراء المال كلما ازداد شعوره بالفقر..
وهذا مما يزيد في تعبه وهمه وقلقه.
( اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا).
اما الأمْرٌ الثالث والأخير الذي يُلاقِيه صاحب هذا الهم:
( أنَّه لا يأتيه مِن دنياه إلاَّ ما قدر له)
فهو وإن تعنَّى وكدح، وكد ومدح.
فلن يستعجلَ أو يزيدَ في رزق الله له.
بهذا نفث رُوح القُدُس في روع النبي صلى الله عليه وسلم:
(( أنه لن تموتَ نفسٌ حتى تستكملَ رزقها،
فاتقوا الله، وأجملوا في الطَّلَب)).
نعم
انها العقوبه الأخيرة
(هروب الدنيا)
فتجده دوما يطلبها وهي دومًا هاربةً منه.
ويطلبها وهي تبتعد عنه.
يجري وراءها كما يجري من يحسب السراب ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا.
فهو يسعى للمنصب والجاه والشهرة والثناء وغيرها.
فهو يُهلك نفسه من أجل ذلك.
ولا يأتيه من الدنيا غير ما كتب له.
ولكن ذلك عقوبة من الله له.
وهذا ما جعل عثمان بن عفان ذا النورين رضي الله عنه يقول فيما روي عنه:
(همّ الدنيا ظلمة في القلب،
وهمّ الآخرة نور في القلب).
أصحاب هذا الهم استعاذَ مِن حالِهم خيرُ البشر صلى الله عليه وسلم فكان يقول في دعائه:
((اللهُمَّ لا تَجْعلِ الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا)).
الخلاصه ايهاالكرام
هذا الحديثُ النّبويُّ العظيم، الذي كان حديث لجمعتين على التوالي:
أتمنّى أن يتّخذَ منهُ كلُّ إنسانٍ مسلمٍ صادقٍ في إسلامهِ دستوراً لحياته..
يتمسَّكُ بالشِّقِّ الاول منهُ ..
ويتّقي الوقوعَ في الشِّقِّ الثاني الذي أصحابه
ينتقلونَ من همٍّ إلى همومٍ شتّى،
ولا يتحقّق لهم هدفٌ من الأهدافِ التي ابتغوها، فلا على أفئدةِ النّاسِ هيمنوا..
ولا على الغنى الذي بحثوا عنهُ عثروا..
ولا على الأمنِ والطّمأنينةِ اللّتينِ ابتغاها كلٌّ منهم هيمنوا وعثروا أيضاً.
وبقيت همومهم ودنياهم غصصاً كما قالَ سيّدُنا رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم.
وإذا كانت هذهِ حقيقةً نراها ونلمسُها..
فلماذا لا نجعلُ همومنا كلَّها لماذا لا نضفرُها ونصبُّها في همٍّ واحد؟
لماذا لا نجعلُ همّنا متّجهاً إلى هدفٍ واحد؟
(( أن يرضى عنّا مالكُنا))
الذي بيدهِ أمرُنا..
وبيدهِ رزقُنا..
وبيدهِ أفئدةُ النّاسِ لتتوجّهَ إلينا بالحبِّ أو لتتوجّهَ إلينا بالبُغض...
بيدهِ المالُ ..
وبيدهِ الغنى وبيدهِ الفقر...
لماذا لا نتّجهُ إلى هذا الينبوعِ فنخلصُ معَ اللهِ سبحانهُ وتعالى دينه ونتّجهُ في سلوكنا إلى مرضاته ننفِّذُ أوامرهُ وننتهي عن نواهيهِ ولا نبالي في ذلكَ بشيء؟
تخشى خلالَ ذلكَ دنياك؟
تخشى خلالَ ذلكَ عاقبةَ أمرك؟
تخشى خلالَ ذلكَ أن يتحوَّلَ رصيدُ حُبِّ النّاسِ لكَ إلى رصيدِ كُره؟
كلُّ هذا يضمنهُ لكَ ربُّك..
كلُّ هذا يضمنهُ لكَ خالقُكَ ومولاك.
نعم/
- توجّه إلى اللهِ سبحانهُ وتعالى ومارسِ السّبيلَ الذي يجعلُكَ محبوباً عندَ ربِّك..
يكتبِ اللهُ سبحانهُ وتعالى لكَ القبولَ بينَ عبادهِ في الأرض.
- اتّجه إلى اللهِ سبحانهُ وتعالى لتنالَ مرضاته، يكتبِ اللهُ سبحانهُ وتعالى لكَ الرّغدَ من العيش. -
اتّجه إلى اللهِ سبحانهُ وتعالى لتكونَ قائماً على أوامرهِ حارساً لحدوده، يُقِمكَ اللهُ سبحانهُ وتعالى على حياةٍ مكلوءةٍ بعنايته..
تنامُ قريرَ العينِ ملئَ عينيك، ليسَ هنالكَ همٌّ يشاغبُ عليكَ حياتك.
ولم يقل سيِّدُنا رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ هذا الكلامَ إلا وهوَ ظلٌّ أو شرعٌ لقولِ ربِّنا سبحانهُ وتعالى:
((من عملَ صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينّهُ حياةً طيّبةً ولنجزينّهم أجرهم بأحسنِ ما كانوا يعملون)).
((فلنحيينّهم حياةً طيّبةً))
في الدّنيا، والحياةُ الطّيبةُ هي الضّمانةُ لكلِّ ما قالهُ سيِّدُنا رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم، ((ولنجزينّهم أجرهم))
أي في الآخرةِ ((بأحسنِ ما كانوا يعملون)). فالأمنُ معكَ في دنياك..
والأمنُ يلاحقُكَ في آخرتك..
وغناكَ ملءُ قلبك، ثمَّ إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يأمرُ الدّنيا أن تكونَ طوعَ أمركَ وخادماً يطوفُ من حولك.
أليسَ هذا كلامَ سيِّدِنا رسولِ الله؟
إذاً:
لماذا نعرضُ عن أوامرِ اللهِ في كثيرٍ ممّا أمرنا بهِ في بيوتِنا؟ في أهلينا؟ في أسواقِنا؟
في تجاراتِنا؟ في شؤوننا كلِّها؟
ونوزِّعُ أهدافنا هموماً هنا وهنا وهناك؟
من الضّامنُ لكَ أن تتحوَّلَ همومُكَ هذهِ إلى سعادةٍ تحقِّقُ لكَ آمالكَ بعدَ أن أعرضتَ عن اللهِ عزَّ
وجلَّ الذي بيدهِ كلُّ شيء؟
نسأل الله تعالى أن يحييَ قلوبنا مِن غفلتها،
وأن يعليَ هِمَمنا في طاعته،
وأن يجعلَنا مِمَّن أراد الآخرة،
وممن سعى لها سعيها، وهو مؤمن.
إنَّه سبحانه نِعم المجيب..
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاه عليه.
------.............------------
-------------------------------
اللهم اجعلها صدقهً جاريهً لي ولوالدتي المرحومه..
وأنفع بها عبادك المسلمين اجمعين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
---------------------------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق