إنقضاء رمضان !!
وأصناف الناس بعده!!!
إعداد وإلقاء...
الاستاذ/ احمد عبدالله صالح
خطيب مسجد بلال بن رباح/
الجمهوريه اليمنيه - محافظه إب .
ألقيت في 7يوليو 2017م
الموافق 13شوال 1438هـ
ثم امابعد
معاشر المسلمين:
انتهى رمضان. وانقضت اياامه .. فهل تصدقون؟!
أم أنكم مثلي تتعجبون ولا تصدقون في لمح البصر وفي غمضه عين غادرنا ضيفنا الكريم..
ولكن هذه طبيعة الأيام،
وهذه سنة الله في كونه التى لا تتبدل...
( الكل راحل )
وها هو رمضان يؤكد ويرحل عنا ..
وحينما نتدبر نجد أن الدقائق هي التي تذهب
من أعمارنا ببعض أعمارنا ..
حتى يحين الأجل الذي لا يتأجل،
ويبقى الله ذو الجلال والإكرام.
نعم/
- تذهب الساعات والأيام من حياتنا..
ويبقى الله خالق الزمان والمكان.
- وتذهب الشهور والسنون والاعواام.
ويبقى الله رب الشهور والسنين والأعوام.
- يذهب رمضان بعدد لياليه وأيامه..
وتبقى بركته والرصيد من الحسنات التي حصلها الصالحون المجدون من أهل الصبر والصلاة والصيام والقيام...
- ويذهب الجاه والمنصب والمال..
ويبقى ما عند الله.
"ما عندكم ينفد وما عند الله باق "
- يذهب الولد والوالد والأحبة.
ويبقى الله رب الناس ورب العالمين.
كل شيء يفنى
(ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام).
نعم
رمضان سوق انتصب ثم انفض ..
ربح فيه الرابحون الصائمون القائمون الذاكرون السابقون بالخيرات..
وخسر فيه الغافلون والساهون اللاهون.
وها قد عدنا إلى حياتنا كما كانت قبل رمضان، فكيف سيكون حالنا بعد رمضان؟
هل سنواظب على عبادتنا الرمضانية !!؟
أم على بعضٍ منها؟
أم سنحيل أيامنا صحراء مجدبة..
وأرضاً قاحلة من العبادة والصلة الوثيقة
بالله تعالى؟
هي حقيقه انه كثيراً ما يشعر الناس بكسلٍ وفتور بعد انقضاء الطاعات ولاسيما بعد شهر رمضان المبارك...
وما إن يُلملم رمضان رحاله إلا:-
- وُأغلقت المصاحف....
- وجفت العيون....
- وطويت سجاجيد الصلاة....
- وسكتت الألسن التي طالما لهجت بذكر الله..
- وبَشمت البطون التي طالما جاعت حسبة لله..
- وابتلت العروق التي طالما تشققت تطلعا لما عند الله.
وهذا ربما يكون من النفس التي تميل إلى الراحة والدعة أو من الشيطان.
وعندما نُحدث الناس عن صيام ستة أيام من شوال عَنُْ أَبِى أَيُّوبَ الأَنْصَارِىِّ - رضى الله عنه - أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ". رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
فبعض الناس يقول وهو يمُنُّ في عبادته :
( كفاية أننا صمنا رمضان )
وتسمع كلاما يدل على أنهم يمتنون على الله بصيامهم .
ويظن الواحد منهم:
+ وكأنة كان في غزوة غزاها مع رسول الله وخالد بن الوليد ..
+ وكأن كل واحد منهم قد حصل على صك الغفران..
+ أو كأنه طاف حول البيت وصلى خلف المقام ركعتين ...
+ أو كأنه سمع بكلتا أذنيه هاتفا يقول له:
اعمل ما شئت فقد غُفر لك،
ولا تضرك بعد اليوم معصية.
فلقد صام ثلاثين يوماً وقام ثلاثين ليلة
وتصدق وعبد، وفعل، وفعل.
فإلى هؤلاء، وإلى من صام وقام ودعا وخشع وبكي وتذلل وتصدق وفعل الخير إيماناً واحتساباً
إلى هؤلاء جمعاً هذه الكلمات.
أصناف الناس بعد رمضان ثلاثه
وكل واحد يرى اينّ هو ؟؟
وإلى اي الأصناف ينتمي..:-
١- الصنف الأول:
(( قوم كانوا على خيرٍ وطاعة قبل رمضان ))
فلما جاء رمضان كانوا على نشاط وجد
واجتهاد في العبادة:-
(( قراءة قرآن،صيام، قيام، ذكر، صلة الأرحام، صلاة في المسجد، صلاة الفجر، تحري للحلال ولكل ما يرضي الله عز وجل.))
فإذا ذهب رمضان يتألمون على فراقه ..
= لأنهم ذاقوا حلاوة العافية فهانت عليهم مرارة الصبر.
= لأنهم عرفوا حقيقة ذواتهم وضعفها وفقرها إلى مولاها وطاعته.
= لأنهم صاموا حقاً وقاموا شوقاً.
ولهذا لوداع رمضان دموعهم تتدفق..
وقلوبهم تشفق..
وحالهم بعد الصيام والقيام والطاعات في شهر الصوم بين الخوف وبين الرجاء ..
حالهم كما قال الله عز وجل:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ *
وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ *
وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ *
أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 57-1).
أي:
هم مع إحسانهم وإيمانهم وعملهم الصالح، مشفقون من الله خائفون منه، وجلون من مكره بهم.
يقول ابن كثير رضي الله عنه في تفسير
هذه الايه :
أي:
يعطون العطاء وهم خائفون ألا يتقبل منهم، لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشروط الإعطاء...
ويقول صاحب الظلال في ظلاله:
المؤمنون يُشفقون من ربهم خشيةً وتقوى..
وهم يؤمنون بآياته، ولا يشركون به.
وهم ينهضون بتكاليفهم وواجباتهم.
وهم يأتون من الطاعات ما استطاعوا..
ولكنهم بعد هذا كله:
﴿ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾
لإحساسهم بالتقصير في جانب الله،
بعد أن بذلوا ما في طوقهم، وهو في نظرهم قليل.
وهؤلاء هم الذين يسارعون في الخيرات،
وهم الذين يسبقون لها فينالونها في الطليعة،
بهذه اليقظة، وبهذا التطلع، وبهذا العمل،
وبهذه الطاعة.
انهم يعطون ما يعطون من الصدقات وغيرها من ألوان البر..
ومع ذلك فإن قلوبهم خائفة أن لا يقبل منهم هذا العطاء، لأي سبب من الأسباب فهم كما
قال بعض الصالحين:
لقد أدركنا أقواماً كانوا من حسناتهم أن ترد عليهم،
أشفق منكم على سيئاتكم أن تعذبوا عليها.
وفي الحديث الذي رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد
أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ هَذِهِ الآيَةِ ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾
قَالَتْ عَائِشَةُ أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ قَالَ "لاَ يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لاَ يُقْبَلَ مِنْهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ".
(2):: وحالهم حال إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام:
فقد أُمر بترك رضيعه الوحيد مع أمه في صحراء.
وأمر ببناء البيت فبناه على أكمل وجه حتى أتي بحجر فصعد عليه ليعلو البناء ويكون أليق في تقديمه لله شكرا وعرفانا.
بعد كل هذا لم يخطر في خلده أنه فعلاً عظيماً
أو كبيراً من الأمور..
فيَمُنّ به فيقول أنا فعلت وفعلت ..
بل بعد الفراغ من بناء البيت على أكمل وجه وأتمه يتمنى على الله القبول
﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ ((رَبَّنَا تَقَبَّلْ)) مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 127-128]
هما في عمل صالح، وهما يسألان الله تعالى
أن يتقبل منهما.
كما روى ابن أبي حاتم من حديث مُحَمَّدٍ بْنِ يَزِيدَ بْنِ خُنَيْسٍ الْمَكِيِّ، عَنْ وُهَيْبِ بْنِ الْوَرْدِ، قَالَ:
قَرَأَ ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ﴾
زَادَ ابْنُ خُنَيْسٍ فِي حَدِيثِهِ، ثُمَّ يَبْكِي، فَقَالَ وُهَيْبٌ: يَا خَلِيلَ الرَّحْمَنِ تَرْفَعُ قَوَائِمَ بَيْتِ الرَّحْمَنِ وَأَنْتَ مُشْفِقٌ أَنْ لا يَقْبَلَ مِنْكَ".
# ولذلكم المؤمن الحق:
هو الرباني الدائم
لا الرمضاني لا الموسمي :
حاله يستن بحال النبي صلي الله عليه وسلم
فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى قَامَ حَتَّى تَفَطَّرَ رِجْلاَهُ .
قَالَتْ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ..
فَقَالَ "يَا عَائِشَةُ أَفَلاَ أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً". مسلم.
# والرباني ليس الذي يحصي طاعاته ويعدد حسناته وعباداته:
فهذه ام المؤمنين عائِشَةَ تقول:
دَخَلَ عَلَيَّ سَائِلٌ مَرَّةً وَعِنْدِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرْتُ لَهُ بِشَىْءٍ
ثُمَّ دَعَوْتُ بِهِ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "أَمَا تُرِيدِينَ أَنْ لاَ يَدْخُلَ بَيْتَكِ شَىْءٌ
وَلاَ يَخْرُجَ إِلاَّ بِعِلْمِكِ". قُلْتُ نَعَمْ.
قَالَ "مَهْلاً يَا عَائِشَةُ لاَ تُحْصِى فَيُحْصِىَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكِ". رواه البخاري ورواه مسلم، والنسائي في "السنن الكبرى" واللفظ له، وأحمد، والبغوي في "شرح السنة"، والبيهقي في "السنن الكبرى".
لا تحصي فيحصي الله عليك: أي:
لا تعدي ما تتصدقين به وتجمعينه، فيحصي الله ما يعطيك ويَعُدُّهُ عليك، ..
فلا تقل صمت كذا وصليت كذا فيقال لك من الله كذا وكذا...... من النعم والفضل التي لا تحصي.
تخيل أن شخصاً له عندك ملايين وأنت تسددها ريالاً بعد ريال..
فهل تعطي له الريال كل يوم في تبجح وعجب ومنٍّ منك عليه..
أم أنك تعطية بعينٍ منكسرة..
وفي تواضع وخجلٍ جمٍّ؟
هكذا صلاتنا وصيامنا وحالنا مع الله
تبارك وتعالى.
ولذلكم
من تأمل أحوال الصحابة وجدهم في قمة العمل مع قمة الخوف من عدم القبول..
ونحن جمعنا بين التقصير بل التفريط والأمن.
-فهذا أبى بكر الصديق يقول:
وددت أنى شعرة فى جنب عبد مؤمن..
(أحمد فى الزهد)
- وكان يبكي رضى الله عنه كثيرا ويقول ابكوا وإن لم تبكوا فتباكوا ولما احتضر قال لعائشة:
يا بنية إني أصبت من مال المسلمين هذه العباءة وهذه الحلاب وهذا العبد فأسرعي به إلى ابن الخطاب.
- وأخرج أحمد في الزهد والنسائي والبيهقي ومَالِكٌ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ اطَّلَعَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَهُوَ يَمُدُّ لِسَانَهُ، فَقَالَ: مَا صَنَعَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ؟ فَقَالَ:إِنَّ هَذَا أَوْرَدَنِي الْمَوَرِادَ:
إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم قَالَ:
لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْجَسَدِ إِلاَّ وَهُوَ يَشْكُو ذَرَبَ اللِّسَانِ. وصححه الألباني.
- وهذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -
قرأ سورة الطور إلى أن بلغ قوله
﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ ﴾ [الطور: 7]
فبكى، واشتد بكاؤه، حتى مرض وعادوه.
- وقال لابنه وهو في سياق الموت:
ويحك! ضع خدي على الأرض؛
عساه ربي أن يرحمني. ثم قال:
ويلي وويل أمي إن لم يغفر لي ربي...
- وهذا عثمان بن عفان - رضي الله عنه -
كان إذا وقف على القبر؛ يبكى حتى تبتل لحيته ..
وهو القائل:
لو أنني بين الجنة والنار، ولا أدري إلى أيتهما يؤمر بي لاخترت أن أكون رماداً قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير ..
أخرجه: أحمد في الزهد.
- وهذا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وبكاؤه وخوفه، وكان يشتد خوفه من اثنتين:
طول الأمل، واتباع الهوى. ..
قال: فأما طول الأمل فينسي الآخرة،
وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق،..
ألا وإن الدنيا قد ولت مدبرة، والآخرة قد أسرعت مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون،
فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل.
أخرجه: أحمد في الزهد.
- وقال أبو عبيدة عامرُ بن الجراح:
وددت أني كنت كبشاً، فذبحني أهلي،
وأكلوا لحمي وحسوا مرقي ..
أخرجه: أحمد في الزهد.
- وذهب بعض الصالحين لزيارة شيخ لهم وهو مريض مرض الموت فوجدوه يبكي، فقالوا له:
لم تبكي؟ وقد وفقك الله للصالحات,
كم صليتَ وكم صمتَ وكم تصدقتَ وكم حججتَ وكم اعتمرتَ؟
فقال لهم:
وما يدريني أن شيئاً من هذا قد قُبل والله تعالى يقول: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27] وما يدريني أنِّي منهم.
(( هذا هو الصنف الاول الذي صام رمضان واطاع خالقه ومع ذلك يخاف عدم القبول ))
٢- أما الصنف الثاني
فهو صنف كان قبل رمضان في غفلة وسهو ولعب وشرود وضياع وقسوه ..
ولما جاء رمضان كان فيه مجتهداً في الطاعة .
فلا تقع عيناك عليه:
إلا ساجداً أو قائماً أو تالياً للقرآن أو باكياً
حتى ليكاد يُذكرك ببعض عبّاد السلف، حتى إنك لتشفق عليه من شدة اجتهاده ونشاطه.
وما أن ينقضي الشهر الفضيل حتى يعود إلى التفريط والمعاصي..
كأنه كان سجيناً بالطاعات فينكب على الشهوات والغفلات والهفوات يظن أنها تبدد همومه وغمومه ..
متناسياً هذا المسكين أن المعاصي سبب الهلاك.
لأن الذنوب جراحات ورب جرح وقع في مقتل،
فكم من معصية حرمت عبداً من كلمة لا إله إلا الله في سكرات الموت.
فبعد أن عاش هذا شهراً كاملاً مع الإيمان والقرآن وسائر القربات..
يعود إلى الوراء منتكساً،ولا حول ولا قوة إلا بالله،
وهؤلاء هم عبّاد المواسم .
هؤلاء كما قيل عنهم عبّاد رمضان
وبئس القوم هؤلاء الذين لا يعرفون الله تعالى
إلا في المواسم أوفي النقمة أو في الضائقة
او في الشده والكرب فإذا ما ذهبت
ذهبت الطاعة مولية ..
ويا ترى ما الفائدة إذن من عبادة شهر كامل
إن أتبعتها بعودة إلى السلوك الشائن؟
فلهؤلاء وأمثالهم واشباههم نقول لهم :
من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد ولي وانقضي ..
ومن كان يعبد الله فإن الله باق دائم لا يتغير ..
﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [النحل: 92] قال عبدالله بن كثير، والسدّي:
هذه امرأة خرقاء كانت بمكة، كلما غزلت شيئا نقضته بعد إبرامه.
وقال مجاهد، وقتادة، وابن زيد:
هذا مثل لمن نقض عهده بعد توكيده.
وهذا القول أرجح وأظهر.
- فالذي كان يتلو القرآن ثم هجره بعد رمضان فقد نقض غزله وخان عهده مع الله ..
- ومن وصل رحمه في رمضان ثم قطعها بعد رمضان فقد نقض غزله وخان عهده مع الله..
نعم ايها الاحباب الكرام
/ هذه الوجوه التي سجدت لله في رمضان
تنتبه ان تتجه لغير الله بعد رمضان.
/ وهذه البطون التي صامت عن الحلال في رمضان..
يجب أن تصوم عن أكل الحرام بعد رمضان.
/ وهذه العيون التي بكت من خشية الله في رمضان ..
يجب أن تمتنع عن النظر إلى الحرام
بعد رمضان.
/ هذه الأقدام التي سعت إلى المساجد..
يجب ألا تسعى في الفساد والإفساد في الأرض بعد رمضان.
/ هذه الأيدي التي كانت ممراً لعطاء الله تنفق وتعطي في رمضان ..
يجب أن لا تبطش وتسرق وتختلس وترتشي
بعد رمضان.
وإن كان رمضان قد مضي طيف خيال .
فالله حي لا يدركه زوال..
فلِمَ ننقطع عن العبادة ونهجر المساجد
ونهجر القرآن بعد رمضان ..
وخذوها مني واضحه ساطعه كالشمس:
(( الانقطاع دليل على عدم القبول ))
يقول كعب - رضى الله عنه -:
مَن صام رمضان وهو يحدِّث نفسه أنه إذا خرج رمضان عصى ربه؛ فصيامه عليه مردود، وباب التوفيق في وجهه مسدود.
ولمَّا سُئِل بشر الحافي- رحمه الله -
عن أناس يتعبدون في رمضان ويجتهدون،
فإذا انسلخ رمضانُ تركوا، قال:
بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان!
فليس معني انقضاء رمضان هو انقضاء الطاعة وانتهاء الصوم والصلاة وأعمال البر..
وليس معناه فك القيود وتقطيع السلاسل.
نعم
لقد رحل عنا رمضان... وما رحل...
نعم ما رحل عنا رمضان...
- رحل رمضان بأيامه ولياليه...
وما رحل رمضان بروحه ومعانيه..
- رحل رمضان جسداً ...وما رحل عنا روحاً..
- رحل رمضان.... وما رحل الصيام ولا القيام
ولا القرآن ...
فلقد تعلمنا منه الكثير والكثير .
- فيا من تذوقت حلاوة الإيمان وعرفت فضل الأعمال في رمضان .
داوم عليه ولازمها ولا تتركها بعد رمضان.
- ويا من كنت لا تحافظ على الصلاة ووفقك الله للصلاة والمحافظة عليها إياك أن تضيعها.
واسمع للحبيب من حديث جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ
"إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاَةِ". رواه مسلم.
- ويا من عرفت طريق القيام في رمضان وتذوقت حلاوة المناجاة ..
لا تحرم نفسك ولو ركعتين قبل أن تنام ..
واسمع للحبيب من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
"يا محمد عش ما شئت فإنك ميت،
واعمل ما شئت فإنك مجزي به ،
وأحبب من شئت فإنك مفارقه ،
واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل ،
وعزه استغناؤه عن الناس" رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن صحيح الترغيب والترهيب - الألباني.
- ويا من فتحت المصحف وعشت في رحابه في رمضان .
لا تغلقه بعد رمضان ..
أترضي أن يشكوك رسول الله إلى ربه يوم القيامة ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان: 30].
نعم
إياك إياك ان تتخلى عن طاعتك لمولاك.
ولا تنس ان الشيطان الذي كان مكبلاً لمدة شهر.
وكان عاجزا عن غوايتك يستشيط غضباً بطاعتك..
يتوعدك بعد رمضان بالكيد والغواية والوقوع في الضلال والمعصية
﴿ قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [الحجر: 39 -40].
﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [ص: 82-83].
﴿ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ﴾ [سبأ: 20-21].
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم
واستغفروا لي ولكم انه هو الغفور الرحيم..
الخطبه الثانيه:
ثم امابعد:
صُنفَ الناس بعد رمضان الى ثلاثه أصناف:
ذكرنا لكم الصنف الاول الذي كان قبل رمضان على خير وعباده وطاعه ولما دخل عليه رمضان اجتهد وجد وكان اكثر نشاطاً وإقبالاً..
وما ان رحل رمضان خاف عدم القبول
وهذا هو حال المؤمنين الصادقين ..
والصنف الثاني :
كان قبل رمضان في غفله وقسوه وبُعد عن الله وشرود وذنوب ومعاصي..
ولما دخل عليه رمضان اجتهد وصلى وصام وقام وركع وسجد وسبح وقرأ وتلى واستغفر..
ولما رحل رمضان عاد الى طريقه السابق في البعد والغي والتقصير...
٣- والان نحن عند الصنف الثالث
وهم قومٌ دخل عليهم رمضان وحالهم حالهم .
لم يتغير منهم شيء..
ولم يتجدد فيهم شيء..
بل ربما زادت آثامهم..
وعظمت ذنوبهم ..
واسودت صحائفهم ..
وهؤلاء صدق فيهم قول النبي صلي الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي وأحمد وأخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وصححه الألباني..
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
"رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ ..
وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ ..
وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلاَهُ الْجَنَّةَ".
فهؤلاء خسروا رمضان وخسرهم..
وهو حجة عليهم..
وشاهد عليهم...
وصومهم مردود ، وسعيهم مردود.
فاختر لنفسك ممن تكون ؟؟؟
ومن أي صنف أنت ومع من تحشر يوم القيامة.
والله نسأل أن نكون ممن يحبهم الله ويرضى
عنهم وأن نكون من أوليائه ومن حزبه.
وان يجعلنا من عباده المتقين الذين قُبل منهم صيامهم وقيامهم وصدقاتهم وقرآءاتهم.
والله العظيم الكريم الجليل اسأل ان يرزقنا الاستقامة والطاعه والعباده في كل الأزمان في رمضان وفي غير رمضان وان يعيده علينا اعواماً عديده وازمنهً مديده ونحن في صحهٍ وعافيه...
هذا واعلموا ان الله قد أمركم بأمرٍ بدأ نفسه،
وثَنى به ملائكته المسبحة بقُدسه،
وثَلّثَ بكم أيها المؤمنون من جِنّه وإنسه، فقال
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
-----------------------------------
اللهم اجعلها صدقهً جاريهً لي ولوالدتي المرحومه..
وأنفع بها عبادك المسلمين اجمعين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
------------------------------------
وأصناف الناس بعده!!!
إعداد وإلقاء...
الاستاذ/ احمد عبدالله صالح
خطيب مسجد بلال بن رباح/
الجمهوريه اليمنيه - محافظه إب .
ألقيت في 7يوليو 2017م
الموافق 13شوال 1438هـ
ثم امابعد
معاشر المسلمين:
انتهى رمضان. وانقضت اياامه .. فهل تصدقون؟!
أم أنكم مثلي تتعجبون ولا تصدقون في لمح البصر وفي غمضه عين غادرنا ضيفنا الكريم..
ولكن هذه طبيعة الأيام،
وهذه سنة الله في كونه التى لا تتبدل...
( الكل راحل )
وها هو رمضان يؤكد ويرحل عنا ..
وحينما نتدبر نجد أن الدقائق هي التي تذهب
من أعمارنا ببعض أعمارنا ..
حتى يحين الأجل الذي لا يتأجل،
ويبقى الله ذو الجلال والإكرام.
نعم/
- تذهب الساعات والأيام من حياتنا..
ويبقى الله خالق الزمان والمكان.
- وتذهب الشهور والسنون والاعواام.
ويبقى الله رب الشهور والسنين والأعوام.
- يذهب رمضان بعدد لياليه وأيامه..
وتبقى بركته والرصيد من الحسنات التي حصلها الصالحون المجدون من أهل الصبر والصلاة والصيام والقيام...
- ويذهب الجاه والمنصب والمال..
ويبقى ما عند الله.
"ما عندكم ينفد وما عند الله باق "
- يذهب الولد والوالد والأحبة.
ويبقى الله رب الناس ورب العالمين.
كل شيء يفنى
(ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام).
نعم
رمضان سوق انتصب ثم انفض ..
ربح فيه الرابحون الصائمون القائمون الذاكرون السابقون بالخيرات..
وخسر فيه الغافلون والساهون اللاهون.
وها قد عدنا إلى حياتنا كما كانت قبل رمضان، فكيف سيكون حالنا بعد رمضان؟
هل سنواظب على عبادتنا الرمضانية !!؟
أم على بعضٍ منها؟
أم سنحيل أيامنا صحراء مجدبة..
وأرضاً قاحلة من العبادة والصلة الوثيقة
بالله تعالى؟
هي حقيقه انه كثيراً ما يشعر الناس بكسلٍ وفتور بعد انقضاء الطاعات ولاسيما بعد شهر رمضان المبارك...
وما إن يُلملم رمضان رحاله إلا:-
- وُأغلقت المصاحف....
- وجفت العيون....
- وطويت سجاجيد الصلاة....
- وسكتت الألسن التي طالما لهجت بذكر الله..
- وبَشمت البطون التي طالما جاعت حسبة لله..
- وابتلت العروق التي طالما تشققت تطلعا لما عند الله.
وهذا ربما يكون من النفس التي تميل إلى الراحة والدعة أو من الشيطان.
وعندما نُحدث الناس عن صيام ستة أيام من شوال عَنُْ أَبِى أَيُّوبَ الأَنْصَارِىِّ - رضى الله عنه - أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ". رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
فبعض الناس يقول وهو يمُنُّ في عبادته :
( كفاية أننا صمنا رمضان )
وتسمع كلاما يدل على أنهم يمتنون على الله بصيامهم .
ويظن الواحد منهم:
+ وكأنة كان في غزوة غزاها مع رسول الله وخالد بن الوليد ..
+ وكأن كل واحد منهم قد حصل على صك الغفران..
+ أو كأنه طاف حول البيت وصلى خلف المقام ركعتين ...
+ أو كأنه سمع بكلتا أذنيه هاتفا يقول له:
اعمل ما شئت فقد غُفر لك،
ولا تضرك بعد اليوم معصية.
فلقد صام ثلاثين يوماً وقام ثلاثين ليلة
وتصدق وعبد، وفعل، وفعل.
فإلى هؤلاء، وإلى من صام وقام ودعا وخشع وبكي وتذلل وتصدق وفعل الخير إيماناً واحتساباً
إلى هؤلاء جمعاً هذه الكلمات.
أصناف الناس بعد رمضان ثلاثه
وكل واحد يرى اينّ هو ؟؟
وإلى اي الأصناف ينتمي..:-
١- الصنف الأول:
(( قوم كانوا على خيرٍ وطاعة قبل رمضان ))
فلما جاء رمضان كانوا على نشاط وجد
واجتهاد في العبادة:-
(( قراءة قرآن،صيام، قيام، ذكر، صلة الأرحام، صلاة في المسجد، صلاة الفجر، تحري للحلال ولكل ما يرضي الله عز وجل.))
فإذا ذهب رمضان يتألمون على فراقه ..
= لأنهم ذاقوا حلاوة العافية فهانت عليهم مرارة الصبر.
= لأنهم عرفوا حقيقة ذواتهم وضعفها وفقرها إلى مولاها وطاعته.
= لأنهم صاموا حقاً وقاموا شوقاً.
ولهذا لوداع رمضان دموعهم تتدفق..
وقلوبهم تشفق..
وحالهم بعد الصيام والقيام والطاعات في شهر الصوم بين الخوف وبين الرجاء ..
حالهم كما قال الله عز وجل:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ *
وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ *
وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ *
أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 57-1).
أي:
هم مع إحسانهم وإيمانهم وعملهم الصالح، مشفقون من الله خائفون منه، وجلون من مكره بهم.
يقول ابن كثير رضي الله عنه في تفسير
هذه الايه :
أي:
يعطون العطاء وهم خائفون ألا يتقبل منهم، لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشروط الإعطاء...
ويقول صاحب الظلال في ظلاله:
المؤمنون يُشفقون من ربهم خشيةً وتقوى..
وهم يؤمنون بآياته، ولا يشركون به.
وهم ينهضون بتكاليفهم وواجباتهم.
وهم يأتون من الطاعات ما استطاعوا..
ولكنهم بعد هذا كله:
﴿ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾
لإحساسهم بالتقصير في جانب الله،
بعد أن بذلوا ما في طوقهم، وهو في نظرهم قليل.
وهؤلاء هم الذين يسارعون في الخيرات،
وهم الذين يسبقون لها فينالونها في الطليعة،
بهذه اليقظة، وبهذا التطلع، وبهذا العمل،
وبهذه الطاعة.
انهم يعطون ما يعطون من الصدقات وغيرها من ألوان البر..
ومع ذلك فإن قلوبهم خائفة أن لا يقبل منهم هذا العطاء، لأي سبب من الأسباب فهم كما
قال بعض الصالحين:
لقد أدركنا أقواماً كانوا من حسناتهم أن ترد عليهم،
أشفق منكم على سيئاتكم أن تعذبوا عليها.
وفي الحديث الذي رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد
أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ هَذِهِ الآيَةِ ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾
قَالَتْ عَائِشَةُ أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ قَالَ "لاَ يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لاَ يُقْبَلَ مِنْهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ".
(2):: وحالهم حال إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام:
فقد أُمر بترك رضيعه الوحيد مع أمه في صحراء.
وأمر ببناء البيت فبناه على أكمل وجه حتى أتي بحجر فصعد عليه ليعلو البناء ويكون أليق في تقديمه لله شكرا وعرفانا.
بعد كل هذا لم يخطر في خلده أنه فعلاً عظيماً
أو كبيراً من الأمور..
فيَمُنّ به فيقول أنا فعلت وفعلت ..
بل بعد الفراغ من بناء البيت على أكمل وجه وأتمه يتمنى على الله القبول
﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ ((رَبَّنَا تَقَبَّلْ)) مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 127-128]
هما في عمل صالح، وهما يسألان الله تعالى
أن يتقبل منهما.
كما روى ابن أبي حاتم من حديث مُحَمَّدٍ بْنِ يَزِيدَ بْنِ خُنَيْسٍ الْمَكِيِّ، عَنْ وُهَيْبِ بْنِ الْوَرْدِ، قَالَ:
قَرَأَ ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ﴾
زَادَ ابْنُ خُنَيْسٍ فِي حَدِيثِهِ، ثُمَّ يَبْكِي، فَقَالَ وُهَيْبٌ: يَا خَلِيلَ الرَّحْمَنِ تَرْفَعُ قَوَائِمَ بَيْتِ الرَّحْمَنِ وَأَنْتَ مُشْفِقٌ أَنْ لا يَقْبَلَ مِنْكَ".
# ولذلكم المؤمن الحق:
هو الرباني الدائم
لا الرمضاني لا الموسمي :
حاله يستن بحال النبي صلي الله عليه وسلم
فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى قَامَ حَتَّى تَفَطَّرَ رِجْلاَهُ .
قَالَتْ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ..
فَقَالَ "يَا عَائِشَةُ أَفَلاَ أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً". مسلم.
# والرباني ليس الذي يحصي طاعاته ويعدد حسناته وعباداته:
فهذه ام المؤمنين عائِشَةَ تقول:
دَخَلَ عَلَيَّ سَائِلٌ مَرَّةً وَعِنْدِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرْتُ لَهُ بِشَىْءٍ
ثُمَّ دَعَوْتُ بِهِ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "أَمَا تُرِيدِينَ أَنْ لاَ يَدْخُلَ بَيْتَكِ شَىْءٌ
وَلاَ يَخْرُجَ إِلاَّ بِعِلْمِكِ". قُلْتُ نَعَمْ.
قَالَ "مَهْلاً يَا عَائِشَةُ لاَ تُحْصِى فَيُحْصِىَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكِ". رواه البخاري ورواه مسلم، والنسائي في "السنن الكبرى" واللفظ له، وأحمد، والبغوي في "شرح السنة"، والبيهقي في "السنن الكبرى".
لا تحصي فيحصي الله عليك: أي:
لا تعدي ما تتصدقين به وتجمعينه، فيحصي الله ما يعطيك ويَعُدُّهُ عليك، ..
فلا تقل صمت كذا وصليت كذا فيقال لك من الله كذا وكذا...... من النعم والفضل التي لا تحصي.
تخيل أن شخصاً له عندك ملايين وأنت تسددها ريالاً بعد ريال..
فهل تعطي له الريال كل يوم في تبجح وعجب ومنٍّ منك عليه..
أم أنك تعطية بعينٍ منكسرة..
وفي تواضع وخجلٍ جمٍّ؟
هكذا صلاتنا وصيامنا وحالنا مع الله
تبارك وتعالى.
ولذلكم
من تأمل أحوال الصحابة وجدهم في قمة العمل مع قمة الخوف من عدم القبول..
ونحن جمعنا بين التقصير بل التفريط والأمن.
-فهذا أبى بكر الصديق يقول:
وددت أنى شعرة فى جنب عبد مؤمن..
(أحمد فى الزهد)
- وكان يبكي رضى الله عنه كثيرا ويقول ابكوا وإن لم تبكوا فتباكوا ولما احتضر قال لعائشة:
يا بنية إني أصبت من مال المسلمين هذه العباءة وهذه الحلاب وهذا العبد فأسرعي به إلى ابن الخطاب.
- وأخرج أحمد في الزهد والنسائي والبيهقي ومَالِكٌ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ اطَّلَعَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَهُوَ يَمُدُّ لِسَانَهُ، فَقَالَ: مَا صَنَعَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ؟ فَقَالَ:إِنَّ هَذَا أَوْرَدَنِي الْمَوَرِادَ:
إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم قَالَ:
لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْجَسَدِ إِلاَّ وَهُوَ يَشْكُو ذَرَبَ اللِّسَانِ. وصححه الألباني.
- وهذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -
قرأ سورة الطور إلى أن بلغ قوله
﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ ﴾ [الطور: 7]
فبكى، واشتد بكاؤه، حتى مرض وعادوه.
- وقال لابنه وهو في سياق الموت:
ويحك! ضع خدي على الأرض؛
عساه ربي أن يرحمني. ثم قال:
ويلي وويل أمي إن لم يغفر لي ربي...
- وهذا عثمان بن عفان - رضي الله عنه -
كان إذا وقف على القبر؛ يبكى حتى تبتل لحيته ..
وهو القائل:
لو أنني بين الجنة والنار، ولا أدري إلى أيتهما يؤمر بي لاخترت أن أكون رماداً قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير ..
أخرجه: أحمد في الزهد.
- وهذا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وبكاؤه وخوفه، وكان يشتد خوفه من اثنتين:
طول الأمل، واتباع الهوى. ..
قال: فأما طول الأمل فينسي الآخرة،
وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق،..
ألا وإن الدنيا قد ولت مدبرة، والآخرة قد أسرعت مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون،
فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل.
أخرجه: أحمد في الزهد.
- وقال أبو عبيدة عامرُ بن الجراح:
وددت أني كنت كبشاً، فذبحني أهلي،
وأكلوا لحمي وحسوا مرقي ..
أخرجه: أحمد في الزهد.
- وذهب بعض الصالحين لزيارة شيخ لهم وهو مريض مرض الموت فوجدوه يبكي، فقالوا له:
لم تبكي؟ وقد وفقك الله للصالحات,
كم صليتَ وكم صمتَ وكم تصدقتَ وكم حججتَ وكم اعتمرتَ؟
فقال لهم:
وما يدريني أن شيئاً من هذا قد قُبل والله تعالى يقول: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27] وما يدريني أنِّي منهم.
(( هذا هو الصنف الاول الذي صام رمضان واطاع خالقه ومع ذلك يخاف عدم القبول ))
٢- أما الصنف الثاني
فهو صنف كان قبل رمضان في غفلة وسهو ولعب وشرود وضياع وقسوه ..
ولما جاء رمضان كان فيه مجتهداً في الطاعة .
فلا تقع عيناك عليه:
إلا ساجداً أو قائماً أو تالياً للقرآن أو باكياً
حتى ليكاد يُذكرك ببعض عبّاد السلف، حتى إنك لتشفق عليه من شدة اجتهاده ونشاطه.
وما أن ينقضي الشهر الفضيل حتى يعود إلى التفريط والمعاصي..
كأنه كان سجيناً بالطاعات فينكب على الشهوات والغفلات والهفوات يظن أنها تبدد همومه وغمومه ..
متناسياً هذا المسكين أن المعاصي سبب الهلاك.
لأن الذنوب جراحات ورب جرح وقع في مقتل،
فكم من معصية حرمت عبداً من كلمة لا إله إلا الله في سكرات الموت.
فبعد أن عاش هذا شهراً كاملاً مع الإيمان والقرآن وسائر القربات..
يعود إلى الوراء منتكساً،ولا حول ولا قوة إلا بالله،
وهؤلاء هم عبّاد المواسم .
هؤلاء كما قيل عنهم عبّاد رمضان
وبئس القوم هؤلاء الذين لا يعرفون الله تعالى
إلا في المواسم أوفي النقمة أو في الضائقة
او في الشده والكرب فإذا ما ذهبت
ذهبت الطاعة مولية ..
ويا ترى ما الفائدة إذن من عبادة شهر كامل
إن أتبعتها بعودة إلى السلوك الشائن؟
فلهؤلاء وأمثالهم واشباههم نقول لهم :
من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد ولي وانقضي ..
ومن كان يعبد الله فإن الله باق دائم لا يتغير ..
﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [النحل: 92] قال عبدالله بن كثير، والسدّي:
هذه امرأة خرقاء كانت بمكة، كلما غزلت شيئا نقضته بعد إبرامه.
وقال مجاهد، وقتادة، وابن زيد:
هذا مثل لمن نقض عهده بعد توكيده.
وهذا القول أرجح وأظهر.
- فالذي كان يتلو القرآن ثم هجره بعد رمضان فقد نقض غزله وخان عهده مع الله ..
- ومن وصل رحمه في رمضان ثم قطعها بعد رمضان فقد نقض غزله وخان عهده مع الله..
نعم ايها الاحباب الكرام
/ هذه الوجوه التي سجدت لله في رمضان
تنتبه ان تتجه لغير الله بعد رمضان.
/ وهذه البطون التي صامت عن الحلال في رمضان..
يجب أن تصوم عن أكل الحرام بعد رمضان.
/ وهذه العيون التي بكت من خشية الله في رمضان ..
يجب أن تمتنع عن النظر إلى الحرام
بعد رمضان.
/ هذه الأقدام التي سعت إلى المساجد..
يجب ألا تسعى في الفساد والإفساد في الأرض بعد رمضان.
/ هذه الأيدي التي كانت ممراً لعطاء الله تنفق وتعطي في رمضان ..
يجب أن لا تبطش وتسرق وتختلس وترتشي
بعد رمضان.
وإن كان رمضان قد مضي طيف خيال .
فالله حي لا يدركه زوال..
فلِمَ ننقطع عن العبادة ونهجر المساجد
ونهجر القرآن بعد رمضان ..
وخذوها مني واضحه ساطعه كالشمس:
(( الانقطاع دليل على عدم القبول ))
يقول كعب - رضى الله عنه -:
مَن صام رمضان وهو يحدِّث نفسه أنه إذا خرج رمضان عصى ربه؛ فصيامه عليه مردود، وباب التوفيق في وجهه مسدود.
ولمَّا سُئِل بشر الحافي- رحمه الله -
عن أناس يتعبدون في رمضان ويجتهدون،
فإذا انسلخ رمضانُ تركوا، قال:
بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان!
فليس معني انقضاء رمضان هو انقضاء الطاعة وانتهاء الصوم والصلاة وأعمال البر..
وليس معناه فك القيود وتقطيع السلاسل.
نعم
لقد رحل عنا رمضان... وما رحل...
نعم ما رحل عنا رمضان...
- رحل رمضان بأيامه ولياليه...
وما رحل رمضان بروحه ومعانيه..
- رحل رمضان جسداً ...وما رحل عنا روحاً..
- رحل رمضان.... وما رحل الصيام ولا القيام
ولا القرآن ...
فلقد تعلمنا منه الكثير والكثير .
- فيا من تذوقت حلاوة الإيمان وعرفت فضل الأعمال في رمضان .
داوم عليه ولازمها ولا تتركها بعد رمضان.
- ويا من كنت لا تحافظ على الصلاة ووفقك الله للصلاة والمحافظة عليها إياك أن تضيعها.
واسمع للحبيب من حديث جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ
"إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاَةِ". رواه مسلم.
- ويا من عرفت طريق القيام في رمضان وتذوقت حلاوة المناجاة ..
لا تحرم نفسك ولو ركعتين قبل أن تنام ..
واسمع للحبيب من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
"يا محمد عش ما شئت فإنك ميت،
واعمل ما شئت فإنك مجزي به ،
وأحبب من شئت فإنك مفارقه ،
واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل ،
وعزه استغناؤه عن الناس" رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن صحيح الترغيب والترهيب - الألباني.
- ويا من فتحت المصحف وعشت في رحابه في رمضان .
لا تغلقه بعد رمضان ..
أترضي أن يشكوك رسول الله إلى ربه يوم القيامة ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان: 30].
نعم
إياك إياك ان تتخلى عن طاعتك لمولاك.
ولا تنس ان الشيطان الذي كان مكبلاً لمدة شهر.
وكان عاجزا عن غوايتك يستشيط غضباً بطاعتك..
يتوعدك بعد رمضان بالكيد والغواية والوقوع في الضلال والمعصية
﴿ قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [الحجر: 39 -40].
﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [ص: 82-83].
﴿ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ﴾ [سبأ: 20-21].
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم
واستغفروا لي ولكم انه هو الغفور الرحيم..
الخطبه الثانيه:
ثم امابعد:
صُنفَ الناس بعد رمضان الى ثلاثه أصناف:
ذكرنا لكم الصنف الاول الذي كان قبل رمضان على خير وعباده وطاعه ولما دخل عليه رمضان اجتهد وجد وكان اكثر نشاطاً وإقبالاً..
وما ان رحل رمضان خاف عدم القبول
وهذا هو حال المؤمنين الصادقين ..
والصنف الثاني :
كان قبل رمضان في غفله وقسوه وبُعد عن الله وشرود وذنوب ومعاصي..
ولما دخل عليه رمضان اجتهد وصلى وصام وقام وركع وسجد وسبح وقرأ وتلى واستغفر..
ولما رحل رمضان عاد الى طريقه السابق في البعد والغي والتقصير...
٣- والان نحن عند الصنف الثالث
وهم قومٌ دخل عليهم رمضان وحالهم حالهم .
لم يتغير منهم شيء..
ولم يتجدد فيهم شيء..
بل ربما زادت آثامهم..
وعظمت ذنوبهم ..
واسودت صحائفهم ..
وهؤلاء صدق فيهم قول النبي صلي الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي وأحمد وأخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وصححه الألباني..
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
"رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ ..
وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ ..
وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلاَهُ الْجَنَّةَ".
فهؤلاء خسروا رمضان وخسرهم..
وهو حجة عليهم..
وشاهد عليهم...
وصومهم مردود ، وسعيهم مردود.
فاختر لنفسك ممن تكون ؟؟؟
ومن أي صنف أنت ومع من تحشر يوم القيامة.
والله نسأل أن نكون ممن يحبهم الله ويرضى
عنهم وأن نكون من أوليائه ومن حزبه.
وان يجعلنا من عباده المتقين الذين قُبل منهم صيامهم وقيامهم وصدقاتهم وقرآءاتهم.
والله العظيم الكريم الجليل اسأل ان يرزقنا الاستقامة والطاعه والعباده في كل الأزمان في رمضان وفي غير رمضان وان يعيده علينا اعواماً عديده وازمنهً مديده ونحن في صحهٍ وعافيه...
هذا واعلموا ان الله قد أمركم بأمرٍ بدأ نفسه،
وثَنى به ملائكته المسبحة بقُدسه،
وثَلّثَ بكم أيها المؤمنون من جِنّه وإنسه، فقال
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
-----------------------------------
اللهم اجعلها صدقهً جاريهً لي ولوالدتي المرحومه..
وأنفع بها عبادك المسلمين اجمعين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
------------------------------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق